تثور عادة في كل عام قبل توقيت إعلان نوبل تعليقات وتنبؤات حول احتمالات فوز أديب عربي آخر بنوبل للأدب التي لم تمنح لأديب عربي بعد محفوظ رغم مرور 30 عاما حتى الآن على نوبل محفوظ التي حصل عليها عام 1988.
والحقيقة أن الموضوع أصبح مثيرا للتأمل خصوصا أن الأدب العربي بعد 30 عاما من أول نوبل عربية لا يبدو أنه تحرك كثيرا من موقعه الهامشي في خارطة الأدب العالمي، رغم أن هناك بالتأكيد حالة ملحوظة من الانتعاش لتجارب فردية عشوائية أدت إلى ترجمة أعمال عربية عديدة للغات الغربية خلال العقد الأخير، مع ذلك فهي لا تزال تمثل استمرارا لحالة اهتمام خجولة بالأدب العربي في العالم بعد نوبل.
لكن أعتقد أن الموضوع يحتاج تأمل من أكثر من زاوية.
أولا أن نوبل محفوظ تعد أول نوبل عربية في الآداب، لكنها تعد متأخرة جدا بالنسبة لمنجز الأدب العربي المعاصر حيث أنها تجاهلت أسماء مهمة من السابقين على نجيب محفوظ في إنجازهم على الأقل مثل أحمد شوقي وتوفيق الحكيم وطه حسين على سبيل المثال.
ثانيا أن نوبل محفوظ لها اعتبار آخر كثاني نوبل إفريقية في الأدب، إذ سبقه إليها الكاتب النيجيري وول سينيكا عام 1986، وأعقبه بالفوز بها من جنوب إفريقيا كل من نادين جورديمر، عام 1991، ثم جون ماكسويل كويتزي 2003.
فهي تقريبا جاءت كخطوة مترددة في موجة انتباه من الجائزة للأدب الإفريقي بشكل ما، رغم أن أربعة جوائز نوبل من القارة الإفريقية لا يمكن أن تعكس حالة الأدب الإفريقي الذي يعاني من الهامشية مثله في ذلك مثل الأدب العربي.
ثالثا: جائزة نوبل في النهاية هي جائزة منحازة تماما لأوروبا وأمريكا، حتى لو كانت هناك مبررات موضوعية لتفوق هذه المنطقة في العلوم بشكل عام وفي الأدب أيضا، إذ أنه من بين ما يقرب من ألف جائزة نوبل قدمتها الجائزة منذ نشأتها في العام 1901، وحتى اليوم في كل الفروع، فإن الولايات المتحدة وحدها حازت على 370 جائزة، مقابل 471 جائزة للدول الغربية في أوروبا تتوزع نصفها تقريبا على كل من بريطانيا وألمانيا وفرنسا: 120، 104، 67 على التوالي.
أما إفريقيا فإنها لم تحصل على الجائزة في كافة الفروع إلا 16 مرة فقط، وهذه فقط إشارات سريعة لبيان حجم المركزية في تقديرات وعمل الجائزة.
لكن أيضا وحتى لا نستسلم للإحساس بالمؤامرة علينا أن نعترف أن هناك بعض الثقافات ذات الطابع الهامشي أو لنقل من خارج منظومة المركزية الأوروبية، محدودة العدد حصلت على الجائزة على استحياء أيضا مرة أو اثنتين لكنها استثمرتها بشكل لافت في زيادة الاهتمام بآدابها بالترجمة ثم بالاهتمام من المركز الأوربي بالتالي، مثل الصين، واليابان وتركيا ومن قبلها جميعا أمريكا اللاتينية.
فاللافت مثلا أن حجم ما حصلت عليه أمريكا اللاتينية من جوائز نوبل هو 19 جائزة، حظ الأدب فيها قليل جدا بالمناسبة، ولكن الاهتمام بأدب أمريكا اللاتينية في الحقيقة بلغ حدا كبيرا من الاهتمام في أرجاء العالم خصوصا منذ حصول الأديب الكولمبي ماركيز على الجائزة في العام 1982.
لكن طبعا كان هناك اختلاف في الظروف، فقد جاءت جائزة ماركيز نتيجة حركة نشطة من الترجمة عن الإسبانية التي تعد إحدى لغات المركز الأوروبي لظاهرة أدبية قوية بدأت في الستينات وشاعت في السبعينات عرفت باسم Boom Latinoamericano ،
البوم الأمريكي اللاتيني (بالإسبانية: Boom latinoamericano) ظاهرة أدبية ظهرت في أمريكا اللاتينية في ستينات وسبعينات القرن العشرين في الأدب بوجه عام والرواية على وجه الخصوص. وشكلت الحركة حدثًا أدبيًا هامّا ونقلة نوعية جديدة في عالم الخلق والإبداع الأدبي عندما نُشرت أعمال مجموعة من الروائيين الشباب نسبيًا من مختلف بلدان أمريكا اللاتينية على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم. ارتبط مصطلح البوم كثيرًا بكتاب مثل غابرييل غارثيا ماركيث من كولومبيا وماريو بارجاس يوسا من بيرو وخوليو كورتاثر من الأرجنتين وكارلوس فوينتس من المكسيك. وتحدى هؤلاء الكتاب القواعد التقليدية التي سنها الأدب الأمريكي اللاتيني. واتسمت إبداعاتهم بالجرأة والزخرفة والتنميق، وطُبعت بمزيج من القلق الذي يسيطر على الشخصيات والمختلط ببعض سمات الجنون الذي يتناقض مع الواقعية الأوروبية، وعدم التكيف مع واقع النمط الأمريكي، حيث أطلقت هذه الحركة الأدبية العنان لحرية الخيال. وكان عملهم يميل تجاه كل ما هو تجريبي وذو طابع سياسي، حيث الظروف التي أحاطت بالوضع العام في أمريكا اللاتينية في الستينات.
كتب الناقد الأدبي جيرالد مارتن: «ليس من المبالغ فيه تأكيد أن القارة الجنوبية عُرفت في عقد الستينات لسببين قبل أي شيء وهما: أولًا الثورة الكوبية وتأثيرها على أمريكا اللاتينية والعالم الثالث بشكل عام، وثانيًا ازدهار الأدب الأمريكي اللاتيني والذي تصادف أوجه وتدهوره مع انتعاش وخمول الأفكار الليبرالية في كوبا ما بين عامي 1959 و1971».
ويعود جزء كبير من نجاح ممثلي البوم غير المتوقع إلى أعمالهم التي كانت دائمة الوجود في الصفوف الأولى لقصص أمريكا اللاتينية والتي نشرت في أوروبا في بعض دور النشر في برشلونة بإسبانيا. وكتب فردريك أم نون بالفعل عن ذلك قائلًا: «لقد حصل روائيو أمريكا اللاتينية على شهرة عالمية بفضل كتابتهم ودفاعهم عن الحركة السياسية والاجتماعية، وبالمثل لأن بعضهم حالفه الحظ الوفير حتى وصلت أعماله إلى الأسواق والجماهير بعيدًا عن أمريكا اللاتينية إما عن طريق الترجمة أو الرحلات أو عن طريق المنفى أيضًا».
هذه الموجة بدأ نشاطها في مطابع المكسيك وبيرو وانتقلت إلى برشلونة وإسبانيا ثم إلى العالم عبر حركة ترجمة قوية، وبعد نوبل ماركيز تحولت الظاهرة إلى تيار أدبي في العالم أبرز سماته ما عرف بالواقعية السحرية.
ثم توالى حصول بعض كتاب أمريكا اللاتينية على جائزة نوبل ربما كتابع من توابع انتشار الأدب الأمريكي اللاتيني ولكن بالتأكيد ليس بما يتناسب مع قوة هذا الأدب ومدى انتشاره فقد حصل عليها فقط كل من الشاعر المكسيكي أوكتافيو باث عام 1990، ثم الكاتب البيروفي ماريو فارجاس يوسا 2010، لكن مع الأخذ في الاعتبار أن الجائزة قبل ماركيز منحت لثلاثة كتاب من أمريكا اللاتينية هم: الشاعرة جابريلا ميسترال من شيللي عام 1945، ميجيل اوسترياس من جواتيمالا سنة 1967، وبابلو نيرودا من تشيللي سنة 1971.
هنا سنجد أن تيارا أدبيا كبيرا انتشر خارج أمريكا اللاتينية وكان حصوله على نوبل سببا في مزيد من الانتشار، والتأثير الكبير في العالم.
بالتالي لا يمكن مقارنته بنوبل محفوظ فقد كانت جائزة فردية، لكاتب صاحب شخصية أدبية استثنائية توسم بالكلاسيكية بسبب عدم وجود حركة نقدية مواكبة لأعماله بقراءات جديدة وإبداعية، لأن أي متابع لأعمال محفوظ يتبين أنه الكاتب الوحيد تقريبا الذي قدم تجربة متطورة إبداعيا مرت بمراحل، من الرواية التاريخية إلى الواقعية الاجتماعية، ثم الرمزية الملحمية (أولاد حارتنا، الحرافيش) ثم الرمزية (وهي التي تمثلها أغلب أعمال الستينات: اللص والكلاب وثرثرة فوق النيل وميرامار) ثم الرمزية الصوفية (الطريق ، الشحاذ، قلب الليل) ثم المرحلة الرمزية الفلسفية كما عكستها أصداء السيرة الذاتية والأحلام).
بالتالي لم يكن هناك تيار أدبي مماثل في الرواية المعاصرة العربية يمكن أن يقدم للغرب لتحريك المياه الراكدة في بحيرة الأدب العربي عالميا، فبدأ الاهتمام باستكمال ترجمة أعمال محفوظ التي لم تكن ترجمت بعد.
وفي أحدث المراجعات المكتوبة عن جائزة نوبل سنجد أن محفوظ يوصف بأنه عملاق أدبي، وأن الجائزة ضلت الطريق إلى عدد ممن تصفهم بأنهم قد لا يستحقون الجائزة أو أنهم كتاب غير أصيلين، أو ليسوا عمالقة ويضرب مثلا بالروسية أليكسييفيتش والفرنسي بارتيك موديانو قائلا أنهما لولا نوبل لما عرفت أعمالهما غيرلغاتهما الأم، ويصل لحد وصف النمساوية ألفريدة يلنيك بأنها كاتبة ميديوكر، لا يمكن أن تكون هناك معايير أدبية سببا لحصولها على نوبل، على الأقل مقارنة بريلكه، أو كافكا على أقل تقدير.
المقال لكاتب يدعى روبرت ميسينجر، المحرر في صحيفة The weekly Standard وهي صحيفة رأي أمريكية تصدر منها عدة طبعات إقليمية أشهرها في كندا وفي زيمبابوي. وسوف أعود لهذا لأهميته.
ولننتبه مثلا أن أول عمل ترجم لمحفوظ إلى الفرنسية هو زقاق المدق في عام 1970 أي بعد 23 عاما من نشرها بالعربية،
ثم بدأ نقل أعمال محفوظ إلى اللغات الأخرى غير لغات المركز الأوربي، وكانت أقرب تجربة مثيرة للانتباه بعد محفوظ في الغرب هي تجربة جيل الستينات المصري ممثلا في الغيطاني وصنع الله إبراهيم، وأصلان والبساطي وبهاء طاهر. وطبعا وبشكل فردي لا يمثل تيارا بدأت ترجمة أعمال كتاب رواد عرب مثل أدونيس، محمود درويش، عبدالرحمن منيف، الطيب صالح، يوسف إدريس، إلياس خوري، وغيرهم طبعا، كتاب على الأقل لكل منهم.
وقد ظلت هناك تجارب استثنائية وقليلة لها طابع استشراقي من خلال اختيارات فردية لدور نشر غربية غالبا كانت تختار أعمال أدبية عربية لكاتبات عربيات مثلا لأنها تكرس لصورة المرأة في عالم الحريم كما يرغب الشرق في الاحتفاظ بها، فنجد مثلا بعض أعمال كاتبة مصرية اسمها أليفة رفعت، وطبعا أعمال لنوال السعداوي، وبعض أعمال كاتبات لبنانيات مثل وبعض أعمال الكاتبة الكويتية ليلى العثمان التي ترجمت للإيطالية مثلا، وكلها تجارب فردية محدودة الانتشار في النهاية لا تمثل أيضا تيارا.
ولكن لا يمكن مقارنة هذه التجارب الفردية على أي نحو باهتمام الغرب بالتجربة اللاتينية، ولا بتجارب أخرى كان لها ظروف متشابهة مع الأدب العربي، وهما على سبيل المثال تجربتي الصين واليابان.
اليابان حصلت على جوائز عديدة في مجال العلوم تصل لحوالي 23 جائزة، لكنها لم تحصل سوى على ثلاث جوائز في الأدب، وآخرها العام الماضي، والبعض يعتبر الأخيرة جائزة بريطانية بسبب حصول أشيجيرو على الجنسية البريطانية العام 1983. أما الكاتبان الآخران اللذان حصلا عليها فهما: ياسوناري كاواباتا عام 1968، ثم كنزابورو أوي عام 1994.
لكن مع ذلك فإن أي منا هنا يعرف على الأقل ما بين خمسة إلى عشرة أسماء كتاب من اليابان، أوكاتاجاوا، وبعض أعماله أخرجها المخرج الأشهر كوراوساوا، (فيلم راشومون) ومن الكتاب أيضا: ميشيما، كاواباتا، ايشيجيرو، موراكامي، كانزيبورو أو، ومن الأجيال الأحدث يهتم الغرب جدا بأسماء قد لا تكون منتشرة لدينا بعد مثل الكاتبة ياهوكو يوشيموتو، والكاتب كيويتشي كاتاياما. والتأثير لا يتعدى عملية المعرفة والترجمة بل والانتشار في الغرب وعالميا وكذلك في انتشار القصص المصورة المعروفة باسم مانغا، والتي تنافس قصص الكوميكس الأمريكية بضراوة.
أما المثالان الآخران في تأثير نوبل على الثقافة التي حازتها من ثقافات بعيدة عن المركز الغربي هما نوبل تركيا ونوبل الصين، فتركيا لم تحرز سوى جائزة واحدة هي الجائزة التي حصل عليها أورهان باموق عام 2006، ومع ذلك فقد أدت إلى اهتمام كبير بأعماله أولا ثم بالأدب التركي أيضا، وكذلك الأمر بالنسبة للصين التي لم تحصل سوى على جائزتين في الآداب حصل عليهما كل من جاو كسينجيان، عام 2000 وهو حاصل على الجنسية الفرنسية، ثم مو يان 2012، لكننا اليوم يمكن أن ندرك بسهولة أن ثمة حركة ترجمة لها أثر واضح من الصين للغات الأخرى وخصوصا للغة العربية. هناك كتب عديدة وأسماء كثيرة من الأدب الصيني نتعرف عليها يوميا، فما بالك بالتجارب التي تترجم للغات الأوروبية المركزية؟
فلماذا لم تشبه التجربة العربية على الأقل كل من تجربة الصين وتركيا؟
شخصيا أعتقد أن الفارق الرئيس يعود لاهتمام الدول أي الحكومات نفسها بترجمة أدبها اغتناما لفرصة تسليط الضوء على أدبها بعد نوبل، وفي تركيا على سبيل المثال هناك مؤسسة تركية تدعى تيدا تعمل اليوم على نشر الثقافة التركية في العالم، وفي الصين مؤسسات عديدة، أعقبها قيام مشروعات بالتعاون مع أمازون وبالتعاون مع حوالي 29 محررا لدعم وجود أبرز الأعمال المترجمة للصينية على موقع أمازون.
لا توجد لدينا أي مؤسسة عربية لدعم الأدب العربي وانتشاره في الغرب، وما يتم هو مبادرات غربية أو من مؤسسات أكاديمية مثل الجامعة الأمريكية في القاهرة، ومن دور نشر بمبادرات من مترجمين غالبا ما يحاولون اختيار كتب تناسب ذوق الناشر الغربي الاستشراقي. واختيارات الكتب بالتالي اليوم تتوقف كثيرا على عوامل الانتشار أو اختيار مضامين تناسب القارئ الغربي الذي لا يزال تقدم له روايات العرب باعتبارها وثائق سياسية أو وسيلة للتلصص على مجتمعات غامضة وغريبة مكبوتة وأن النساء فيها يعشن في مجتمع الحريم، وبالتالي لا يوجد أي اهتمام بالتجارب العربية ذات الطابع التجريبي أو القيم الأدبية الرفيعة لأن الناشرين لا يتحمسون لها. ورغم وجود طبعا جهود متناثرة من جهات تحاول نشر الأدب العربي الرفيع في الغرب وبينها مثلا مجلة بانيبال، وتجارب بعض أقسام دراسة الأدب العربي واللغة العربية، لكنها لا تزال غير مؤثرة بالشكل المأمول. بسبب ضعف إمكانياتها المادية طبعا وعدم وجود دعم.
وهذه كارثة في الحقيقة أننا بعد مضي 30 عاما من الحصول على نوبل لم ننشئ أي مؤسسة لدعم انتشار الأدب العربي وفق المقاييس الجمالية والأدبية الرفيعة ثم نتباكى كل عام على عدم حصول أي كاتب آخر على نوبل بعد محفوظ.
وأيضا، أعتقد أننا رغم كل ما يقال عن تطور أدبنا العربي، وزيادة عدد الكتاب، يجب أن نعترف أن غياب واختلال المقاييس والمعايير الأدبية يؤثر على انتشار وتأثير أدبنا في الغرب.لا أعتقد أننا نرى فيما يترجم كتبا أدبية لها نفس قوة الأدب الذي يصلنا اليوم، وعلينا الاعتراف بذلك، فلن يجدي أن يتم الترويج اليوم لظاهرة تُسمى ديستوبيا عربية مثلا في ثقافات، لديها تراكم وخبرات هائلة في أدب الديستوبيا لما يقل عن خمس عقود على الأقل قدمت فيها تجارب خيالية مرعبة، مقارنة بما ينتج لدينا باسم الديستوبيا التي تخلو من عناصر مهمة أبرزها التقنية والتكنولوجيا.
وأيضا إذا كانت هناك روايات تهتم بإبراز ما يحدث للعراقيين أو تأثير الحرب على السوريين يمكن أن تحدث موجة اهتمام بالأدب العربي بقدر ما تظل توثيقا لأحداث قد لا تهم القارئ الغربي في النهاية بقدر ما تهم ناشرين معينين في ظروف سياسية محددة، وقارئ له فضول سياسي وليس فضول أدبي. فمثل هذه التجارب تأتي لتكمل ظاهرة جديدة هي اهتمام الغرب بترجمة الكتب المختصة بالثقافة الدينية الإسلامية، وكذلك بالتصوف، وغيرها مما يرى الغرب اليوم أهمية فهمها بعد ازدياد عدد المهاجرين العرب في أوروبا، لكنه لا يعبر عن اهتمام بالقيمة الأدبية لهذه النصوص، وبدء التعامل معها كنصوص لها قيمة أدبية من داخلها.
الكتب الناجحة في الغرب اليوم وتحظى بالانتشار مع القيم الأدبية الرفيعة مثلا يمكن أن نراها في نموذج كتابات رفيق شامي في ألمانيا وهي تعتمد على الفانتازيا والخيال والحس الساخر والحكائي، وهذا هو التراث العربي الذي جاء من نسل ألف ليلة والذي لم نركز عليه في إنتاجنا الأدبي بعد للأسف.
في النهاية أقول أن نوبل محفوظ، وقد جاءت تتويجا لمسيرة استثنائية وربما يعود الفضل الأول فيها لتحمس المترجمين الذين أبهرتهم تجربته، لكنها قد لا تضيف له أي قيمة أدبية بقدر ما ساعدت فقط في تعريف العالم بهذا الأدب، وبعالم كاتب تحمل مسؤولية تأسيس فن الرواية على الطريقة الأوروبية ثم شق طريق ومسارات جديدة على مدى رحلته الطويلة في الكتابة، ولا يتحمل في النهاية وزر ظروف عديدة لم تنجح في استثمار اهتمام العالم بأدبه لترويج تجارب أدبية عربية أخرى يمكنها أن تقدم الأدب العربي كشريك في تاريخ الأدب العالمي.
ولا نعلم كيف سيكون المستقبل، إذا كانت الجائزة نفسها تعاني اليوم ليس فقط من اختيارات عديدة مدهشة وغريبة ومثيرة للأسئلة حول معاييرها الأدبية، لكننا فقط يمكن أن نقول أن الجائزة التي ضلت طريقها منذ سنوات لقيم أدبية رفيعة تم تجاهلها بإلحاح، ليس غريبا أن تظل بعيدة اليوم عن تلمس الطريق للأدب العربي مجددا، فالجائزة التي ارتضى القائمون عليها أن تمنح يوما لمطرب أمريكي، مهما كانت قيمته كموسيقي، مهدت باختيار كهذا لأن تؤجل أو تلغى دورتها الراهنة لأسباب لا علاقة لها بالأدب وقيمه، بعد نحو 48 عاما من فراغ أحدثه رفض جان بول سارتر لها ولكن لأسباب على الأقل سياسية أو ليقينه بأن الكاتب يحتاج للاستقلالية التامة ورفض كل ما يعيق هذه الاستقلالية حتى لو كانت جائزة نوبل.
إبراهيم فرغلي*