خالد علي المخيني
في ذلك اليوم الذي تصفر فيه السماء
ستمتنع الفراشات عن الخروج
والعصافير ستنكفئ في أعشاشها
ويغادر الخلد مخبأه الأرضي إلى الأبد
يومها سيسرح الراعي الأبكم بالغزالتين الذهبيتين
خارج شعاب مكة
وتكون عندها بلقيس
قد دفنت حية
تحت قصر غمدان
ويقتتل على ذهب الفرات
أحفاد شارون وأليَصابات
يومها تلملم زوريانا خبزها
وأبناءها وزوجها العجوز
وشيئا من حطب رطب
وتوصد الأبواب فقد حل الشتاء الطويل
وهناك شرقا حيث البقرة الذهبية
وشحاذو السودرا
الطيبون
يدفن غاندي معزته الأخيرة ويرجع إلى صومعته بعد أن يغلق بوابته الذهبية إلى الأبد
ويعلو النفير ويُسمع النفير وتدق القلوب
وتطفو حيتان التايفون
أمام يورك الجديدة
فترمي سمومها وتعاود السبات
وشعلة التمثال تحرق الكتاب
فيتداعى جسر جولدن جيت وتنزلق واشنطن دي سي تحت نهر بوتوماك
ويتكئ بيت الزجاج الكبير على بقايا أعلام ممزقة
يومها تلتحف أوربا
عباءة المساء
وتباع الموناليزا بكيس خبز
ويغيض برج لندن الكبير تحت نهر التايمز
وترتدي عابثات الأراضي المنخفضة طرحة مريم فوق السواد
وعند ذلك الأرخبيل البعيد
يتدرع ابن الشمس عدة الحرب العتيقة لملاقاة تنين الشمال ولا رجوع حتى الفناء فقد آذن وقت الانتقام
والراعي الأبكم يواصل الطريق على الرمال حيث تندس مدن الملح
ولا يُرى سوى
بئر نفط معطلة
ومقبض باب قصر مشيد
وتدخل الغزالتان غار ثور
فتنسج العنكبوت الشباك
ويظهر البريق من خلف جبال فاران
فيومض كل شيء وتمطر السماء أقمارا حديدية
فيسكن كل شيء
ويبيض الحمام
وقبل موت الزمان
تزقزق الطيور
ويذوب ثلج الجزيرة
حيث لا عرب
ولا عجم
ولا عيون زرق كئيبة
تخرج الغزالتان تلهوان
وعند صحراء كلهاري
يولد الأطفال
وتدق طبول قبائل الماو ماو
ويرقص الطوارق دون لثام
وتنبت البراعم بين الصخور
فقد اتسع المجال للحياة.
صُــــور
مدينتي
أيتها الصامدة
ضد رياح الزمن
وأحابيل الشياطين
الوحيدة دوما
بيوتك البيضاء الكبيرة
ومقابر البحارة العاشقين
وبقايا السفن العتيقة
شواهد السنين
ومن كهفك النائي
تبزغ شمسك الأولى
تطارد الفينيق
كل صباح
ونوارسك الصاخبة
تناغي خورك المهيب
حيث النواخذة الشم
والرجال الشداد
على ساحلك يشيدون سفائنا
للخور يدفعها
من رحمه الممتلئ
بأخشاب (كاليكوت) العتيقة
لتصل قلوعها السماء
وشراعها السحاب
وتمضي بعيدا نحو الأفق القصي
حداؤها الشوباني
وحرزها دعاء الأمهات الذي لا يخيب
تجوب الأمداء السحيقة
شهورا طوال
ومن أجساد البحارة المثخنين
تنثال دماء وماء وملح غزير
على الساج والشالمان
فيزيد البحر عذوبة واحمرار
وهناك بعيدا ينتظر الصغار الهدايا
وعيون الصبايا ترنو نحو زرقة لا تمل
في انتظار مهر العروس
وحين يأذن ( المانسون ) بالإياب
يهبط الشراع
عند الفيء والعرائس مثقلات
محملة بالهدايا والرجال
ويعدو المبشر
لأبواب العجائز
طمعا بالأعطيات
فتلتمع العيون
وتضئ الثنايا عن مباسم الأمهات
ويزداد المدى رحابة وحبور
وتدق طبول السنديان
ليسمع صداها
في كل واد
ويضع النوخذة الكمال
وخارطة بللتها المياه
وقلب أوجعه
موت بحار صغير
وخفا يطأ الأرض بعد طول غياب
ليغادر البيت الشتات
وتغفو السفائن في خورها
حتى انتهاء الخريف
ليفوح النرجس الليلي
وتهتز المرايا عرسا
بعد طول انقطاع
شهورا ثلاث
وساعة يرتفع الشراع
تعاود سفائننا النهوض
وتظلين أنت..
البهية دوما..
العصية دوما..
وطنا للجميع.