إسماعيل بن حمد السالمي
ليس من الجديد في اللغة العربية أن يتوجه المؤلف إلى النظم في مؤلفاته، ونجد هذا كثيرًا عند المؤلفين العرب، وقد يتبادر إلى الذهن منظومة الخليل بن أحمد الفراهيدي في المنظومة النحوية، ويأتي بعده بفترة ابن مالك في ألفيته النحوية، وقد شرحها من بعده علماءٌ كُثر، وصاحب الأجرومية في منظومته الدرة البهية. ولامية الأفعال لجمال الدين ابن مالك، وقد شرحها الشنقيطي ومن بعده محمد بن يوسف اطفيش.
وفي الثقافة العمانية توالت أمثال ذلك، خاصة في الأراجيز الكبيرة كما نراه عند أحمد بن النضر العماني في كتاب الدعائم، وقد بناهُ على شكل مناظيم ملتزمة بقافية واحدة في كل قصيدة، وكتاب النعمة للعلامة محمد بن إبراهيم الكندي، وأرجوزة العلامة الصائغي، ومن الحداثيين نرى ذلك في الأسئلة الفقهية مع الشيخ خلفان بن جميّل السيابي، وذلك في بهجة المجالس، واعتمد فيها على قافية واحدة، وكتابه سلك الدرر الحاوي غرر الأثر، ويتنفس الشيخ محمد بن شامس البطاشي الضَّوع ذاته في كتابه سلاسل الذهب في الأصول والفروع والأدب، والشيخ سيف بن حمد الأغبري في كتابه فتح الأكمام عن الورد البسام في رياض الأحكام، وكتابه عقد الدر المنظوم في الفقه والأدب والعلوم، وهو كتاب في الأسئلة والأجوبة. ومع الشيخ سالم بن حمود السيابي في العقود المُفصَّلة في الأحكام المؤَصَّلة، وكتاب قلائد المرجان في أجوبة العلامة أبي عبيد حمد بن عبيد السليمي، وأجوبة أبي مالك عامر بن خميس المالكي في الدرّ النظيم، أما الأديب المؤرخ حميد بن محمد رزيق فاتخذ النظم في التأريخ ثم شرحه في كتابه الشعاع الشائع باللمعان في ذكر أئمة عُمان، إضافة إلى كُتبٍ جمة في مخزون التراث العماني والعربي والإسلامي.
مؤلفات الإمام نور الدين السالمي:
اهتمَّ الإمام نور الدين السالمي بهذا الجانب أيَّما اهتمام، سواء في الجانب اللغوي أو العقائدي أو الفقهي.
وإذا تتبعنا معظم كتبه فإن أكثرها منظومات، ومن خلال هذه المنظومات أخذ في شرحها في مجلدات وموسوعات دينية.
فالمؤلفات التي لم يتعرض فيها للنظم، وكانت كُتبًا نثرية فنورد من أهمها حسب ما وصل إلينا، مع التذكير بأن مُحققي معارج الآمال على مدارج الكمال أوردوا ما يزيد على أربعين كتابا ورسالة:
– كتاب تلقين الصبيان. – شرح الجامع الصحيح ــ مسند الإمام الربيع بن حبيب. – الفتاوي، في مجلدات عِدَّة. – تحفة الأعيان بسيرة أهلِ عمان. – الحجج المقنعة في أحكام صلاة الجمعة. – الحجة الواضحة في الرد على التلفيقات الفاضحة. – بذل المجهود في مخالفة النصارى واليهود. – اللمعة المرضية في أشعة الإباضية. – الحق الجلي في سيرة الشيخ صالح بن علي. – إيضاح البيان في نكاح الصبيان. – بيان الأدلة على نجاسة الدم المسفوح. – رسالة في التوحيد، وهي رسالة مختصرة في بيان العقيدة الإسلامية1.
أما بقية مؤلفات الإمام نور الدين السالمي فقد اعتمدت على المنظومات الشعرية، وندرك أن الإمام السالمي شاعر مبدعٌ في شعره، له ديوان مطبوع، جمعه وحققه عيسى بن محمد السليماني، كذلك هو عَروضيٌ ونحوي، لذلك فقد وَجَدَ في الشعر متسعًا وطول باعٍ استطاع أن يُقدمَ فيه مؤلفاته بمنظوماتِ شعرٍيةٍ يرتاح لها القارئ، ويستعذب سلاسةَ ألفاظِها ومعانيها، إذ قدمها في مخارجَ للمتلقي لا يملُّ أو يستثقل قراءتها، وحتى حفظها، مما جعل هذه المنظومات تصلُ إلى حدِّ الحفظ الكامل عند المتعلمين، وهو يُصَرِّح بحبه للنظم في تأليف كُتُبِه، إذ يقول:
سَمَّيتُ نَظمَهُ بُلوغَ الأمَلِ
إذْ بالنِّظامِ قد بَلَغتُ أَملي
أما مؤلفاته التي اعتمدت على النظم فهي:
– أنوار العقول، وهي منظومة في أصول الدين، وهذه المنظومة شرحها في كتابين، هما:
– بهجة الأنوار، وهو شرح مختصر لأرجوزة أنوار العقول.
– مشارق أنوار العقول، وهو شرحٌ ثان موسع لأرجوزة أنوار العقول.
– شمسُ الأصول، ألفية في أصول الفقه، وشرحها في كتابه:
– طلعة الشمس، شرح ألفية شمس الأصول.
– مدارج الكمال، منظومة نظم فيها كتاب مختصر الخصال لأبي إسحاق الحضرمي، وهذه المنظومة شرحها في عدة مجلدات باسم كتاب:
– معارج الآمال على مدارج الكمال بنظم مختصرِ الخصال.
– جوهر النظام، أرجوزة في الأديان والأحكام تنيف على أربعة عشر ألف بيت.
– غاية المراد في نظم الاعتقاد، أرجوزة في أصول الدين.
– منظومة كشف الحقيقة على من جهل الطريقة.
وميلهُ للشعر حدا به أن يشرح قصيدة الشيخ سعيد الراشدي، بكتاب: – روضُ البيان على فيضِ المنَّان.
وقد اهتم باللغة في بداية مؤلفاته، إذ إن أول تأليف له كتاب: -المنهل الصافي في العَروضِ والقوافي، وله أيضا كتابه : – شرح بلوغ الأمل في المفردات والجمل.
وهنا يظهر أيضًا ميله إلى النظم، إذ في اللغة شرح الدرة البهية للعمريطي، بكتاب سَماه: -المواهبُ السنية على الدرة البهية.
عن السالمي:
حياة الإمام نور الدين السالمي تناولها الباحثون بكثير من الدراسة والاستقصاء، ولسنا في حاجة لوضع مذكرة عن حياته، فهي معروفة لدى المثقف العماني، والعربي، والعالمي.
وما نشير إليه هو تلك الشخصية المتلهفة على تحصيل العلم، فهو خُلِق لذلك، والحياة الجامحة الدؤوبة في البحث، وتتبع مصادر الثقافة، وتوفِّيَ عن نَيِّفٍ وأربعينَ سنة وقد خلَّفَ هذا الكَمَّ من المؤلَّفات، إضافة إلى اهتماماته الاجتماعية والسياسية، كزياراته للأماكن المقدسة لأداء فريضة الحج ولقاء العلماء المسلمين هناك، والهند للقاء علمائها، ولتدعيمِ مواقفه ضدَّ الاستعمار في ذلك الوقت. أي أنّ نفسَهُ لا تتوقف، ولا تهدأ في التنقُّل، فقد وُلِد بالحوقين، ودَرسَ بالرستاق، وانتقلَ منها إلى المُضيبي ثُم القابل، ليستقرَّ بعدها في بلدِ الظاهر، ولِيُدفَنَ على سفحِ الجبلِ الأخضَرِ، أثناء قصده لزيارة شيخه ماجد بن خميس العبري، وأيضًا هذه الزيارة في طلب العلم، هذه النفس الشغوفة تجعله يتابعُ مصادرَ الكُتُب في أية بقعة، فقد كانت مؤلفاته تذكُر كثيرًا من المصادر، وكانَ يتابعُ معلميه في وقت فراغهم بعيدًا عن حلقات الدرس، يقول معلمه الشيخ ماجد بن خميس العبري:2 ” ما تأسَّفتُ لشيء كما تأسفتُ ذات يومٍ إذ صَلَّيتُ الظهرَ بالمسجِد الأوسط مِنْ مَحِلَّة بيتِ القرنِ منَ الرّستاق، فلما فرغتُ مِنْ صلاتي وهممتُ بالخروجِ، إذا أنا بالشيخ السالميِّ حاملًا كتابَهُ يُريدُ مني أنْ أَشرحَ له فيه، وكنتُ لا أخلو من شاغل، فاختلستُ عنهُ، ولمْ أُكَلّمه، وترَكْتُه في مسجدِهِ ولمْ أَرجعْ إليه”.
ونراه وهو يؤلف أولَ مؤلفاته عند السابعة عشرة من سنيه -حسب بعض الروايات- وقد عَلَقَ في كتاب الإعراب عن قواعد الإعراب لابن هشام، لينظم قصيدته في الجملة العربية، ثم يَشرحها.
وإذا تتبعنا مؤلفاته النظمية فنراه يرسمها كمخطَّطٍ ورؤوسِ أقلام لما يتخمَّرُ في مخيلته من آراء وأفكار أراد أن يكتب عنها، فيجعلُ المنظومة رؤوس أقلام ينطلق منها، وأيضًا كتابه العَروضي المسمى المنهل الصافي على فاتح العروض والقوافي.
ونرى هذا واضحًا في منظومتيه أنوار العقول، وشمس الأنوار، وكذلك في المنظومات الأخرى التي شرحها، كمدارج الكمال، ومنظومة بلوغ الأمل.
ونتابع ذلك في عرضه للكتب التي قصد عمدا إلى توسيع المعرفة بها، في كتبٍ أعجب بأفكار أصحابها، وهو يُشير إلى ذلك، فكتاب مدارج الكمال أشار إلى أنه نظْمٌ لكتاب مختصر الخصال لأبي إسحاق الحضرمي، وكتاب جوهر النظام استمده من أرجوزة الصائغي، وغير ذلك مثل الكتب التي شرحها كمنظومة الراشدي، والدّرة البهية للعمريطي.
منظومات الإمام السالمي
1- منظومة بلوغ الأمل في المفردات والجمل3:
ابتدأ المؤلفُ منظومته بالحمدلة، والصلاة على النبيّ، موضّحًا أن من أهم ما يلزم المتعلم للنحو العربي إتقانه لمعرفة الجمل، والظرف والمجرور:
ومن أهَمِّ النحو إتقانُ الجُمَلْ
والظَّرفِ والمجرورِ إذ بها استقل
وأشار إلى أنه استمدَّ هذه المنظومة وضمنها كتاب الإعراب عن قواعد الإعراب لابن هشام، يقول:
ضَمَّنتُها الإعرابَ عَنْ قواعِدِه
وقدْ تَركتُ البعضَ مع شواهِدِه
وزدتُّ فيها دُررًا مُنَقَّحـــــــــهْ
مِنْ غيرِه فهْيَ بها مُوَشَّحَـــــهْ
ثُمّ يجعلُ مقدِّمة المنظومة من أربعة أبيات في النحو وتركيبه، لينتقلَ في فصلٍ منها في خمسة أبيات يتكلم عن الفعل عندما يأتي بصيغة حرفٍ واحد:
والفعلُ حرفًا قد بَقيْ مُحَرَّكا كَعِ وقِ، وَدِ مَنْ هلكا
ومن ذلك ينتقلُ إلى شرحِ الجمل وأقسامها وأحكامها في أربعة أبواب، فالبابُ الأولُ في شرح الجملِ، يقول:
جُملتُهُم لفظٌ أتى مُركَّبـــــــا
تركيب إسنادٍ، كأَنْ زيدٌ أَبـى
فهي من الكلامِ مُطلقاً أَعَـمْ
مُخالفاً لمنْ تَرادفًا زعـــــــم
وفصل منها في الجمل التي لها محلٌّ من الإعراب، والتي لا محلَّ لها، إذ قسمها على سبع جُمل، يقول:
وهو على قسمَيْنِ، قِسمٌ يُعــربُ
والثانيْ عنْ إعرابِهِ يُجْتنــبُ
وكُلُّ قسمٍ منهُما قدِ انحصَـــــــرْ
عليه مِنْ أنواعهِ سَبْعُ صُوَرْ
وفصلٌ في الجملة الخبرية.
أما البابُ الثاني فكان في شبهِ الجملة، وهو: الظرف، والجار والمجرور.
ثمَّ ينتقلُ إلى الباب الثالثِ والذي ناقشَ فيه تفسير كلمات يحتاجُ إليها المُعْرب:
وبعضُ الألفاظِ كثيرًا آتيهْ
حاجتُها أنواعها ثمانيهْ
وبدأها:
اسْتَغْرقْ بظَرفِ “قط: ماضيْ الْوَقتِ
و”عَوْض” لاستغْراقِ ما سيأتي
وجعل الباب الرابع بعنوان إشارات إلى عبارات منقحة، وهو يتكلَّمُ فيه عن القولِ في إعرابِ الفعل المبني للمجهول، وعن الإشارة إلى التعبير عن بعضِ المفردات، مثل: “قد” ” لن” وذكر ما يقال في الحرف الزائد في القرآن الكريم. وذكر ما ينبغي للمُعربِ أن يبحثَ عنهُ، ويُعابُ عليهِ تركُه.
هذا النظمُ وضعه ليضعَ عليه شرحًا أتى فيه بشواهدَ من القرآنِ الكريم، وصَلت إلى مائةٍ وست وثمانين آية، وشواهدَ من الشعر العربي تصلُ إلى خمسةٍ وسبعين بيتًا.
منظومة بلوغُ الأمل في المفرداتِ والجُملِ كانت أول مؤلفاته، ونلاحظ فيها أنه أراد أن يُضيفَ عليها ما هو خارجٌ عن إعراب الجمل، ليجمع ما كان يراهُ في تجميعِ اللغة، وما يمكن أن يكون مرجعًا لغويًا.
أيضًا وضعَ مقدمة لهذه المنظومة وختمها بخاتمة، أوضح فيها عن غير النسق والحديث عن الجمل والإعراب، بل يوضح للقارئ أنها أول مؤلفٍ يقوم به:
ولمْ أصَنِّفْ قبلهُ مؤلَّفـــــــــا
قطُّ فيعفو اللهُ عن عبدٍ عفا
إذْ ليسَ يخلو أبدًا من زَلَّـــةِ
مُؤلَّفٌ وإنْ علا في الرُّتبــَةِ
فكيفَ يَخلو مِنْ عَثارٍ مُبتدي
وإنْ يَكُن بالسابقيَن مُقتــديْ
2- منظومة فاتح العروض والقوافي4:
منظومة تقع في ثلاثمائةٍ وثلاثة وسبعين بيتًا، نظمها في علمِ العروضِ والقوافي، يقولُ في بدايتها:
حمدًا لِمَانِحِ العطا الجَزيــــــلِ
وفاتِحِ العَروض للخليـــــــلِ
مِنْ بعدِ ما أُرتِجَ قِدْمًا بابُـــــهُ
وَشُرِّدَتْ عَنِ النُّهى صِعابُـهُ
فَمهَّدَ الخليلُ مِنْ شِعرِ العَـربْ
أَوْزانَهُ وجاءَ فيه بالعَجَـــبْ
وأَسَّسَ البُحُورَ والتَّفعيـــــــلا
وأَوْضحَ الزِّحافَ والتعليــلا
وفصَّل الضُروبَ والعَروضا
وبَيَّنَ الصحيحَ والمريضَــــا
وبدأ ذلك في تركيب القصيدة:
تُرَكَّبُ القصيدَةُ الشِّعريهْ
مِنْ عَشْرةٍ أَجزاؤُها سويَّهْ
واستمر في تفصيل أنواعِ التركيب، والتفاعيلِ، وأنواعِ الزِّحافِ في الشعر، ثم الخَزْمِ والخَرم.
ومنها إلى البحُور الشعرية، وطريقة وضع ورسمِ الدوائرِ العَروضية، لينطَلِقَ منها إلى بحورِ الشعر، ليذكُرَ عند كُل بحرٍ طريقةَ رسمِ دائرَته.
ومن بعدِ البحورِ أوضحَ ألقابَ الأبياتِ والأجزاء، ومنها أيضًا يُفصِّلُ ألقابَ الأجزاء.
وبعد الانتهاء من بحور الشعر وضع فصلا في علمِ القافية:
عِلمُ القوافي حَصروا في خمسَةِ
في حَدِّها حُروفِها المُعَدَّةِ
والحَركاتُ بعدها الأنـواعُ
كذا عُيوبَها التي تُـــــذاعُ
وذكَرَ في ذلك حدُّ القافيةِ، وحركاتها وأنواعها، وعيوبها، ثمّ وضعَ خاتمة للمنظومة يقول:
وبتمامِ هذه الأشيــــــــــــــاءِ
يَتِمُّ ما رُمتُ مِنَ الإنشــــــاءِ
يُدعى لما حازَ مِنَ الأوصافِ
بفاتحِ العَروضِ والقوافــــي
فأصْلِحِ العيبَ إذا تَـــــــــــراهُ
والشُّكرُ للمولى على نَعْمــاهُ
ثُمَّ التحِيّاتُ المُبارَكـــــــــــاتُ
على الذي زانتْ بهِ الأوقاتُ
وقد شرَحَ هذه المنظومة في كتابه الذي سَمّاه: المنهل الصافي على فاتحِ العَروضِ والقوافي، وقد استشهد أثناء الشرحِ بحوالي ثلاثمائة وخمسة وستينَ بيتًا من الشعرِ العربي.
وقَدْ ذكرَ المؤلِّفُ أنه نظمها لإعانة طلبة العَروضِ ليستعينوا بها، وليسهل عليهم طلب علم العَروض:
نَظمتُها إعانةً لطالِبِهْ
تُعينُهُ فيهِ على مَطالِبِه
كتب العقيدة والأديان
1- منظومة أنوار العقول5:
منظومة تربو على ثلاثمائة بيتٍ شعري، ألَّفها في أصول الدين، وقد شرحها مرَّتين، الشرحُ الأولُ مُختصَرًا بعنوان: بهجة الأنوار، وعلى ما يبدو أنّ هذا الشرح لم يُوافق بُغيته، فشرحها شرحًا مطولًا بعنوان: مشارق أنوار العقول، واشتهر الكتاب باسم: “المشارق” وهذا الشرحُ وَجَد صدىً واسِعًا في المكتبة الفقهية داخل عُمان وخارجها، ومع المغاربة أكثر.
كما قام أيضاً بتعليمها للطلبة وشَرحها شرحا سهلا بسيطًا العلامة أبو عبيد حمد بن عبيد السليمي6.
وكان مِن إعجاب الإمام بهذه المنظومة إذ وضعَ لها تقريضاً في مدحها، يقول:
بسم الله الرحمن الرحيم. لكَ الحمدُ يا مَنْ نَوَّرَ عُقولَنا بالدين، وطَهَّرَ قُلوبَنا منْ زَيغِ الملحدين، وصفى عقائِدَنا من ضلالاتِ المبتدِعين،…. وبعد: فهذه منظومةٌ مَنَّ علَيَّ بها الرحمنُ المنَّانُ في قواعدِ التَّوحيدِ والأديان، سالكةٌ أعلى منهجٍ في هذا الشأن، واردةٌ أعذبَ منهلٍ يحلو للأذهان، تنطقُ بالصدقِ في كلِّ نادي، وتصدعُ بالحقِّ بين الحاضِرِ والبادي، قريبةُ المأخذِ للمُتناولِ، بعيدةُ الغَورِ عن اعتراضِ المجادل، سَمَّيتُها أنوار العقول، وما أجدرها بما فيها أقول:
هذه الأنوارُ لا نَجْمٌ زَهَـــــــرْ
لا ولا إشراقُ شمسٍ أو قمَرْ
فَلَها أَلْبابُ أَرْبابِ العُلــــــــى
مَطْلعٌ زانَتْ به تلكَ الفِكَـــــرْ
قَرَّبتْ في فَنِّها ما قدْ نـــــأى
وحوتْ كُلَّ مُهمٍّ مُعتَـــــــــبَرْ
ليتَ أشياخي الأُلى قدْ سَلَفوا
شهدوا وَضْعَ مبانيها الغُـرَرْ
ورأوا تنقيحَها في جَمْعِهــــا
وانتخابي لِمَعانيها الـــــدُّرَرْ
فلهُمْ فيها مجالٌ واســـــــــعٌ
ولها عندهُمُ أَعْلى قَـــــــــدَرْ
وعند شرحه للمنظومة وضعها في أركان أربعة، وكلّ رُكن يتكوَّنُ من عدة أبواب، والمُلاحظ أنه استعمل في توزيعها كلمة: “رُكن” ومن الركن تتوزع أبوابٌ، وليس كالمُتعارَفِ عليه: أبوابًا وفصولًا، وكأنه استَمَدَّ المفردةَ من أركان الإسلام. يقول فيها:
الحمدُ لله الذي قد أشرقــــا
شمس الأصول في نُهى ذوي التُّقى
فأبصروا بنورها المسالكــا
وجانبوا بسِرِّها المهالكـــــــــــــــا
ومن خلالِ قراءتنا للتقريض وبداية مطلعِ المنظومة فإنه يظهرُ لنا مدى افتخاره وحبه لهذا الكتاب، إذ وضع فيها الكثيرَ من عُصارةِ أفكاره.
كذلك قدَّمها بقطعة واحدة كمنظومة جاهزة للحفظ والعناية، يقول:
أهدَيتُها صرفًا لكُلِّ طالبِ
تصونُه من كُلِّ قولٍ كاذِبِ
والمؤلف بدأ المنظومة بقوله:
الحمد لله الذي قد أشرقا
شمس الأصولِ في نُهى ذوي التقى
وكلمة: ” شمس الأصول” لا يعني المؤلف بها اسمًا للمنظومة، لأنَّ هناك منظومة أخرى تُعرفُ بشمس الأصول، حتى لا يلتبس الأمرُ على البعض.
وعند انتهائه من التقديمِ بالحمدِ والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يبدأها بركن العلم، ولم يستطرد فيه كثيرا، ولكنه في الشرح استطرد كثيرا، يقول:
والعلمُ منه لازِمٌ قد وَجبا
تعليمهُ والثاني نَفْلٌ نُدِبا
وفي النهاية وضعَ لها خاتمة، وأيضًا ما زال مغرمًا بحُبِّها، يقول:
تَمَّتْ بحمدِ الله أنوارُ العقولْ
حاويةً أهَمَّ شيءٍ في الأصولْ
عارية مِنْ وَصْمةِ الإخـــلال
سالكة طريقة الكمـــــــــــــالِ
أهديْتُها صِرفًا لكُلِّ طالـــــبِ
تَصونُهُ منْ كُلِّ قولٍ كـــــاذِبِ
والإمام نورُ الدين يقولُ عن الخاتمة: المُرادُ بأنوارِ العقول هذه المنظومة، فهي عَلَمٌ عليها، وإنما سميتُها بذلك لأنّ موضوعها علمُ الاعتقادات.
2- منظومة: شمس الأصول7:
يقول في مطلعها:
الحمدُ للهِ الذي قدْ أنــــزلا
كتابَهُ مُفصَّلا ومُجمــــــــــــلا
بحسبِ الحِكمة في إنزالِهِ
فاسْتَبَق الأذهانَ في إجمالـــه
وقد أوضحَ في تسميتها قائلًا: أما بعد: فهذه منظومة جليلةُ القدر، في علمِ أصولِ الفقه، مَنَّ بها عَلَيَّ ربي عز وجلَّ، سمَّيتُها ” شمسُ الأصول”، واشتهرت باسم: “الألفية ــ أو: ألفية شمس الأصول”.
وقد شَرحَها بكتابٍ سماهُ: “طلعةُ الشمس”، وقال في تتمَّتِها:
قدْ أشرَقَت شمسُ الأصولِ في سما
تحقيقها وأَظهَرَت ما أبهمـــا
وأبرزَتْ مُخدَّراتِ الفــــــــــــــــــــنِّ
في قالبِ النظم بديعِ الحُسـنِ
3- منظومة كشف الحقيقة
لمن جهل الطريقة8:
منظومة تناول فيها المؤلف مبادئ المذهب الإباضيِّ، وأفكاره، ونلاحظ في بنيانها اختلافًا كبيرًا عَمّا سلكه المؤلِّفُ في منظوماتهِ الأخرى، فهو لم يبدأها بالحمد والصلاة على النبيِّ كما هي عادته، وإنما يشعرُكَ كأنه يجادلُ ويُحاجج شخصًا ما، أمامه، وليس عن طريق المخاطباتِ والرسائل، يقولُ في بدايتها:
أيُّها القادِحُ فينا أقصِـــــــــرِ
أتَدْرِ ماذا قُلتَ أمْ لَمْ تَشعُرِ؟
قَدَحتَ في مَذهبِ أهلِ الحَقِّ
وَيْحكَ أَغضبْتَ إلهَ الخلـق
وهو ينتقلُ إلى نسبةِ المذهبِ فيقول:
فما الإباضِيُّونَ إلا علمـا
لِخُلفاء الحقِّ منّا فاعلَمــا
إنَّ المخالفينَ قد سَمَّوْنا
بذاكَ غيرَ أننا رضينــــــا
وأصلُهُ أنَّ فتى إبـــاضِ
كان مُحاميًا لنا ومـــاضِ
ويستمرُّ في وصفِ عبدالله بن إباض، وعلاقته بالمذهب، حتى يقول:
ونحنُ الأوَّلِينَ لمْ يشرَع لنـا
نجلُ إباضٍ مذهبًا يحملنـا
لذاكَ لا تلقى لهُ في المذهَبِ
مسألةً نرسُمُها في الكُتُبِ
والمنظومة تزيدُ أبياتُها على ثلاثمائة بيت، تناولَ فيها أسُسَ المذهبِ الإباضي، ومصادِرَه:
فنحنُ في الأصلِ وفي الفُروعِ
على طريقِ السَّلَف الرفيـعِ
فنأخُذُ الحقَّ متى نـــــــــــــراهُ
لو كانَ مُبغِضًا لنا أتـــــــاهُ
وينتقِلُ إلى قضِيَّة اختلافِ الصحابة، وقضيَّة مقتلِ الخليفة عثمان، وانتقالِ الحكمِ إلى معاويةَ بن صخر، وكيفَ أنّ عمَّار بن ياسر كان مع جانبِ الحقِّ، وكيف أن الرسولَ أخبرَ بأن الفئة الباغيةَ ستقتلُ عمّارًا:
وهُمْ بُغاةٌ بنصوصِ الخبرِ
وبمعاني الحقِّ بينَ البشَـرِ
يا وَيْحَ عمار مِنَ البُغـــاةِ
يسقونَهُ كأسًا منَ الوفـــاةِ
ويتعرض لما جعلته خلفاء بني أمية مِن سُنَّةٍ في سَبِّ عليِّ ــ كرَّمَ الله وجههُ ــ بعد الصلاة، حتى جاء عُمرُ الصِّديق بن عبد العزيز، فألغى ذلك، وأمر أن تتلى الآيات وحمدَ الله بدلًا من السب:
وحينَ قامَ عُمرُ الصِّديــــــــقُ
بانَ لهُ بعِلمهِ الطريــــــــــــــــقُ
نَهى عن الشَّتمِ وأبدلَ الخُطبْ
بآيَةٍ مِنَ الْقُرانِ تُكتتَــــــــــــــبْ
تأمُرُ بالعدلِ وبالإحســـــــــــانِ
وتنهى عنْ فُحشٍ وعنْ طُغيـانِ
فتركُوا سَبَّ عليٍّ جهــــــــــرا
لكنّهُمْ قد جعلوهُ سِـــــــــــــــــرَّا
ويختتِمُها بالحمدِ والصلاة:
والحمدُ لله على نَيْلِ الهُدى
وَفَّقنا على سبيلِ أحمـــــــــدا
عليهِ مِنْ إلهِنا صــــــــــلاةُ
ما اختلفَ الأزمانُ والأوقـاتُ
4- غاية المراد في نظم الاعتقاد9:
منظومة في الاعتقاد الديني، نظمها الإمام نورُ الدينِ السالمي في أكثر من سبعين بيتًا، ويأتي مسمى المنظومة مباشرة في كلمة: “نُظُم” الاعتِقاد، بالضم وقد يوحي إلى قارئ ما بمعنى: “نَظْم” بفتح النون، ويمكن أن يكون في المعنى ترادفًا أيضًا.
والمؤلّف لم يُشِر إلى مُسمى مؤلَّفه كما هي عادته، وقد يعودُ هذا إلى عدم شرحها من قِبله.
وقد شرح المنظومة سابِقًا الشيخُ العارفُ سليمان بن محمد ابن أحمد بن عبدالله الكندي، بعنوان: ” بدايةُ الإمداد على غاية المراد في نظم الاعتقاد” كما قام الشيخ العلامة -أبقاه الله- أحمد بن حمد بن سليمان الخليلي بشرحها تحت عنوان: ” شرحُ غاية المُراد في نظم الاعتقاد”.
بدأ المؤلف كعادته في النظم بالحمدِ والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد المقدمة وزع المنظومة على خمسة مقالات، ثُم خاتمة، يقول في بدايتها:
الحمدُ للّهِ مُنْشِي الكائنات علـــــى
ما شاءها وبلا مثلٍ هُناكَ خـــلا
ثُمَّ الصلاةُ على المُخْتارِ سَيِّدِنـــــا
وَمَنْ إلى قابِ قوسَيْنِ دنا فعــلا
والآلِ والصحبِ ما كانَ الهُدى عَلَمـًا
يَهْديْ به اللّهُ للخَيْراتِ مَنْ عَــــــقلا
وبْعدُ فالديْنُ لا عُذْرٌ لِجاهِلِـــــــــــهِ
إنْ كانَ مِنْ بَعْدِ تَكليفٍ بهِ جَهِـلا
الفصل الأول منَ المنظومة هو: ” ذكرُ الجملِ الثلاث وما تشتملُ عليه” وهي في الإيمان بصفات الخالق، يقول في مطلعِها:
وَأَوَّلُ الفرضِ مِنْ تأصيلِهِ جُمَلٌ
ثلاثةٌ فُزتَ إنْ تَستَحضرِ الجُملا
وهي: أنّ اللهَ عزَ وجلّ ليسَ له شبيه، وليس جسمًا ولا عَرضًا، والوحْدانية، ويستمِرُّ في مسألة الاستواء على العرش، والرسلُ الذين أرسلهُم الله، ومسألة الميزان، والشفاعة، والقضاء والقدر، والجبرية، وغير ذلك.
والفصل الثاني في: “ذكرِ الإيمان وما يشتملُ عليه” وذكرَ فيه أن الايمان بالقول والتصديق والعمل، وما على المؤمن من أمور الحياة، والموالاة، والظهورِ والدفعِ والشراء مع حالة الظهور والكتمان، والولاية والبراءة، والتعبُّدُ بالطاعة، يقول بدايةً:
إيْمانُنَا القولُ والتَّصْديقُ مع عَمـلٍ
فالقَولُ مَرَّ فصَدِّقْهُ وَكُن عَمِــــلا
بما عليكَ مِنَ الإيمانِ مُفــــــترضٌ
والنَّفْلَ إنْ تَسْتَطعْ فافعَلْهُ مُبْتَهِلا
قواعِدُ الدينِ عِلمٌ بَعْدَهُ عَمَــــــــــلٌ
وَنِيَّةٌ وَرَعٌ عنْ كُلِّ ما حُظِـــــــلا
الفصلُ الثالث في: ” ذِكرِ الكُفرِ وما يَشْتَملُ عليه” يقول:
والشِّرْكُ لا بُدَّ مِنْ أنْ تَعْرِفَنْهُ لِكـي
تكون فيْ مَقْعَدٍ عنْ غَيِّهِ اعْتَــزلا
وهو المُساواةُ بينَ اللّهِ ــ جَلَّ ــ وبَيْـــ
ــن الخَلْقِ أوْ جحدهِ سُبحانهُ وعـلا
الفصل الرابع في: ” ذكر المِلل الست وأحكامها ” وهي مِلل السماوات، وأوَّلُها الإسلام، وأنواعُ المُسلمين، فمنهمُ الموفي، والمجترحُ، والمُستَحِل، ومعاملَتهم، وأحكامهم، واليهود والنصارى، والمجوس، والصابئة، وهؤلاء لهم أحكامٌ غير أحكام المشركين من عبدة الأوثان.
الفصلُ الخامِس في: “الإمامة” يقول:
إنّ الإمامة فرضٌ حينما وَجَبتْ
شُروطُها لا تَكُن عن شَرْطِها غَفِلا
يتحدث عن الحُكم، وأحوالِ حاكِمَيْنِ في بلدٍ واحد، ثمّ عرجَ على بداية الخلاف بين الصحابة، وإمامة الراسبي، وعبدالله ابن إباض، وكلُّ مَنْ قفا أثرَ الإسلامِ في حُكومَتِه.
الخاتمة:
لمْ يُثرْ فيها مواضيعَ غير الحمد لله دائمًا، والشُّكر له على التوفيق، والصلاة والسلامُ على خاتم الأنبياءِ وآلِه وصحبه.
5- منظومة مدارجُ الكمال
في نظم مختصر الخصال10:
كتاب مدارج الكمال من أشهر مؤلفات الإمام نور الدين السالمي، منظومة على كتاب الإمام الحضرمي، المسمى بمُختصر الخصال، ثم شرحها نور الدين السالمي في كتابه معارج الآمال، وقد بدأها الناظم في تقديم بالحمد لله وشكره، والصلاة والسلام على رسوله، وبعد ذلك قال:
وبعدُ فالفقهُ به يدري الفتى
ما يَذَرَنْ مِنْ فعله وما أَتــى
وهذهِ مَدارِجُ الكمــــــــــــالِ
ضَمَّنْتُها مُختَصَرَ الخِصـــال
وَزِدت فيها دُرَرًا عَديــــــدة
واضحة أعلامُها مُفيـــــــدة
وأوضح الأسلوب الذي اتبعه في هذا النظم، وما خالف عن كتاب مختصرِ الخصال، في الترتيب والزيادة والنقصان، يقول:
وطالما خالفتُهُ مُرتّبـــــــــــا
ورُبما تركْتُ ما النظْمُ أبـــــــى
وقدْ حذَفْتُ منهُ ما تَكَـــــرَّرا
مُحَرِّرًا خصالَهُ مُختَصِــــــــــرا
وقدْ تَركتُ منهُ أبوابًا ذَكَـــرْ
فيها أصولَ الدينِ تفصيلًا بهَرْ
مُكْتَفِيًا بما جرى مِنْ نَظْمِهـا
على لِساني شاكِرًا لِخَتمِهــــــا
مقدمة مدارج الكمال:
وضع المؤلف للكتاب مقدمةً، أوضَحَ فيها تكليف الله لعباده أساليبَ الاعتقادِ والعمل، وما يجبُ عليه:
تكليفه العبادَ إلزامُ العمــل
والاعتقاد بالغًا وقد عقـــــل
بعد تمام حجة التكليف لـهْ
بالسمعِ أو بالعقلِ فيما عقلهْ
وضبط ذلك في التوحيد، والختان:
والعبدُ إن أوفى بتوحيدٍ فقــد
ألزم أن يعملَ لله الصمـــــــــدْ
وتارِكُ التوحيد هل يُعَـــــذّبُ
وهكذا الخِتانَ للذي قَـــــــدرْ
ويُقْبَلَنّ عُذْرَهُ إذا اعْتَـــــــــذَر
منظومة مدارج الكمال طُبعتْ أول مرَّة بالمطبعة السلطانيةِ بزنجبار، وكان ذلك في عهدِ السلطان حمود بن محمد بن سعيد ابن سلطان ــ سلطان زنجبار، وكان الشاعرُ المشهور أبو مسلم البهلاني أشرف على الطباعة، وقَدَّم لها بديباجة لطيفة، يقولُ فيها بعد الحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:
أما بعد: فلمّا مَنَّ اللهُ على النّاقِدِ البصير، نصيرُ الملَّة ونعمَ النصير، العلامَةُ الجَهبذُ عبدالله بن حميد السالمي الضرير، بنظمِ مُختصَرِ الخصال، للإمامِ الحضرمي، جاءَ نظمُهُ درًّا مصونًا، ونموذَجًا لطيفًا، وجامعًا منيفا، مُحْتويًا من جوامِعِ الفروعِ الفقهيَّةِ على أمتنِها حبلًا، وأعدَلِها قولًا، وأرجحها مُعتَمدًا، وأصَحِّها مُستندًا، مستوعبًا في إيجاز، وموجزًا في إعجاز.
ثمّ قرضها شعرًا بقصيدة طويلة، يقولُ فيها:
اسْتَنبِطِ العلمَ وَزَكِّ العمــــــــــــلا
ولا تَعِشْ بغرَّةٍ سبهـــــــــــللا
لا تترُكِ الأنفُسَ في الهزلِ سـدى
أدْركَ مَنْ جَدَّ وفي الجدِّ العُـلا
وفيها قال:
يَنفُثُ روح العلمِ مِنْ ثُغـورِهِ
كنفْثِ روحِ القُدسِ للوحيِ علا
كانَ نثارًا كالنجومِ فانبــرى
لِصَوغهِ عقدًا جمالُ النبـــــــــلا
مُوفّق النزعة كشّاف العمـــــى
مستوعب العشرِ العقول ابن جـــلا
السالميُّ ابنُ حُمَيْدٍ الــــــذي
قامَ لقيومِ السماء فيصـــــــــــلا
كما أن الشيخ سعيد بن حمد الحارثي أخذ من شرحها وهو معارج الآمال على مدارج الكمال كتابه الذي سَماه: نتائجُ الأقوال من معارج الآمال، في جزأين.
نلاحِظُ أنَّ سيِّدي الإمام نورالدين يُقَسّمُ منظوماته إلى أقسامٍ، ففي بعض منها ما وَزّعه إلى أركانٍ ومن الركن أبواب، أو عناوين مباشرة في كُلِّ موضوعٍ أراد الحديث عنه مباشرة، وفي كتابه مدارجُ الكمال فقد قسمهُ إلى كتب، “الكتاب الأول ــ الكتابُ الثاني” وهكذا، وقد قسَّمَ منظومة مدارج الكمال إلى كُتُبٍ يخرجُ من كُلِّ كتاب عدة أبواب، ثم يعمدُ في هذه الكتب بعد تخريج أبوابها بأن يضع لكلِّ كتابٍ خاتمةً، ولكن ليس جميعها، بل بعض الكتُبِ بدون خاتمة، وهذا يعطينا الصورة السابقة التي ذكرناها أنه يضعُ مناظيمَه في شكل أُسُسٍ لهدفٍ يُريدُه، وهو إعادةُ شرحها، ــ أي أنه يضعُ المنظومة كرؤوس أقلام، لعمل يختلقُ لمُستقبَلِ كتابٍ يرسمُه، فهو يخطَّطُ لكُتبهِ، وعارفٌ مُدرِكٌ للهدفِ الذي يسعى إليه.
قسّمَ كتاب مدارج الكمال إلى تسعة عشرَ كتابًا، في كُلِّ كتابٍ عِدَّة أبواب، وبَدأ كتابَهُ الأول بعنوان: “كتابُ الطهارة وفيه ثلاثة أبواب”، وفي كتاب الطهارة يضعُ الخاتمة ليست كتوضيح لما في هذا الكتاب، ولكن أيضًا كنوعٍ من أنواع الطهارة، ففي خاتمته يقول:
إنْ تُطِلِ الشُّعورَ سُنَّ الفَـرْقُ
في الرأسِ والعانَةُ فيها الحَلقُ
مِنْ بعدِ ما مَرَّ عليها شهــرُ
وقيلَ فوق الشَّهرِ أيضًا عشـرُ
عشرينَ يومًا للإناثِ مُهِّـــلا
وَجُزَّ ذا الشاربِ لا تُطــــــــوِّلا
وقَلِّمِ الأظفارَ مِن سبعٍ إلـــى
سَبعٍ ونتف الإبطِ لا تُعَطِّـــــــلا
فهو أشياء يرسمها للمتعلمين وللإنسانية عامة في حياتهم اليومية، ليسيروا عليها، ففي النظافة والطهارة الصحةُ والحياة اليومية، استمدّها أيضا من تعاليم الإسلام، والمشرعين المسلمين، وليذكِّرَ بها طلبة العلم، والناس.
وَضَعَ لكتاب مدارج الكمال في نهايته خاتمة في الأخلاق:
حَقٌّ على مَنْ أَلْهَمَ الله الحِكَمْ
أنْ يبسُطَ الرِّزقَ لمنْ أولى النِّعَمْ
ومنها في أخلاقِ الإنسان الاجتماعية:
فأَطلقَ الوَجْهَ لِمنْ قد سألـــــــه
وبَذلَ المالَ إذا ما ابتذلَـــــــه
وَلَبِسَ الحلمَ وأوفى بالذِّمَــــــــمْ
وَعَفَّ قادِرًا عَنِ الذي اجْتَرَمْ
وَكَتمَ السِّرَّ وأَدَّى ما ائْتُمِـــــــنْ
بهِ إلى الذي لهُ قَدِ ائْتَمَـــــــنْ
فأكرَمَ الضَّيفَ وواصلَ الرحِـمْ
ورحِمَ الطفْلَ وعظم الهَـــرمْ
وَجَلَّلَ العالم حقَّ قـــــــــــــدرِهِ
وأوسع الجاهلَ حُسنَ خُلْقِـــهِ
6- جوهر النظام في علمي الأديان والأحكام11:
هذا الكتاب قسمه المؤلف إلى أربعة أجزاء، فالجزء الأول في الأديان، والجزء الثاني في الأحكام، والجزء الثالث في الإباحة والأموال وأحكامها، أما الجزء الرابع فهو في السنن والآداب.
وكتاب جوهرِ النظام احتفى به العمانيون أيَّما احتفاء، يكادُ لا يخلو بيت من نسخة منه، والشاعر العماني الكبير أبو مسلم النبهاني عزمَ على نثره، فرسَمَ نثره على اثنين وعشرين جُزءًا، ولكنه لم يُخرج منه إلا ثلاثة أجزاء، باسم: نثار الجوهر.
ونكادُ نقول: إن جوهرَ النظام مدرسة متكاملة في علوم الدين والمعاملات، والحكم والقضاء، والأخلاق والسنن والعادات.
وقسم المؤلف كل جُزءٍ إلى كتبٍ، وكلِّ كتابٍ إلى أبواب، وهو عبارة عن إعادة صياغة لمنظومة الصائغي، قال مؤلفه في البداية:
يقولُ عبدُاللهِ وابنُ عبدِهِ
المُرْتجيْ ألطَافَهُ من عندهِ
أحمَدُكَ اللهُمَّ كُلَّ الحمدِ
في حالة الرِّفدِ وغيرِ الرِّفدِ
إلى أن قال:
وبَعْدُ إنَّ خيرَ نَظْمٍ بالِغِ
في الفهمِ مبلغًا نِظامُ الصائغيْ
ثُمّ يذكُرُ الأسباب التي دعتْهُ إلى إعادة هذه المنظومة، وصَبِّها في نظمٍ جديدٍ، وذلك لما أحبَّ أن يضيف إليه من أفكارٍ يراها هو، وكذلك لورودِ بعضِ الأخطاء في المنظومة الأولى والخلل في الميزان الشعري. ويُشيرُ أيضًا إلى أنّ أصل منظومة الصائغي هو كتابُ بيان الشرع:
فإنَّهُ حوى بيانَ الشَّــــــــــــرعِ
مِنْ واجبٍ وجائزٍ ومَنـــــــــعِ
وانْصَبَّ في سُهولةِ الألفــــــاظِ
وطابَ حِفْظُه لدى الْحُفّـــــاظ
لكنَّهْ لمْ يَخلُ مِنْ أَشيــــــــــــاءِ
معيبَة عند أُولي الذَّكـــــــــاءِ
كمَيْلِ تَطْويلٍ بغيرِ طائــــــــــــلِ
كذِكرِهِ في النظمِ قولَ السائـلِ
……
فقُمتُ في إصلاحِ ما وَصَفــــتُ
مُجْتَهِدًا ورَبِّيَ استعَنــــــــــتُ
أَصْلحتُهُ مِنْ غيرِ ما اسْتِقصـاءِ
لأنني عَنِ المَحلِّ نائـــــــــــي
وشَرعَ الإمامُ نورُ الدين بتأليفِ كتابِ جوهر النظام بمكة المكرَّمة ، حينَ ذهابهِ للحج:
شَرَعتُ فيهِ ببلادِ اللهِ فكانَ هذا مِنْ عظيمِ الجاهِ
والمعروفُ أنّ منظومة الصائغي تحتوي على عشرةِ آلافِ بيتٍ، وأنها كانت غير موجودة عنده في مكة، إذًا هو يحفظها، وألَّف عليها كتاب جوهر النظام مِن الحفظ:
أصلحتُه مِن غيرِ ما استقصاءِ
لأنني عن المحلِّ نائي
والمحلُّ بمعنى الديار، ونائي: بمعنى بعيدًا عن الدِّيار.
قسَّم المؤلِّفُ الجزء الأول إلى خمسة عشر كتابًا، وكلُّ كتابٍ إلى عدةِ أبواب، وبدأه بكتاب العلم، لأنه يرى بأنّ العلم من الضرورات الدينية التي يجب أن يتحلى بها الإنسان، وهو في جزءٍ آخرَ يضعُ بابًا آخر للعلم، وفي باب العلم يقول:
العِلمُ دَرْكُ القلبِ مثلُ البصَــــرِ
يكونُ دَركُ العينِ عندَ النَّظـرِ
وهوَ على الإطلاقِ محمودٌ لمـا
جاءَ مِنَ الثَّناء فيهِ فاعلَمــــا
ولا يُذَمُّ أبدًا وإنَّمــــــــــــــــــــا
يُذَمُّ ما كانَ شبيهًا بالعمـــــى
وبعد ذلك:
لا يُورَثُ العلمُ من الأعمـامِ
ولا يُرى بالليلِ في المنـــــامِ
لكنهُ يحصلُ بالتَّكــــــــــرارِ
والدَّرسُ بالليلِ وبالنهـــــــارِ
مثالُهُ شجرةٌ في النَّفــــــسِ
وسقيُها بالدَّرسِ بعدَ الغرسِ
يُدرِكهُ مَنْ كَدَّ فيهِ نَفسَـــــهُ
حياته ثُم أطالَ درســــــــــــهُ
ثُمّ ينتقلُ من كتابِ العلم إلى كتاب أصولِ الدين، وهكذا تباعًا، حتى ينهي الجزء الأول بكتابِ الأيمان والكفارات:
عَقدٌ به يَمتنِعُ المُكَلَّــفُ
عنْ فعلِ ما يقصدُ هُوَ الحلـفُ
يكونُ حقاً وهُو اليميـنُ
باللهِ أو صِفاتهِ تَكــــــــــــــونُ
وفي الكفاراتِ يقول:
مِنْ فضْلِهِ سُبحانَهُ علينـــــــا
أن شَرعَ التكفيرَ واليمينـــــا
فحالِفٌ عن فعلِ شيءٍ فيرى
سواهُ خيرًا فلهُ يُكَفِّـــــــــــرا
لا تَجْعلِ اليمينَ شيئًا مانِعـــا
عَنْ فعلِ ما تكونُ فيهِ طائعـا
أمّا الجزء الثاني فهو في الأحكام، وقد وَضَعهُ في اثني عشر كتابًا، بدأهُ بكتابِ الأطعمة، أوَّلها بابُ أحكام صنوف الحيوانات، يقول:
وقدْ أَحلَّ اللهُ الطَّيِّبــــــــــاتِ
فضلًا وحَرَّمَ المُخَبَّثــــاتِ
فَطَيِّبُ المأكُولِ والمشـروبِ
مُحلَّلٌ ليس بهِ مِنْ حـوبِ
وانتهى بكتاب الضَّمانات، بباب الخلاصِ مِن الضمان، يقول:
وذاكَ إمّا أن يكونَ يعرِفُ
صاحِبَهُ أو أنه لا يَعرِفُ
فإنْ يَكُنْ يَعرفُ يلزَمَنَّـــــا
أَداؤُهُ إليهِ فاعلمَنَّــــــــا
والجزء الثالثُ بدأهُ بكتاب الإباحة:
وهيَ أُمورٌ تُدْرى بالأحوالِ
مَعَ انتِفاء الريبِ كـــــالإذلالِ
وكتعارُفٍ مِنَ الجميـــــــــعِ
وكُلِّ ما أفضى إلى التَّوسيعِ
فحاجَةُ الناسِ إلى التعامُــلِ
يكونُ كالإذْنِ وكالدّلائــــــــل
وقد تَضمَّن عشرة أبوابٍ، كبابِ التَّعارُف، وهو نظامُ العُرفِ في البلاد، وبابُ العطايا، والأمانة، والإقرار، وكتابُ الأموال كالإجازة، والشريكِ في العملِ، والسوقِ والطرُقِ، وختمه ببابي نظامُ العالَم كالإمامة، والحدود، وكتاب القضاء، كصفةِ القاضي وآدابه، والدعاوي، وغيرها.
والجزء الرابع فهو في السنن والآداب، وجعله كتابًا واحدًا في واحدٍ وثلاثينَ بابًا، كالعلمِ والعقلِ واللباس والحقوق الاجتماعية، والسلام، والسّفرِ والصحبة، وغيرها.
وحتى لا يتكَرّر مع المُتلقي أنَّه كرّر كتاب العلمِ مرّتينِ، في الجزء الأولِ وفي الجزء الرابع، ففي الجزء الأولِ أخذَ باب العلمِ من ضمنِ العبادات، وفي الجزء الرابعِ شرحه من ناحية اهتمامِ الصحابة وانتشار العلم، يقولُ في البداية:
العِلمُ إلهامٌ منَ الحميــــــــــدِ
في مَذهبِ الشيخِ أبي سعيـدِ
وعندهُ التعليمُ كالنبــــــــــاتِ
للنَّخْلِ والتَّلقيحِ والثَّبـــــــــاتِ
…
فالعلمُ خيرٌ منهُ منْ قد حمله
والمالُ خيرٌ منه مَنْ قد بَذَلَــه
ثُمَّ يتحدّثُ عن حاملي لِواء العلم من الصحابة، ومن أخذ منهم هذا العلمَ من أصحاب الاستقامة، كجابرِ ابن زيد، وأهلِ النهروان، وغيرهم كفرادى من حملة العلم، ثمّ ينتقلُ إلى انتشارِ العلمِ في الأقطار:
وبعدَهُمْ إلى عُمانَ انتقــــــــلا
وَضَربوا بالانتقالِ مثــــلا
بطائرٍ فَرَّخَ في العِـــــــــــراقِ
ولِعُمانَ طارَ بانطــــــلاق
كذاكَ أيضًا طارَ نحوَ المغربِ
فامتلأتْ بالعُلماء النُّجُــبِ
كذاكَ نحوَ اليمَنِ الُمبـــــــارَكِ
فاتَّضَحَتْ أرجاؤُهُ للسالِكِ
ونظم في هذا الجزء بابًا بعنوان: بابُ الضَّوابِط، نختارُ منه في ضبطِ أسماء بعض المُدُنِ العمانية، يقول:
“بُهلا” بضَمِّ الباءِ أيضًا و”كُــدمْ”
بالضَّمِّ و”الرُّستاقُ” مثلُها تُضَـم
ومثلها “بُسيا” و”إِزْكي” تُكسَـــرُ
كذاك “إبرا” هَمزَها قد كَســـروا
والفتحُ في “الحَمرا” وأمـا “أَدَمُ”
بفتحتَيْنِ والإلهُ أَعلَـــــــــــــــــــمُ
“عِبري” بكسرِ العينِ ثُمّ “يَنْقُـلُ”
بالفتحِ فالضَّم بوَزنٍ يقتُــــــــــــلُ
أمَّا “فِدى” فهيَ بكسرِ الفـــــــــاءِ
والفتح في “نَزْوى” بــــلا مِراءِ
و”مَنَحٌ” بفتحتيْنِ ثُمَّ ضّــــــــــــــمْ
صادَ “صُحارَ” وبهذا قدْ تَتِـــــــمْ
قلتُ: والعمانيون حاليَّا ينطقون بُهلا بفتح الباء، والبَهلُ بالفتح هو الملاعنة، نقول: بَهَلَهُ اللهُ بَهلًا أي: لعنه الله لعنًا، والابتهال هو التضَرُّعُ في الدعاء، والمباهلة هي المُلاعنة. وأما أسماء المدن فالكثير منها ليس من الضرورة لها معنى مناسب، ومدينة بُهلا هي من المدن الموغلة في التاريخ، وكذلك اسمها.
وقد ختمَ المؤلف منظومة جوهر النظام بباب الدُّعاء، يقول:
إنَّ الدُّعاءَ لَسِلاحُ المؤمِنِ
فإنْ دَعَوتَ فَبِها فاسْتَيقِـنِ
قدْ وَعدَ الإلهُ بالإجابـــــــهْ
لِمَنْ دعا مُمْتَثِلًا خِطابــــهْ
فَإنْ دَعَوتَ لا تُقَيِّدَنّـــــــــا
فلا تَقُلْ إنْ شِئتَ فاغْفِرَنّـا
فإنهُ ليسَ لِربي مكـــــــرهُ
يفعلُ ما شاءَ ولا يُنبَّــــــهُ
خاتمة
في هذه الأسطُرِ سنعرضُ ثلاثة اهتماماتٍ اهتمّ بها الإمام نورُ الدين السالمي في منظوماته، وهي: نظامُ الحكم والحاكم، والقاضي وصفاته، والحقوق.
نظامُ الحكم:
يقولُ في غايةِ المُراد:
إنَّ الإمامةَ فَرضٌ حينما وجَبَتْ شروطُها لا تَكُن عن شَرْطِها غفِلا
أما في مدارج الكمال فيذكُرُ الإمامة بتوسُّعٍ، نأخذُ منها بدون تسلسلٍ قوله:
وواجِبٌ أنْ ينصبوا إمامــــــا
إنْ وجدوا استطاعةً تمامــا
وهيَ إذا كانوا رجالًا فرغــوا
مِنْ شاغِلٍ والأربعينَ بلَغـوا
وذلكَ الشاغِلُ نحـــــــــو رِقِّ
وعَدَمٍ ومرضٍ وفتـــــــــــقِ
ووصف الذي يُختار للحُكم:
ولْيَكُ ذا شجاعةٍ وحَــــــزمِ
مُرْتديًا بعفةٍ وَحِلْـــــــــــــــــمِ
وغِيرَةٍ على انتهاكِ الحُـرُمِ
وذا وَفًا بعهدِهِ والذمَـــــــــــمِ
ليسَ بذي رِقٍّ ولا جُنـــونْ
ولا صَبيًّا أو أخَا مجــــــــونْ
وما بهِ زمانة أو هــــــــرم
أو خَرس أوِ العمى أو صَـمم
ولا يَجوزُ خلعُهُ بلا سبـــبْ
وجازَ إنْ أتى الكبيرَ وارتَكَبْ
وكذلك في جوهرِ النظام بعنوان نظامُ العالم:
والاهتمامُ بمصالحِ الـــــــــورى
فَرضٌ على كُلِّ امرئٍ ما قـــدرا
وأنَّهُ لا يُصلِح البريَّـــــــــــــــــه
شيءٌ سوى العدْلِ مع الرَّعيَّــــهْ
والمُلكُ لا يَصْلحُ دونَ طاعـــــهْ
فالعَسْفُ في المُلكِ هو الإضاعه
والظُّلمُ لا تُبنى عليـــــــــــهِ دارُ
لأنَّهُ الخرابُ والبـــــــــــــــــوارُ
والعَدلُ لا شَكَّ أساسُ المُــــــلكِ
وهو أساسُ الخيرِ دونَ شَـــــكِّ
وما نِظامُ الناسِ حتمًا يقَــــــــعُ
إلا إذا ما اتَّفقوا واجتمعـــــــــوا
كونوا عبادَ الله إخوانــــــــًا ولا
تنازَعوا تَفَرُّقًا وفشــــــــــــــــلا
ولا يَتِمُّ الاجتمــــــــــاعُ دونَ أنْ
يكونَ فينا قائدٌ يًقَدَّمَـــــــــــــــنْ
وللعُمانيينَ والمغارِبَـــــــــــــــهْ
وحضرَمَوتَ أمراءٌ غالبــــــــــهْ
يُشابِهونَ العُمَرَينِ عــــــــــــدلا
وَوَرَعًا وثِقةً وفضْـــــــــــــــــلا
مَضوا على نَهجِ الصوابِ فَلَهُـم
حُسنُ الثَّنا معَ الرِّضا مِنْ ربِّهـمْ
أما صفة الحاكمِ في جوهرِ النِّظام فقد أوردها في مائة وأربعةٍ وثمانين بيتًا، أخذنا منها:
يَلْزمُ نَصْبُ قائمٍ في النــــــاسِ
في أربعينَ رَجُلًا أَكْيــــــــاسِ
مُتَّفقونَ لا يُخالفونـــــــــــــــــا
بَعضُهُمُ بعضاً مُوافقونـــــــــا
وبَيْعةُ الأعلامِ تَكفي مَنْ رَضِيْ
بها ومَنْ كانَ لها لمْ يَنقُـــضِ
ومُتَمنِّعونَ يُجْبَرونـــــــــــــــــا
يُبايِعونَ لو يُقاتَلونـــــــــــــــا
وتارِكٌ مَعونَةَ الإمــــــــــــــــامِ
بغيرِ عُذرٍ ساقطُ المقــــــــــامِ
مَنِ ادَّعى على الإمامِ حَدثــــــا
يُوجِبُ كُفرًا فهو عبدٌ أحدثـــا
تلزَمُهُ التَّوْبةُ لا محالـــــــــــــه
وليسَ منهُ تُقبلُ المقالـــــــــه
وقيلَ إنْ لمْ يقدرِ الإمـــــــــــامُ
يقومُ بالحقِّ فلا يُــــــــــــــلامُ
لكنْ عليه يُحضِرُ الإخوانـــــــا
مُستعفِيًا إليْهِمُ إعلانـــــــــــــا
وإنْ يَكُن برأيهِ قدِ اعتــــــــزلْ
مِنْ دونِ رأيِهِمْ فذاكَ لا يَحِــلْ
وهكذا عنْ رأيهمْ منْ دونِ أنْ
يُوافِقَنَّهُمْ فليسَ يُعزَلَـــــــــــنْ
وباطِلٌ تعددُ الإمامـــــــــــــــــةِ
في سيرَةٍ كذاكَ في ولايـــــــةِ
كذلكَ الأعمى فلا يُقـــــــــــــدَّمُ
كذلك الأخرسُ ثُمَّ الأعجَـــــــمُ
نختارُهُ لصِحَّةٍ في جسمــــــــهِ
وعَقلِهِ وَسعَةٍ في علمِـــــــــهِ
فلا يُقَدَّمْ جاهِلٌ وجُـــــــــــــوِّزا
للاضْطِرارِ عندَ مَنْ تجَـــــوَّزا
بشرطِ أنْ لا يُمْضِيَنَّ نَظـــــــرا
مِنْ دونِهِمْ ولا يُجَهِّزْ عَسكَـرا
وقيلَ في مَشورَةِ الإمـــــــــــامِ
فرضٌ عليهِ لأولي الإســــلامِ
ويَكفي في ذلك مَنْ قد حَضَــرا
منهم لأنَّ جمعهُم تعـــــــــذَّرا
وإنْ يكُنْ للأمرِ أهلًا جمعـــــــا
عِلْمًا ورأيًا وسياسةً معـــــــا
فقيلَ لا يلزَمُهُ وإنْ شَـــــــــرَطْ
ذاكَ بَلِ الشَّرطُ لديهِ قد سقــطْ
وإنْ عَراهُ صَمَمٌ منْ بعدِ مـــــا
صارَ إمامًا أو أصابَهُ العمـــى
لا يُعْزَلَنْ بذاكَ لكنْ يُجْعَـــــــــلُ
عنهُ لِذاكَ نائبًا يُفصّــــــــــــلُ
ويلزِمُ الإمامُ أن يختـــــــــــارا
في الناسِ مَن ولاّهُمُ جهــارا
وكُلُّ ما فيهِ اختلافُ العُلمــــــا
فتركُهُ وأَخذُهُ لمْ يُلزَمـــــــــــا
بلْ للإمامِ أخـــــــــــذُهُ إذا رأى
ذاكَ وتَرْكُهُ له إذا يشـــــــــاءْ
ولوُجوبِ طاعةِ الإمـــــــــــــامِ
يَرتفعُ الخلافُ في الأنــــــــامِ
القضاء
أما القضاءُ فنأخذه من باب صفة القاضي وآدابه من جوهر النظام مختصرا بلا تسلسل:
والفصْلُ بينَ المُتخاصِمَيْــــــــــنِ
هوَ القَضا مِنْ حاكِمٍ أمــــــــينِ
حُرٌّ فليسَ للرقيق يقضــــــــــــي
وقيلَ مهما حكَّماهُ يمضــــــــي
وذاكَ فيما حكماهُ فيــــــــــــــــــه
إنْ كان عن إذنِ الذي يليــــــهِ
كذلكَ الأعجمُ لا يُحكَّــــــــــــــــــمُ
كذا الأصَمُّ إن يَفُتْهُ الكَلِــــــــــمُ
والخُلفُ في الأعمى فقيلَ يقضي
بينهُما وقيلَ ليسَ يقضـــــــــي
إذ لا يكونُ حاكمًا منْ لمْ يَكُــــــــــــنْ
يصلحُ شاهدًا على وَصْفٍ زُكِــــنْ
نختارُ للقضا فتىً ذا عِلـــــــــــــمِ
فيما قضى عنْ ذَنبِهِم ذا حِلْـــمِ
مُحتَمِلًا لِلَّوْمِ عَفًّــــــــــــا ذا وَرَعْ
لَمْ يَتَحَرَّكَنَّ قَطُّ لِطَمَـــــــــــــــعْ
فَمَن أَحَبَّ أنَّهُ لمْ يُعْــــــــــــــــزَلِ
لا يَسْتَحِقُّ للقضا فليُعْـــــــــزَلِ
وليسَ للوالي ولا للقاضــــــــــي
يَزيدُ فوقَ ما الإمامُ قاضــــــي
يَحكُمُ فيما عَيَّنَ الإمـــــــــــــــــامُ
فإنْ يَزِدْ فإنَّهُ يُــــــــــــــــــــلامُ
ويَلزَمُ الحاكمُ للرَّعيــــــــــــــــــةِ
يَجعلهمْ في الحُكمِ بالسَّويــــــةِ
حتى يكون الكلُّ كالأسنـــــــــــانِ
أسنان مشطٍ فافهمِ المعانـــــي
والخُلفُ هلْ يجوزُ أنْ يَتَّجِـــــــرا
والي الإمامِ بعضُهُم قدْ حجــرا
وهكذا القاضي كذا الشُّــــــــــراةُ
لأنهُمْ على الــــــــــــورى وُلاةُ
وليسَ للقاضيْ بأن يَحكُمَ فــــــي
شيء إذا كان له لمْ يَعــــــرِفِ
الحقوق
أما الحقوق فنختصِرُ منها ما وَردَ في مدارجِ الكمال: فقد ذكرَ حقوق الوالدين، وحقوق الأولاد، وحقوق الأرحام، وحقوق الأيتام، وحقوق المسلم، وحقوق الجار، وحقوق الصاحب بالجنب، وحقوق العالم والمتعلم، وحقوق ابن السبيل، فمن حقوق الجار يقول:
ويجِبُ الحقُّ لجارٍ قد نــــزل
بمنزلٍ بينهُما تبقى الشُّعلْ
وقيلَ أربعينَ بيتًا عـــــــــددا
وقيلَ بيتانِ بيُمناهُ بـــــــدا
وحَقُّهُ دَفعُ الذي يؤذيـــــــــهِ
وإنْ تَكنْ مسرَّة هنِّيـــــــهِ
وَصِله بالشيء الذي ليس مَعَـهْ
مِنْ نوعِهِ إذا رأى أو سَمعَـهْ
والحقُّ واجبٌ لكُلِّ جـــــــــارِ
وإنْ يَكُن من جُملة الكُفارِ
وتناولَ في منظوماته العقائدية كل ما يلزم الإنسان من الوحدانية والإيمان بكافة الديانات المرسلة، وما يلزم الإنسان من الاعتقاد، والولاية والبراءة، وما كان فيه الخلاف كرؤية الخالق، وخلق القرآن، والحقوق والواجبات، والأحكام، وغيرها، وما اختلف فيه الصحابة والحروب التي دارت بينهم، وهو بحثٌ لا يمكنُ الوقوف معه في أسطُرٍ أو مقالات، لأنها كتبٌ جمة.
اللّهُم اسْقِ روحَ الإمامَ نور الدين السالمي رَحمة منك على ما قَدّم واجتهد.
الهوامش
1 – لم نطلع عليها ــ ينظر: روض البيان على فيض المنان للإمام السالمي ــ ص40 ــ تحقيق: عبدالرحمن بن سليمان السالمي ــ منشورات مكتبة السالمي ــ بدية ــ ط1 ــ 1415هـ-1995م.
2 – تبصرَة المعتبرين في تاريخ العبريين، للشيخ إبراهيم بن سعيد العبري ــ ص201 ــ تحقيق: محمد بن عامر العيسري ــ منشورات: ذاكرة عمان ــ ط1 ــ 1436هــ – 2015م.
3 – كتاب شرح بلوغ الأمل في المفردات والجُمل للإمام نور الدين السالمي ــ إعداد: إسماعيل بن حمد السالمي ــ مطبعة إبراء ــ 2010م
4 – المنهل الصافي على فاتح العَروض والقوافي تأليف نور الدين السالمي العُماني ــ منشورات: وزارة التراث القومي والثقافة ــ سلطنة عمان ــ 1402هــ ــ 1982م. ــ وينظر الكتاب ذاته وذات الناشر ــ تحقيق: إبراهيم بن حمد بن سالم الشبيبي ــ ط1 ــ 1434هــ – 2013م.
5 – مشارق أنوار العقول ــ تعليق سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي ــ الناشر: مكتبة الإمام نور الدين السالمي ــ السيب ــ الحيل ــ 2000م.
6 – شرح أنوار العقول من إملاء أبي عبيد حمد بن عبيد السليمي ــ مخطوطة بوزارة التراث ــ رقم:1983 ــ الرقم:101ز.
7 – كتاب شرح طلعة الشمس على الألفية ــ وبحاشيته: بهجة الأنوار : شرح أنوار العقول في التوحيد ــ والحجج المقنعة في أحكام صلاة الجمعة ــ تأليف العلامة أبي محمد عبدالله بن حميد السالمي ــ منشورات: وزارة التراث القومي والثقافة ــ 1401ه- 1981م.
8 – مخطوطة بخط إبراهيم بن حمد السالمي ــ بدون تاريخ ــ محفوظة لدينا ــ وينظر: مفتاح السعادة إلى طريق العبادة ــ منشورات مكتبة الإمام نور الدين السالمي ــ السيب ــ الحيل الجنوبية ــ ط1 ــ 2003م.
9 – شرح غاية المراد في نظم الاعتقاد ــ لسماحة الشيخ العلامة أحمد بن حمد بن سليمان الخليلي ــ منشورات: وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ــ مكتب الإفتاء ــ سلطنة عمان ــ ط1 ــ 1434هــ – 2013م.
10 – مدارج الكمال في نظم مختصر الخصال ــ تأليف: الشيخ العلامة عبدالله بن حميد بن سلوم السالمي ــ منشورات: وزارة التراث القومي والثقافة ــ سلطنة عمان ــ 1403هــ – 1983م. مطابع سجل العرب.
11 – جوهر النظام في علمي الأديان والأحكام ــ تحقيق: أبو إسحاق إبراهيم اطفيش الجزائري ــ ط2 ــ القاهرة ــ طبع على نفقة العلماء المغاربة ــ 1971م ــ وتنظر الطبعات العمانية.