إسحاق الخنجري
1 – أعدك أيها الموت
لن أجدف الكلمات إلى جزر بعيدة
ولن أنظر إلى سماء
مترعة بالغيوم
لن أربت على أي زهرة يانعة
في الحقل
ولن أمجد
أناشيد الرعاة والصيادين
سأظل واجما أمام أشواكك
مثل نورس
في اشتداد البرد
أنظر إلى رماحك الكثيرة
وأتأمل الغياب
2 – كم مرة رأيتك
تقبض النهر عن الجريان
والشمس عن السطوع
رأيتك
تحرق الأشجار والمنازل
وتشيد أهراما من الجثث
تنثر العدم على الطرقات
ثم تتعالى حاقدا
كألسنة اللهب
كم مرة رأيتك
تنزلق بخفة الثعلب
إلى غابة مهجورة
لا يصلها الضوء
ولا تلمع فوقها النجوم
رأيتك
ترصد أقمارا
لا يتخيلها الأعمى
وتنحدر
بأغنيات الغجر
إلى جروف بعيدة
كم مرة رأيتك
تكدس الأحجار في قلبك
وتهبط من الجبال منتشيا بالحصائد الغادرة
رأيتك تضرب العشاق أمام البحر
وتصرخ بأعلى صوتك
أنا ملك الأرض
سليل البرابرة القدامى
حامل الرايات الأخيرة
إلى القيامة
الوحيد الذي يطوي العالم
في خطفة واحدة
3 – ألا تتعب
من غناء التمثال
في أعماقك
4 – ليتك تأملت
هزيمة العشب في طوفان نوح
وخففت من شهوة النمر
في دمك
ربما استفقت من القسوة
وذرفت قليلا
من الدمع البارد
لعلك تستكين من الغضب
الذي ينتابك ليل نهار
5 – ماذا تريد
من الطين الرمادي
نحن لسنا سوى أطفال
دثرهم الوقت
وتاهوا غرباء
في حدائق حالمة
6 – توهمنا أن نراك ألطف
من طفل يرسم في يده
دالية عنب
أحن من امرأة
تراقب ذكرياتها تتهادى
في مرايا الغرف
7 – لليل في جراحنا
جهة الجنوب الدافئة
ولك جهة الرياح الشمالية العاتية
حين تنحسر الشموع
عن القناديل
وينتشر الظلام
8 – هل يكفي أن نغني
عن الأيائل الضاحكة
في عيون الأبرياء
أن ننشر أحزاننا فوق السطوح
كي تهدأ وترق
وتبتسم قليلا
9 – تذكر
حين تهبط على الأرض
تغدو الأرواح خيولا جافلة
والنواحي
بيارق خذلتها الرياح
10 – مرارا نظرنا إليك
كما تنظر فراشة صغيرة إلى ذئب
مرارا انسحبنا من حضورك
وتركنا خلفنا البروق
تنادم أمسياتك الحمراء
11 – أيها السيف المارد
الذي لا يعرف معنى النرجس
والمطر
القط البري ذو الخطوات الشريدة
والأنفاس الجارحة
الصخرة التي يدحرجها الفجر
في برودة الشتاء
الدخان الهابط من حرائق مجهولة
الهواء بلا رائحة
السد الذي لا يدرك عذوبة الماء
القبطان التائه بين الضباب
12 – أينما اتجهت
ستسقط لا محالة
فأنت لست متوجا بالأبد
ولا محفوفا بالذهب صباح مساء
ستغور قدماك ذات يوم
في طين لازب
ولن تستطيع الفرار
13 – ما الذي يحرك يديك
نحو أمجاد واهمة
وأفلاك لا ترى
متى تستلقي مثل الفقراء
غريبا على رابية
كي تصمت في داخلك
أجراس الوهم
14 – ألا تدري
كلما تسامت الصحراء في عينيك
تنطفئ وجوه وغدران
وتنكسر عصافير هائمة
ممتلئة بالبياض
تنخمد قرى
وتسقط بلابل
كانت تطير إلى مشارب قصية
تضمحل بحيرات
وترتبك أسماك
مخدرة بهدير الأمواج
تتمادى الصفات التي لا نعرفها
ولا تعرفنا
تبكي الجهات كلها
وتندلق رمال ملتهبة
يتفشى الضجر
وتصبح الحياة براري محترقة