إعداد وتقديم: محمد الحجيري
كاتب لبناني
تفردُ مجلة ملفا خاصا حول تجربة الروائي اللبناني الراحل إلياس خوري (1948–2024)، المثقف العضوي، مُتعدد المرايا، المُعبأ بالحس الإنساني، والمتماهي مع المهمشين والمقهورين عبر الحياة وألاعيب السرد على حد سواء. وذلك لما يُمثله خوري من أهمية أصيلة بين النخب الفاعلة والأوساط الثقافية والنضالية في بيروت وفلسطين على وجه الخصوص، والوطن العربي بشكل عام، فهو الناقد والمثقف والناشط الذي صعد اسمه منذ بداية السبعينيات في المجلات الثقافية والصحف، منذ «الكرمل» و»مواقف» إلى «السفير» و«النهار» و«القدس العربي»، فقد دأب على الكتابة في القضايا الروائية والإنسانية والفلسطينية والذاكرة والاستعمار.
لمع اسمه روائيًا مع رواية «الجيل الصغير» ثم «الوجوه البيضاء» التي انتقدت الحرب الأهلية في لبنان، ومنعت منظمة التحرير الفلسطينية توزيعها في المكتبات حين كانت تسيطر على بيروت. من أبرز مؤلفاته «اسمي آدم»، «رجل يشبهني»، «سينالكول»، «باب الشمس». نال خوري جوائز كثيرة، عربية وأجنبية، وترجمت أعماله إلى لغات عدّة.
في كتابه الأخير «النكبة المستمرة»، الصادر عن دار الآداب، أشار إلى نقطة لا يمكن تجاوزها بسهولة وهي أنّ تاريخ النكبة لم يمضِ بشكل خطي بل متعرج ومستمر، ولعلنا نشهدُ الآن المنعطف الأكثر حدّة ووحشية وتطرفا منه. إذ يحفرُ خوري عميقا في تاريخ الصدمات التي لا يمكن تناول إحداها بمعزل عن الأخرى، فجميعها تصب فـي خزان المأساة التي غذّت مادة الكتابة لديه.
تطالعنا في هذا الملف دراستان، الأولى للناقدة الفلسطينية أمل أبو حنيش بعنوان (التناص بين «باب الشمس» و«عائد إلى حيفا»)، وهي جزء من رسالة ماجستير. سلطت الضوء على قدرة خوري على تذويب نصّ كنفاني، وتبديد كثافة خطابه، وذلك عبر إضفاء الشمولية والامتداد في الزمان والمكان الفلسطيني، في سياق ممتد من هزيمة حزيران 67 وحتى انكسار الثورة، دون أن يقع في فخ التكرار.
أما الدراسة الثانية فهي أيضا جزء من رسالة ماجستير للناقدة الفلسطينية نوال الستيتي بعنوان «سينالكول: وثيقة تاريخية ترصد الحرب الأهلية اللبنانية»، حيث تشغلُ تجربة اليسار حيزا واسعا منها لأنّها تمثلُ انحياز خوري الشخصي، في سرد متداخل يعتمدُ على توليد الحكايات.
ومقالة للأكاديمية الفرنسية ماريان غرولي بعنوان «فلسطين بوصفها تاريخا في رواية باب الشمس»، ترجمها المغربي عبد المنعم الشنتوف، تشير إلى أنّ التاريخ لا يكتبه المنتصرون وحدهم، إذ يمكن للحكي أن يغدو الملاذ الآمن والوحيد للذوات المهزومة والعاجزة عن الفعل، فالرواية الوطنية -وإن كانت مُضللة- وتعمدُ إلى صنع الأبطال وتفكيكهم، تبقى أكثر قيمة من كل ما اختزلت فيه.
ويتناول محمود فرغلي «الشهادة» في رواية «باب الشمس»، بوصفها توثيقا أدبيا في زمن المحو، فالشهادة لا تهمش التاريخ ولا تسترجعه وإنّما تعيد إنتاجه، والشاهد –على الدوام- لديه ما يقصه كفاعل أو كضحية.
وقد احتوى الملف على عدد من الشهادات هي: «دروس إلياس خوري» للشاعر والكاتب اللبناني بلال خبيز، «إلياس خوري… فلسطين أو حبّ الحياة» للكاتب والناشر اللبناني سليمان بختي، «بيروت إلياس خوري: مدينة الغرباء، فاتنة وليست جميلة» للكاتب والروائي محمد الحجيري.