حمود سعود
ماذا لو قررتُ هذا الصباح أن أهرب من جحيم التدريس، وأصبح بائع ماء، ماذا لو كنت الآن أقود صهريج ماء أزرق في شوارع العامرات التي تكتظ بعلب الإسمنت والبيوت البيضاء والضجر المتكدس في الطرقات، لا علينا من الخيال الذي قذف بـ “ماذا لو”. الآن أقود صهريج ماء إلى مرتفعات العامرات، وفي الظهيرة الحارقة بالتحديد الزمني، أنصتُ لأغنية هندية تنبعث من المحطة الإذاعية، أتذكر الأغاني الهندية المنبعثة من غرف العمال الخشبية، أهرب من الذكريات، أسافر في اللحظة إلى طفولتي، وأتذكر الأفلام الهندية المنبعثة من الصندوق الخشبي يوم الجمعة، أعود إلى خيالي، أنظر إلى الشارع الفاصل بين العامرات وبوشر، قلت كيف يمكنني أن أجعل أهل العامرات يصلون إلى البحر بكل سهولة، لا علينا، سأستخدم “ماذا لو”. وستبحر أحلام أهل هذه المدينة إلى المحيطات، سيطاردون أسماك خيباتهم، وحيتان عمرهم المهدور.
ماذا لو رميت أكياس الملح المهربة من قريات في ماء الصهريج؟ وشرب أهل العامرات ماء مالحًا لمدة عام، وتحول الآباء إلى حيتان ودلافين، وتتحول الأمهات إلى سلاحف، ويتحول الأطفال إلى أسماك صغيرة ملوّنة، والعمال إلى أصداف. وبعض الشباب المتعجلين الذين لن تعجبهم هذه اللعبة، سيطالبون خيال السارد بأن يتحولوا إلى نوارس ليصلوا إلى البحر سريعا. سيرد السارد عليهم في خياله: “المستعجل ماكل شوبه نيّ”.
ستحتج وتتمرد السلاحف والحيتان والأسماك الملونة، كيف تحولني أيها السارد بخيالك الفاشل إلى كائنات بحرية في مدينة جافة تحيط بها جبال قاحلة، قال خيال السارد للكائنات التي تهتف أمام بيته: لا عليكم ستصلون القرم قريبا، أسرع من النوارس التي لن تستطيع أن تحلق فوق عقبة العامرات، ستصطدم بالطائرات التي تحط في مطار مسقط.
انتظر قليلا لينام القراصنة المترصدون في وادي عدي، ولكي يعود العمال البنجاليون من ضفاف وادي عدي بعد رحلات صيد من البرك المائية. في الفجر تحركت الكائنات البحرية المتحولة في خيال السارد، وبعد ليلة ماطرة جارفة لم تشهد العامرات مثلها من قبل، الحيتان تُغني، السلاحف تشاغب الأسماك الملونة، الأسماك الملونة متلهفة لترى البحر والحديقة والحياة في القرم، أهالي حلة السد الرابضة بالقرب من الجسر، صعدوا فوق الجبال، وبعضهم تسلق سطوح مبانٍ وبناية وادي حطاط، سكان القرم وصلهم خبر قدوم كائنات بحرية وحيتان من وادي عدي. أغلقوا بيوتهم، ونوافذهم، بعضهم نزح إلى أطراف المدينة. سكان مرتفعات القرم ورأس الحمرا حملتهم باصات وسيارات شركة BDO إلى فنادق خارج العاصمة.
السلاحف عندما رأت مبنى سلطان للتسوق، في الوطية على مخرج وادي عدي، ذهبت للتسوق، الحيتان انتشروا في مقاهي القرم ومجمع العريمي، الأسماك الملونة ذهب بعضها بلهفة إلى حديقة القرم، وقفزت فوق الأشجار، عمال الحديقة هربوا نحو دارسيت، وبعضها أغرتها رائحة البحر، بعضها الآخر استراح على شاطئ الحب، بوارج بحرية أخلت السفارات الأوروبية، السياح تكدسوا في مطار مسقط. الطائرات المغادرة والقادمة لم تستطع النزول ولا المغادرة بسبب هجوم طيور النوارس التي تطير في سماء مسقط.
الموظفون القادمون إلى بحيرات أعمالهم لم يصلوا حي الوزارات، المجمعات التجارية لم تفتح أبوابها. مسقط تحولت إلى حالة غرائبية، أسراب من طيور النورس في كل الشوارع والأشجار وإشارات المرور، لا تستغرب إذا رأيت جسر الغبرة لا تعبر فوقه أي سيارة أو كائن بشري. أو رأيت جسر القرم مكتظًا بالحيتان والسلاحف، أو رأيت شاطئ القرم خاليًا من أي سائح أو رجل متقاعد يمشي، أو طفل يبني قلاعًا من رمل، فالسلاحف والحيتان قد سرقت المشهد، فالجسور تحولت إلى أحواض وأعشاش. لا تندهش إذا رأينا جيشًا من السلاحف يحاصر مبنى الإذاعة والتلفاز مطالبا العاملين فيه بأن يبث مسرحيات وأفلامًا كوميدية لأنهم بدؤوا يشعرون بالضجر من الأغاني الوطنية.
بدأ سكان العاصمة ينزحون إلى الولايات والقرى، يغلقون أبوابهم والنوافذ، تركوا بعض الطعام للكائنات التي غزت مدينتهم، الشوارع مكتظة، في الليل تحولت المدينة إلى فراغ مخيف، سيارات الشرطة تتجول بحذر في الشوارع، أحيانا يتوقفون، عندما يشاهدون مجموعة سلاحف في وسط الشارع أو فوق الجسر.
ماذا عن العامرات، وصهريج الماء الأزرق الذي أقلق حياة آلاف البشر. لا شيء سيحدث في العامرات، فقط صاحب الخيال، وجد نفسه نائما في صهريجه الأزرق، وقد حاصرت المياه العامرات، وقد تحسرت السلاحف والحيتان والأسماك الصغيرة الملونة والنوارس أنها قضت حياتها في مدينة ضجرة.