” الصورة الفوتوغرافية لا تستعيد الماضي ولا تخلده، إنّ وقعها عليّ لا يمثل في استعادة ما زال وامّحى، وإنما في الشهادة على أنّ ما أراه قد تمّ وحصل ”
رولان بارت – العلبة المضيئة.
l صورة جماعية
كل عامٍ يلتقطون صورةً جماعية
طيلة خمسة عشر عاماً
كل عام يقرأون حكاياتهم مجدداً
بين الفرحِ والحزنِ والعمر
والتحولات والسمنة
والحضور والغياب..
كل عام يقفون أمام هذه السيرة الذاتية
يلاحظون تغير الماركات في أحدهم
وأثر الأخبار السياسية في آخر
وأعراض الحمل، ونتائج دوري كرة القدم
وأولئك الذين لم يظهروا في الصور الحديثة
الذين رحلوا وبقيت أمكنتهم
مثل اهتزاز في يد المصور
كل عام دون الحاجة إلى كثير من الكلام.
l صورة جدي
تقول أمي: يشبه فلاناً من ناحية الأنف
فلاناً من ناحية الطول
فلاناً في سحنة الروح
-وهذا أمر يصعبُ رسمه
سوى بحركة العينين
وهما تحاولان صنع شعور ما-
لم يتسن لي مشاهدتهُ
كنت لا أزال طفلاً
كانت الحكايات تجيء به
تنسج تفاصيلها صورته..
صوته في العرضة
ورائحة الأرياف في ثيابه
بعد سنوات حين عثرنا
على صورة نادرة له
كان حدثاً مهماً للعائلة
تناقلنا الصورة
حتى الذين كانت رغبتهم أقل
وكانوا يشعرون باللاجدوى
وجدوها فرصة أن
يشاهدوا الرجل الخيالي الذي
طالما سمعوا عنه..
وأخذنا نستعيد القصص من جديد
نحلل زوايا الصورة
نتوقع التاريخ والمناسبة
من طريقة لبس المعطف على الثوب
واستواء العقال على “الشماغ”
بينما يحدق فينا من بعيد
بثبات وحياد
ويوخز الذاكرة طويلاً.
l صورة جان كوكتو
ينظر إلى المرآة بعد كل قصيدة
ليلاحظ الأشياء التي تغيّرت في العمر والمعنى..
يزم عينيه طويلاً كمن يريد التأكد من أن السراب.. سراب
وكما في فلمه (الجميلة والوحش)
يتأكد أنه ذلك المبعثر..
الذي بالكاد يجد مساحة
للتفكير في انسجام القميص مع البنطلون
بالكاد يسرّح شعرهُ ..
يتركهُ حسبَ الرياح وطريقة النوم
والحبكة في الأحلام المخيفة ..
ولزمن طويل ظلَّ يعتقد أنه لا يمكن لكوكتو
قراءة شيء أكثر من قصائدهِ في المرآة ..
لزمن طويلٍ ظل يردد قصيدته الحزينة: هذا أنا بلا رتوش ..
اعوجاج هنا وهناك، لا تماثل في ثنائيات الوجه
لزمن طويل قبل أن تجيئ ماري
تحدق فيه لساعات ..ترسمهُ ..تلتقطُ الصورة
تكتشفُ الزاوية المثلى ..
الشعر الحالك السواد ..الرموش والحاجبان اللذان يعملان كظل على عينين حالمتين
حتى مع رباط عنق الفراشة
أو السترة الضيّقة القصيرة
كان جميلاً،
جان كوكتو أمام نفسه لأول مرة.
l الصورة الصرخة
في عام ١٩١٤
تقف ايميلين أمام القصر..
تتقدم خطوة خطوة
كما يفعل لاعبو الشطرنج بالبيادق
ولأنه إلى ذلك التاريخ
لم يكن هنالك من يصرخ بهذا الشكل
كانت الدهشة والهتافات والأسئلة تعلو
خطوة.. خطوة
حتى وصلت تماماً بين أيدي الجنود
ولأنهم لم يكونوا يعرفون تماماً
ما الذي قد تسفر عنه الخطوة التالية
حملوها بعيداً
طارت العريضة من بين يديها عالياً
طارت منها الكلمات واستقرت في الأشجار
والقلوب والأغاني
طارت الصرخات..
رددت النساء اسمها والأطفال والرجال الذين طالما وقفوا على الحياد
حتى أولئك الذين لم يكونوا يفهمون معنى محدداً لحق التصويت
حتى الجندي الذي كان يحملها بعيداً
في الصورة
كان يصرخ في أحلامه .. ايميلين .. ايميلين
محمد خضر