نص:
وماذا قبلُ
ومَاذا بعدُ
وبَعدِ البَعدْ
الليلُ يترنَّحُ وحيدًا كإبرةٍ في مُحيطْ
النَهارُ لا شَيءَ
سِوى انتظارٍ للعُتمةِ كي يُسامِرُهَا
بحروفهِ المُستَغرقةِ في اللعناتْ
صِندوقهِ الأسْودُ سَقطَ في الغَاباتْ
يحملُ أسراره ولُغةَ الغَيبْ
حدَّثه شَيخٌ ضريرٌ عنهُ
في يَومٍ كادَ عَقلهُ أن يُغادرُ جَسدهُ
بعدَّ أن قرأ عَليهِ سُورةَ الجِنْ
والمُعوذاتِ وسُورةَ يَاسينْ
قالَ: ابحثْ عَن صُندوقكَ الأسوَدْ
احرُقهُ بمَاءِ النارْ
قبلَ أن تبتَلُعكَ شَوارعُ الأسفَلتِ اللاهِبةِ والقارْ
او تأهَّبَ للغَرقِ في فِنجانِ قَهوةٍ مَلعُونةْ
القَادمُ سفنٌ محترقةٌ ودِوارْ
وأنتَ بِلا زادٍ ولا أشْجَارْ
او كُن كَقصَائدكَ غريبًا
لا آذانَ لهَا ولا فَمٍ ولا دَارْ.
l l l
أما آنَ للمتغرِّبِ
المُصطَلي بالحَرفِ أن يترجَّلْ
فمَا عَادَ هُناكَ حَطبٌ
يَكفِي لفرحٍ يأتٍي على سُنَّام جملٍ
لا مِطرقةٌ
لا مِنجلْ
فلا تَتَمعنَ في جُروحكِ مليًّا
فَهي صَحَارى ابتلعَتْهَا أسماءُ الأنْذالْ
فاهبطْ إلى نَفسكَ لا تتعثَّرْ
أتيتَ هُنا كوكبًا لا يَتبَعثرْ
او نجُومًا خَانتْ طَالِعكَ
تَوارتْ خَلفَ السِيقانِ المُتلألئةِ
كَسرابٍ يَتسللً في الرُوحِ ولا يَضجَرْ
عَبثٌ هذا العَالمُ
بِلا مَعنَى
وهمٌ على كَتفِكَ يَسكَرْ
l l l
يَتسكَّعُ الليْلُ كلَ مَساءْ
يبحثُ عن الغَريبِ المُوغلِ في الألمْ
مفتقدا أحْلامه وهو يُطلِقُها في الفَضَاءْ
يتحوَّلُ حبرًا ورُؤى وقَلماً
فَما عَادَ يَحتضنُ المَقَاهِي
لا يُراودُ النُجومَ عن نَفسِها
لا يحلمُ أبعدَ من دَعواتهِ التي لا تُستَجَابْ
استحالَ كَومةٍ من رمادٍ وخَيباتْ
كأنَّ شَيئًا في دَاخلهِ مَاتْ
وما زالَ هناكَ في زَاويةِ النَومِ
ينتظرُ وعودَ الليلِ الكَثيرةْ
بأن القَادمَ يشبهُ أحلامه الطُفولية المُثيرةْ
l l l
جَسدٌ أتعبه الغيمْ
تجرُّهُ روحٌ مفقودةٌ التَعاريجُ والمَتاهاتْ
جَسدٌ كحَقيبةَ سَفرْ
مُثقلةٌ بالوُجوهِ
بأحلامٍ تَناثرتْ في الرِيحْ
من صَهوةِ الخُيولِ المُفرطةِ في الرُؤيَا
في دهَاليزِ هَذي الأرضِ الهَاربةِ من الدُنيَا
إلى أينَ الآنَ إلى أينْ
الطرقاتُ كَلماتٌ مُتقاطعةٌ
وتلك الغَيداءُ واقفةٌ هناكَ
تشعلُ الفضاءَ سِراجًا وإغوَاءاتْ
تعيدُ تَشكيلَ الأحْزانَ شُموعْ
هل للوَقتِ الفائتِ اشرعةُ وقُلوعْ
تعيدُ إليه زُرقةُ البَحرِ المَاضِي
أو القادمُ عَاصفةٌ تَقتلعُ الوَهجَ من البُؤبؤ
ما عَادَ في قلبك مَكانٌ لخَناجرَ أُخرَى
ولا في العَينِ مَجرى لدُموعْ
l l l
وماذَا بعدْ
هل البَعدُ بعدَ القَبلِ
أم القَبلُ بعدَ البَعدْ
المَسافاتُ تتلوى تُصبح أفعَى
الجبالُ/الكهوفُ/المغاراتُ تتحول كوابيسًا
تصبحُ كيسَ هَواء تَتطايرُ
مثلَ منطادٍ وهميٍ
لا شَيء قبلُ
ولا شَيء بعدْ
والعالم ليس سوى قَصيدةٍ دراميةٍ
تَضعُ للرؤَّيا حدْ ..
عبدالحميدالقائد