حلم
” أعد الليالي ليلة بعد ليلة/ وقد عشت دهرا لا أعد اللياليا
تراني اذا صليت يممت نحوها / بوجهي وإن كان المصلى ورائيا ” (المجنون)
أوقدت نارا كي ترى “ليلى” على مراّتها وجهي
فلم تبصر سوى غبش الدخان
فأمرت ناري أن تنام
وموقدي أن تنطفي
وبدأت أنظر في الظلام لعله ينشق عن شيء أضيء به ارتيابي
فرأيتها تمشي على خط الرمال كأنها شمس الظهيرة لا أقول رأيتها ولمستها
ومسحت عينيها بماء الورد أو قبلتها وضممتها حتى كأن الشمس تدخل في ثيابي
لكن ” ليلى ” … وهي أجمل ما تكون بعيدة عني … دنت
وأكاد ألمس نهدها البدوي
ألمسه قريبا وهو يعلو ثم يهبط
خافقا كوجيب قلبي
وسألتها عن طغلة سميتها “ليلى” ….
وعند خيامها فرعان من سعف النخيل
كأنما سيفان ينتظران أن أخطو فيقتلني الوشاة
فرميت عقلي عند ماعز أهلها
وركضت أصرخ هل رأى أحد ظفائرها تساق
ونحرها العاري يقبله الرعاة ؟
وشردت … أعمتني الرمال وما توافد من قطارات الحجاز ومن “صبا نجد”
وعشاق يمانيين جاؤوا راكبين مع “الأغاني ”
لم تمنع الحرب اصطفاف القادمين من الزمان
وتدور حرب الله …/ يأتي من خراسان البعيدة فارس
ويداه مشرعتان كأن “لبلى” مبتغاه ولم يصل
ورأيت غرقى من أقاصي الغرب
تحملهم مراكبهم وترميهم على عتبات “ليلى”
ورأيت “ليلى” …. وهي أقرب من وريدي ….
كغمامة تنأى وتترك خلفها ظلا طويلا / …..
في الفجر
عند ثمالة الليل استفقت على خطى رجل غريب دق بابي
– من أنت ؟
قال أتيت أسألك الوديعة
هل سترجعها؟
وخطا ليدخل خطوتين فلم أجب
حدقت … لم أخطئ ملامحه القديمة
وجهه المعروق بالحمى
ونظرته الحزينة وهو ينظر بارتياب
……………
يا ” قيس ” مات الميتون
وأنت لم تبرح غريبا في القفار ……..ألم يئن بعد الأوان لتستريح ؟
ورأيته يبكي فأربكني سؤالي
سلمته مفتاح منزلي القديم
وقلت دونك فانتظرها
وخرجت أخبط في الرمال
قصيدة غامضة لأعمى الريح
رأيت أعمى الريح والمدى
يعانق الردى
وأقلعت مراكب الرحيل نحو شاطئ الأبد
كأنه الغروب ساعة الشروق
أو كأنما
رأيته يميل نحو بحره
يشقه كما تشق دفة الكتاب
كي ينام بين صفحتين
فتحت دفترين لم أجد أحد
وكانت السطور كلما سألتها تضاحكت
وقهقهت شواهد القبور
_ أمر أعمى الريح من هنا؟
_ نعم ولا
رأيت ضاحكا على بلاطة الشتاء
يدعي بأنه راّه
وكان ( باكيا على بلاطة الخريف ) يدعي سواه
وبين رحلتين
بين برزخين
لا أزال شاخصا
لعل أعمى الريح والمدى يمر بي
…….
أقول ما أقول خائفا
وكلما بكت على التراب غيمة
وأتلعت رؤوسها القبور
يستفيق بينها أخي
أقول للذي رآه
هل رأيت وجهه الجميل
هل رأيت عينه الزرقاء
هل رأيت كفه التي تكاد من تلطف
تصيح بالذي يزورها
تعال واقترب؟
وخذ اذا أردت غصنها الرطيب
خذ من الثمار ما تشاء
ولندر على الضريح كأسنا المؤجلة
ولو وجدته
بحق والديك
سلم الأمانة
…..
نظل أصدقاء
وأنت حينما تموت لا تخونني
تصير فسحة الكلام بيننا
أشد ألفة
وهذه العيون تلتقي وتقترب
….
ما دام هكذا
وفوقنا / شواخصا كالأعين البلهاء / هذه النجوم
والغيوم كالخراف مارست ثغاءها
فكل شيء تحت قبة السماء
لم يزل في يدنا معلقا
كجرس القطار
….
كما لو أنه مضى
وعاد في إطار صورة على الجدار
وكلما أتى المساء أنحني على السرير
حيث كنت أقتفي عيونه
عصفورة اسمها الحياة
غداً
ستنام الطيور التي أيقظتنا
تنام على مهلها
حينما تضرب الريح وجهاً
ويطفو على الماء شيئ هو الخوف
تأتين من غابة نائية
وتبنين في الأرض عشاً ضئيلا
غداً ستنام الطيور
فنامي إذن
سيجتاح عينيك حزن خفيف
ويجتاح أرض الحديقة
ما يجعل أشجارها تنحني
وهي تهوي على أمها في التراب
عناق كما الموت
أو قبلة لا ترى أو تنال
بغير اكتمال الردى
حاولي أن تطيري ولو لحظة في الكتاب
حاولي أن تكوني على الأرض سطراً بلا آخر
وخيطاً
لأفصل فيه المدى
عن أخيه الردى
وأفصل لحمي عن الزعفران
لم أزل في انتظار التي في انتظاري
متى نلتقي ؟
وأنت الرسول الذي حملته الثواني على ظهرها
ثم طارت
ولما تزل في مدار بعيد
وما زلت كالمغزل المستدير على خيطه
أحاول أن أمسك اللحظة الهاربة
وأحبسها …
أين ؟
لا تنزلي
وظلي
طويلاً
هناك
ضربت على وتر غامض ضربتي
وأصغيت
كانت على البحر تطفو مراكب مهجورة
وفوق الصواري
تمر النوارس مثل البروق
وناديت طيري الغريب ليأتي
أيا نورسي وحبيبي
فلم يأت
ناديت بالألسن السبعة المصطفاة
ولكنه ظل يمضي على صفحة الماء
ظلا كئيباً
غريباً
مريباً
ومنسحباً
كاعتذار نقدمه للحياة
الجنة
(1 )
سكبت من جرار الصيف جرة من العسل
ومن كرومه جنيت ما يطيب لي من الثمار
وغازلتني أجمل النساء مثلما غازلتها
لكنني في شهر اَب في المفارق القريبة
وجدت حارساً ملطخاً بالدم يحمل الحقيبة
(2)
أقسم يا أحبتي
بالتين والزيتون والدوالي
وما ينام في السلال
من العيون،أن رحلتي
ما بين ضفتين كانت رحلة عجيبة
(3)
أقول للذي يلومني على روايتي : اقتصد
فأنت لو رأيت مثلما رأيت
كنت منذ الفجر مثلي هائما
تحوم حولك الطيور
كي تشم في عينيك ماءها
وكنت في الطريق مثلي حالماً
بسبعة من عسل الانهار
(4)
أزحت عني ثوبي القشيب
كي أظل عارياً كسمك البحار
وعالياً كالنخل أو كنجمة بلا مدار
أسير أو أطير
لا جناح فوق خطوتي
ولا يد على يدي لكي تقول لي اتئد
لأن ما خصفته من ورق الاشجار
فوق عانة الجسد
ما زال مثلما تركته مكدساً
يود لو يكون مرة في النار
محمد علي شمس الدين *