l في هذا العالم
هاجرتُ من مدن لم أزرها أبدا من قبل
ما زالت مذاقاتها في فمي
وشمسها في ثيابي
قرأتُ هناك كتبا بلا مؤلفين
وفشلتُ مرّات في الحب
مع نساء لم أصادفهن في حياتي
ولأنني دائما على حق
وبسبب من حماقاتي
قتلت شخصا أو شخصين
لم يولدا بعد
نمتُ عميقا ليلتها
كنت أمشي عاريا تماما
أمام نفسي
ولا أخجل
والآن
أنا أعيش في مدن تعرفني
قابلتُ مرارا حكماء ومؤلفين
لم أفشل أبدا في الحب
ولم أقتل أحدا
ومع ذلك حين
أمشي بكل أناقتي
أمام الآخرين
أتعثر
في هذا العالم
وأخجلُ…
l حين يرنّ الهواء حولك من القسوة
(رسالة إلى فرناندو بيسوا)
عزيزي فرناندو …
لم نلتقِ أبدا من قبل
ربما مرّة واحدة بالصدفة
بعد رحيلك بأعوام
كنتُ أنا في العاشرة وأنت في نهايات السبعين
عرفتك من قبعتك ونظارات المونوكل
لكني تأكدت أكثر من تلك الرجفة الشعرية
في أهدابك
أنا من مدينة قصية
لا تذكرها كتب التاريخ
يقال لها في لغتي « أغيلاس»
لبؤة نائمة بين جبلين في سرير الوادي
كانت أصابعي تنبض على جسد التين
والنحل البري يرعى على زهراتٍ في عباءة جدتي
لم يسافر أحد في بلدتنا أبعد من بلدتنا
أطول رحلاتنا كانت بين الينابيع والأشجار
وبيوتنا في الأحراش حباحب توصوص بلا كهرباء
أعرف بأنك لا تحب أن يشبّهك أحد بالطبيعة
وأنني مجرد عشب مهمل على العتبات
هل ما زلت تحب شراب البراندي المنكّه بالتوت
ولا تملّ من الجلوس والمناقشات
عن الطالع والأفلاك
لا تسألني أرجوك
عن عاداتي السّيئة
فأنا ما زلتُ أحب المطر
وأشعر دائما بأني مبللٌ من الداخل
أجل
لم أعد بصحة جيّدة
منذ أن قتل حطابون أجلاف
فرسي السوداء
تخيّلْ ، أنت الرّهيف
أن تموتَ في غابة بضربة فأس
والهواءُ حولك يرنّ من القسوة
لم يعد حينها المربع والمستطيل مستقيمين
كما في المدرسة
بل دائريان
النبع دائري .. السرو دائري .. الثلج دائري
ثقوب ملابسي
وصرخة ذلك الرجل عاليا في الحراثة
تنهدات الحب
أصابع الأطفال في الهواء دائرية
البكاء
القبلات
وذاك الحقير الموت
دائريا أيضا
لم أترك كتابا في الشعر ولا جراحا في حجر
ولم أتماوج على قماش أزرق
الذين أحبّوني كتبوا على شاهدة قبري
«حيوان عديم الصفات»
l أنتظر الأرض ..
الصيف رتيب هذا العام
ولا أسباب تغري حقا بالرحيل
سبقني الغزاة والرحالة والفضوليون
إلى كل مكان سأذهب إليه
الجهات الأربع امتلأت عن آخرها
لا حاجة إلى الأسفار إذن
فأنا رجل كسول
يحب الألفة كثيرا والأشياء
سأبقى رغم ما تقوله الأرصاد
عن صحة الطبيعة
واكتفي بعاداتي القليلة هنا
لن أقع في الخوف
من الفقد مجددا
أو يعاتبني أحد عن الهوية والذكريات
سأترك أظافري تطول
أضع في الصحون فتاتا من الخبز للطيور
وأقعد كشجرة أمام الشمس
نصف عار
أنتظر الأرض
كي تعود.
l شيمبورسكا
عزيزتي شيمبورسكا
ما زلت منذ أشهر أبحث
في أشعارك
عن قصائد لي كتبتها
عن « الغريب»
الذي رأيته مرارا في المحطات
وحفلات رأس السنة
يخرج في آخر الليل
ثملا من بار رخيص،
يدسّ يديه من البرد
في جيوب معطفه الثقيل
حارقا في سجائره
أوجاع العالم
ما زلت حتى هذه الساعة
أقلب الصفحات
ولم أعثر سوى على
غيوم شاردة
وابتسامات
على ثياب لموت غير مبالغ فيه
او استعراضات عسكرية
بين الليل و النهار
و رجل « لا أعرفه « يقلب منذ أشهر
عن قصائد له
في أشعارك
l في جسد امرأة ..
من فرط ما كان جدي الأول
الذي لا أعرفه
يحلم بأن يكون بحارا
وُلدتُ على ساحل المتوسط
في جسد امرأة أوّلا
كانت تكبرني بعشرين عاما
ولأن جدها الأول
الذي لا تعرفه هي أيضا
كان يفرطُ في الحلم
وُلِدَتْ في جسد رجل
يصغرها بعشرين عاما
فالقارب المخلع الذي
تركه قراصنة
قرب جزائر مهملة
هو الآن عربة
يهرب فيها أطفال
الغيم إلى أمهاتهم
هكذا أرادني جدي الأول
قاربا
والثاني
عربة
الخضر شودار