لا أريدُ الخروجَ من الحزنِ
هذا الصديقِ العنيدِ
ولنْ أتخلى عن الذكرياتِ
التي حفظتها شوارعُ أيامِنا
ورسمنا ملامحَها
فوقَ كلِّ جدارٍ
وسرنا بها في عوالمَ لا تنتهي
فالخروجُ من الحزنِ
يُدخِلُنا في شِراكِ السعادةِ
تلكَ التي كُبِّلَتْ في جوانحِنا
منذُ أطبَقتِ الأرضُ
في وجهنا كلَّ نافذةٍ للمحبةِ
يكفي
بأن نتقاسمَ أدمعنا
ونرتِّبَ فوقَ رفوفِ الفجيعةِ
أوجَاعَنا
نتشاركُ
من حِنطةِ اليأسِ ما وهبتهُ الدروبُ لنا
ونداري انكساراتنا
في حُطامِ الجِراحِ
التي تتكاثرُ في الروحِ
مُشرِعَةً للبعيدِ مسافَاتِها
وهي تقضمُ كلَّ احتمالاتنا بالسرور.
إنني أتشبثُ بالحزنِ
هذا الذي يتلبسُني
كالقصيدةِ في كلِّ وقتٍ
ويأخُذُني نزهةً في حدائقِ آفاقهِ المدلهمةُ
من دونِ شرطٍ
يُطهِّرني من ذُنوبي القديمةِ
يغسلني بالتشاؤمِ من
من طالِعِ الزمنِ المتخثرِ
بالطعناتِ
ويمنحُني فرصةً
ليواري الضياعُ المُعتقُ في داخلي
ما تفتقَ من شوكهِ
في عيونِ الرفاقِ
أنا لن أُفَرِّطَ في الحزنِ
وهو الذي ما تنكرَ لي
كلما جئتُ
أحملُ نعشَ الفؤادِ لساحاته
مرةً بعد أُخرى
صديقي الذي لا يُعَيِّرني
وهو يبصرُ وحلَ السذاجةِ
مكتنزاً في جبيني
ولمْ يقفل البابَ يوماً
بوجهِ نُزوحي إليهِ
موائدهُ عرضةً للذينَ
أدارَ الزمانُ لهمْ ظهرَهُ
يا تُرى كيف ينضجُ
منْ لا تُقلبهُ اللحظاتُ على جمرهِ؟
كيفَ يحيا الذي لمْ يباركْ
بقُدَّاسهِ عمرَهُ؟
إنهُ ملكٌ
ليسَ يُظلَمُ في أرضهِ أحدٌ أو يهانُ
فيا أيها الحزنُ
يا ظليَ المتمددَ في كلِّ أُفْقٍ
ويا شَجري الشاحبَ
المتفرعَ
خُذني إلى حيثُ تَنسى
القلوبُ مواجعَها
وتُكَسِّرُ كلُّ المآسي القيودَ
التي أوثَقَتها الحياةُ بها
وتعالَ تعالَ اُقَاسِمْكَ
هذا السريرُ
وما تركَ الصبحُ في جُعبتي
من أشعّتهِ
نتقاسمُ ما بيننا
أحرفَ الكلماتِ
السجائرَ
نَزْفَ الأغاني التي لحّنتها الرياحُ
ونشربُ نخبَ الأماني
التي نفرتْ من شفاهِ الرُعاةِ
لتبحثَ عن وطنٍ آهلٍ
بالندى والثمارِ
ومادامَ في وسِعنا ياصديقي
فمن حقنا
أن نُشيِّدَ في مدنِ القهرِ
مملكةً للدموعِ
وعاصمةً يتقاسمُ خيراتها
كل من وخزتهمْ
يدُ الدهرِ من بعدنا بالألمْ
زين العابدين الضبيبي*