إسماعيل الموساوي
في تاريخ الفلسفة فلسفاتٌ احتفي بها كثيرا، فظهرت على مسرح التفلسف في عدة مناسبات، مما جعلها منتشرة في مشارق الأرض ومغاربها، وهناك فلسفات لا يعرف عنها إلا قليل مما كتبت أو لا يعرف عنها شيء، مع العلم أنّها لا تقل أهميّة من التي انتشرت في صفوف الفلاسفة والمهتمين بالشأن الفلسفي عموما. إن فلسفة جون سيرل John searle يمكن تصنيفها ضمن النوع الثاني من هذه الفلسفات، وآية ذلك، أن ما يعرف ويتداول حول فلسفته هو ما كتبه سيرل في بداية مشروعه الفكري الذي بدا فيه سيرل متأثّرا بأفكار أستاذه أوستين Austin في الطابع الإنجازي للغة وإقراره بذلك في عدة سياقات متنوعة، إلا أنّ هذا الفيلسوف قد انتقل به البحث في عدة مباحث ويكفي هنا أن نورد ما قاله نيك فاسيون Fation في دراسته القيمة المعنونة بـ [2000] John searle جون سيرل، التي قال فيها عادة ما يتم تصنيف جون سيرل بكونه ينتمي إلى الفلسفة التحليلية، ولكنه يتجاوز ذلك، نظرا لكتابته في مواضيع متنوعة ومتعددة، ولكن على الرغم من ذلك، نجد أنصار الفلسفة التحليلية يركزون على جوانب معينة من فلسفته، إن جون سيرل قد كتب في نطاق واسع وفي موضوعات عديدة نخص بالذكر منها: في فلسفة اللغة وفلسفة العقل وطبيعة المؤسسات الاجتماعية …1.
لقد اتسمت فلسفة سيرل بالتنوع إذ انطلق من اللغة فأدرك أن مجمل المشاكل المطروحة فيها ترجع بالأساس إلى العقل، فنقل البحث إلى دراسة مشكلة العقل التي كتب فيها في عدة مناسبات وفي أكثر من كتاب، ثم انتقل إلى دراسة المجتمع من خلال النتائج التي توصل إليها في اللغة والعقل، مقرا بدور اللغة والقصدية والعقل بصفة عامة في بناء العالم الاجتماعي والمؤسساتي.
يعد مفهوم الوعي والقصدية من بين المفاهيم التي تنتظم عليها فلسفة سيرل جميعها، وقد أدركنا هذا الأمر منذ شروعنا في الاشتغال على هذه الفلسفة. كما تنوعت لحظة سيرل بمناقشة العديد من المشكلات التقليدية في الفلسفة، ولعل أبرزها مشكلة الوعي والقصدية. بحيث ستعرف هذه اللحظة ظهور العديد من الاتجاهات الفلسفية والعلمية لمناقشة هذه الإشكالات معتبرة أن أي تفسير للعقل لا بد أن يتوجه إلى تفسير الوعي والقصدية، لأن جوهر العقل البشري هو الوعي، أما وظيفته الأساسية فتتحدد في تمثله للعالم، وسيكون هذا الطرح بمثابة التحدي الأكبر الذي واجه أنصار الذكاء الاصطناعي القوي Strong Artificial Intelligence بحيث كيف يمكن للآلة أن تكتسب نوعا من الوعي والقصدية2. كما سيرفض سيرل طروحات كل من النزعة السلوكية Behaviorism، والنزعة الوظيفية Functionalism في مناقشتها للوعي والقصدية، وسينتقد الخلط الذي وقعت فيه فلسفة العقل Philosophy of Mind بين المجال الأنطولوجي الذي يهتم بالسؤال عن طبيعة الوجود، والمجال الإبستومولوجي الذي يهتم بالفهم والحقيقة والمعرفة، وأصل المشكلة يكمن بالأساس في إغفالها لتفسير الوعي والقصدية تفسيرا جيدا. إذن: ما الأنطولوجيا الأساسية التي يبني عليها سيرل فلسفته؟ ثم ما المقصود بالوعي عند سيرل؟ ثم ما المقصود بالقصدية عند سيرل؟ وما هي أهم الانتقادات الموجهة لسيرل في الوعي والقصدية؟
1 – الأنطولوجيا الأساسية في فلسفة سيرل: النزعة الواقعية الخارجية EXTERNAL REALISM
تتأسس كل فلسفة في بنائها العام على أنطولوجيا معينة، فكذلك فلسفة جون سيرل يتأسس صرحها على ما يسميه نفسه بالنزعة الواقعية الخارجية EXTERNAL REALISM، فما المقصود بالنزعة الواقعية الخارجية؟
يصعب الحديث عن الواقعية بصيغة المفرد، نظرا لتعدد واختلاف اتجاهات الواقعية في تصورها للعالم الواقعي. فإذا كانت الواقعية كمذهب فلسفيّ يؤكد على وجود الموضوعات الخارجية وجودًا واقعيًّا، بمعنى وجودًا فعليًّا لا فكرة ذهنية، ووجود الموضوعات هو وجود مستقل عن ذواتنا وإدراكاتنا وعملياتنا العقلية على العموم. إلا أن هذا لا يعني عدم وجود اختلافات بين الواقعيين أنفسهم، وهذا أصلا هو ما فتئ يؤكد عليه جون سيرل، إذ حاول هذا الأخير قدر الإمكان أن يبلور تصورا جديدا للواقع، إذن فما هي واقعية جون سيرل؟
يعرف سيرل واقعيته في كتابه بناء واقع الاجتماعي [1995] The construction of Social Reality بأنها “فكرة ترى أن العالمَ يوجد وجودًا مستقلًّا، بمعزلٍ عن أشكال تعبيرنا التي نتصور بها الأشياء ونتمثلها بها. ويترتب على ذلك أننا لو لم نوجد على الإطلاق، ولو لم توجد أية أشكال تعبر عن الوجود وتمثله من عبارات أو اعتقادات، أو إدراكات حسية، أو أفكار…إلخ، لبقي معظم هذا العالم دون أن يتأثر”3 .
فالواقعية التي يدافع عنها سيرل هي الواقعية الخارجية التي تفترض وجود عالم واقعي مستقل عن إدراكاتنا وعقولنا، فنحن من يمثله عن طريق أفكارنا وأحاسيسنا ومجموع رغباتنا واعتقاداتنا، دون أن تخلق هذه التمثيلات تأثيرا معينا عن العالم الذي نمثله، ويقدم لنا سيرل مثالا عن ذلك وهو “لنفترض مثلا أن هناك قمة من قمم الهمالايا عبرت عنها أو مثلتها لنفسي وللآخرين بوصفها “قمة إفرست”، تلك القمة إنما توجد بغض النظر عما إذا كنت أو كان أي شخص آخر قد مثلها أو عبر عنها. بمعزل كذلك عن الكيفية التي صورها بها أو تمثل بها أي شخص آخر”4.
فإننا أثناء تمثيلنا للواقع لا نؤثر فيه بشيء، لأن العالم يوجد مستقلا وبمعزل عن اللغة؛ بل في غنى كذلك عن الفكر، والإدراكات الحسية والمعتقدات، ولهذا نجد الواقع في جزء كبير منه، لا يعتمد على القصدية بأي شكل من الأشكال5.
إن غايتنا من الحديث عن هذه الأنطولوجيا الأساسية التي يدافع عنها سيرل هي كون أن فلسفته في جزء كبير منها تتأسس عن هذه الأنطولوجيا الأساسية، فكل القضايا التي يتعرض لها سيرل بالدراسة والتحليل من وعي، و قصدية، ومجتمع، تتأسس في عمقها على هذه الأنطولوجيا الأساسية.
2 -الوعي عند سيرل:
يوظف سيرل الوعي في سياق حديثه ووصفه للظواهر العقلية؛ بمعنى في سياق حديثه عن فلسفته في العقل؛ التي كتب فيها في عدة مناسبات، والتي حاولت أن تتصدى لزمرة من الإشكالات يمكن ردها إلى إشكال رئيسٍ ما فتئ سيرل يتحدث عنه، وهو إشكال العقل وخصائصه، والمقصود هنا بخصائص العقل “الوعي والقصدية”، التي ستدفع بسيرل إلى نقد وردع مجموعة من التصورات التقليدية التي خلفت لنا مشاكل عديدة و”لعل أبرزها في العصر الحديث مشكلة العقل والجسد Mind body problem “6.
ينتقد سيرل التصورات التي تهدف إلى تفسير بالنزعة الثنائية Dualism كالذاتي والموضوعي، والعقلي والمادي، من خلال طرح سؤال أساسي في هذا السياق وهو: كيف يمكن للحالات العقلية الذاتية واللاجوهرية أن تسبب أي شيء مهما كان نوعه في العالم المادي؟ وكيف يمكن لقصدك الذي هو جزء من العالم المادي، أن يسبب حركة ذراعك؟
نظرة حول أصل مشكلة العقل والجسد:
لا شك أن حديث سيرل عن الوعي ومحاولة حده وتعريفه كان هدفه العام هو إيجاد حل لمشكلة العقل والجسد التي خلفها لنا العصر الحديث، والتي لم تستطع الفلسفات التي أتت من بعدها حلها، ولهذا سنحاول في هذا المحور أن نبحث مع سيرل عن أصل ومصدر هذه المشكلة .
تعتبر مشكلة العقل والجسد Mind body problem من بين أهم المشكلات التي تناقشها فلسفة العقل حيث أصبحت هذه الأخيرة أهم موضوع في الفلسفة المعاصرة7 بحيث كانت فلسفة اللغة قد احتلت الصدارة وأخذت الجزء الأكبر من القرن العشرين فكانت الفلسفة الأولى، وكثير من الفلاسفة حسب سيرل بدا لهم هناك مجالات فلسفية أخرى مشتقة من فلسفة اللغة وتعتمد عليها في حل مشكلاتها، وعلى النتائج التي وصل إليها الفلاسفة في هذا الميدان.
لكن سرعان ما ستبزغ في هذا الميدان مجموعة من الإشكالات التي يصعب الإجابة عليها من داخل مجالها، وعلى إثر هذا الأمر سيحدث انتقال من اللغة إلى العقل أو بالأحرى من فلسفة اللغة المبنية على التمثل اللغوي إلى فلسفة العقل المبنية على التمثل العقلي، وخصوصا بعد وعي زمرة من الفلاسفة المعاصرين بأن استعمال اللغة لا يعد سوى تعبير أولي على قدراتنا العقلية الأساسية، ولن نفهم بصورة كاملة كيف تقوم اللغة بوظائفها إن لم نفهم أولا نمط تأسيسها في قدراتنا العقلية8.
إذ ستصبح فلسفة العقل ذات أهمية كبرى مع بداية القرن الواحد والعشرين، وهي ابتكار حقل جديد هو العلوم المعرفية إذ سيصبح بمقتضى هذا المجال الغوص في طبيعة العقل أكثر بكثير مما كان في علم النفس التجريبي التقليدي وباقي العلوم الأخرى، ومن بين المواضيع التي تحاول أن تتصدى لها فلسفة العقل نجد موضوع العلاقة بين العقل والجسد، ولهذه النزعة الثنائية تاريخ طويل يرجعنا في غالب الأمر إلى الدراسات الفلسفية والعلمية والدينية التي أقيمت حولها منذ القديم، إلا أن هذا الموضوع لم تتم مناقشته بشكل جيد إلا مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين إذ سيتم الاستفادة من الأبحاث والنتائج التي وصلت إليها العديد من الدراسات التي همت حول تركيبية الدماغ البشري، ولهذا ستشهد النزعة الثنائية أشكالًا نذكر منها:
نزعة ثنائية الجوهر
Substance Dualism:
نقصد بنزعة ثنائية الجوهر هنا النزعة الثنائية الديكارتية التي نجد سيرل يتحدث عنها في كثير من المناسبات، وحسب هذا الأخير تقول هذه النزعة الثنائية بوجود نوعين مختلفين جذريا من الكائنات الموجودة في العالم؛ وهذه الكائنات هي التي يصورها لنا ديكارت في أشياء مادية وعقول لا مادية ويسمى هذا التقسيم عند ديكارت بنزعة ثنائية الجوهر Substance Dualism .
ينطلق هذا التقسيم من الفكرة الآتية: إن العالم ينقسم إلى نوعين من الجواهر Substance أو الموجودات التي يمكن أن تكون بحد ذاتها، هذه الموجودات جواهر عقلية وجواهر مادية ويطلق في بعض المرات على نوع ثنائية ديكارت بـ “بنزعة ثنائية الجوهر”9، فديكارت كان يعتقد أنه من الضروري أن يكون للجوهر ماهية أو ميزة تضفي عليه نوع الجوهر الذي يتميز به كجوهر، أو كما يسميه نفسه الفكر، وماهية الجسد هو كونه ممتدا بثلاثة أبعاد في المكان المادي، أو كما يسميه ديكارت نفسه الامتداد، وعندما يقول ديكارت بأن ماهية العقل تتحد في الوعي فإنه يقصد بالذات نحن باعتبارنا كائنات واعية، وأننا دائما في حالة واعية أو بالأحرى نفقد وجودنا حسب ديكارت عندما نفقد الوعي.
هذه النزعة الثنائية حسب سيرل ترجع بالأساس إلى القرن السابع عشر مع ديكارت وغاليليو اللذين خلقا انعطافا حادًّا من خلال تمييزهم بين الواقع الفيزيائي الذي يوصف من طرف العلم، والواقع العقلي الروحي الذي ينظر إليه خارج مجال البحث العلمي10.
وتجد النزعةُ الثنائيّة ما يبررها في القرن السابع عشر حسب سيرل في فصلها لمجال العلم عن مجال الدين، حيث بدا أن الاكتشافات العلمية بدأت تشكل خطرا على الدين التقليدي، وقد أقيمت مناظرات في هذا الباب حول الخلاف الواضح بين الدين والعقل، وعمل ديكارت جزئيا على تهدئة هذا الصراع بفصيلتيه هاتين11.
إذن فما المشكلة في نزعة ثنائية الجوهر حسب سيرل؟
لا ريب أن ديكارت كما بينا يؤمن بالنزعة الثنائية التي تقول بأن هناك جواهر مادية وأخرى غير مادية/عقلية، وماهية العقل تتمثل في التفكير والوعي، بينما ماهية الجسد في الامتداد، وعليه سيعتبر ديكارت العقل بأنه جوهر مفكر لا يتجزأ ولا يمتد، وغير قابل للانقسام والزوال، بل هو الشيء الثابت في الإنسان، ويكمن كذلك جوهر العقل في كونه روحًا (أو نفسًا) خالدة؛ وهي الروح التي لا تزول بل تستمر بعد زوال الجسد، الذي يشغل حيزا مكانيا، و ممتدا، وقابلًا للانقسام بشكل لا متناه، ومن ثم فهو قابل للزوال والاندثار، فالنفس الواعية مرتبطة بطريقة ما بالجسد، وتبقى كذلك حتى يفنى الجسد؛ فهي لا تفسد ولا تزول.
فحسب ديكارت، أي “أنا” فهي تتكون من جسد وعقل المرتبط بالتفكير والوعي. وعليه، تكون الإشارة إلى الأنا لا بالجسد، بل العقل والوعي والفكر. لأن ماهية العقل هي التي تشكل الجوهر الذي هو الأنا”12.
اعتبر ديكارت الجسد آلة مادية، بينما العقل (الروح) جوهرًا غير مادي، يتميز عن الجسد، ولكنه يؤثر فيه سلبيا، وفي نفس السياق نجد ديكارت يؤكد أننا لدينا جميعا تجاربنا، ويمكن إدراكها بأنها تختلف عن الأشياء الموجودة في العالم المادي، بمعنى أن الأفكار التي نمتلكها تختلف عن الموضوعات الموجودة في العالم الخارجي، إذ هناك طريقتان في الإدراك: طريقة مباشرة أدرك بها المضامين العقلية بطريقة مباشرة، وطريقة غير مباشرة أدرك بها الموضوعات الخارجية13، فالعقل هو الذي يمكنني من استنتاج وجود الأشياء الأخرى الموجودة في العالم، فأنا لا أدرك الشيء الذي أمامي، ولكني أدرك فقط تجربتي الواعية به، أي الفكرة التي أملكها عنه. وعليه، استنتج وجوده من حضور هذه الفكرة في عقلي؛ أي ما ندركه في علاقة بالعالم الخارجي هو مجرد أفكار، فنحن حسب ديكارت لا ندرك ولا نصل إلى الأشياء ذاتها بشكل مباشر، بل ما ندركه هو محتويات ومضامين عقولنا.
ينبع المشكل بالأساس حسب سيرل من خلال العلاقة التي تجمع بين العقلي والجسدي؟ وكيف يمكن أن توجد علاقات سببية بينهما يبدو هذا الأمر مستحيلًا بالنسبة لعالمين مختلفين، عالم المادة وعالم العقل والروح، سنعيد صياغة السؤال في الشكل التالي: كيف يمكن لأي شيء في الجسد أن يسبب أي شيء في العقل، وكيف يمكن لأي شيء في العقل أن يسبب أي شيء في الجسد؟ فيقدم لنا سيرل مثالا توضيحيا على ذلك:
نحن نعرف أنه إن داس أحدٌ على قدمي فسوف أشعر بألم رغم أن دوسته على قدمي ليست سوى حادثة مادية في العالم المادي، على الرغم من أن شعوري بالألم هو حادثة عقلية تحدث داخل نفسي14.
فهناك حسب سيرل مشكلة أخرى عويصة، إذ يقول يبدو أنه توجد علاقات سببية تشير بالاتجاه المعاكس فيقدم لنا سيرل مثالا آخر وهو:
أقرر أن أرفع ذراعي، إن هذا القرار يحدث داخل نفسي الواعية، ولكن يا للعجب أنظر إلى ذراعي ترتفع نحو الأعلى، كيف يتسنى لنا أن نفكر في أنّ شيئا كهذا يمكن أن يحدث؟ كيف يمكن لقرارٍ في نفسي أن يسبب حركة شيء ماديٍّ في العالم الجسدي15، في نظر سيرل هذه هي أشهر مشكلة خلّفها لنا ديكارت، بحيث كيف يمكن أن توجد علاقة سببية بين ما هو عقلي بما هو مادي؟ والحال، أن كثيرًا من الفلسفات التي أتت بعد ديكارت حاولت أن تتصدى لهذه المشكلة إلا أن محاولاتها بقيت محتشمة جدا نظرا لتفكيرها في الإشكال بمقولات تقليدية مثل المادي، العقلي، الموضوعي، الذاتي… وسنرى في المحور الثالث كيف سيجد سيرل حلا لهذا الإشكال.
نزعة ثنائية الخصائص
Property Dualism
من بين الأسئلة الرئيسة التي تنطلق منها نزعة ثنائية الخصائص، هي كيف يمكن لجوهرين متمايزين أن يتفاعلا في شيء معين؟ هذا هو أحد الإشكالات التي سعى روّاد نزعة ثنائية الخصائص أن يتخذوه منطلقًا لردّ الاعتراضات التي وجهت لنزعة ثنائية الجوهر، ولهذا نجد نزعة ثنائيّة الخصائص تقول بأنه لا يوجد نوعان من الجواهر في العالم، إلا أنه يوجد نوعان من الخصائص، وإحدى خصائص الإنسان هو أنه لا يتشكل من نوعين من الجواهر، إلا أنّ جسدي المادي خصوصا مخه لا يمتلك خصائص مادية فقط، بل خصائص عقلية كذلك16.
فنزعة ثنائيّة الخصائص تفترض على هذا الأساس خصائصَ جسديّة التي هي خصائص مخيّة، وإن كانت هذه الخصائص ليست عادية كما هو الحال لبقية أعضائنا البيولوجية، فهي تقول بوجود نوعين من الخصائص: النوع الأول مادي والنوع الثاني عقلي، وكل نوع من هذين النوعين يستبعد الآخر إذ كل ما هو عقلي لا يمكن له أن يكون ماديا وكل ما هو مادي لا يمكن أن يكون عقليا، بحيث إلى جانب الخصائص المادية التي يتوفر عليها الجسم الإنساني هناك نوع آخر ينتمي إلى كل ما هو عصبي مركزي. وعليه، فكل ما أرادت أن تنتهي له نزعة ثنائية الجوهر هو كون الإنسان كائنًا ماديًا17؛ أي يمكن مقاربة الإنسان باعتباره جوهرا واحدا ماديا، لكنه يتوفر في نفس الوقت على خصائص مادية وأخرى عقلية. بيد أن المشكل المطروح في اتجاه نزعة ثنائية الخصائص هو كيف يمكن الجمع بين هذين الخاصيتين من حيث كيفية عملها وتصورنا للكون كذلك؟
المقاربة المادية بين الردية والحذفية
في ظل التطور الذي يشهده المجال التكنولوجي الذي ساهم في ظهور الحاسوب سيتم ترسيخ قناعة مفادها أن مشكلة العقل والجسد قد تم إيجاد حل لها عن طريق التشبيه بين العقل الإنساني والعقل الحاسوبي بمعنى البرامج، وكذلك التشبيه بين المخ والمكونات الصلبة التي يتكون منها الحاسوب، وحيث ستظهر نظرية تزعم بأن العقل هو حاسوب رقمي18 أو آلة توزيع تنفذ عمليات حسابية و”لفهم القدرات العقلية عند الإنسان لم نعد بحاجة إلى شيء آخر غير اكتشاف البرمجة التي ينفذها الإنسان عندما يستعمل هذه القدرات”19.
يمكن لنا التحقق من الحالات العقلية من خلال إقحامنا للأجهزة المادية، وحسب دعاة هذا التصور لا يعدوا العقل سوى “حاسوب رقمي، وأن الوعي مجرد برمجة مزروعة في المخ”20 ويعتبر دعاة هذا المجال والمدافعون عنه هم رواد ما يسمى “بالذكاء الصناعي القوي Strong Artifical Intelligence”21
الذين كان شغلهم الشاغل هو مقاربة العقل ومحاكاة وظائفه عبر برمجة حاسوبية. وعليه، فكل الأنشطة الحاسوبية للعقل تشكل إطارا عاما لتصورات النزعة الواحدية المادية في مختلف صورها، وعلى هذا الأساس سينطلق التصور الأحادي أو ما يسمى بـ “النزعة الواحدية monism “22 التي كان هدفها هو بيان عجز النزعة الثنائية في إيجاد العلاقة المنسجمة بين العقل والجسد من جهة، وعدم انسجام نتائجها مع القول العلمي كذلك، إذ سينطلق التفسير الواحدي باعتباره التفسير الذي ينسجم مع العلم، والنزعة الواحدية هي على نوعين كما يقر سيرل في كتابه العقل مدخل موجز “النزعة الواحدية العقلية Mentalist monism والنزعة الواحدية المادية Materialist monism ، وتدعى كذلك بالمثالية والمادية”23، والمقصود بالنزعة الواحدية المثالية تلك التي تبنت ما يسمى بالواحدية العقلية التي تدعي بأن ما يوجد في العالم هو الأفكار إذ يصبح العقل من هذا المنطلق هو الجوهر الوحيد الموجود، إلى درجة اعتبار هذا النوع من واحدية العالم الخارجي هو مجرد ذهن أو وهم خلقه العقل، فينتج عن هذا أن ما يسمى بالواقع ليس بمستقل عن ذواتنا وإدراكاتنا بل هاته الأخيرة هي من تساهم في بنائه وتشكيله، وليس هناك شيء يدعى مادة، وعلى عكس هذا الطرح هناك النزعة الواحدية المادية التي تزعم بأن كل شيء يمكن رده إلى المادة، وإذا ما تم رده إلى غير المادة فهو ليس بصحيح وليس بمعقول. وعليه، بإمكان رد العالم إلى المادة والواقع الوحيد الموجود هو الواقع المادي أو الفيزيائي، ومن ثم إذا كان لدى الحالات العقلية وجود واقعي يجب بطريقة ما أن يختزل، ولا يمكن أن تكون سوى نوع من الحالات المادية”24.
وعليه؛ فإن التّفسير الماديّ حسب النزعة الواحديّة المادية هو التفسير الوحيد الذي ينسجم مع نتائج العلم، وكل ما يسمى بحالات الوعي هو مجرد أفكار خاطئة نكونها ونعتقد بها تجاه العقل، فحسب سيرل الفرق الحاصل بين المثاليين والماديين هو فقط على مستوى الألفاظ، أما النتائج التي غالبا ما يتم الانتهاء إليها فهي نتائج ردية واختزالية، وهذا هو الخيط الناظم بين المثالية والمادية.
السلوكية بين النزعة
المنهجية والتحليلية
من بين التفسيرات المادية لمشكلة العقل والجسد نجد تفسير السلوكية التي ظهرت بلونين وهما النزعة السلوكية المنهجية Methodological Behaviorism والنزعة السلوكية المنطقية Logical Behaviorism25.
وعلى العموم ينطلق التفسير السلوكي من كون العقل ليس سوى سلوك وجسد ولا يوجد أي عنصر تكويني Constitutive للوجود العقلي سوى الجسد، ولكن توجد اختلافات بين النزعة السلوكية المنهجية والنزعة السلوكية المنطقية وسنبين هذا فيما يلي:
النزعة السلوكية المنهجية Methodological Behaviorism
تنتمي النزعة السلوكية المنهجية إلى مجال علم النفس، فكان همها الوحيد هو وضع علم النفس على أسس علمية رصينة تتساوى مع العلوم الطبيعية، من خلال دعوتها إلى أنه يجب على علم النفس أن يقوم بدراسة السلوكات الملاحظة بصورة موضوعية، والقوانين التي يجب أن يكتشفها فرع علمي كهذا هي القوانين التي تربط بين المؤثر الداخلي للكائن العضوي والمؤثر الخارجي للسلوك”26، وعلى هذا السبب يسمى علم النفس بعلم المنبه والاستجابة 27 وسيكون تأثير السلوكيين طويلا حيث سيسود لمدة طويلة من الزمن لكونهم نجحوا في تغيير تعريف علم النفس، من كونه علما للعقل إلى السلوك الإنساني وكان السبب تسمية النزعة السلوكية المنهجية بهذا الاسم نظرا لاقتراحها منهجا في علم النفس من دون أي ادعاء أساسي يتعلق بوجود أو عدم وجود العقل، وفي نفس الوقت يزعم السلوكيون المنهجيون أن الاعتراض الحقيقي لأصحاب النزعة الثنائية لا يكمن في أنهم يسلمون بموجودات غير موجودة، وإنما هي الأشياء لا صلة لها بالموضوعية والعلم. وكذلك فالادعاءات العلميّة الوحيدة التي نملكها عن العقل والقابلة كذلك للتجربة هي الادعاءات عن السلوكات الإنسانية، ومن الأسماء المشهورة في السلوكية المنهجية نجد جون.ب. وطسون John B , Watson(1958-1878)، و ب. ف. سكينر B ,F,Skinner (1990-1904) 28
إذ نجد أن كلا منهما لم يعتقد بوجود ظواهر باطنية نوعية وعقليّة، ولكنهم اضطروا إلى أن يعتبروا أن السلوكية منهجٌ وليست مبدأً أنطولوجيا معينا، وذلك بغية انسجام نتائج هذا الاتجاه مع العلم.
النزعة السلوكية المنطقية Logical Behaviorism
إذا كانت النزعة السلوكية المنهجية تنتقد النزعة الثنائية الديكارتية من جهة العلم، واعتبارها لا مكانة لها داخل البحث العلمي، فإن النزعة السلوكية المنطقية كانت أشد تطرفا من الأولى إذ ستزعم بأن ديكارت كان مخطئا منطقيا”.29
ظهرت هذه النزعة السلوكية المنطقية في صور عدة مع كل من كارل هامبل Carl Hempel وردولف كارناب Rudolf Carnap وجلبرت رايل Gilbert Ryle، وغيرهم، والفكرة التي انطلقت منها النزعة السلوكية المنطقية هي القضايا التي تتحدث عن الحالات العقلية التي يمكن ترجمتها إلى أوصاف تعبر عن سلوك فعلي ممكن، وأن كل العبارات النفسية ذات المعنى تقبل الترجمة إلى قضايا لا تتضمن مفاهيم عقلية وإنما يعبر عنها بمفاهيم فيزيائية”30.
يعني هذا، إمكانية استخدام لغة الفيزياء لوصف الحالات العقلية وقضاياها، وأن كل الألفاظ العقلية يمكن ردها إلى ألفاظ تتعلق بالسلوك المادي، حيث يمكن ترجمة القضايا التي تعبر عن العمليات العقلية والحالات العقلية، والحالات الشعورية إلى قضايا متساوية لها منطقيا، وتعبر عن السلوك الخارجي في الوقت نفسه، وفي هذه النقطة بالذات تلتقي النزعة السلوكية النفسية مع النزعة التجريبية المنطقية، وذلك من خلال اعتماد التفسير السلوكي للحالات العقلية ورد الثانية للقضايا التي تصاغ في علم النفس إلى قضايا مكافئة لها باعتماد لغة الفيزياء، وفي هذا الصدد ترى النزعة السلوكية المنطقية أن العبارات الباطنية المرتبطة بالعقل يمكن ترجمتها إلى عبارات عن سلوك علني أو سلوك ممكن.
النزعة الفيزيائية والنظرية الذاتية Physicalism And The I dentity Theory
لقد وقع كل من التحليل السلوكي والتحليل المنهجي والتحليل السلوكي المنطقي في مجموعة من المشاكل في العقود المتوسطة من القرن العشرين، فقد انتقد اللغوي ناعوم تشومسكي Noam Chomsky هذه التحليلات من خلال قوله “إن الفكرة التي تقول إن البحث في علم النفس هو بحث في السلوك هي فكرة غير معقولة كالفكرة التي تقول إن البحث في الفيزياء هو بحث في جهاز قراءة القياسات في الفيزياء، ولكن من الخطأ الخلط بين الدليل لموضوع معين والموضوع نفسه”31.
ولهذا؛ فإن من بين أخطاء السابقة التي وقعت فيها النزعة السلوكية بصفة عامة هو اختزالهم الاعتقادات والرغبات وكلّ الأنماط العقليّة في سلوكات قابلة للملاحظة والتجريب هذا من جهة، ومن جهة ثانية، لم يستطع السلوكيّون أن يجدوا حلًّا للعلاقات السببيّة بين الحالات العقلية والسلوك، إذ حاول السلوكيّون المنطقيون كثيرا في هذا الباب اعتبار الحالات العقلية تتشكل من السلوك، والاستعداد للسلوك فقط، إلا أن هذا يعترض مع الحدس الكامن في الفهم العام، والقائل إنه توجد علاقات سببية بين حالاتنا العقلية الباطنية وسلوكاتنا الخارجية فمع بداية الستينيات بدأت تظهر الحلول التي كانت قد قدمتها النزعة السلوكية بمختلف اتجاهاتها مربكة إلى حدٍّ كبير إذ لم يعد بالإمكان تصديقها ولا الاعتماد عليها. ومن ثم سيحل محلّها اتجاه آخر تبنى تفسيرا مغايرا للقضية المطروحة وهو النزعة الفيزيائية التي كانت تدعى في بعض الأحيان بـ”النظرية الذاتية The I dentity Theory التي تقول بأن ديكارت لم يكن مخطئا منطقيا كما ادعى السلوكيون المنطقيون ولكنه كان مخطئا واقعيا”32.
لقد كان بإمكان ديكارت أن يبين أننا نمتلك نفوسنا بالإضافة إلى الأجساد إلا أن الطبيعة قد بينت لنا أن ما كنا نتصوره كعقول هو ليس سوى أدمغة، وما كنا كذلك نتصوره كحالات عقلية كالشعور بالألم وغيره، ما هي سوى حالات دماغية ترجع بالأساس إلى الجهاز العصبي للإنسان وهذه الأطروحة هي ما تسمى بالأطروحة الذاتية The I dentity Theory “33، وتسمى بهذا الاسم لكونها تطابق بين الحالات العقلية والحالات الدماغية .
النزعة الوظيفية functionalism
تنطلق النزعة الوظيفية من الاعتراضات التي وجهت ضد النزعة السلوكية بتسلحها بالتحليل الوظيفي القائم على مبدأ النزعة الوظيفية، ومن ثم فستقر النزعة الوظيفية بأن الشيء الذي يجعل الحالات المخية حالات عقلية هو الوظيفية في السلوك. فالنزعة الوظيفية تعرف الحالات العقلية كحالات تقوم بوظائف معينة وتفسر فكرة الوظيفية بلغة العلاقات السببية مع منبهات خارجية34 .
إن الحالات العقلية من وجهة نظر التحليل الوظيفي تحددها علاقات سببية تبدأ بالمثير وتنتهي بالسلوك، فالألم يسببه إثارة الأعصاب، التي تسبب بدورها سلوكات وحالات وظيفية معينة. ومن ثم تعتبر النزعة الوظيفية الحالات العقلية حالات تقوم بوظائف معينة، ولهذا نجد أنصار النزعة الوظيفية يشبهون العقل بالحاسوب فالعقل عندهم كالآلة من حيث الوظيفة35.
إن الحالات العقلية حسب الوظيفيين لا نعرفها بواسطة أجهزتها المادية ولا بواسطة أي جوهر عقلي ديكارتي، ولكن بالأحرى بعلاقاتنا السببية الوظيفية التي تتم بين العقل والجسد.
النزعة الواحدية الشاذة
Anomalous monism
تنسب عادة النزعة الواحديّة الشاذّة إلى فيلسوف العقل دونالد دافدسين Donald Davidson36، التي سعى من خلالها إلى وضع تفسيرٍ مناسبٍ لأحداث العقلية التي يزخر بها الإنسان من خلال قبوله بالفرضيات التي انطلقت منها المقاربات السالفة ورفضه التام للنتائج التي انتهت إليها، وذلك من خلال قبوله لفرضية النزعة السلوكية في قضية ردها للحالات العقلية إلى سلوك قابل للملاحظة، وقبوله كذلك بالفرضية التي قالت بها النزعة الذاتية التي تسعى إلى مطابقة الحالات العقلية مع الحوادث المادية، وقبوله كذلك بفرضية كارل همبل التي تقول بأن لكل فعل إنساني سببا.
سعى دونالد دافدسين إلى تقديم موقف جديد يقيم هويته بين الحالات العقلية والحوادث المادية بشكل يختلف عما ذهبت إليه النزعة السلوكية ببيان عدم إمكان رد ما هو عقلي إلى ما هو مادي، ويختلف كذلك عن النظرية التي تقول بالمماثلة التقليدية من خلال عدم خضوع الحالات العقلية لقوانين تماثل تلك التي تخضع لها الحوادث العقلية، فإن النزعة الواحدية الشاذة التي دافع عنها دافدسين تؤسس تصورها العام على الخطوات التالية37:
الخطوة الأولى: توجد علاقات سببية بين الظواهر العقلية والظواهر المادية.
الخطوة الثانية: أينما توجد حوادث مترابطة كسبب ونتيجة يجب أن تندرج تحت قوانين سببية دقيقة وضرورية.
الخطوة الثالثة: ولكن لا توجد قوانين سببية دقيقة وضرورية كالتي تربط ما هو عقلي مع ما هو مادي، بلغة دافدسين لا توجد قوانين نفسية – مادية.
الخطوة الرابعة : نتيجة : إن جميع ما يسمى حوادث عقلية هي حوادث مادية.
حسب دافدسين يمكن رد الحالات العقلية إلى حوادث مادية دون أن نضطر إلى صياغة قوانين عامة تحكمها. فإذا كانت الحوادث التجريبية تخضع لقوانين عامة، فإن هذا لا يمكن تعميمه على الحالات العقلية، هذا بالإضافة إلى أن الحوادث التجريبية هي حوادث جزئية و فردية. وتتحدد أهمية هذه الخاصية في كونها تبين من جهة أن فردانية هذه الحوادث يجعلها غير قابلة للتكرار، ومن جهة ثانية قابليتها لأن توصف بأكثر من طريقة. وهذا المعيار-الفردانية- هو المعيار الأفضل لتفسير هذه الحوادث.
نخلص من خلال ما سلف إلى أن كلًا من النزعة الثنائية والنزعة المادية لم تستطع أن تعطي تفسيرا مقنعا لثنائية العقل والجسد. إذ عجزت الأولى في إعطائها حلا مناسبا للمشكلة نظرا لكونها بقيت تفكر بمقولات تقليدية من قبيل الذاتي والموضوعي والعقلي والجسدي، أما مع ظهور المادية ولاسيما مع ظهور الحاسوب قد ترسخت قناعة مفادها أنه قد تم إيجاد حل للمشكلة المطروحة من خلال تمثيل العقل وتشبيهه بالحاسوب، إلا أن المادية بمختلف أشكالها وتلاوينها، أفضت إلى مشكلة أخرى هي أن الإنسان مثيل للآلة، حيث سيطرح مشاكل أخرى من قبيل اختزال المادية وردِّها في غالب الأحيان للحالات العقلية وصفاتها كالوعي والشعور والقصدية في السلوك و الحالات المادية.
إذن من خلال ما سلف ما المقصود بالوعي عند سيرل؟
تبين لنا فيما سبق أن الوعي يعد إشكالا رئيسًا بين كل من النزعة الثنائية التي تعتبره لا علاقة له بالعالم المادي، فالوعي يرتبط بعالم آخر غير العالم المادي هو العالم العقلي، والنزعة المادية التي تختزله وترده إلى العالم المادي، إذ يصبح الوعي ذا سند مادي وبيولوجي مما جعل موقفهم هذا موقفا ردِّيًا واختزاليًا لظاهرة الوعي، أما الموقف الذي دافع عنه سيرل فيما يخص ظاهرة الوعي فهو ينظر إلى هذا الأخير بكونه يجب أن لا يربكنا وأن لا يخلق لنا مشكلا، وإن كان هذا الوعي ينتمي إلى ما هو ذاتي38؛ بمعنى أن الاتجاهات التي دعت إلى عدم الوصول إلى دراسة علمية للوعي، ترجع إلى كونهم لم يستفيدوا من التطورات الحاصلة في العلوم المعاصرة، ولا سيما التطور الذي شهدته بيولوجيا الأعصاب Neurobiology التي أصبحت اليوم قادرة على تقديم العديد من الإجابات فيما يخص مشكل الوعي والقصدية، ولهذا لقبت من طرف أحد المتخصصين بنجم علوم القرن العشرين، فـسيرل في تحليلاته للوعي وإشكالاته انفتح كثيرا على نتائج ومستجدات هذا العلم، وعليه، يعرف سيرل من خلال تصوره الطبيعي والبيولوجي الوعي بكونه يعني ببساطة تلك الحالات الذاتية للوعي التي تبدأ عندما يستيقظ المرء في الصباح بعد نوم بلا أحلام و تستمر خلال اليوم كله حتى يرجع إلى النوم مجددا في الليل، أو يقع مغميا عليه، أو يموت، وإلا يصبح كما يحلو للبعض تسميته، “غير واعٍ”39.
إن الأهم من كل شيء هو التفكير حسب سيرل في الوعي باعتباره ظاهرة بيولوجية، كما يجب التفكير فيها كجزء عادي من تاريخنا البيولوجي، كباقي الظواهر الأخرى، كالهضم والنوم مثلا40، بمعنى العملية التفكيرية أو أي حالة واعية حسب سيرل إلا وتسبب من قبل عمليات عصابية، على المستوى الأدنى في الدماغ بحيث تكون لدينا أفكار ومشاعر واعية فتسبب هذه الأفكار والمشاعر عمليات نيروبيولوجية في الدماغ.
فهذا التصور الذي قدمه سيرل يقدم في جوهره حلا لمشكلة العقل والجسد، وهذا هو ما يسميه سيرل بالطبيعة البيولوجية لأنها تزودنا بحل طبيعي لمشكلة العقل والجسد التقليدية، ذلك الحل الذي يشدد كثيرا على الجانب البيولوجي للحالات العقلية ويجتنب كلًا من النزعة المادية والنزعة الثنائية.
3 – القصدية عند جون سيرل41.
إن مشكلة القصدية تأتي في المرتبة الثانية بعد مشكلة الوعي كمشكلة صعبة، في فلسفة العقل، لأن مشكلة القصدية حسب سيرل هي نوع من الصورة المرآتية لمشكلة الوعي، وكذلك يجب ألا ننسى أن العديد من الفلاسفة ينظرون إلى مشكلة القصدية بوسمها مشكلة عويصة، ولهذا نجد سيرل يخاطب هؤلاء الفلاسفة بقوله: إن العديد من الفلاسفة يعتقدون أن المشكلة الخاصة في القصدية هي سر، فالقصدية تبدو غامضة إذا كنا نعتقد أنها مشكلة كبيرة جدا42 .
ولهذا فالقصدية مشكلة حيرت العديد من المذاهب الفلسفية والعلمية إلى درجة اختزالها أحيانا كما تم اختزال الوعي قبل ذلك في كل ما هو مادي أو فيزيائي، بغية التخلص من سرها. فهذه الطروحات رفضها سيرل في الوعي كما بينا سالفا، وسيرفضها كذلك في تفسيره للقصدية. تبدأ المشكلة كذلك في القصدية حسب سيرل من الافتراض التالي:
“افترضوا أنني أعتقد، وأنا بالفعل أعتقد ذلك، أن أوباما هو رئيس الولايات المتحدة. مهما يكن هذا الاعتقاد شيئا آخر، فإنه يظل حالةً في دماغي”.
أين تكمن المشكلة حسب
سيرل في هذا الافتراض؟
يجيبنا بأن المشكلة أساسا هي تلك التي تنبع من كيف يمكن لهذه الحالة في دماغي التي تتكون من أشياء كالنبضات العصبية أن تنوب عن شيء آخر؟ كيف يمكن لحالة في دماغي أن تقطع كل تلك المسافة إلى البيت الأبيض في واشنطن، وتلتقط شخصا واحدا من الملايين؟ حقا كيف يمكن لحالة في دماغي أن تنوب عن شيء ما، أو تتعلق به، أو تمثله؟ هل يفترض أن أفكر بأنني أرسل إشعاعات قصديّة لمسافة آلاف الأميال، طوال الطريق إلى البيت الأبيض؟ ما أشق الأمر، ولماذا لا يكون شيئا أكثر مشقة ما أن أفكر أن الشمس مشرقة، وبالتالي فأنا أرسل إشعاعاتي القصدية لمسافة ثلاثة وتسعين مليون ميل إلى الشمس؟43
إن هذا الأمر يفوق الحلّ الذي يقول بنيابة الكلمات عن الأشياء، وأن اعتقادي المتعلق بأوباما عن أوباوما، بالطريقة نفسها التي تنوب بها كلمة أوباما عن “أوباما” الشخص، لأن ذلك سيدفع السر شيئا ما إلى الوراء، كيف يمكن للكلمة أن تنوب عن أوباما أو أي شيء آخر؟ لا يمكن أن يكون الجواب حسب سيرل هو سوى أن الكلمة تنوب عن أوباما لأننا نستعملها قصديا لكي تمثل أوباما. وبالتالي: كيف يمكنني بمجرد وضع علامة على الورق، أن أحيل على شيء بعيد، أو في الحقيقة أشير إلى أيّ شيء على الإطلاق؟ لا يختلف الصوت الذي أصدره عن أي صوت آخر، والعلامات التي أدونها على الورق ليست سوى علامات. ما الشيء الخارق الذي أقوم به لأضفي عليها هذه القدرات المذهلة؟44
يقدم لنا سيرل طبيعة المشكلة من خلال قوله هناك سوء فهم واحد محتمل، واحتاج لمنعه في بداية هذا التحقيق، وهو الذي يسعى إلى شرح القصدية من حيث اللغة، وهذا لا معنى له، ولا تعني القصدية بالأساس وبالضرورة ما هو لغوي45.
تكمن المشكلة حسب سيرل في أننا لا نستطيع أن نفسر قصدية العقل بالاحتكام إلى قصدية اللغة، لأن قصدية اللغة تعتمد أصلا على قصدية العقل، إذن ما هي الطريقة الصحيحة التي سعى من خلالها سيرل إلى جعل تصوره للقصدية تصورا طبيعيا وبيولوجيا؟
أولا وقبل كل شيء من وجهة نظر سيرل، يجب علينا أن ندرك أن الطريقة التي كنا نطرح بها السؤال هي طريقة غير صحيحة في تناول موضوع القصدية، بحيث كنا نأخذ حالة قصدية معزولة على سبيل المثال:
“مؤلف كتاب “تهافت التهافت” هو الفيلسوف ابن رشد”
فنطابق بينها وبين حالة معزولة في دماغي، ثم نسأل: كيف تستطيع هذه الحالة الدماغية أن تمتلك هذه القدرات المميزة؟ هذا الأمر حسب سيرل أصبح نمطيا في طرح القضية، ولحل السر المطروح -سر القصدية- يجب أن ننظر إلى المسألة دون إجراء الافتراضات المسبقة التي كنا نجريها في الماضي.
أراد أن يخبرنا سيرل بأن حل مشكلة القصدية هو في نفس الوقت صدام مع مواقف الاتجاهات المعاصرة التي نجدها في مناقشات مشكلة العقل والجسد إلا أن الصدام في مشكلة القصدية هو أكثر دقة من مشكلة العقل والجسد، ولهذا الأمر نجد سيرل يحدد لنا هذه المواقف على الشكل التالي46:
افتراض أن من الحقائق الواضحة أن لدينا حالات قصدية حقيقية، كأن تتعلق اعتقاداتنا بالأشياء والموضوعات والحالات الخارجية الموجودة في العالم.
إن العالم يتألف بكامله من كيانات فيزيائية، من المستحيل أن يضطر كيان فيزيائي واحد إلى أن يتعلق فقط بآخر.
وعلى إثر سرية القصدية ستظهر في الفلسفة المعاصرة بعض الحلول التي ظنت من وجهة نظر سيرل أنها أوجدت الحل لهذه المشكلة، من خلال العثور على علاقة أخرى بين الموضوعات الفيزيائية واختزال القصدية في تلك العلاقة، ولعل أبرزها أولا الحل الثنائي الذي يقول: بما أنه يوجد عالمان مختلفان، العقلي والمادي، فإن للعالم العقلي أنواعه الخاصة من القوى التي يملكها العالم المادي، ليس بمقدور العالم المادي أن يشير، ولكن جوهريا يستطيع العالم العقلي أن يفكر، والتفكير يستلزم الإشارة، فهذا التفسير غير صحيح من وجهة نظر سيرل الذي يقول إن تفسير السر الذي تثيره القصدية هو تفسير لسرية العقل عامة47. ثم ثانيا النزعة الوظيفية التي تقول إنه يجب تحليل القصدية بلغة العلاقات السببية والوظيفية48 إذ يمكن وجود هذه العلاقات بين البيئة والفاعل وبين حوادث مختلفة تجري داخل الفاعل، فحسب هذا الرأي ينفض غبار الغموض عن القصدية والابتعاد عن سرها من خلال تفسيرها بكونها مجرد علاقات سببية وفقط، والصفة التي تتميز بها هي وجود العلاقات القصدية بين الأشياء المخية للفاعل والعامل الخارجي، ومن بين نسخ النزعة الوظيفية الأكثر نفوذا هناك، النزعة الوظيفية الكمبيوترية، أو الذكاء الاصطناعي القوي.
ثالثا هناك الرأي الحذفي للقصدية الذي يقول لا توجد في الواقع حالات قصدية، فأشياء كهذه توجد في مجال يدعى علم النفس الشعبي البدائي A Primitive Folk Psychology ذلك العلم الذي سيتغلب عليه علم الدماغ الناضج A Mature Science of the Brain ، وفي نفس السياق هناك نوع مختلف للرأي الحذفي يمكن تسميته بالنزعة التأويلية Interpretativism، ويقول هذا الرأي إن الحالات القصدية هي دائما أشكال من التأويل يصنعها الملاحظ الخارجي49.
هذا الأمر أصبح نمطيا في المعضلات الفلسفية التي تبدو غير قابلة للحل، ومن هنا يجب علينا أن لا نقبل بهذه الافتراضات التي تقدم بها الطرفان المتنازعان من دون مساءلة أو نقد.
لتفسير سر القصدية حسب سيرل نحتاج إلى إقامة تمييز حاسم، وعدم أخذ هذا التمييز بعين الاعتبار قد يحول دون تحقيق تفسير القصدية من جهة، ومن جهة ثانية هو سبب في كثير من الخلط الفلسفي في نظريات القصدية، ولهذا يدعونا سيرل إلى تمييز القصدية التي يمتلكها البشر والحيوانات جوهريا عن ذلك النوع من القصدية الاشتقاقية التي تتمثل في الكلمات والجمل والصور والمخططات والكتابات. إضافة إلى ذلك، يجب أن نميز هذين النوعين من القصدية عن نوع ثالث من القصدية وهو القصدية الاستعارية، التي لا نجد فيها ادعاء مباشرا بالقصدية. وهذه الأنواع الثلاثة من القصدية يصيغها سيرل في الأمثلة التالية50:
أنا جائع جدا الآن
في الفرنسية J’ai grand faim en ce moment تعني أنا جائع جدا الآن
النباتات في حديقتي جائعة
لنحاول قدر الإمكان تحليل هذه الحالات الثلاث لظاهرة القصدية المتمثلة في حالة الجوع، وكل ما يجب الانتباه إليه هو أننا في هذا المثال أمام ثلاثة أوضاع مختلفة لحالة القصدية، إذ في الوضع الأول: أنا جائع جدا الآن، ينسب الحكم فيه إلى قصدية داخلية لي، بحيث أنا امتلكها بصرف النظر عما يعتقده أي شخص آخر عنها.
أما في الوضع الثاني: في الفرنسية J’ai grand faim en ce moment تعني أنا جائع جدا الآن، نجد الحكم هنا ينسب إلى قصدية بالمعنى الحرفيّ، إلا أن قصدية الجملة الفرنسية ليست داخلية، بل هي مستمدة من قصدية داخلية لناطقين باللغة الفرنسية، ويمكن لهذه الجملة أن يستخدمها الفرنسي لكي يعني بها شيئا آخر، أو ربما لكي تعني أي شيء على الإطلاق. وعليه، فإن المعنى ليس بداخلي للجملة، بل هي مستمدة من الفاعلين الذين يمتلكون قصدية داخلية. وعليه، فإن معنى اللغة هو قصدية مستمدة ويجب أن تستمد من القصدية الأصيلة للعقل51.
أما في الوضع الثالث: النباتات في حديقتي جائعة، نجد أن الحكم لا ينسب إلى أية قصدية بالمعنى الحرفي على الإطلاق، إذ الجوع الذي تظهره نباتات ليس سوى أداة تشبيه خالص، ونحن نعزو لها قصدية لتمتلكها في الواقع، وإن كانت تتصرف وكأن لديها قصدية.
إذن نخلص من خلال ما سلف إلى أن هناك نوعين من القصدية، القصدية الأصيلة أو القصدية الدلالية Intentionality-with-a-t،والقصدية المدلولية المستمدة Intentionality-with-an-s، غير أن قصدية التشبيه ليست نوعا ثالثا، لأن نسبة النوع الثالث من قصدية التشبيه بـ”كأن” ليست سوى نسبة مجازية أو استعارية. وفي نفس السياق يمكن تسجيل ملاحظة مهمة، وهي أن القصدية الداخلية مستقلة عن الملاحظ إذ لدي حالة جوع بصرف النظر عما يظنه الملاحظ عنها، أما القصدية المستمدة فتعتمد عن الملاحظ.
على سبيل الختم..
لا ختم في البدء ما دمنا نعتبر هذا المقال مجرد دليل بمقتضاه يمكن للقارئ أن يرجع إلى البحث الذي دققنا فيه القول في زمرة من القضايا المطروحة في فلسفة سيرل التي عرضناها باقتضاب في هذا المقال ، فسنخص هذا الختم للتذكير بأن فلسفة سيرل قد تعرضت لكثير من الانتقادات52 في مجموعة من المسائل وخصوصا منها في أنطولوجيته التي تقر بالنزعة الواقعية الخارجية، والوعي، من لدن مجموعة من الفلاسفة نخص بالذكر منهم الفيلسوف هـ. بوتنام H.Putnam، الذي انتقد النزعة الواقعية الخارجية لسيرل بداعي أننا لسنا أمام واقع واحد مستقل عنا تمام الاستقلال، وإنما لكل امرئ خطاطة مفهومية بناءً عليها يقوم بتمثيل الواقع. و ن، جودمان Goodman ، الذي ادعى بأن الواقع يبنى من طرف الذات الملاحظة، وما دام الأمر كذلك فنحن لسنا أمام واقع واحد وإنما لكل ذات ملاحظة واقعها الخاص. و ت. كون T. kuhn ، الذي زعم بأن العلماء عقب كل ثورة علمية يعملون في عالم مختلف ومغاير تماما لما كان في السابق. و ج. دريدا J. Derrida. الذي وجه سهام نقده لسيرل فيما يخص نزعته التمثيلية المبنية على مركزية الذات الحاضرة بوعيها في تفسيره للكيفية التي ترتبط بها اللغة بالعقل.
الهوامش
المصادر والمراجع العربية:
المصادر:
سيرل جون، العقل واللغة والمجتمع- الفلسفة في العالم الواقعي، ترجمة: سعيد الغانمي، منشورات الاختلاف، المركز الثقافي العربي، الدار العربية للعلوم، الطبعة الأولى، 2006.
سيرل جون، العقل: مدخل موجز، ترجمة مشيل حنا متياس، عالم المعرفة، العدد 343 سبتمبر2007.
المراجع:
الباهي حسان، الذكاء الصناعي وتحديات مجتمع المعرفة حنكة الآلة أمام حكمة العقل، إفريقيا الشرق، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2012.
المصادر والمراجع الأجنبية:
المصادر:
Searle jahn ]2004[, Consiousness and language, cambridge, university press , cambridge .
Searle John ]1983[ Intentionality : An Essay in The Philosophy of Mind, Cambridge University Press.
Searle john ]1997[,the mystery of consciousness, new york, new york review of book.
Searle john ]2004[, Mind A brief Introduction, oxford university press.
Searle John ]2007[,Freedom and Neurobiology : Reflections on Free Will, Language, and Political Power, Columbia University Press , New York.
Searle john]1995[, The construction of Social Reality, The free press.
المراجع:
Nick Fation]2000[, John Searle, Acumen publishing limited, Teddington,
الرسائل:
إسماعيل الموساوي، الوعي والقصدية في فلسفة جون سيرل، بحث مقدم لنيل شهادة الماجستير في الفلسفة، السنة الجامعية: 2014/ 2015 تحت إشراف الدكتور: يوسف السيساوي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية- مراكش.
الهوامش
1 – Nick Fation]2000[, John Searle, Acumen publishing limited, Teddington, p :2
2 – الباهي حسان، الذكاء الصناعي وتحديات مجتمع المعرفة حنكة الآلة أمام حكمة العقل، إفريقيا الشرق، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2012، ص:196
3 -Searle john]1995[, The construction of Social Reality, The free press, p:153
4 -Ibid , p:153
5 – أنظر، إسماعيل الموساوي، الوعي والقصدية في فلسفة جون سيرل، بحث مقدم لنيل شهادة الماجستير في الفلسفة، السنة الجامعية: 2014/ 2015 تحت إشراف الدكتور: يوسف السيساوي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية مراكش، الفصل الأول من الباب الأول فقد خصصنا فيه قولا وافرا ودقيقا حول الأنطولوجيا الأساسية: أو ما يسمى بالنزعة الواقعية الخارجية، يستحسن الرجوع إلى هذا الفصل إذا بدا للقارئ نوعا من الغموض أو الإبهام فيما عرضناه في هذا المقال.
6 – Searle john ]2000 [, Conciousness And language, cambridage university press, cambridage, p :8
7 – Searle john ]2004[, Mind A brief Introduction, oxford university press, p :10
8 – Ibid, p :11
9 – Searle john]2004[, Mind A brief Introduction, oxford university press, p :13
10 -Searle john ]1997[,the mystery of consciousness, new york, new york review of book, p :6
11 -Ibid, p :6
12 -الباهي حسان، الذكاء الصناعي وتحديات مجتمع المعرفة، حنكة الآلة أمام حكمة العقل، إفريقيا الشرق، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2012، ص: 167
13 – نفس المرجع، ص: 168
14 – Searle john]2004[, Mind : A brief Introduction, oxford university press, p :17
15 -Ibid, p: 17
16 – الباهي حسان، الذكاء الصناعي وتحديات مجتمع المعرفة حنكة الآلة أمام حكمة العقل، إفريقيا الشرق، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2012، ص: 173
17 – نفس المرجع، ص: 173
18 – Searle john ]1997[,the mystery of consciousness, new york, new york review of book , p :9
19 – الباهي حسان، الذكاء الصناعي وتحديات مجتمع المعرفة حنكة الآلة أمام حكمة العقل، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 2012، ص: 173
20 -Searle john ]1997[,the mystery of consciousness, new york, new york review of book, p :9
21 – Ibid, p : 9
22 -Searle john]2004[, Mind : A brief Introduction, oxford university press, p : 48
23 -Ibid, p:48
24 -Ibid, p : 48
25 -Searle john]2004[, Mind : A brief Introduction, oxford university press, p :50-51
26 -Ibid, p: 50
27 -Ibid, p: 50
28 -Searle john]2004[, Mind : A brief Introduction, oxford university press, p: 50
29 -Ibid, p:51
30 -Ibid, p:51/52
31 -Searle john]2004[, Mind : A Brief Introduction, oxford university press, p:52
32 – Ibid, p :54
33 – Searle john]2004[, Mind : A Brief Introduction, oxford university press,p :55
34 – سيرل جون، العقل: مدخل موجز، ترجمة مشيل حنا متياس، عالم المعرفة، العدد 343 سبتمبر2007، ص: 55.
35 – الباهي حسان، الذكاء الاصطناعي وتحديات مجتمع المعرفة حنكة الآلة أمام حكمة العقل، إفريقيا الشرق، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2012، ص: 186.
36 -Searle john]2004[, Mind : A Brief Introduction, oxford university press, p :76
37 -Searle john]2004[, Mind : A Brief Introduction, oxford university press, p :77
38 -Searle john ]1997[, the mystery of consciousness, new york, new york review of book, p:6
39 – Searle jahn ]2004[, Consiousness and language, cambridage, university press , cambridage , p :1
40 -Ibid, p :8
41 – أنظر: إسماعيل الموساوي، الوعي والقصدية في فلسفة جون سيرل، بحث مقدم لنيل شهادة الماجستر في الفلسفة، السنة الجامعية: 2014/ 2015 تحث إشراف الدكتور: يوسف السيساوي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية مراكش، لقد خصصنا في الصفحة 66 من بحثنا الحديث عن تاريخية القصدية لمن أراد أن يرجع إلى هذا الأمر فهو في غاية الأهمية.
42 -Searle John ]2007[,Freedom and Neurobiology : Reflections on Free Will, Language, and Political Power, Columbia University Press , New York, p : 7
43 – سيرل جون، العقل واللغة والمجتمع الفلسفة في العالم الواقعي، ترجمة: سعيد الغانمي، منشورات الاختلاف، المركز الثقافي العربي، الدار العربية للعلوم، الطبعة الأولى، 2006، ص: ص:135 (بتصرف)
44 – نفس المصدر، ص: 136
45 -Searle John ]1983[ Intentionality : An Essay in The Philosophy of Mind, Cambridge University Press, p : 5
46 – سيرل جون، العقل واللغة والمجتمع الفلسفة في العالم الواقعي، ترجمة: سعيد الغانمي، منشورات الاختلاف، المركز الثقافي العربي، الدار العربية للعلوم، الطبعة الأولى، 2006، ص: 138 (بتصرف)
47 -Searle john ]2004[, Mind A brief Introduction, oxford university press, p : 162
48 – Searle john ]2004[, Mind A brief Introduction, oxford university press, p: 162
49 -Ibid, p : 163
50 – سيرل جون، العقل واللغة والمجتمع الفلسفة في العالم الواقعي، ترجمة: سعيد الغانمي، منشورات الاختلاف، المركز الثقافي العربي، الدار العربية للعلوم، الطبعة الأولى، 2006، ص: 140(بتصرف)
51 -Searle john ]2004[, Mind A brief Introduction, oxford university press, p : 161
52 – أنظر: إسماعيل الموساوي، الوعي والقصدية في فلسفة جون سيرل، بحث مقدم لنيل شهادة الماجستير في الفلسفة، السنة الجامعية: 2014/ 2015 تحت إشراف الدكتور: يوسف السيساوي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية مراكش، الباب الثالث: المعنون بإجمال ومناقشة فلقد خصصنا فيه الحديث بشكل دقيق عن أهم الانتقادات التي وجهت لسيرل.