محمد العزوزي
لاحزن بعد الآن
ولا شجر في الأفق ليكون للظل
أكثر من صيغة للوجود
ولا وقت للندم
لأن الهندي الأحمر
الذي ضيع وقته
في تصديق نبوءة
معلقة على الانتظار
لم يتبقَّ له
ما يصدقه
فصار يكذب حواسه
ليجد ما يصدقه
لاحزن بعد الآن
لأن السماء التي كانت
تهيج غيماتها بفرح
ليجري نهر بكامل عنفوانه
نحو كتامة
فقدت كل تلك القدرة
على غواية الربيع
ليمرح كحمل مرح
في الإليانو أماريو
ويمازح
بطفولية
أشجار الأرز
والسنديان
فتقفز الضفادع التي يملأ
نقيقها المكان
إلى النهر
عندما يحاول أن يقفز
عاليا في السماء
لا حزن بعد الآن
لأن الأفكار التي استهلكت
كثيرا من القنب الهندي
استفاقت
على وقع كابوس
فلم تجد في النبع الذي كان سخيا
ماء
لتبلل وجهها
لتمضي
حالمة إلى يقظتها
بكامل ألقها
لا حزن بعد الآن
لأن البحيرات الكبرى
التي كانت تملأ الأفق
لم تعد
تتراءى على مرمى البصر
بعد أن دخنت لفافة كبيرة من مسحوق القنب الهندي
بأمستردام
ولم يعرف من دخنها
فجفت بلا إشعار
ولم يعرف من شرب ماءها
لا حزن بعد الآن
لأن أغصان أشجار الأرز
التي كانت تحرس الحافة التي تطل على أجراف الحلم
لم تعد لها القدرة
على حمل العصافير
التي جاءت من رحلتها
متعبة
ووجدت فصل الربيع
خرج مبكرا
من لعبة من الفصول
بعد أن قامر
بوجوده
مع مزارع جشع
ليزرع القنب الهندي
على حواف الوادي
لا حزن بعد الآن
لأنك أيها الهندي
الذي أدمن القنب الهندي
لن تجد
وقتا للندم
ولا مسحوقا للقنب الهندي
لتشكل به
دوائر من أحلام
بدخان الماريجوانا
ولن تجد
ما تعمق به ضحكك الهستيري
من كل شيء
حولك
من نفسك
ومن وجودك
ومن ورطتك
فالحلقة المفرغة
التي قذفت بنفسك
فيها
تجري كدوامة
بلا توقف
فأنت مشلول الحواس
ولن تدرك ما يجري حولك
لا حزن بعد الآن
أيها الهندي
الذي أدمن القنب الهندي
لأنك ستذكر هنودا آخرين مثلك
كانوا مثلك
في الحلم
والهوية
والحياة
ولأنهم بلا حزن
بكامل الفرح
كانوا
يتحلقون حول النار
يتابعون
أوراق الوقت
والتبغ المحترقة
وهي ترسم طرقا ملتوية إلى السماء
بالدخان
تعلو
وتعلو
فتضيع في كل الجهات
فلا يدركوا الخيط
الذي يجرهم إلى إدراك
وجودهم
إلا في غيبوبة جارفة
لا حزن بعد الآن
فلا وقت تبقى لك للحزن
وقد استنزفت كل أرصدتك من الحزن
ستقف على سفوح عميقة
بذاتك
لتدحرج
أحلاما
وأفكارا
عليها
لكن لن تجد أجوبة
لأسئلتك
ستنظر عميقا بعيون أخرى
إلى ذاتك
ستنظر
كما كنت تنظر
إلى النسر
يفرد أجنحة الريح
ستفكر
في العواء الذي كان يسبق الذئب
لتتحسس وجودك
ستعوي
ولن تجد بابا
في الصدى
ستفكر في حفيف
ليدلك إلى شجرة الأرز
ولن تجد طريقا إليها
ستتذكر أنه كان هناك
نهر كان يجري
فتدرك أنه منذ زمن بعيد
توقف عن لعبة الوصول
ولم يعد يصل
فالمصب
تعب من المهزومين
وأدار وجهه نحو البحر
لا حزن بعد الآن
لأنك ستعلق كثيرا
بذاتك
ولن تجد أمامك
إلا نايا ليأخذ منك أصابعك
لتنزف ندما ودما بالأغنيات
ستسأل نفسك
في مونولوج مع نفسك
كم أضعت من الوقت
وأنت تدخن القنب الهندي
ولماذا سمحت للنهر بالتوقف
فلم يعد يدرك الوصول
لماذا لم تنتبه
للسنديانة عندما كانت تشنق
لماذا لم تحرك
عيونك إلى أعلى
عندما كانت شجرة الأرز
تنزف
كان عليك أن تنتبه
إلى كل شيء
إلى العصفور الذي لم يأت
إلى النهر الذي توقف
كان ضروريا
أن تعود إلى حالتك الطبيعية
منذ زمن بعيد
وتكون جلستك الأخيرة
كجلسة الموهيكانز الأخيرة
لتدخين القنب الهندي.