عبد الله كسابي
باحث مغربي
لا يختلف اثنان على أن الفيلسوف النمساوي البريطاني كارل ريموند بوبر (1902 – 1994) Karl Raimund Popper وجه من الوجوه البارزة في المشهد الفلسفي للقرن العشرين. وبالرغم من ذلك، يلاحظ الفيلسوف نفسه أن أطروحاته الرئيسة في فلسفة العلم لم تحظ -على الأقل إبان نشرها أواسط الثلاثينات من القرن العشرين- لا بالفهم السليم ولا بالقراءة النقدية الجادة1. وهذا يعتبر أبلغ تعبير عن التجاهل الذي لقيه فيلسوف العقلانية النقدية، وخاصة في الأوساط الأكاديمية، رغم إنتاجه الغزير، ورغم الجدة والأصالة والجرأة التي تميزت بها أفكاره وأطروحاته، ورغم التفصيل والوضوح الذي بسط به هذه الأفكار والأطروحات في الكثير من مؤلفاته وفي مقدمتها كتاب «منطق البحث العلمي».
ومما يمكن أن تُفسر به محدودية الاهتمام الأكاديمي بأفكار بوبر أن هذا الأخير دخل في سجال عنيف مع جل التيارات الفكرية المهيمنة آنئذ في مجالاتها مثل الماركسية، والتحليل النفسي، والوضعية الجديدة، وغيرها. فأطروحات بوبر الإبستمولوجية كما السياسية قامت على نقد عميق لهذه التيارات الفكرية المهيمنة، إذ من خلال معيار القابلية للتكذيب أو التفنيد أخرج بوبر الماركسية والتحليل النفسي من دائرة العلم، وكشف عن الطابع المتهافت لأطروحات الوضعيين الجدد الإبستمولوجية وكونها تقوم على الاستقراء الذي أوضح فيلسوفنا سائرا في ذلك على خطى هيوم Hume وكانط Kant أنه يفتقر لكل صلاحية منطقية، ومن خلال أطروحته في المجتمع المغلق والمجتمع المفتوح، قدم النقد الأكثر جرأة لفلاسفة من عيار أفلاطون وهيجل وماركس، ومن خلال فكرته عن التغيير السياسي والاجتماعي الجزئي، ناهض بكل ما أوتي من حزم، الحلول الثورية التي نادت بها التيارات والأحزاب الماركسية وحاولت تطبيقها في مناطق عدة عبر العالم.
ولذلك، إذا كانت هناك كلمة تعبر بالصورة الفضلى عن فلسفة بوبر فهي كلمة «نقد»، التي سبق لكانط أن جعلها عنوانا لمشروعه الفلسفي الضخم، الذي لا يجد فيلسوفنا حرجا في الإقرار بأنه يسير على خطاه ويستكمله، وخاصة في سعيه لحل إشكال الاستقراء الذي ورثاه معا عن هيوم، وفي إعادة الاعتبار لدور العقل في إنتاج المعرفة العلمية. وإذا كان النقد عنوانا للعديد من الفلسفات وسمة لفلاسفة كُثر من قبيل فريدريك نيتشه Friedrich Nietzsche ومارتن هيدغر Martin Heidegger وماكس هوركهايمر Max Horkheimer وثيودور أدورنو Theodor Adorno وهربرت ماركوز Herbert Marcuse وغيرهم، إلا أن النقد الذي انبرى له بوبر تكمن سمته الرئيسة في أنه نقد إبستمولوجي بدرجة كبيرة مهما يكن من امتداد هذا النقد إلى المجالات الاجتماعية والسياسية والتربوية وغيرها. ومسعى هذا المقال لا يتعدى إبراز هذه الخاصية النقدية لفكر كارل بوبر بشكل مجمل، والوقوف على الصيغة النقدية التي يقترحها الفيلسوف لتجاوز إخفاقات العقلانية الفلسفية الكلاسيكية من خلال نظرية لا معصومية الإنسان من جهة، وعلى بعض الأطروحات التطبيقية للعقلانية النقدية التي يقدمها كبديل لسابقتها، وبالأخص في مجالي فلسفة العلم والفلسفة السياسية.
1 – العقلانية النقدية في مقابل العقلانية الكلاسيكية
«العقلانية النقدية2» Rationalisme critique هو المذهب الفلسفي الذي ينسبه بوبر إلى نفسه، إذ يضع تحت يافطته مجموع فلسفته (فلسفة العلوم كما الفلسفة السياسية)، معتبرا إياه «تصورا وموقفا وتقليدا ورثه عن الإغريق»3. فالملهم الأول للعقلانية النقدية، بهذا المعنى، هو سقراط نفسه، ولذلك، لا يتوانى فيلسوفنا عن اتخاذ القول السقراطي الشهير: «اعرف نفسك بنفسك، واعترف بأنك لا تعلم غير القليل»4 شعارا له، كما لا يتردد في الإشادة بالخاصية النقدية لعدد من الفلاسفة قبل السقراطيين، وبالأخص كزينوفان Xénophane وهيراقليطس Héraclite.
وتختلف هذه العقلانية النقدية ذات الجذور الإغريقية، أولا عن المذهب النقدي الكانطي le criticisme، مع إقرار الفيلسوف بوجود قرابة بينهما، بالشكل الذي يكون به المذهب النقدي لبوبر بمثابة «استكمال للنظرية النقدية لكانط»5: فمن جهة، ما فتئ بوبر يبدي إعجابه بالجرأة المنقطعة النظير لفيلسوف العقل الخالص في مجالي الأخلاق وفلسفة الدين بصورة خاصة، حيث جعل مفهوم الاستقلالية autonomie بمثابة حجر زاوية فلسفته العملية؛ هذه الاستقلالية التي تحيل على رفض أي سلطة أو وصاية في هذين المجالين. بيد أن كانط، من جانب آخر، لم يتمكن من تبني ذات الموقف الجريء في نظرية المعرفة لديه، وهو ما يجد تفسيره في أن كانط لم يستطع التحرر من خضوعه لسلطة العلم النيوتوني6؛ هذا التحرر الذي لم يتحقق إلا لاحقا مع أينشتاين Einstein.
وتتمايز العقلانية النقدية، في الوقت نفسه، عن عقلانية ديكارت Descartes وتلامذته، وعن المذهب التجريبي لبيكون Bacon ولاحقيه؛ كما تعد بمثابة نقد ورفض للنزعتين الشكية scepticisme والنسبية relativisme. فبوبر يستخدم لفظ العقلانية «بمعنى أوسع، وذلك في مقابل النزعة اللاعقلانية irrationalisme، بحيث تحيل على المذهب الذهني intellectualisme الديكارتي7 كما على المذهب التجريبي empirisme»8 لدى بيكون ولوك Locke وهيوم. فعندما يتحدث عن العقلانية ويخضعها لفحص نقدي مستفيض، فهو لا يقصد بها إذن المذهب الذي أسسه ديكارت في العصر الحديث فقط، بل إنه يطلق هذا الاصطلاح على المذهبين الإبستمولوجيين الأساسيين المتعارضين في الفلسفة الحديثة معا: المذهب العقلاني مع ديكارت واسبينوزا Spinoza وليبنتز، والمذهب التجريبي مع بيكون ولوك وهيوم.
وإذا كان الفيلسوف يضع عقلانية ديكارت وتجريبية لوك في سلة واحدة، فذلك لأنه يعتقد أن «الاختلافات التي تفصل هاتين المدرستين التجريبية والعقلانية عن بعضهما، أقل أهمية من نقط التقاطع التي تجمعهما»9. وحجته، في ذلك، هي أن هذين المذهبين ألهمتهما معا نزعة تفاؤلية إبستمولوجية غير مسبوقة تتجسد في إيمان لا يهتز في «قدرة الإنسان على تمييز الصحيح من الخاطئ وبلوغ المعرفة»10. ولا تنفصل هذه النزعة التفاؤلية عما يطلق عليه الفيلسوف «نظرية الطابع الجلي للحقيقة» « la théorie de la vérité manifeste »، التي ترى أن «الحقيقة يمكن أن يُكشف عنها، بل يمكن أن تنكشف بذاتها؛ فبمجرد أن تتجلى الحقيقة عارية، فإن الإنسان يستطيع رؤيتها وتمييزها عن الخطأ، ومعرفة أنها الحقيقة فعليا»11.
ورغم أن الأمر يتعلق في العقلانية الفلسفية الكلاسيكية بإبستمولوجيا خاطئة في نظر بوبر كما سنرى، إلا أنه لا يتردد في نسبة الفضل لأهله، ولا يدخر جهدا في بيان ما كان لها من نتائج إيجابية. فهذه العقلانية انْبَنَتْ، على رفض كل سلطة بشأن الحقيقة، ما دام أن مصادر المعرفة كامنة في كل إنسان؛ وبما أن هذا الأخير حائز على ملكة المعرفة، فليس من عائق أمامه يمنعه من أن يكون حرا12. ولذلك، كان هذا المذهب، في نظر الفيلسوف، المصدر الرئيس لثورة فكرية وأخلاقية غير مسبوقة بدأت مع عصر النهضة، هذه الثورة التي لعبت دورا حاسما في تحرير الإنسان من النزعة التقليدية المهيمنة traditionalisme، إذ جعلت إنجازات العلم الحديث ممكنة، وحفزت مقاومة الرقابة والقمع، وانتصرت لحرية الفكر؛ بل وأعادت الثقة التي طالما كانت مفقودة في الإنسان، ومن خلال ذلك أعطت مضمونا جديدا للكرامة الإنسانية نفسها13.
2. إخفاق العقلانية
الفلسفية الكلاسيكية
بيد أن النتائج الإيجابية للعقلانية الفلسفية الكلاسيكية كما سلف، لا يجب أن تنسينا أن «هذه الإبستمولوجيا الخاطئة كانت لها أيضا نتائج وخيمة»14. فهذه العقلانية ذات النزعة التفاؤلية انشغلت، في المقام الأول، بإشكال الأساس الذي تقوم عليه المعرفة الإنسانية، وتأسست على قناعة راسخة بوجود هذا الأساس الأول والنهائي والراسخ، الذي يمكننا أن نقيم عليه بناءنا المعرفي؛ هذا المصدر الذي يكمن «إما في الملكة الإدراكية التي تتيح الملاحظة الدقيقة للطبيعة، وإما في حدس الذهن الذي يسمح بتمييز الصحيح عن الخاطئ، ويرفض كل فكرة ليس للذهن عنها معرفة واضحة ومتميزة»15.
ورغم هذا الاختلاف بين التجريبيين والعقلانيين في طبيعة الأساس النهائي الذي تقوم عليه المعرفة الإنسانية، إلا أن بوبر يسجل عليهما معا عددا من المؤاخذات تكشف عن أوجه التشابه القائمة بينهما:
تتمثل المؤاخذة الأولى في أن هذين المذهبين من شأنهما أن يفضيا ليس فقط إلى التعصب fanatisme، بل أيضا إلى الوقوع، من جديد، في «نزعة سلطوية autoritarisme، حتى وإن كان ذلك بكيفية غير مباشرة»16. وتتجلى هذه النزعة السلطوية، من جهة، في أن الدفع بالطابع الجلي للحقيقة يعني أن هذه الأخيرة بمجرد أن تنكشف، لا يبقى هنالك مجال لأي مناقشة، فلا أحد من المذهبين نجح في «إفساح المجال أمام الفكر النقدي، وأمام حكمي وحكمك»17؛ ومن جهة أخرى، في أن بيكون وديكارت «لم يستطيعا غير استبدال سلطة -أرسطو والكتابات المقدسة- بأخرى، فكل منهما يحيل إلى سلطة جديدة: أحدهما إلى سلطة الحواس، والآخر إلى سلطة الفهم»18.
وتتعلق المؤاخذة الثانية بمعضلة الخطأ، فإذا كانت «الحقيقة جلية، فكيف يمكن تفسير وقوع الإنسان في الخطأ؟»19 ويلاحظ بوبر أن نظرية الطابع الجلي للحقيقة من شأنها أن تفضي بنا، من منظور إشكال الخطأ، إلى فكرتي المؤامرة والخطيئة: فَعِلَّة زيغنا عن المعرفة الحقة رغم جلائها «يتعين البحث عنه في رفضنا رؤية الحقيقة الجلية، أو في الأحكام المسبقة التي غرستها التربية والتقليد في أذهاننا، أو أيضا في بعض الآثار السلبية التي أفسدت صفاء ذهننا وبراءته الأصلية»20. فنحن نحيد عن الحقيقة الجلية ونُعرض عنها، إما لوجود قوى شريرة تحول بيننا وبينها، وإما لأن الذنب ذنبنا، ونحن أنفسنا الذين نتحمل مسؤولية ذلك؛ وفي هذه الحالة الثانية انتهى المطاف بهذا المذهب الإبستمولوجي التفاؤلي إلى شطر الإنسان شطرين، أحدهما فوق إنساني (الحواس والفهم) هو مصدر المعرفة الحقة، والآخر إنساني (عدم التزام الإرادة بحدود الفهم، العجلة أو الاستباق، اللغة، الإهمال، الأحكام المسبقة…) هو المسؤول عن الخطأ.21
والمؤاخذة الثالثة هي أن السؤال المتعلق بمصدر المعرفة وبأساسها الأول والنهائي ينطوي على «تمثلات ميتافيزيقية (لا واعية في الغالب)»22، تتجلى في أن هذا السؤال من طبيعة جينيالوجية، وثيقة الصلة بالنسب الأصيل أو ما يطلق عليه بوبر الصفاء العرقي la pureté raciale، بالصورة التي يكون بها نبل معرفة ما لا يقوم إلا على مصدرها الإلهي. وما لجوء ديكارت إلى نظرية الصدق الإلهي، واعتداد بيكون بصدق الطبيعة23 إلا تعبير عن هذا المنحى الجينيالوجي والميتافزيقي للمذهبين الذهني والتجريبي سوية.
وتتوجه المؤاخذة الرابعة إلى المذهب التجريبي بالأخص، وتكمن في أن «العمل بهذا المسعى الداعي إلى رد كل معرفة إلى مصدرها الأخير المتمثل في الملاحظة، يصطدم باستحالة منطقية»24، تتجلى في تقهقر إلى ما لا نهاية، لأن السؤال عن مصدر معلومة معينة مهما تكن بسيطة، يفضي إلى أسئلة أخرى، وهذه إلى أخرى أكثر تشعبا وتعقيدا، ومهما تتبعناها في تشعبها وتعقيدها لا يمكن أبدا أن تفضي إلى نتيجة مُرضية؛ بل إن الإجابة عن السؤال الواحد من هذه الأسئلة من المتعذر فصله عن المعلومات السابقة للملاحظ (عن الأشخاص، والأمكنة، والأشياء، والمواضعات اللغوية…)، لأن كل ملاحظة تتطلب تأويلا، وهذا التأويل لا يتأتى إلا على ضوء معرفة نظرية سابقة. وهذا يعني عدم وجود معرفة صادرة عن ملاحظة خالصة، وحتى إن وجدت فستكون عقيمة وخالية من كل أهمية.
أما المؤاخذة الخامسة والأخيرة في نظر بوبر، فتتمثل في إخفاق العقلانية الفلسفية الحديثة في مسعى بناء المعرفة والحقيقة المطلقة، فعقلانية ديكارت وتجريبية بيكون تفضيان معا، بهذا الشأن، إلى الباب المسدود. وفي هذا السياق يسجل الفيلسوف، على سبيل المثال، أن «الفيزياء الديكارتية (…) كانت خاطئة، رغم أنها لم تتأسس إلا على أفكار كانط، في نظر ديكارت نفسه، واضحة ومتميزة، وكان يتوجب عليها أن تكون صحيحة؛ أما بخصوص سلطة الحواس كمصدر للمعرفة، فعدم إمكانية الاعتداد بها كان معلوما لدى القدماء [الفلاسفة الإغريق وخاصة قبل السقراطيين] (…) ومن الطريف أن هذا الأمر لم يلتفت إليه فلاسفة المذهب التجريبي المحدثون»25. وهذا الإخفاق لا ينبغي أن يفهم منه الدفع بأفكار أو نظريات خاطئة على أنها حقائق مطلقة فقط، لأن الفشل يكمن بالأساس في الاعتقاد بوجود أساس أول أو معيار حاسم تتحدد على ضوئه الحقيقة المطلقة والنهائية.
والخلاصة هي أننا إذا عرّفنا العقلانية كجهد فكري لإيجاد أساس فعلي أول ونهائي وموثوق به لمعرفتنا بالواقع، فإن مصيرها لا يمكن أن يكون غير الإخفاق كما سلف. فالنتيجة إذن، هي إخفاق العقلانية بالمعنى الكلاسيكي. وهذا من شأنه أن يدع الباب مشرعا أمام اللاعقلانية irrationalisme في مجال المعرفة، هذه اللاعقلانية التي يمكن أن تتخذ مظهرين:
لا عقلانية شكية irrationalisme sceptique تدفع بعدم وجود أساس أو معيار من شأنه أن يثبت أن علمنا صحيح ويعبر عن الواقع؛
ولا عقلانية نسبية irrationalisme relativiste ترى أن العلم حتى وإن بدا أداة فعالة، إلا أنه لا شيء يثبت أن نظرية علمية ما هي بمثابة تمثلٍ للعالم أفضل من نظرية أخرى [لا فضل لنظرية على أخرى، كل النظريات سواء].26
3 – إنقاذ العقلانية: نظرية
لا معصومية الإنسان
ضد النزعات اللاعقلانية وإذن، وفي مقابل نظرية الحقيقة الجلية التي قامت عليها العقلانية الفلسفية الكلاسيكية الدوغماطيقية، يدفع كارل بوبر بفكرة لا معصومية faillibilisme الإنسان27: فحل الإشكال الذي أخفق فيه الفلاسفة المحدثون يكمن، في نظره، في الإقرار بـ»أننا معرضون للخطأ، وأننا غالبا ما نضل، سواء كأفراد أو بكيفية جماعية»28. فإذا لم يكن هناك «مصدر نهائي للمعرفة»29، فإن الإنسان لا يمتلك وسيلة تعصمه من الخطأ بصورة تامة ونهائية. وهذه النتيجة السلبية في الظاهر هي التي يؤسس عليها بوبر نظريته في العقلانية النقدية، فها هنا حيث يبدو أننا أخفقنا، فإننا في واقع الأمر حققنا النجاح فعليا، لأننا إن لم نجد أساسا أول لمعرفتنا، فعلى الأقل نعلم ما يكونه الخطأ، وبوسعنا أن نعرف أن نظرية ما خاطئة، كما بوسعنا استبعادها بناء على ذلك30: فبدل الانطلاق من مبدأ أننا نستطيع تمييز الحقيقة والتعرف عليها بيقين كما قام بذلك العقلانيون والتجريبيون معا، لننطلق من مبدأ لا معصومية الإنسان أي كونه معرضا للوقوع في الخطأ، لكنه يستطيع اكتشافه، ويمتلك الوسائل التي تمكنه من الكشف عن أخطائه والتخلص منها. فالأمر يتعلق مع بوبر إذن، بنظرية في العقلانية بطعم إغريقي سقراطي ستنادي بمقاربة منهجية قائمة على البحث الدائم عن الخطأ واستبعاده31، في عملية اقتراب تدريجي لا متناه من الحقيقة الموضوعية التي تظل دائما خارج متناول المعرفة الإنسانية.
ويمكن تحديد ملامح العقلانية النقدية، التي ينادي بها بوبر، في النقط الآتية:
«لا وجود لمصدر نهائي للمعرفة»، ومصادرها المحتملة كثيرة (العقل، الحواس، الخيال، التقليد…)، «لكن ليس لأي منها سلطة»32، بما في ذلك العقل والحواس، فجميع المصادر يتعين إخضاعها للفحص النقدي، لأن من شأنها أن توقعنا في الخطأ. ومن هنا، فالسؤال الأهم بالنسبة للإبستمولوجيا ليس سؤال المصادر، بل السؤال المتعلق بوجاهة الأفكار، وما إذا كانت تتوافق مع الوقائع؛ وهذا يعني أن السؤال الرئيس هو سؤال الخاصية العلمية للأفكار والنظريات أو ما يطلق عليه بوبر إشكال الفصل أو التمييز، هذا الإشكال الذي سيوليه الفيلسوف مقام الريادة في أبحاثه في فلسفة العلم من خلال أطروحته القائلة إن ما يميز المنطوقات (والنظريات العلمية) عن غيرها من الأفكار والمعارف شبه العلمية أو قبل-العلمية هو قابليتها، من حيث المبدأ، للتكذيب أو التفنيد، وهذا ما سنتطرق إليه بقدر من التفصيل في عنصر لاحق.
المعرفة الإنسانية، بما في ذلك المعرفة العلمية، ليست امتلاكا للحقيقة المطلقة، بل بحث دائم ومتواصل عنها. فبوبر يرفض رفضا قاطعا التصور الاستقرائي الدوغماطيقي الذي يعتبر تقدم العلم بمثابة مراكمة تدريجية للحقائق النهائية، لأنه لا وجود لهذه الأخيرة33، وكل معارفنا ليست بحقائق بقدر ما هي صيغ تقريبية لها؛ وبحثنا المتواصل عن الأخطاء واستبعادها يجعل تقدم المعرفة العلمية بمثابة اقتراب تدريجي من الحقيقة الموضوعية34، التي هي عبارة عن مثال نتجه إليه ونقترب منه، دون أن نبلغه أبدا.
العقلانية النقدية تجد لها طريقا وسطا بين النزعتين الإبستمولوجيتين التفاؤلية والتشاؤمية، ذلك أن هاتين النزعتين خاطئتان معا، ما دامت المعرفة الإنسانية ليست لا مطلقة ونهائية كما توهم المتفائلون، ولا منعدمة تماما كما دافع عن ذك المتشائمون؛ وما دام الإنسان لا يمتلك وسيلة تمكنه من الإمساك بالحقيقة المطلقة، وإن كان يمتلك وسائل تسمح له بالكشف عن أخطائه واستبعادها والتقدم في اتجاه الحقيقة. وإذا كانت وضعية الإنسان في علاقته بمعرفة العالم لا تتمايز كثيرا عما أورده أفلاطون عن سجناء أسطورة الكهف، إلا أن المظاهر التي تنعكس على أعماق الكهف ليست مجرد ظلال، والإنسان يمكنه أن يتلمس طريقه، وبوسعه دائما الوصول إلى ما يتعدى الكهف نفسه.
تعريف العلم بكيفية سلبية، بوصفه مجموع النظريات التي لم يثبت خطؤها بعد؛ لكن هذا التحديد السلبي للعلم لا يمنع من أن المعرفة ممكنة، هذه المعرفة التي تتقدم عبر اقتناص الأخطاء واستبعادها. وهذا ما حدا ببوبر إلى تشبيه أخطائنا بالمصابيح الصماء lanternes sourdes، التي تعيننا، بمجرد تحقيق الوعي بها، على التقدم ونحن نتلمس طريقنا في ظلمات الكهف.
النقد أداة العلم، وما يضفي على الأفكار والنظريات قيمتها هو وضعها على محك الاختبارات وإخضاعها للفحص النقدي الأكثر صرامة، هذا الفحص النقدي الذي يتأتى من خلال معايير متعددة من شأنها أن تتيح لنا التعرف على الخطأ، ولعل أول هذه المعايير يتمثل في الملاحظة أو التجربة، التي وإن لم يكن بوسعها أن تثبت أو تصادق على منطوق كوني، إلا أنها تستطيع إبطاله؛ وهناك معايير أخرى كالتماسك والخلو من التناقض.
الفكر النقدي، في نظر بوبر، يحيل على السعي لكشف خطأ أفكارنا وآرائنا ونظرياتنا، وذلك بأن نتوخى تفنيدها، وأن نمتنع عن تحصينها وتمنيعها، وأن نخضعها للنقد الأكثر صرامة، مستحضرين دائما بأن التفنيد في حد ذاته نجاح35؛ وهذا ما يمكن للآخرين أن يلعبوا فيه دورا أساسيا: فعندما يتقدم عالِمٌ مثلا بنظرية من النظريات، فليس عليه تحصينها من النقد، بل إن قيمتها وعلميتها تتوقفان على قدر المخاطرة التي يعرضها لها من خلال اختبارات تجريبية محتملة، وإذا ما تمكن عالم آخر من تصور اختبار تجريبي يضعها على المحك، فصاحب النظرية يجب أن يكون على استعداد للمشاركة بكل قواه في مسعى التفنيد هذا.36
التقليد هو المصدر الأول لمعرفتنا بالعالم، فـ»بدون التقليد ستكون المعرفة مستحيلة، (…) لأن المعرفة لا تنشأ من لا شيء -من سبورة ممسوحة – ولا يمكن أن تصدر عن الملاحظة وحدها؛ وأشكال تقدم المعرفة هي بالأساس تحويل لمعرفة سابقة»37. فالاكتشافات العلمية الجديدة ترتبط بدرجة كبيرة بقدرتنا على تغيير نظرياتنا السابقة، مما يظهر عدم تماسك الموقف الرافض للتقليد، دون أن يعني ذلك الركون إلى نزعة تقليدية، لأن كل ما يصلنا عن طريق التقليد يتعين دائما إخضاعه للنقد، ويمكن الكشف عن عدم صلاحيته.
وتجد العقلانية النقدية لبوبر ونظريته في لا معصومية الإنسان تعبيرا وتطبيقا لها في جل أطروحاته سواء في مجال الإبستمولوجيا أو في مجال الفلسفة السياسية. ففي المجال الأول، يؤكد بوبر أن قابلية النظريات العلمية للنقد والتفنيد هو عنوان علميتها ومعيار تمييزها عن غيرها، كما أن منهج العلم، في نظره، لا يقوم على استقراء النظريات، بل على نقدها وإخضاعها للاختبارات الأكثر صرامة، واستبعاد الخاطئة منها واستبدالها بأخرى. أما في مجال الفلسفة السياسية، فيكفي أن نستحضر في عجالة أطروحتين أساسيتين لكارل بوبر، تهم الأولى ما يمكن تسميته بنظرية الديموقراطية الرقابية، وتتعلق الثانية بالإصلاح المتدرج للمجتمع البشري عبر الكشف عن الشرور التي يكابدها والعمل على التخلص منها.
4 – العقلانية النقدية الإبستمولوجية: معيار القابلية للتكذيب أو التفنيد
الإشكال الرئيس في إبستمولوجيا كارل بوبر يُعرف، كما سلفت الإشارة، بإشكال الفصل أو التمييز، بمعنى الفصل بين ما ينتمي إلى العلم وما يقع خارجه. والسؤال الذي يطرحه بوبر بهذا الشأن هو كالآتي: «متى يجب أن تُصنَّف نظرية ما بوصفها علمية؟»38. وهذا الإشكال صادفه الفيلسوف في السياق الفكري والثقافي بجامعة فيينا في السنوات التي تلت الحرب العالمية الأولى، هذا السياق الذي تميز بصعود العديد من النظريات الثورية كنظرية النسبية في الفيزياء لأينشتاين، ونظرية التحليل النفسي لسيجموند فرويد Sigmund Freud، ونظرية علم النفس الفردي لألفرد أدلر Alfred Adler، ونظرية ماركس Marx في التاريخ. فقد لاحظ بوبر، بخصوص هذه النظريات، أن النظرية الأولى تختلف عن لاحقاتها اختلافا جذريا، وبالرغم من ذلك فدعاة هذه النظريات الثلاث الأخيرة دافعوا عن خاصيتها العلمية والتجريبية، وكانت لديهم قناعة راسخة بأن الواقع التجريبي يقدم الإثباتات تلو الإثباتات على صدقها وصلاحيتها. وهذا الاختلاف الجذري جعل الفيلسوف يفكر في معيار للتمييز بين العلم، والعلم الزائف، أي معيار للفصل بين ما ينتمي فعليا إلى مجال العلم، وما ليس له من هذا الأخير غير المظهر.
بيد أن بوبر سرعان ما اهتدى، وقبل استكمال دراساته الجامعية، إلى المعيار الحاسم الكفيل بالفصل بين العلم وما سواه من الأفكار والمعارف. يقول: «نقترح كمعيار للفصل ليس قابلية التحقق vérifiabilité بل قابلية النسق النظري للتكذيب falsifiabilité ومعيار الفصل هذا إنما يقترحه كبديل وكمقابل كمعيار القابلية للتحقق الذي دأب أعضاء حلقة فيينا على الدفاع عنه كوسيلة للتمييز بين العلم والميتافيزيقا. وهذا التقابل بين التكذيب والتحقق له ما يسوغه منطقيا في علاقة بنقد الاستقراء، وتترتب عنه نتائج تصب في ذات منحى العقلانية النقدية ونظرية لا معصومية الإنسان، تهم طبيعة المعرفة العلمية والمنهج الرئيس الذي تقوم عليه وأيضا الكيفية التي تتقدم بها.
لكي تكون نظرية ما علمية إذن، يجب أن تكون، وفق هذا المنظور، قابلة للتكذيب أو التفنيد، وهذا معناه إمكانية تصور ملاحظات أو تجارب مخالفة لمضمون هذه النظرية، من شأنها -لو وجدت- أن تشكل تكذيبا وتفنيدا لها. وبتعبير آخر، لكي تستجيب نظرية ما لهذا المعيار، يجب أن يكون منطوقها أو مضمونها، يستبعد ويرفض ملاحظات أو تجارب أو وقائع محتملة أو ممكنة؛ وهذه الملاحظات أو الوقائع المخالفة لمنطوق النظرية، إذا ما تم بلوغها ستشكل تكذيبا لها وستكشف عن خطئها. ومن النظريات التي تستوفي معيار بوبر نظرية أينشتاين في الجاذبية، لأن هذه الأخيرة تسمح بملاحظات محتملة أو تنبؤات مخالفة لفيزياء نيوتن، وهذه الملاحظات أو التنبؤات من شأنها أن تشكل لو تأتّى بلوغها تكذيبا للنظرية وهدما لها.40 وبالمقابل، فالنظرية غير القابلة للتكذيب هي تلك التي لا يمكن تصور ولو ملاحظة أو تجربة واحدة لو تأتى بلوغها ستشكل تكذيبا لها، أي إن كل ما يمكن تصوره من ملاحظات أو تجارب، في هذه الحالة، يتماشى ومنطوق النظرية ويمكن تأويله كإثبات لها وليس كتفنيد أو تكذيب. وهذا ما ينطبق على التحليل النفسي لفرويد وعلم النفس الفردي لأدلر، لأنه «لا يمكن تصور سلوك إنساني واحد لا يقبل التأويل بحسب كل نظرية من هاتين النظريتين»41، فعدم سماح منطوق النظرية ولو بملاحظة واحدة من شأنها أن تشكل تكذيبا لها، وتوافق كل الملاحظات المتصورة معها، ليس علامة على قوتها التفسيرية وعلى علميتها، بل مكمن ضعف يخرجها من دائرة العلم. وما قيل عن التحليل النفسي وعلم النفس الفردي ينطبق أيضا على الماركسية.
وإذا كان معيار القابلية للتكذيب أو التفنيد إنما اقترحه بوبر كبديل لمعيار القابلية للتحقق الذي طالما دافع عنه أعضاء حلقة فيينا بناء على قراءتهم لملهمهم الأول الفيلسوف الدانماركي لودفيغ فتجنشتاين، فإننا سنكتفي هنا بالإشارة إلى اختلافين جوهريين بين هذين المعيارين يهمان الكيفية التي توظف بها التجربة في هذا المعيار أو ذاك من جهة، وبناء على ذلك الصلاحية المنطقية لكل منهما من جهة أخرى.
يتمثل الاختلاف الأول بين المعيارين في أن معيار القابلية للتحقق غايته الإثبات، أي إنه يتوجه إلى التجربة للبحث عن ملاحظات أو تجارب تشكل إثباتا أو مصادقة على النظرية. وبالمقابل، لا يبحث معيار القابلية للتكذيب، في التجربة، عن إثباتات، بل عن تكذيبات وتفنيدات محتملة للنظرية. ولذلك فكلا المعيارين يستنجد ويلجأ إلى التجربة، لكن بطريقتين مختلفتين، لأن أحدهما إيجابي غايته إثبات النظرية العلمية، بينما الآخر سلبي غايته اختبار النظرية العلمية وإظهار خطئها وتكذيبها.
أما الاختلاف الثاني فيتأسس على سابقه لكنه من طبيعة منطقية صرفةٍ: فمن جهة أولى، «النظريات ليست أبدا قابلة للتحقق التجريبي»42، وآية ذلك أن معيار التحقق قائم على الاستقراء الذي يفتقر للصلاحية المنطقية لكونه يقوم على الانتقال من الملاحظات والتجارب (الجزئي) إلى القوانين والنظريات (الكوني): فالنظريات والقوانين العلمية هي منطوقات كونية، في حين أن منطوقات الملاحظات هي منطوقات مفردة أو جزئية، وهذه الأخيرة مهما كثُر عددها لا يمكن أن تثبت أو تصادق على منطوق كوني؛ «فمهما يكن عدد طيور البجع البيضاء التي عايناها كبيرا، فإن ذلك لا يعطينا الحق في أن نستخلص بأن كل طيور البجع بيضاء»43. ومن جهة ثانية، وبخلاف ما سبق بيانه بشأن مبدأ القابلية للتحقق ذي المنزع الاستقرائي، فإن معيار القابلية للتكذيب، على العكس، استنباطي محض ومُعلل منطقيا، لأنه إذا كان متعذرا استخلاص صدق منطوق كوني (قانون أو نظرية) من منطوقات جزئية (ملاحظات أو تجارب)، فإن استخلاص خطأ الأولى من الثانية ممكن. يقول بوبر: «يستند تصورنا على اللاتماثل بين قابلية التحقق وقابلية التكذيب، والمرتبط بالصورة المنطقية للقضايا الكونية. فهذه الأخيرة لا يمكن أن تستنبط أبدا من قضايا جزئية، لكنها يمكن أن تدخل في تناقض مع قضايا جزئية. فبالإمكان إذن، أن نستخلص، بوساطة استدلالات استنباطية خالصة خطأ قضايا كونية من قضايا جزئية»44.
والجدير بالملاحظة أن التقابل بين معيار القابلية للتحقق ومعيار القابلية للتكذيب هو في الوقت عينه تقابل بين الموقف الدوغماطيقي والموقف النقدي: ففي حالة التحقق يجري البحث عن إثباتات تجريبية للقوانين والنظريات، في منظور ذي خلفية غير نقدية لا تتوخى المصادقة فقط، بل المصادقة النهائية، وكأن الأمر يتعلق، في العلم، بانتقال من يقين إلى يقين، وبعملية مراكمة لحقائق نهائية وأزلية. أما في حالة القابلية للتكذيب فإن البحث ينشد تكذيبات وتفنيدات للقوانين والنظريات، وهذا بصورة لا حد لها ولانهاية، لأن النظريات مهما صمدت أمام الاختبارات التكذيبية، فإن ذلك ليس من شأنه أن يسبغ عليها طابع الحقيقة النهائية، إذ لا تعدو أن تكون فروضا تخمينية مؤقتة، وإذن فهي مطالبة بالاجتياز المتكرر لاختبارات أكثر فأكثر صرامة. وتتجلى الخاصية النقدية لمعيار القابلية للتكذيب كذلك في أن العالِم الذي يتقدم بنظرية ما، وفق هذا المنظور، ليس عليه أن يسعى إلى إثباتها، بل يجب عليه أن يبرز كيف يكون تكذيبها ممكنا، أي أن الموقف النقدي المنتظر من العالم يقتضي منه القبول بمخاطرة فعلية بنظريته، ما دام أن ملاحظة أو تجربة واحدة مخالفة لمنطوقها من شأنها تكذيبها وهدمها.
ومن الأطروحات المرتبطة ارتباطا وثيقا برفض معيار القابلية للتحقق والاستعاضة عنه بمعيار القابلية للتكذيب أو التفنيد، يمكن الإشارة إلى رفض كارل بوبر للاستقراء كمنهج للعلم، لأن هذا المنهج، الذي كثيرا ما عُد السمة الأبرز للعلم الحديث، يفتقر للصلاحية المنطقية كما سبقت الإشارة، ولأن العلماء لا يتوجهون إلى الطبيعة خاويي الوفاض، بل إن الملاحظة نفسها ليست ممكنة ولا تكون علمية إلا إذا كانت موجهة بخلفية نظرية وبمشكلات وتخمينات أو فرضيات بشأنها يتوخى العالِم الكشف عن خطئها واستبعادها. وهذا يعني أن المنهج الحق للعلم هو منهج المحاولة والخطأ أو المنهج الفرضي الاستنباطي الذي يقوم على أسبقية التخمينات والنظريات على الملاحظات والتجارب، التي يصبح دورها مقتصرا على اختبار تخمينات العالم ونظرياته المؤقتة واستبعاد الخاطئة منها واستبدالها بأخرى. الأمر الذي يحيل أيضا على الكيفية التي يتقدم بها العلم، هذا التقدم الذي يمكن عدُّه نتيجة صراع مستمر من أجل البقاء تخوضه النظريات العلمية، إذ مهما صمدت نظرية ما أمام الاختبارات الأكثر صرامة، ومهما كانت قوتها التفسيرية، فإن الموقف النقدي، الذي يعتبره بوبر السمة الأبرز للعلم الحديث، يقتضي النظر إليها كنظرية مؤقتة سيتم عاجلا أو آجلا استبدالها بنظرية أقوى وأكثر اتساعا، وذلك في عملية تقدم مستمرة نحو الحقيقة المطلقة، التي تظل، بالرغم من كل ما تحقق للإنسان في هذا الميدان، عصية على المعرفة البشرية.
جلي إذن أن العقلانية النقدية ونظرية لا معصومية الإنسان تجد لها في أطروحات بوبر الإبستمولوجية ليس فقط التطبيق الإجرائي لمبادئ وأفكار مجردة وعامة، بل يمكن الجزم بأن هذه الأطروحات وتلك النظرية وجهان لعملة واحدة: فإذا كان الإنسان معرضا للخطأ وقادرا على تصويب أخطائه ومطالبا بالانعتاق من وهم الحقيقة المطلقة، فإن أول مجال يقدم الدليل القاطع على لا معصومية الإنسان هو مجال العلم، ويكفي أن نتذكر كيف سادت نظرية مركزية الأرض لقرون طويلة، اتضح بعدها أنها لا تعدو أن تكون كوكبا سيارا يدور حول الشمس. ولذلك فالدرس المستفاد من الثورات الكبرى التي شهدها العلم في العصور الحديثة يقدمه لنا بوبر ليس فقط من خلال معيار الفصل أو منهج العلم أو طبيعة نظرياته، بل بالأساس من خلال الموقف النقدي الذي يجدر بالإنسان أن يتسلح به اليوم في عالم سمته البارزة التدفق المطرد والمتسارع للمعلومات والأفكار والنظريات.
5 – العقلانية النقدية السياسية:
نظرية الديموقراطية الرقابية
لقد عُرف كارل بوبر كفيلسوف للعلم من الصف الأول، لكن أفكاره السياسية تجعله أيضا وجها بارزا من وجوه الفلسفة السياسية المعاصرة، إذ مثلما دخل في سجال مع كبار الفلاسفة في نظرية المعرفة كهيوم وكانط وراسل وفتجنشتاين وكارناب وغيرهم، فإنه خاض المعركة تلو المعركة في مجال الفلسفة السياسية محاورا وناقدا لفلاسفة كبار من حجم أفلاطون وهيجل وماركس. وبما أن الأمر في سياقنا لا يعدو الوقوف على بعض المجالات التطبيقية للعقلانية النقدية لفيلسوفنا، فإننا سنكتفي بالإشارة، على وجه الاقتضاب والاستعجال، إلى فكرتين تتعلق الأولى بنظرية الديموقراطية الرقابية، وترتبط الثانية بما يطلق عليه فيلسوفنا «التكنولوجيا الاجتماعية الجزئية». ومن شأن هاتين الفكرتين أن تُظهرا الخاصية النقدية للفكر السياسي لبوبر من جهة، وأيضا التماسك والوحدة المميزة لأطروحاته مهما اختلفت مجالاتها من جهة أخرى.
ويعد أفلاطون الفيلسوف الأكثر تعرضا لنقد بوبر في مجال الفلسفة السياسية، وكثير من أطروحات هذا الأخير إنما جاءت كرفض لأطروحات وأفكار سابقة. وكمثال على ذلك، وجه بوبر نقدا لاذعا لأفلاطون بشأن محاولته، من خلال مشروعه السياسي في محاورة الجمهورية بالأخص، إعادة أثينا إلى وضعية المجتمع المغلق، كما انتقده أيضا بشأن السؤال الأساس الذي يفترض أن تعنى به الفلسفة السياسية. فصاحب الجمهورية أخطأ في الانطلاق من «السؤال الساذج الآتي: من الذي يجب أن يحكم؟ ومن الذي يجب أن يمارس السيادة؟»45، إذ خلق، من خلال هذا السؤال، ارتباكا مزمنا في الفلسفة السياسية، لم يتمكن الفكر السياسي المعاصر نفسه من الإفلات منه. وكبديل للسؤال الأفلاطوني (من يجب أن يحكم؟) يقترح بوبر سؤالا جديدا كالآتي: «كيف يمكننا أن ننظم المؤسسات السياسية، بصورة نمنع بها الحكام الأشرار أو غير الأكفاء من التسبب في الكثير من الضرر؟»46.
فالديموقراطية لم تعد، بهذا المعنى، مثالا يعبر ويؤسس إرادة الشعب، بل هي قبل كل شيء منهج من شأنه أن يتيح تجنب الطغيان والتخلص من الحكام الفاسدين واستبدالهم عند الحاجة47. وحجة بوبر هنا وثيقة الصلة بنظرية لا معصومية الإنسان وبأطروحاته الإبستمولوجية: فالإنسان خطّاء كما سلف الذكر، ومهما بلغ الماسك بزمام السلطة من المعرفة فإن عليه أن يعي أنه لا يعرف إلا القليل من الأشياء، كما يتعين عليه أن يدرك حجم المآسي التي يمكن أن تنجم عن قراراته48؛ وليس هناك من ضامن أن الكثرة نفسها (الشعب) ستفعل الصواب.49 كما أنه لا مجال للاتكال على طيبة الحكام وميلهم إلى الخير والعدالة وعلى حكمتهم، بل يتعين منذ البدء مواجهة احتمال مجيء حكومة فاسدة، والاستعداد لأسوأ القادة، دون فقدان الأمل في الحصول على الأفضل50. ليس المهم إذن، حسب الفيلسوف، من يحكم، بل المهم هو ممارسة الرقابة على من يتحمل هذه المسؤولية، وإمكانية تغييره واستبداله عندما تنحرف سلطته وقرارته عن مسارها51؛ أي إن الديموقراطية «ليست سيادة شعبية» بقدر ما هي «محاكمة شعبية»52: فالمبدأ الأساس للسياسة الديموقراطية هو «الرقابة المؤسساتية على الحكام، والتوازن المؤسساتي بين سلطاتهم»53؛ لأن «الحكومة التي يمكن التخلص منها لها رغبة قوية في أن تتصرف بكيفية تنال بها رضا الناس، لكن هذه الرغبة تزول متى عرفت الحكومة أنه ليس من السهل إسقاطها»54. ولذلك، فيوم الانتخابات لحظة حاسمة في الممارسة الديموقراطية، «ليس لأنه اليوم الذي نعطي فيه شرعية للحكومة الجديدة، بل إنه اليوم الذي نعلن فيه حكمنا على الحكومة السابقة، أي اليوم الذي تقدم فيه الحكومة حسابها عن أفعالها»55.
وفضلا عما سبق، يرفض بوبر رفضا قاطعا ما يطلق عليه «طوباوية الحل الثوري»، أي المنظور الذي ينطلق من مبدأ أن التغيير الكلي للمجتمع وحده ممكن، وذلك لأن تغيير المجتمع في كليته، من الناحية الفعلية، أمر متعذر؛ ولأن ذلك الذي يضع نصب عينيه هدفًا كهذا لا يمكن أن تتوفر له المعرفة اللازمة لذلك، والكثير من قراراته ستترتب عليها نتائج غير متوقعة وغير مرغوبة. وبالمقابل ينادي بوبر بإصلاح اجتماعي سياسي ديموقراطي، ويصفه بـ»البناء خطوة خطوة»، أو بواسطة «تدخلات محدودة» أو من خلال «هندسة متدرجة» أو «تكنولوجيا اجتماعية جزئية»56. فالأمر يتعلق بمنهج للتغيير العقلاني الجزئي والمتدرج للمجتمع، عبر الكشف عن عيوبه ونواقصه والعمل على استبعادها. وهذا النهج التكنولوجي الجزئي الذي يقترحه بوبر لا يتحدد قبليًا بمثال مطلق من شأن السعي لتحقيقه أن يفضي إلى قلب المجتمع القائم رأسا على عقب، بل يتوجه ويستهدف تغيير مستويات محدودة، لكن ذلك وفق رؤية تنشد التغيير المتدرج والمتتابع للمؤسسات؛ ولا يتعلق الأمر في منهج «التدخلات المحدودة» هذا أبدا بأهداف كبرى (السعادة، المدينة الفاضلة…) من الصعب التحكم في شروط تحقيقها فعليا، لأن الاهتمام في هذا المنهج ينصب على الكشف عن أعظم شرور المجتمع وأكثرها إلحاحا (الحرب، الظلم، المرض، الجريمة…)، والعمل على مواجهتها واستبعاد ما يمكن استبعاده منها.
تكشف فكرة الديموقراطية الرقابية وأيضا أطروحة التغيير العقلاني والمتدرج للمجتمع عبر الكشف عن عيوبه والتخلص منها، الخاصية النقدية وأيضا الجدة التي تتميز بها الأفكار السياسية التي ناضل بوبر طويلا من أجل إيصالها إلى العالم؛ فالمجتمع البشري مليء بالنواقص والشرور، التي يفترض في الممارسة السياسية أن تنكب على الكشف عنها ومحاصرتها والقضاء عليها بالتدرج والتبصر اللازمين، بذات الكيفية التي يجري بها الكشف عن أخطاء النظريات العلمية من خلال اختبارات تجريبية أكثر فأكثر إتقانا ودقة. وفي المجالين معا، يتعلق الأمر بعقلانية نقدية تقوم على فكرة قابلية الإنسان للوقوع في الخطأ ومن ثمة الحاجة الماسة لأن يدرك محدودية معارفه العلمية والعملية، ويخضع فاعلياته المختلفة لنقد يقظ ومساءلة دائمة لا تنضب ولا تجف.
على سبيل الختم:
يسعفنا العرض الذي قمنا به لنظرية لا معصومية الإنسان ولبعض تطبيقاتها في مجالي فلسفة العلم والفلسفة السياسية أن نخلص إلى الجزم بالخاصية النقدية لفلسفة كارل بوبر، خاصية نقدية تجد نقطة انطلاقها في شخصية سقراط نفسه، لتتجسد في تجاوز إخفاق العقلانية الفلسفية الكلاسيكية بتياريها الرئيسين العقلاني والتجريبي، دون الوقوع في اللاعقلانية الشكية أو النسبية، وذلك من خلال بيان أن العقلانية النقدية وحدها تحظى بالمشروعية، فالحقيقة المطلقة ليست في متناول الإنسان، والعلم ليس البتة حقائق تامة وناجزة تُصب في وعاء العقل أو يُنقب عنها في أفكاره الفطرية، وليس هناك مصدر نهائي للمعرفة والحقيقة يكفي أن نركن إليه وألا نحيد عنه كما ظن بيكون ولاحقوه وكما توهم ديكارت ومناصروه؛ لكن ذلك لا يعني أبدا استحالة المعرفة، بل يعني فقط أن الوسيلة التي بحوزة الإنسان فعليا لتحصيلها هي الكشف عن أخطائه واستبعادها، الأمر الذي نعتمد فيه على التجربة، ليس كمصدر للنظريات والقوانين العلمية، بل كمحك لاختبارها والكشف عن الخاطئة منها واستبدالها بأخرى؛ وهكذا صار لزاما على النظريات العلمية أن تخوض صراعا دائما من أجل البقاء عبر اجتياز الاختبارات تلو الاختبارات، وصار لدينا، وفق هذا المنظور، معيار يتيح التمييز بوضوح كاف بين ما ينتمي إلى العلم التجريبي وما يقع خارجه، وهو معيار القابلية للتكذيب أو التفنيد، وعُدّ عدم القابلية للتكذيب أو التفنيد رذيلة إبستمولوجية تستبعد الكثير من النظريات والأفكار من دائرة العلم، لعدم إمكانية اختبارها ولانحرافها عن الموقف النقدي، الذي يمثل الثمرة الناضجة للثورات التي شهدها العلم منذ القرن السادس عشر وإلى اليوم. وهذا الموقف النقدي تجسده أيضا أطروحات بوبر السياسية التي تنادي بديموقراطية نقدية يلعب فيها الناخبون دور الرقابة اليقظة على قرارات وممارسات الأفراد أو الهيئات التي تتولى المسؤوليات السياسية المختلفة، فضلا عن الدعوة إلى إصلاح اجتماعي وسياسي جزئي ومتدرج أداته الأساسية هي النقد، الذي يتجلى هنا، وعلى غرار ما يحدث عندما يكتشف العالم أخطاءه ويستبعدها، في النأي عن المثاليات والأهداف الكبرى واستهداف شرور المجتمع ونواقصه واستبعاد ما أمكن استبعاده منها. وهكذا نكون قد وقفنا على الوحدة والاتساق الذي يتميز به فكر بوبر في مجمله، فالعقلانية النقدية ليست مجرد شعار أو عنوان عريض لمذهب فلسفي يدافع عن مشروعيته ضدًّا لمذاهب أخرى، بل إن الأمر يتعلق بأرضية صلبة تصدر عنها كل أطروحات الفيلسوف الإبستمولوجية والسياسية. وإذا كان من البديهي أن النسق الفلسفي لبوبر ينمو ويتفرع في منحيين إبستمولوجي وسياسي كما سلف، فإن اللحمة والخيط الرابط الذي لا ينفصم بين هذين المنحيين المتباينين أشد ما يكون التباين ما هو إلا نظرية بوبر في لا معصومية الإنسان.
الهوامش
1- Popper (Karl) [1963], Conjectures et réfutations (la croissance du savoir scientifique), traduit de l’anglais par Michelle-Irène et Marc B. de Launay, Éditions Payot, paris, 2006, p. 70-72.
2- يقول بوبر: «والواقع هو أنني لست فقط تجريبيا وعقلانيا من نوع خاص، بل ليبرالي أيضا (بالمعنى الإنجليزي للفظ)». ينظر:
Popper (Karl) [1963], Conjectures et réfutations (la croissance du savoir scientifique), op.cit., p. 22.
3- Ibid, p. 51.
4- Ibid, p. 36.
5- Ibid, p. 52.
6- Popper (Karl) [1963], Conjectures et réfutations (la croissance du savoir scientifique), op.cit., p. 52.
7- Popper (Karl) [1963], Conjectures et réfutations (la croissance du savoir scientifique), op.cit., p. 26-28.
8- Ibid, p. 21.
9- Ibid, p. 19.
10- Ibid, p. 20.
11- Ibid, p. 20.
12- Ibid, p. 21.
13- Ibid, p. 25.
14- Ibid, p. 25.
15- Ibid, p. 21.
16- Ibid, p. 25.
17- Ibid, p. 36.
18- Ibid, p. 35-36.
19- Ibid, p. 23.
20- Ibid, p. 23.
21- Ibid, p. 38.
22- Ibid, p. 50.
23- Ibid, p. 23.
24- Ibid, p. 46.
25- Ibid, p. 38.
26- Zarader (Jean-Pierre) (sous la direction de), le vocabulaire des philosophes (la philosophie contemporaine XX siècle), Ellipses Éditions, Paris, 2016, p. 624.
27- Le Roux (Jean), une histoire comparée de la philosophie des sciences, Volume II, Presses de l’université Laval, Québec, 2010, p. 63.
28- Popper (Karl) [1963], Conjectures et réfutations (la croissance du savoir scientifique), op. cit., p. 36.
29- Ibid, p. 52.
30- Zarader (Jean-Pierre) (sous la direction de), le vocabulaire des philosophes (la philosophie contemporaine XX siècle), op.cit., p. 624.
31- Le Roux (Jean), une histoire comparée de la philosophie des sciences, op.cit., p. 63.
32- Popper (Karl) [1963], Conjectures et réfutations (la croissance du savoir scientifique), op.cit., p. 54.
33 – ينتقد بوبر بشدة نظرية المعرفة التي يطلق عليها «نظرية الذهن الوعاء»théorie de l’esprit-seau ، وفي المقابل، يتحدث بوبر عن «نظرية المسلاط» théorie du projecteur حيث الذهن الإنساني يلعب دورا حاسما في عملية المعرفة، لأن انتظاراته وفرضياته وتخميناته هي التي تلقي الضوء على الوقائع والتجارب، التي لا تعود مصدرا للمعارف بقدر ما هي اختبارات بالنسبة لانتظارات الذهن وفرضياته ووسيلة أساسية لاستبعاد الخاطئة منها. لمزيد من التوسع بهذا الشأن، ينظر:
Le seau et le projecteur : deux théories de la connaissance in Popper (Karl), La connaissance objective (une approche évolutionniste), Traduit de l’anglais par Rosat (Jean-Jaques), Flammarion, 1998, 499-528.
34- ينظر بصدد مفهوم «الدنو من الحقيقة» vérisimilarité:
Vérité, rationalité et progrès de la connaissance scientifique in Popper (Karl) [1963], Conjectures et réfutations, op. cit., p. 319-369.
35- Zarader (Jean-Pierre) (sous la direction de) [2002], le vocabulaire des philosophes (la philosophie contemporaine XX siècle), op.cit., p. 625.
36- Popper (Karl) [1963], Conjectures et réfutations (la croissance du savoir scientifique), op.cit., p. 52.
37- Ibid, p. 53.
38- Ibid, p. 59.
39 – بوبر (كارل) [1934]، منطق البحث العلمي، ترجمة د. محمد البغدادي، المنظمة العربية للترجمة، لبنان، الطبعة الأولى، 2006، ص.: 76.
40 – ويورد فيلسوفنا مثالا على اختبار تكذيبي تعرضت له هذه النظرية سنة 1919، ومفاده أن نظرية أينشتاين تتنبأ بانحراف أشعة الضوء في مجالات الجاذبية القوية. وهذا التنبؤ من المستحيل اختباره في الأحوال العادية، لأن ضوء الشمس الساطع نهارا لا يسمح برؤية ضوء النجوم عند مروره قرب الشمس لرصد ما إذا كان الانحراف المتنبأ به فعليا؛ وكان يتعين انتظار فرصة تحجب فيها أشعة الشمس تماما، مما سيسمح لنا برؤية ضوء النجوم وهي مارة بقربها. وهذا ما تم من خلال بعثة الجمعية الملكية البريطانية بقيادة أرتور ستانلي إدينغتون Arthur Stanley Eddington إلى جزيرة برانسيب Principe في غرب إفريقيا، هذه البعثة التي رصدت كسوفا كليا للشمس في التاسع والعشرين من شهر ماي 1919، وأثناء ذلك التقطت صورا تظهر موقع ضوء النجوم المار قرب الشمس، وتبين لها من خلال ذلك تأثير الجاذبية القوية على المكان وفق نظرية أينشتاين. وقد احتفلت المجلات العلمية عبر العالم بالذكرى المئوية لهذا الحدث العلمي الكبير، في شهر ماي من سنة 2019، وخصصت أعدادها لهذا الشهر للاحتفاء بأينشتاين وبنظريته في النسبية العامة، التي اجتازت بنجاح، من خلال بعثة الجمعية الملكية البريطانية، أول اختبار تجريبي لها.
41- Popper (Karl) [1963], Conjectures et réfutations (la croissance du savoir scientifique), op.cit., p. 61.
42 – بوبر (كارل) [1934]، منطق البحث العلمي، (مرجع سبق ذكره)، ص.:75.
43 – المرجع نفسه، ص.: 63.
44 – المرجع نفسه، ص.: 77.
45 – بوبر (كارل) [1997]، الحياة بأسرها… حلول لمشاكل!، ترجمة د. بهاء درويش، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1994، ص.: 230.
46 – بوبر (كارل) [1945]، المجتمع المفتوح وأعداؤه 1 (أحاجي أفلاطون)، ترجمة د. السيد نفادي، دار التنوير للطباعة والنشر، لبنان، الطبعة 1، 1998، ص.: 124.
47 – Zarader (Jean-Pierre) (sous la direction de), le vocabulaire des philosophes (la philosophie contemporaine XX siècle), op.cit., p. 634.
48 – ينقل بوبر، إلى مجال الممارسة السياسية، ذات الفكرة السقراطية المرتبطة بالوعي بحدود المعرفة؛ فالمعرفة الإنسانية، في هذا المجال، أكثر محدودية والحاجة فيه إلى النقد وتعدد وجهات النظر. ينظر بهذا الشأن:
بوبر (كارل) [1993]، خلاصة القرن، ترجمة الزواوي بغورة ولخضر مدبوح، المجلس الأعلى للثقافة -المشروع القومي للترجمة)، القاهرة، الطبعة الأولى، 2002، ص.87-88.
49 – «فنحن جميعا أو كلنا معرضون للخطأ، مما يعني أن الشعب هو كذلك يخطئ مثله مثل أية جماعة إنسانية» ينظر:
بوبر (كارل) [1993]، خلاصة القرن، (مرجع سبق ذكره) ص. 92.
فبعض القرارات الإجرامية التي اتخذتها الديموقراطية الأثينية، مثلا، تظهر، بما لا يدع مجالا للشك، تهافت الأيديولوجية القائلة إن الشعب معصوم من الخطأ.
50 – بوبر (كارل) [1945]، المجتمع المفتوح وأعداؤه، (مرجع سبق ذكره)، ص. 123.
51 – يعطي بوبر مثالا على هذه الممارسة الديموقراطية الجوهرية المتمثلة في إمكانية استبدال الحكام باستقالة الرئيس الأمريكي نيكسون سنة 1974. يقول: «مما دل على الصفة الديموقراطية للولايات المتحدة استقالة رئيس الجمهورية ريتشارد نيكسون، والتي كانت في حقيقتها إعفاء له من منصبه». ينظر:
بوبر (كارل) [1997]، الحياة بأسرها … حلول لمشاكل!، (مرجع سبق ذكره)، ص. 232.
52 – بوبر (كارل) [1993]، خلاصة القرن، (مرجع سبق ذكره)، ص. 91.
53 – بوبر (كارل) [1945]، المجتمع المفتوح وأعداؤه، (مرجع سبق ذكره)، ص. 129.
54 – بوبر (كارل) [1997]، الحياة بأسرها … حلول لمشاكل!، (مرجع سبق ذكره)، ص. 214.
55 – بوبر (كارل) [1993]، خلاصة القرن، (مرجع سبق ذكره)، ص. 91.
56 – بوبر (كارل) [1944-1945]، عقم المذهب التاريخي (دراسة في مناهج العلوم الاجتماعية)، ترجمة عبد الحميد صبره، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1959، ص. 78.
المراجع:
باللغة العربية:
بوبر (كارل) [1934]، منطق البحث العلمي، ترجمة د. محمد البغدادي، المنظمة العربية للترجمة، لبنان، الطبعة الأولى، 2006.
بوبر (كارل) [1944- 1945]، عقم المذهب التاريخي (دراسة في مناهج العلوم الاجتماعية)، ترجمة عبد الحميد صبره، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1959.
بوبر (كارل) [1945]، المجتمع المفتوح وأعداؤه 1 (أحاجي أفلاطون)، ترجمة د. السيد نفادي، دار التنوير للطباعة والنشر، لبنان، الطبعة 1، 1998.
بوبر (كارل) [1993]، خلاصة القرن، ترجمة الزواوي بغورة ولخضر مدبوح، المجلس الأعلى للثقافة -المشروع القومي للترجمة)، القاهرة، الطبعة الأولى، 2002.
بوبر (كارل) [1997]، الحياة بأسرها… حلول لمشاكل!، ترجمة د. بهاء درويش، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1994.
باللغة الفرنسية:
Popper (Karl) [1963], Conjectures et réfutations (la croissance du savoir scientifique), traduit de l’anglais par Michelle-Irène et Marc B. de Launay, Éditions Payot, Paris, 2006.
Popper (Karl) [1972], La connaissance objective (une approche évolutionniste), Traduit de l’anglais par Rosat (Jean-Jacques), Flammarion, 1998
Zarader (Jean-Pierre) (sous la direction de), le vocabulaire des philosophes (la philosophie contemporaine XX siècle), Ellipses Éditions, Paris, 2016.
Le Roux (Jean), une histoire comparée de la philosophie des sciences, Volume II, Presses de l’université Laval, Québec, 2010.