مطرح.. وصلةٌ بين مسقط وساحل الباطنة. لا جدوى من الجدال حول ما إذا كانت مطرح أكثر قربا من مسقط أم من ساحل الباطنة النائي، لكنني شخصيّاً أجدني في مطرح أكثر قرباً إلى فلّاحي ساحل الباطنة وزُرّاع النخيل في الداخلية عنّي من رجال الإدارة ومُسَيّري أمور الدولة في مسقط. حتى التجار الذين عادةً ما يملكون مكاتب في كلا المدينتين يبدون أكثر تأنقاً وتكلّفاً في مسقط عنهم في مطرح، وكأنهم ساعة خروجهم إلى مكاتبهم في مطرح يبدلون بزّاتهم الرمادية الداكنة بملابس أكثر تواضعاً وبساطة.
ولذا فإنني أعتبر مطرح جزءاً من ساحل الباطنة، مستنداً في رأيي هذا إلى التاريخ الذي نادراً ما يأتي على ذكر مطرح رديفاً لمسقط، أو يُعطي لسقوطها أو تحريرها أية أهمية سياسية. هي مسقط دون غيرها التي تحتل تلك المكانة. أما مطرح فهي ميناء الباطنة الجنوبي والمركز التجاري لوادي سمائل- معبر العمانيين إلى داخل عمان.
قد تبدو مطرح – ظاهريّاً – شبيهةً بمسقط بمينائها الدائري وواجهتها البحرية هلالية الشكل، حيث تصطف بيوت تلاشى لونها، ذات طابع معماري مشابه لما نجده على سواحل المحيط الهندي. وقلعتها – رمادية اللون – التي تقف منتصبةً تُناظر المدينة من عَلٍ بروح تتنازعها المسؤوليةُ والتهورُ معاً. قلعة واحدة فقط لا تقابلها قلعة مشابهة في الجهة المقابلة من الميناء بل برجٌ يقف وحيداً. وعند تفحّصها عن قرب – تعادل هذه القلعة في حجمها رقاقةَ البسكويت الهشة مقابل كعكة كبيرة، إذا ما قورنت بقلاع مسقط.
إلا أن مطرح أكبرُ مساحة من مسقط وبها سوق أوسعُ من سوق مسقط. أما عدد سكانها فيبلغ ثلاثة أضعاف سكان مسقط. لا تزدحم دكاكين سوق مطرح بالثلاجات وآلات التصوير بل بمصطبات مليئة بالقماش فاقع الألوان، وأكوام من أغطية الرأس النسائية الكشميرية، وأرتال من القبعات الرجالية (الكمامي). أما الميناء فيزدحم بالقوارب محلية الصنع، حيث لا وجود للقوارب الهندية هنا. أما أزقة السوق الضيقة التي تفوح منها رائحة عرق الحمالين فمكتظة بالبدو وبلوش الباطنة. وفي خلفية هذا المشهد هناك الطقطقة المتواصلة لفناجين القهوة بيد بائع القهوة المتجول وشجارات المساومين وصلصلة روبيات ماريا تيريزا المعدنية.
يجلس التجار في دكاكينهم متوسطين بضاعتهم واضعين ساقاً فوق أخرى وكأنهم حُشروا في توابيت كتلك التي تُستأجر في المدافن الجماعية. تضيء كثيراً من هذه الدكاكين – التي يحوي بعضها أنواعاً من الأدوية ومواد التجميل – مصابيحُ النيون. إلا أن كثيراً منها مقفَلةٌ أبوابها الخشبية، فأصحابها إما أن يكونوا نياماً في بيوتهم أو مرضى، أو مشغولين بموسم حصاد التمور. أما الزاوية التي تشد انتباهي أكثر من غيرها في هذا السوق فهي تلك التي يتجمع فيها بائعو البهارات، حيث يجلس كل منهم وسط حلقات من السلال السعفية المليئة بأنواع شتى من البهارات والأعشاب المجففة والبذور والمطحونات، محاطة جميعها بحُزم من أوراق التبغ الذابلة. ثم هناك بائعو الجرار وهم يقفون وسط صفوف لامتناهية منها، من كافة الأحجام والأشكال. صنع معظمها في بهلا أو الرستاق، وبعضها جيء به في السفن القادمة من العراق. ما أكثر ما يمكن أن تشتريه في هذا السوق: الدراجات الهوائية ثلاثية الإطارات، الصينية الصنع (ماركة بكينج). إصدارات دار النشر «بِنْجْوِن». الأسرّة الخشبية القديمة. اسطوانات الجرامَفون. التذكارات الذهبية المكسيكية. أطنان التمر. لكن أغرب ما وقعت عيناي عليه في هذا السوق كانت تحفة هندية الصنع قيمتها أربعة وخمسون جنيهاً استرلينياً: مجسماً فضياً لسفينة حربية من العصر الفيكتوري بمدافعها الستة والسُلّمين اللذين يتدليان على جانبيها مع مرساة بديعة الصنع معلقة في المقدمة. رائعة كانت على الرغم من مقاساتها غير المضبوطة.
مطرح هي المركز التجاري لعمان حيث تُجلب إلى أسواقها أساسيات المعيشة اليومية: الملابس والأرز والقهوة والتمور والليمون. وهي السلع التي كانت ومازالت حتى هذا العام تمثل الموارد التي يقوم عليها الاقتصاد في عمان. من المؤكد أنّ تصدير النفط سوف يغير -يوما ما – نمط الحياة التجارية والاجتماعية في عمان كما فعل في غيرها من البلدان العربية، لكن ذلك لم يحدث حتى هذه اللحظة.
في مطرح يتواجد كبار التجار الذين يتوجب عليهم تسخير كل ما لديهم من مهارات للتعامل مع أوضاع البلاد المالية التي تشبه في تذبذبها معظم الأوضاع الأخرى في هذا البلد. لابد لتجار مطرح – مثلاً – أن يُتقنوا التعامل بالربّية والآنة والنايا بيسة (البيسة الجديدة) والدولار والجنيه الاسترليني والبيسة والدينار. لا وجود للآنة حالياً لكنها عادة ما تتداول لفظياً بين التجار شأنها في ذلك شأن النايا بيسة التي توقّف التداول الرسمي بها منذ زمن. أما الربية – التي مازالت تحتفظ بسعرها رغم خفض قيمتها في الهند عام ١٩٦٦ – فتعادل ٦٤ بيسة، وكانت في السابق تعادل ١٦ آنة ولاحقا ١٠٠ نايا بيسة. ولا يُتداول من قطعها النقدية سوى القطع المعدنية من فئة ٣ و٥ بيسات. أما دولار ماريا تيريزا (والذي حُدد سعر صرفه الرسمي بخمس روبيات بالرغم من عدم إمكانية الحصول عليه بهذا السعر في الأسواق) فيعادل ١٢٠ بيسة عمانية – وهذه تختلف عن البيسة المسقطية، التي هي بدورها تختلف عن البيسة الظفارية. يتم ضبط أسعار صرف العملات هنا بمقارنتها بصرف الدينار الكويتي إلى الروبية أو بصرف الدينار البحريني الذي كان – قبل خفض قيمة الجنيه الإسترليني عام ١٩٦٧ – يساوي ما قيمته ١٠ ربيات مسقطية. وأحياناً بصرف دولار ماريا تيريزا الذي كثيراً ما يسمى – تجاوزاً – ريالاً (وهي تسمية تطلق كذلك على الدولار الأمريكي أو الريال السعودي). ولا بد أن تكون حذراً عند صرف الروبية إلى دولار ماريا تيريزا وأكثر حذرا عند صرف الربية إلى تولات الذهب. وبعد أن تتمكن من إتقان التعامل المالي، لامفر لك من التفريق بين المَن المسقطي (الذي يعادل في وزنه ٢٤ كياساً، حيث يعادل الكياس وزن ٦ من دولارات ماريا تيريزا) والمَن العماني (الذي يعادل في وزنه ٢٤ كياساً حيث يعادل الكياس هنا وزن ٦ بيسات عمانية). وهنا لابد لك أن تتذكر أن خمس بيسات عمانية تعادل في وزنها دولار ماريا تيريزا واحداً). كما لابد أن تعلم أن وزن ٢٠٠ مَنّ مسقطي يسمى بَهاراً واحداً، وهو وزن تتساوى قيمته في الساحل والداخل إلا أنه يختلف باختلاف المُنتج، فبَهار من الملح أو الحطب مثلا يساوي ٤٠٠ مَنّ مسقطي. آه.. نسيت أن أخبرك أن الروبية المسقطية تساوي ١ شيلينج و٦ بنسات، أما الكياس فيزن ٥,٩٣٧٥ أونصة.
الغريب في الأمر هو أن هذه الوحدة الوزنية (المَنّ) لها تاريخ أكثر تعقيداً مما قد نتصور. ففي قمة مجد شركة الهند الشرقية كان المَنّ يستخدم في أقاليم المحيط الهندي للدلالة على أوزان مختلفة في كل إقليم، كأن يكون 90 رطلاً و4 أونصات من الحب في البصرة أو رطلين و 8 درامات أرمنية من القهوة في بتلساكي.
إلا أن هذه التفاصيل التي يتوجب على التاجر في مطرح هذه الأيام معرفتها من أسعار للعملات والأوزان المختلفة، تبدو بسيطةً إذا ما قورنت بما كان يحتاج إلى معرفته الموظف في شركة الهند الشرقية. فلم يكن المنّ حينها هو وحدة الوزن الوحيدة التي تختلف قيمتها باختلاف الإقليم. فقيمة الدولار الإسباني كانت 5 شيلينجات و4 بنسات في سورات و5 شيلينجات و3 بنسات في بومباي و 6 شيلينجات و8 بنسات في البصرة. أما البهار فيتراوح وزنه ما بين 222 رطلاً و6 أونصات في جدة إلى 814 رطلاً في بتلساكي.
يقطع سوق مطرح إلى نصفين شارعٌ إسمنتي هو في الحقيقة ليس سوى مجرى قديم لوادٍ يتصل في نهايته بالبحر. وهذا ما يحدث فعلا عند هطول الأمطار حيث يستعيد الشارعُ طبيعته الأمّ، فيتحول إلى مجرى مائي جارف. لكن هذا أمر نادر الحدوث. وفي ماعدا ذلك فالشارع يعج بالمارة والعربات الصغيرة وسيارات «اللاندروفر» التي تزاحم الجموع محاولة شقّ طريقها بينهم مرسلة من أبواقها شتى أنواع الأصوات. سيارات اللاندروفر هذه هي البديل العصري لقوافل الجمال. وهي السيارات الوحيدة التي يمكن قيادتها في طرقات مسقط، فالطريق المعبد الوحيد هو ذلك الذي يربط مسقط بمطرح ويمتد قليلاً إلى بيت الفلج. تزدحم هذه السيارات بالناس والبضائع معاً، في مشهد لا يخلو من الفوضى. فالإطارات – التي لم يبق لأسطحها المحفورة أي أثر- تئن من فرط الثقل. ولا وجود في عمان لشطب أو إيقاف استعمال للسيارات عند انتهاء عمرها الافتراضي، ولذا يستمر استعمال السيارة حتى تتحول إلى كومة من الخردة.
أما وسائل النقل القديمة – الجمال والحمير – فلها مواقف خاصة بها خارج أسوار المدينة التي تُغلق بوابتها بعد الغروب ويتولى حراستها رجال من بني عمر- مع العلم أن البوابة فقدت وظيفتها منذ زمن إثر تهدم سور المدينة وانقطاع اتصال البوابة به من الجهتين. لا يُسمح بعد هذه النقطة بتقدم الجمال بينما يُصرح للحمير بالدخول إلى مسقط بشروط، كأن تكون ناقلةً لحمولات من البرسيم الذي يمنع إدخاله إلى مسقط بكميات أكبر من تلك التي تحملها الحمير.
مطرح مكان ينبض بالحياة. فهي لا تنام في النهار كما تنام مسقط – حتى خلال منتصف نهارات الصيف الحارقة عندما تغلق الدكاكين أبوابها. وليس أدل على هذا من الصخب الذي يحدثه الأطفال وهم يلعبون على الشاطئ طوال اليوم، بالرغم من كون الشاطئ مرحاضاً عمومياً لكثير من الناس. من بعيد – وبالتحديد من الطريق الساحلي القادم من مسقط – تبدو واجهة مطرح البحرية للناظر جذابةً وساحرة، حتى يصطدم بالرائحة النتنة التي تنبعث من القمامة والنفايات عند الاقتراب من الساحل. أما الرائحة النفاذة المنبعثة من الأسماك الميتة على الشاطئ، والتي ما يزال بعض سكان مسقط يتذكرونها بوضوح، والتي هي في الغالب ذات «الرائحة الغريبة والكريهة» التي ذكرها جي بي فريزر في مذكراته عام ١٨٢١1، فقد ولت بلا رجعة. إنها مدينة ملوثة تنتشر فيها برك وأنهار صغيرة من القذارة. كل ذلك بسبب كثرة سكانها وافتقارها إلى نظام للصرف الصحي إلى جانب انتشار الفقر وندرة المياه.
المتجول في شوارع مطرح في ليالي الصيف يخنق أنفاسَه النتنُ المتشبع به الهواء وكأنه دخان سام. ثم يكتشف بأن الشوارع ليست خالية. بل تتبعثر فيها أجساد لبشر هجروا المنازل طلباً لنسمة هواء صيفية عابرة. أما ليالي الشتاء فأقل بؤساً لولا وجود الثعالب التي تنزل من الجبال ليلاً لتتسكع في الشوارع بحثا عن بقايا طعام. أما مسقط فهي على النقيض من ذلك. فالجميع يشيد بنظافتها. ويعود الفضل في هذا إلى كتيبة من النساء اللاتي يبدأن في كنس الشوارع عند ساعات الفجر الأولى من كل يوم، بحيث ينتهين من عملهن هذا ويتلاشين مع ظلام الليل قبل أن يبدأ الناس في مباشرة أعمالهم اليومية. أما لماذا لا يحدث هذا في مطرح بالرغم من كون المدينتين تتبعان لبلدية واحدة فهو لغز مازال يتنظر من يفك شفرته.
على يسار الطريق المؤدي إلى خارج مطرح باتجاه الطويان يقع مستشفى الإرسالية، واحة يأوي إليها جميع سكان عمان طلبا للعلاج. وبالرغم من ظهور بعض المراكز الصحية الحكومية مؤخراً، إلا أن مستشفى الإرسالية يبقى المؤسسة الصحية الوحيدة التي تقدم خدمات جراحية وتعالج الحالات المرضية المستعصية – فيما عدا العيادة التي افتتحت مؤخراً في شركة النفط والتي تقدم العلاج فقط لموظفيها2. جدير بالذكر أن الإرسالية المذكورة هي البعثة التبشيرية العربية التابعة للكنيسة الإصلاحية الهولندية في الولايات المتحدة. والتي يتواجد مثيلات لها في كل من البحرين والبصرة والكويت. فقد افتتح فرع الإرسالية في البصرة في أغسطس من عام ١٨٩١ على يدي كانتاين وزويمر3. وبعدها بسنتين تم افتتاح فرع البحرين. وفي نوفمبر من عام ١٨٩٣ وصل بيتر زويمر إلى مسقط واستأجر واحدًا من أجمل البيوت في مسقط ليكون مقراً للإرسالية. لكنه أجبر على التنازل عنه لصالح القنصل الفرنسي أوتافي. وهو بالمناسبة نفس البيت الذي أسكنه أنا حالياً. يا لسوء حظ زويمر- الذي تمكن بعدها من شراء قطعة أرض بموافقة السلطان شكلت نواة مشروعه في مسقط. وبحلول عام ١٩٠٩ كانت الإرسالية تمتلك أرضاً مساحتها هكتارين بالإضافة إلى مقبرة. (مما أثار دهشتي أن هذه المقبرة كانت مخصصة لغير الأوروبيين. أما هؤلاء فكانوا يدفنون موتاهم في مقبرة أخرى للمسيحيين قريبة من البحر). وعلى نفس الأرض افتتح زويمر في عام ١٩٠٨ مدرسة أطلق عليها مدرسة بيتر زويمر التذكارية قدرت تكلفة إنشائها بألف ومائتين من الدولارات. ثم أضيفت إلى المنشآت في عام ١٩١٣ – وبتكلفة تقدر بألف وثلاثمائة دولار – صيدلية النساء التي تحولت لاحقا إلى مستشفى النساء. وكان قد دُشن العمل في المستشفى في عام ١٩٠٩ بوصول الدكتور شارون تومز، والد الدكتور وِلز تومز الذي يدير المستشفى هذه الأيام4. لكن الدكتور شارون تومز توفي يوم ١٥ يناير ١٩١٣ إثر وقوعه من علوّ شاهق أثناء تثبيت عمود تلجراف يربط الإرساليتين في مسقط ومطرح. وإثر هذه النكسة، ثم بسبب نشوب الحرب العالمية الأولى، اضطرت الإرسالية إلى غلق أبوابها حتى عام ١٩٢٨ عندما التحق بالعمل بها الدكتور بول هاريسون، الذي قام بشراء الموقع الذي يقع عليه المستشفى حاليا، وبدأ أعمال البناء عام 1935. أما الدكتور وِلز تومز فقد حضر في عام 1939، ومازال يدير المستشفى حتى اليوم. يوجد بالمستشفى حاليا – بالإضافة إلى الخدمات العلاجية العامة – جناح لمرضى السل الرئوي وآخر لمرضى الجذام. ويتولى المستشفى في مطرح مسؤولية الإشراف الإداري على مستشفى الإرسالية في مسقط.
الحاجة إلى الأدوية تزداد يوماً بعد يوم في عمان حيث تستوطن الأمراض المصاحبة للفقر. ولا يحتاج المرء – لتبين ذلك – إلى البحث خارج مسقط ومطرح. فهنا يمكنه مشاهدة أجساد وأطراف البشر وقد غزاها الوهن، وعيون الأطفال وقد أطفأ بريقها الرمد الحبيبي، والشيوخ وهم يُقادون عميانا في طرقات المدينة الخطرة. ولا يلام إذا ما انتابت جسده قشعريرة عند سماعه صوت السلاسل وقد قُيّد بها مريض نفسي عند باب المستشفى.
مطرح – بالرغم من الحياة النابضة في أزقتها وأسواقها وبرغم الأبراج الكثيرة المتناثرة على الجبال من حولها – لا تكاد تُذكر في كتب التاريخ. القلعة – التي لا أستبعد أبداً ان تكون برتغالية، ربما تكون قد شُيدت على أطلال قلعة عمانية. إلا أن حجمها الصغير لا يؤهلها للصمود أمام حصار طويل. هشاشتها الواضحة توحي بأن الهدف من تشييدها ربما كان رمزيا لا أكثر. واليوم هي سجن – تماما مثل قلعة الجلالي. يُسمح بزيارتها لغرض التصوير ولكن فقط بصحبة أحد رجال الوالي الذي يأمر الحراس بفتح البوابة الخشبية الضخمة عند الدخول. والأهم بالطبع أن يأمرهم بفتحها عند الخروج.
منظر المدينة يبدو من برج القلعة كلوحة رسمها فنان بحيث ينسيك رائحة المدينة النتنة. المراكب الشراعية بمؤخراتها المربعة وهي راسية في الميناء تبدو وكأنها أسطول من القوارب السائدة في عهد الملكة إليزابيث الأولى. وقارب طويل محمل بأكياس الرز يدخل رصيف الجمارك وهو يئن من ثقل حمله. ومكتب الوالي في الزاوية البعيدة من اللوحة، ثم حارة من عرشان البراستي يرتفع خلفها مبنى مستشفى الإرسالية الرمادي. وفي الزاوية القصية من اللوحة يمكن بصعوبة تبين جدران سور الخوجة (سور اللواتيا)، الذي يغلق بواباته ليلا وكأنه أحد جيتوات وارسو. ويحيط بالمرفأ والمدينة بأكملها كتل صخرية مدببة تشبه في تشكيلاتها ذلك الدرع الذي يكسو حيوان الأرماديللو. لكن المشهد الذي يفوق هذه اللوحة جمالاً هو منظر المدينة بعد ليلة شتاء ماطرة حين يبدو للناظر من الطريق الساحلي. البيوت المطلة على البحر تبدو بيضاء بهية بعد أن اغتسلت بالمطر. وخلفها تنتصب الجبال رمادية داكنة وكأنها نحتت من السحب التي تتوزع في الافق، بينما يتوسط السماء النظيفة الزرقاء هلال متلألئ مؤذن بميلاد شهر جديد.
المصدر:
مسقط وعمان.. نهاية مرحلة
الكاتب: إٍيَنْ سكيت
الفصل الثاني: مطرح
(من الصفحة ٥٣ حتى الصفحة ٥٩)
الناشر:
The Travel Book Club
125 Charing Cross Road
LondonWC2H 0EB
1974
تعريف بالكاتب
إيَن سكيت بريطاني الجنسية من مواليد عام ١٩٢٨. أتقن اللغة العربية من خلال دراستها في مركز الشرق الأوسط للدراسات العربية في بيروت. التحق بالعمل في شركة «شل» في عام ١٩٥٣. وفي عام ١٩٥٨ تم تعيينه مديراً عاماً لفرع الشركة في جنوب شرق الجزيرة العربية ومقره دولة قطر. ثم انتقل إلى مسقط عام ١٩٦٦ للعمل كمنسق لشركة «شل» في شركة تنمية نفط عمان لمدة سنتين حتى نهاية عام ١٩٦٨. أقام خلال تواجده في مسقط في المبنى الذي كان مقراً للقنصلية الفرنسية. ورغم إقامته القصيرة في إلا أنه تنقل كثيراً في أرجاء عمان بحكم عمله، وكان متابعا للأحداث والتحولات السياسية والاجتماعية حتى بعد مغادرته للبلاد. وقد قام بوضع هذا الكتاب – الذي جاء في ٢١٤ صفحة موزعة على ١٦ فصلاً بعد فترة قصيرة من مغادرته عمان، ونُشر في لندن في عام ١٩٧٤.
1 – J.B. Fraser: Narrative of a Journey into Khorasan in
1821-22 (London 1825)
2 – قد تكون هذه هي ذات العيادة التي تخلت عنها شركة نفط عمان لصالح وزارة الصحة وتحولت لاحقاً إلى مستشفى خولة. (المترجم)
3 – جيمس كانتاين: مبشر وكاتب ورحالة امريكي. صاحب دور ريادي – مع زويمر- في العمل التبشيري في شرق الجزيرة العربية. أنشأ بالتعاون مع جون لانسينج وصمويل زويمر الإرسالية العربية التي أخذت على عاتقها ما بين عامي 1891 و 1929 إنشاء الكثير من الإرساليات والكنائس والمراكز الطبية في البحرين ومسقط والبصرة. (المترجم)
4 – من هنا جاءت تسمية العمانيين للمستشفى – مستشفى طومس. (المترجم)
لـ إٍيَنْ سكيت
ترجمة: سعيد الريامي *