شكل ظهور كل من المبدعين المرحومين الموسيقار حسن علي درويش والفنان القدير عبدالعزيز ناصر. نقلة نوعية في مسار الأغنية القطرية. فإذا كان المرحوم حسن علي يعتبر الحد الفاصل بين إرث الماضي والمتمثل في نتاج اسماعيل العبيدان واسماعيل كاظم والمسمى بإسماعيل القطري وسالم فرج وابراهيم فرج وادريس خيري وأحمد الجفيري وغيرهم وتلك الأغاني والاهازيج المرتبطة بالموروث الشعبي الخليجي مثل فن الصوت والبسته وأغاني البحر وتلك الأغاني المرتبطة بالأفراح وأغاني النهمه واليامال وغيرها من فنوننا . فإن ظهور كليهما وأعني حسن وعبدالعزيز قد ساهما بلا شك في إثراء الساحة ليس فقط عبر الإبداعات اللحنية ولكن ساهما في ظهور الملحن مع بداية ظهور الإذاعة في عام 1968 فكان أن تقدم إلى الساحة اللحنية كوكبة من الفنانين . منهم من واصل ومنهم من توقف مثل الفنان عبدالرحمن الغانم الذي درس الموسيقى قاهرة المعز والفنان حامد نعمة، وسالم تركي، جاسم شاهين، عبدالله سلطان وغيرهم، وإذا كان لكل منهما وأعني حسن وعبدالعزيز فضل الريادة . فقد ساهما وحفزا عدداً من أبناء قطر إلى التقدم أيضاً عبر أصواتهم في تأكيد ذواتهم مثل الفنان علي عبدالستار، محمد رشيد، ابراهيم علي، صقر صالح، منصور المهندي، ناصر صالح، وغيرهم.
كان المرحوم حسن علي فناناً سبق عصره. من خلال التنوع في تقديم الألحان عبر موهبة فطرية . بجانب كونه يملك أذناً موسيقياً والقدرة على خوض غمار كافة فنون الغناء ولم يقف في إطار أحادي. أو يعتمد على الإرث الفني القطري أو الخليجي. بل كان انطلاقته نحو تجديد اللحن بما يتماشى مع التطور في القالب الغنائي العربي . من هنا فقد حمل إبداعاته أصوات محلية قطرية وخليجية وعربية وهو واحد ممن كان يملك الموهبة الفطرية في التجديد والتطوير، وإن خرج من اهاب الغناء القديم. أما الموسيقار عبدالعزيز ناصر. وهو المجدد في هذا الإطار. فقد ارتوى من كافة الفنون. كان الرافد الأول ما يحمله من الإرث القطري حيث ساهم في تجديد وتطوير الفلكلور دون المساس بالإطار العام للكلمة واللحن. وأن التطوير قد اتخذ إطاراً تجديدياً في تقديم اللحن التراثي القديم والمتوارث. أما الجانب الآخر فإن القاهرة احتضنت موهبة قطرية فوق العادة عبر الدراسة والاحتكاك . وقد لا يعرف، الكثيرون ما كان يملكه من ثقافة موسوعية في كل مجالات الإبداع الانساني فكراً وفلسفة، كان المرحوم عبدالعزيز ناصر، عازفاً لأكثر من آلة موسيقية بجانب كونه شاعراً اختفى بحق خلف العديد من الأغاني. بجانب ما يملكه من نزعة دينية قوامها الإرث الأسري وطبيعته الاسلامية المسالمة. اما في إطار الإبداع فقد شهد له جل المبدعين وبخاصة في تلك الفعاليات والمهرجانات والاحتفاليات الموسيقية بالإبداع . ففي مهرجان الاذاعة والتلفزيون في قاهرة المعز . حصد ثلاث جوائز عبر لحن واحد من كلمات الشاعر عبدالله جابر “تصدق” من أداء لطفي بوشناق وكان ذلك بالإجماع .
كان التنوع في الأداء اللحني . سمة من سمات هذا المبدع القطري .. ففي رائعته “واقف” والذي أداه المرحوم فرج عبدالكريم ترنم به كوكبة من أبرز الأسماء في واقعنا الغنائي العربي . ويكفيه فخراً أنه قد صاغ عبر كلمات الشيخ مبارك بن سيف هذه الترنيمة القطرية التي تشهد له بالنبوغ وأعني النشيد الوطني “قسماً” .
سيظل هذا المبدع بما قدمه من إرث غنائي قطري علامة فارقة. ساهم في تعريف الأذن العربية بالغناء والموسيقى والإبداع القطري . كما أن احلامه في السنوات الاخيرة قد تجسدت في تقديم سيمفونية قطرية . والإسهام في تغذية واقعنا الفني بأوبريت عبر توليفة من أشعار الشاعر الكبير محمد عبدالوهاب الفيحاني .ولكن كان للقدر رأي آخر ..
رحم الله فقيدي الفن . الرائد الاول حسن علي والمبدع الرائد الكبير عبدالعزيز ناصر عبيدان، إن عطاء الموسيقار عبدالعزيز ناصر في مسيس الحاجة إلى دراسة علمية من قبل المتخصصين. ذلك أن نتاجه وافر العطاء والتميز. وبخاصة في السنوات الاخيرة من رحلته في الحياة . حيث قدم مجموعة من أبرز الألحان حملت تنوعاً لحنياً وكانت نقلة نوعية من خلال ما يلامس ذائقة الانسان في أي مكان مثل “قمعستان” ، أحبك يا قدس، آه يا بيروت، متى يا سيدي، وغيرها من الالبومات وكأنه يسابق الزمن في ترك ارثه لكل الأجيال وفي كل مكان.
عبدالعزيز ناصر، ليس فقط الاسم الأهم في مسار الاغنية القطرية، لأنه أثرى الساحة بإبداعاته ولكن لأنه لعب دوراً مؤثراً في تاريخ الفن إجمالاً عبر محطات عدة:
1- في عام 1966 أسس فرقة الأضواء الموسيقية والمسرحية . وشكل إطاراً إبداعياً لكل عشاق الفن الموسيقي والمسرحي وساهم في تقديم العديد من العروض في الأندية الصغيرة.
2 – في عام 1973 التحق بدراسة الموسيقى في قاهرة المعز وساهم في نفض الغبار عن كل التراث الغنائي القطري – الخليجي . بدءاً بتجديد وتطوير الكرنكعوه والنافله ، والعايدوه وغيرها سواء ما ارتبط باغاني البر والصحراء أو البحر.
3 – 1980 تقلد منصب مراتب الموسيقى والغناء ولا يمكن الخوض في ألحان هذا المبدع دون أن نتطرق كما أسلفت إلى دورة في إطار النشيد الوطني “قسماً” ذلك أن هذا المبدع كان عاشقاً لثرى وطنه قطر . ومن يتابع رحلته الإبداعية يكتشف أن “قطر” ترنيمته الأزلية عبر العديد من الألحان مثل “محتار يا بلادي” ، عيشي يا قطر ، الله يا عمري قطر ، وعشرات الأغاني المرتبطة بوطنه الأم قطر .
4 – ساهم في تقديم الأغنية القطرية عبر العديد من الأصوات عبر خريطة الوطن العربي من أمثال نعمية سميح، لطفي بوشناق، كارم محمود، سعاد محمد، عبدالله الرويشد، أحمد الجميري، إبراهيم حبيب، أحلام، وعشرات الأسماء من قطر والوطن العربي. بجانب ريادته في مجال الموسيقى والغناء كواحد من أبرز الموسيقيين العرب وقدم أشعار العديد من أبرز الشعراء العرب للأصوات العربية مثل: نزار قباني، هارون هاشم رشيد، سميح القاسم، محمود درويش، عيسى بن راشد آل خليفة، حسن النعمة وغيرهم.
5 – لقد عبر عن هذا بالقول عندما صرح ذات مرة بأنه يؤمن “بأن الفن الحقيقي هو الذي ينبع من وجدان الشعب” ولذا فقد ارتبط بالانسان في أي مكان بعيداً عن العنصرية أو النظرة الاقليمية الضيقة.
رحمهما الله لدورهما في إثراء الساحة الفنية الموسيقار حسن علي درويش والرائد الكبير عبدالعزيز ناصر. وعلى خطاهم يمشي الآن كوكبة من المبدعين من أبناء قطر أبرزهم الفنان الملحن عبدالله المناعي.
حسن رشيد*