لوركا سبيتي
شاعرة وإعلامية لبنانية
قبل أن تخلع عينيك وتعلقهما على المشجب.. وقبل أن تقفل أذنيك وترمي المفتاح في مستنقع آسن في داخلك.. وقبل أن تقدم قلبك طعاما لأوهامك.. وقبل أن تطعم لسانك لفم غيرك.. وقبل أن يتوه خيالك على عرباته.. وقبل أن تلوك الناس الحكايا وتبصقها عليك.. وقبل أن يجتاحك الوقت ويوهمك بأن لا وقت لديه.. وقبل أن ييبس خبزك ويتكسر ويفسد ما ادخرته عندي من مؤونة للشتاء.. وقبل أن تتقدد المسافة وتحفظ في علب الغياب.. وقبل أشياء كثيرة:
سأكتب لك حتى أنهي عليك.. حتى ينبت عشب على وجهك.. حتى تقيم فيك عاصفة من الندم.. حتى تبذل كل الخطوات التي أجلتها في السير نحوي.. حتى تغمر ذاكرتك ماء ذاكرتي وحتى اغسل فمي من نعناع قبلاتك.. فأنا لم انته بعد مما أود إخبارك به وربما لن أنتهي.. لساني فلت وأفكاري نبعت ولغتي تدفقت ومدّ وجزر يتنافسان على قلمي.
يا المتروي مثل متصوف.. يا البطيء مثل مساحة ممتلئة.. يا الغزال المتربع أعلى الجبل.. يا العابر كفكرة!
لقد اكتشفتُ فيّ بئرا أنت فتحتَ بابه بعد أن كان موصدا بصخرة الوقت.. في البئر ماء نقي وعذب وعميق وعتيق ومترهل.. في البئر أيضا طحالب وحصى وعصا وعناكب.. في البئر مرايا وفي المرايا يسكن كائن تناقلوا همسا بأنه الحب..
قالوا بأنه يتفشى في الهواء كنَفَس ويمتد على الأرض كظل لا تستطيع اللحاق به أبدا فهو أسرع مما تظنه. يظهر يسيطر ويختفي وفي اختفائه يتدحرج الهواء نحو الجسد فيحوله إلى زاوية ويركض الحدس نحو الروح ويحولها إلى بئر.. أرادوا أن يشرحوه أكثر ويحددوا ماهيته.. فقالوا هو الذي يتدلى من المرتفعات مثل غابة.. وهو المثال الذي يتكمش به الغارق في أوهامه.. لقد قالوا أيضا بأنه يختبئ هناك من الناس الذين يريدون قتله.. ذات مرة تربصوا له وراء شجرة تشرب منه ويتفيأ بها.. طَلَبت منهم الرحيل أكثر من مرة لكنهم ضحكوا عليها.. وهددوها بالفأس.. سألت الشجرة الحب، لماذا تختبئ من الناس؟ وماذا يريدون منك؟
أجاب: إنهم يريدون قتلي ولا يدرون بأنهم بقتلي يقتلون أنفسهم… يذبحون معناهم ويعلقون رؤوسهم تقتات منها العصافير!!
ولماذا يريدون قتلك؟
لأني مرآتهم، وهم لا يريدون رؤية حقيقتهم في المرآة..يهربون منها ويعتقدون بذلك أنهم صاروا آخرين مختلفين بحقيقة جديدة وهوية جديدة.. أنا أفضح أكشف أعرّي.. استدرج أتسلل أسرق أستولي.. أنا الريح التي ستطيّر مظلاتهم وقبعاتهم وستائرهم.. أنا المطر الذي سيغسل وجوههم وقلوبهم وثيابهم.. إحتمالات كثيرة تمشي معي.. وراحة غير محتملة تحلق فوقي ونوافذ وحوافٍ تطل عليّ..
تعال إليّ بعد أن تقرأ رسالتي.. قبل أن ينحروا الحب.. رد عليّ قبل أن يشنقوه على الشجرة.. قبل أن يضعوا الصخرة على باب البئر من جديد!