محمد السناني
نهاية العالم
أَنا المَوتُ الَّذي آتى عَلَيكُم
فَلَيسَ لِهارِبٍ مِنّي نَجاءُ
جرير
لم تكن ثمة نهايةٌ للعالم في رأسي
سوى ما رسمها الأبالسة
أوبئةً وحروبًا وقنابلَ نوويةً
وصولًا للفناء الكلي
هكذا أطمئن أكثر
حتى الروايات والأفلام
لم تعد تعرف النهايات السعيدة
وقصائدنا الهذيانية تركنا للدود إكمالها
ليلة الحورا*
الأصدقاء والنجوم
أبانت السماءُ عن ثقوبٍ مضيئة
ونجومٍ مرحة
الكون ثملٌ بي
صرتُ خارطةَ الكون
العوالم الغربية
تتصل والمجرات
الخوف مطرّحًا نفسه
ويرمي بي للحتوف السعيدة
كل رملةٍ كانت تتشبث بي
كل موجةٍ كانت جنازةً لأفكاري
وكل نجمٍ كان مستقرًا لأحلامي
تدثرت بالجليد
نغمةٌ من وراء جبال هندوكوش
حملتني معها لسلام النمر
ضجيج القيامات في قلبي
في يدي بضع حبات رمل هي كل نبوءتي
ألن غينسبرغ* في رأسي
مقدسٌ يا ألن غينسبرغ
مقدس ألمنا وخوفنا
وجوعنا وبكاؤنا
وكل شيءٍ مقدسٌ حتى الدنس
نسورٌ فتية
سنعيش الحياة كما يليق بنسورٍ فتية
مهما كانت الصباحات ثقيلة
سننهض بها بأجنحةٍ لا تعرف السأم
تلك الجذوة السماوية التي لا تطفئها رياح اليأس
ننبعث كل فجر لا نلوي على شيء سوى الحب
أعشاشنا لا يعرفها حتى نحن
نحوّم في آفاق عدوة وهاويات مخاتلة
ويا أيها حين تقترب لن نخاف
سنستقبلك بما يليق بضيف عزيز
سنفرش لك أجسادنا سجاجيد فارسية
ولتنتزع أرواحنا بعد الفناجين الثلاثة
بسلاسة أو بقسوة
لا يهم
ندرك أننا سنصبح نسورا جديدة من جديد
ولينتظرنا الصباح الجديد كيفما شاء
لن ننهض له كالعادة بل سنلتحف الفضاء
ريشا سماويا لا يراه إلا الأعمى العارف
بأحوال النسور اللا مرئية
صديقي الغراب
أيها الغراب
يا صديق النص الملغز
والدراسات التي لن أقرأها عنك
يكفيني منك وَجَلُكَ الكبيرُ من المياه
حِسُّكَ بالفكاهة
إيمانُك بمواعيدي لتقدمات بقايا الطعام
بعد أن يشبعَ الجنودُ المحاصرون بالوقت
علّمني كيف أدفن جثةَ الزمن المنتنة
كيف أواري سوءة الضجر المعلن
لم يبق لي إلّاكَ في السجن اليومي
ذي الأبواب المشرعة والجدران الخفيضة
أبادلك حديث الشعراء الصامت
حين تدير لهم السماواتُ ظهرَها
ولا تعود في الأفق المكسوِّ بالحريق
سحابةٌ واحدةٌ تبشِّرُ بمطرٍ خفيفٍ
أو بنصٍّ عابر
انعقْ بكلِّ ما أوتيت من بشاراتٍ للخراب
لم تزل ناطحات السحاب تُبنى
ولم تزل أنتَ تزاح من المكان بجرّافات الوحشة
زكاة العائلة
لا بدَّ من أخٍ غير محسوب
نطارده في الحانات أو المساجد
انتحاريًّا أو سكِّيرًا
زكاة الطبيعة الحرّة
أخٌ حَمَلَ المآسي عني وعنك
هو الأجمل والأسوأ
نتمنى موته وحضوره
في عرس الأخت وفي رحيل الأم
هو الأشدُّ فرحًا وحزنًا
سيموت مبكرًا وسيعود ليؤنسَ ليالينا
أيها الأخُ الطيب
احملنا في نزهاتك الطويلة
يتاماكَ نحن
أيها الصديقُ الخيالي لطفولاتنا الغابرة
قبعاتٌ لجنودٍ موتى
في قلب كلِّ واحدٍ منهم
صورةٌ لطفل وامرأةٍ وبيتٍ جديد
وأحلامٍ لم تولد بعد لتموت
ذهبوا خلف المصائر المصائد
لم يربحوا الحرب
لم يخسروا سوى رهان الأوهام
والآن تتحسس قبعاتهم رؤوسًا مقطوعة
وتتذكر طويلًا حرارةَ أدمغتهم في الصيف
وعرقَ جباههم الغزيرَ
وأياديهم وهي تنزع القبعات فرَحًا أو سأمًا
يا للوحشة والانتظار الممض
ثمة خنادق جديدة لم تحفر
ثمة طوابير في الفجر لم تنتظم
ثمة ضحكات طويلة وصرخات عريضة
لم يفعلها فمٌ بعد ولن يدوي صداها
في ليل هذه الثكنات المظلمة الطويل
قلهات
أرثي لي
أنا المسهد المفترش أرضًا باردة
أحرس الموتى في ليل قلهات الخربة
أرثي للقطط
جدة وبنت وحفيدة
لهن أب واحد
قط عجوز بوجه آدمي
يتقلبن في برد قلهات الكافر
أرثي للخراب
يجوس وحيدًا حول قلهات المندثرة
المندثرة أكثر من مرة
بحر حبر لا يرثي لأحد
وجبال قاسية لا تعرف الرثاء
وسماء كظهر سلحفاة ميتة
مليئة بالثقوب المضيئة
يسكنها ما لا أعرف من كائنات لا تعرف الشفقة
نحن هنا الموتى وأنا والقطط وقلهات الخربة
نؤلف للنسيان مراثيه
ولا نلفظ الخلود مفردةً
فهو أقل من أن يرثي له أحد
إنها الفجيعة وقد أخذت شكل الحياة
هنا في قلهات المعاد تدميرها كل مرة
نحاول فيها أن ننهضها من رماد الأحلام
وأطلال الروح وخرائب الأمل