أعدت الملف وقدمته: هدى حمد
تفردُ مجلة نزوى ملفا خاصا حول تجربة الكاتبة الفرنسية آني إرنو الحائزة على جائزة نوبل للأدب لعام 2022، والتي علّلت لجنة التحكيم فوزها، لما «أظهرته إرنو من شجاعة وبراعة في اكتشاف الجذور والقيود الجماعية للذاكرة الشخصية». تضمن هذا الملف ترجمة لدراسات مُهمة تناولت أساليبها الكتابية ولغتها والمواضيع التي نهض عليها مشروعها الروائي، فقد ترجم الهواري غزالي دراسة تتناول الأسلوب التخييلي في روايتها «السنوات»، كما ترجم أنس العيلة دراسة أخرى يتضح من خلالها أنّ إرنو لا تصنعُ من حياتها عملا فنيا وإنّما تقبضُ على إشارات الأدب في اليومي، فهي تنجزُ لعبتها عبر تأكيد الذات وإخفائها في آن. وقد ترجمت لنا ليلى طيبي دراسة ثالثة، تتكشفُ من خلالها الخطة التي تكتبُ بها آني إرنو، وهي تسجلُ تفاصيل حياتها دون انحياز للخيال أو الاستعارات، وجوار هذه الدراسات يُترجم لنا علي عبد الأمير صالح حوارًا أُجري معها، يبرزُ فيه كيف أنّ الضمير «أنا» الذي تستخدمه في أغلب رواياتها، لا يكتفي بأن يُدلل على هويتها بل ينطوي على حمولات إضافية، حيث تغدو «الأنا» مكانا مُعَلّما بالتجارب الإنسانية.
هكذا تفعلُ بدأب مقصود، تتنصلُ من الخيال الروائي بينما الكاتبات الأخريات يسعين لإعادة اختراع حياتهن بالخيال. تمنحنا إرنو كتابة دائرية مُكثفة قادرة على تحويل مادة السيرة الذاتية إلى مُغامرة. فعلى سبيل المثال تتحدث إرنو عن موت والدها بطريقة مُحايدة في روايتها «المكان»، فلا تصنعُ لنا رواية مُشوقة عن الموت؟ وإنّما تجمعُ الأحداث الفارقة في حياته دون حنين ودون تواطؤ، كما تشيرُ في مقدمة روايتها، فقد كان رهانها على تلك المسافة الواعية لإعطاء صورة سليمة عن رجل عادي.
امتلكتْ في فترة ما من حياتها تصورا مثاليا للعالم والمثقف والبرجوازي، الأمر الذي جعلها تشعرُ لاحقا بالخجل لخيانة طبقتها الاجتماعية «الطبقة العمالية»، لقد كان صراعها مع والدها مُعبرا عن صراع الطبقات الاجتماعية السائد آنذاك في المجتمع الفرنسي، وهذا ما وجدناه بارزا في روايتها «المكان»، بينما في روايتها «السنوات» تنبعثُ روح الساردة من مناطق عمرها المتباينة لتأليف نصّ للرثاء، تُودع فيه تمثلات مختلفة من حياتها، كما تعجن الزمن الموروث من الأسلاف بذكريات الحرب العالمية الثانية. وقد قالت في حوار أجري معها: بأنّ لامركزية الذات في رواية «السنوات» هو ما جعلها شيئا جديرا باهتمام النقاد.
منذُ روايتها «المكان» تؤكد إرنو بطريقة نضالية رفضها للخيال واختيارها للكتابة التي تُغذيها بملاحظات ذات منحنى مُتوافق مع علم الاجتماع، وهي ترى أيضا بأنّ الموقف الاجتماعي والثقافي للراوي يُشكل قضية محورية في السرد.
لا تنحاز آني إرنو للفن ولا تسعى لصناعة ما هو مُشوق أو مؤثر كعادة الكُتاب، إن كل ما تقوم به هو الذهاب لكتابة محايدة أو «مسطحة»، وذلك لإضفاء النسبية على تلك الأولوية التي نعطيها للوظيفة الجمالية.