أحمد يماني
شاعر وأكاديمي مصري
سيكون مدعاة للقلق بالنسبة لي أن أحاول الكتابة بشكل محايد عن صديق مبدع، خاصةً لو كان صديقًا مقربًا، إذ إن المودة والإعجاب الفني يتداخلان ويصعب الفصل بينهما.
على جدران بيتي بمدريد، أعلّق لوحات حنوش حنوش، صديقي العزيز والفنان العراقي الكبير الذي يقيم بالعاصمة الإسبانية منذ ما يزيد على أربعة عقود، حصد خلالها أكثر من أربعين جائزة، ما يعني جائزة كل عام. لقد بدأ حنوش مسيرته الفنية في منتصف الثمانينيات بالعراق، ومن هناك أعد حقائب السفر ليستقر به المطاف في إسبانيا. أما مرسمه، وهو جزء من بيته المدريدي، فقد غدا مكانًا حميميًا ودافئًا ومحببًا إلى النفس، خاصةً بالنسبة لي شخصيًا، إذ هناك أشعر بأني في بيتي لكن في زمن آخر، في واحد من الأزمنة الثقافية المتعددة التي اجتمع فيها كبار المثقفين العرب والإسبان ليتبادلوا الحوار.
تنطلق لوحات حنوش من محيط الحياة اليومية، غير أن هذه الحياة تعلو لتستحيل فكرًا ساميًا. يستمد الفنان ينابيع إلهامه من الماضي البعيد، هذا الإرث الفني المدهش لمسقط رأسه: العراق، كما من ماضيه القريب المتمثل في الإرث الحسي للفن الأوروبي. وفي فنه، يتداخل الشرقي والغربي ليتكوّن هجين فني من الدرجة الأولى. يتمتع حنوش برؤية جمالية خاصة، فينكر على الدوام توغل الواقعية في الفن الحديث، منطلقًا من أفلاطون ومن الفن الإسلامي: استنساخ مطابق للحظة واقعية، محاكاة مزدوجة لعالم بلا معنى. ورغم أنه أكاديمي -دكتور في الفنون الجميلة-، إلا أن رسمه يقاطع الهيكل الأكاديمي المتفق عليه. لقد اختار الفنان التشكيلي، كأدوات صريحة، الاستخدام الخاص للألوان والصور البشرية، وصور النساء بالذات، بإضاءة شفافة تمتد على طول لوحته بأكملها.
لقد عرّفني حنوش على وكلاء كبار في الفن التشكيلي الإسباني المعاصر، كذلك على رسامين ونحاتين ونقاد وجامعي لوحات وعارضين وتجار. ومن خلال عملي ببرنامجي الثقافي في الراديو الوطني الإسباني، في بثه العربي، استضفته هو وأصدقاءه في عدة حلقات لافتة حول الفن التشكيلي الإسباني.
كواحد من أبرز الرسامين في الوقت الراهن، كرّس حنوش حياته بأكملها للفن، دارسًا وراسمًا ومعلمًا، إذ من سن مبكرة استجاب لميله الفطري كفنان. وفي حواراتنا، سواء في اللقاء أو عبر التلفون، نتناقش دائمًا حول موضوعات عدة تتعلق بالفن والفكر والشعر، الذي يعشقه، رغم أن ذوقنا الشعري لا يتفق دائمًا.
من الأهمية بمكان بالنسبة لي أن يكون لدي صديق في مدريد بثقافة الفنان حنوش، يمكنني أن أتقاسم الكثير معه، وفي مرسمه أشعر بهذه السكينة وهذه الطمأنينة التي لا يستطيع سوى الفن وحده أن ينقلها إلينا بطريقة فريدة.