حتّى البكاء كان فكرةً،
وكان لعبةً
في طفولتنا..
كنا عندما نبكي على أيّ شيء؛
نستدرجُ الدمعَ لشفاهنا
ونتذوّقه.
***
أوّلُ لعبةٍ فقدتُها
في طفولتي:
جدّتي..
كانت كلّما عرَّضْتُ نفسيَ للخطر
تصرخ.
***
مرّةً نمتُ والعلكةُ في فمي.
في الصباح رأتها أمي معجونةً في شعري.
قصّتها وبكيتُ:
«صارت حفرةٌ على رأسي!»
قبّلتني وقالت:
في الليل سيرى الناسُ على رأسك القمر.
***
إذا تكشّف ولدٌ في الليل، قالت:
اسم الله عليك، وغطَّته.
وإذا كشّف الولد عجينها الصباحيّ، قالت:
اسم الله عليك، وغطَّته.
أيّها الشعرُ
يا سواد العين ومحيطها الأبيض،
نمْ قليلاً،
وتكشّفْ كطفل
في الليل.
***
أريد الآن
ذات اللعبة التي رأيتها بيد ابن الغريب.
ذات اللعبة التي وقفتُ لأجلها في منتصف الطريق.
ذات اللعبة التي سمّيتها على الفور لعبتي؛
فأحرجتُ أمي،
وعطّّلتُ السيرَ،
وتأخّرنا عن موعد الإبرة..
ذات اللعبة التي ملكْتها في الحلُم،
وفي الصباح نسيتُ أمرَها.
***
البحرُ أوسع من اسمه في فمي،
ونظرتي إليه أوسع منه.
حدّثتُ نفسي بهذا
كسائحٍ نزل من سفينة كبيرة،
وعالج غربته بإعادة النظر
إلى طائر في السماء.
***
كلما رأيتُ شيئًا دوّرته بالخيال،
والخيالُ يريدُ الأرضَ مستقيمة.
الخيالُ يجرح نفسَه بالحوافّ:
يُعطي الماءَ جُزرًا،
ويُعطي الأرضَ ماء.
***
يدُ الإنسان قصيرة،
يصلها بيدٍ أخرى أو بالسلاح.
يداي نظيفتان..
إنّما فتحتُ الحنفيّة
لألعبَ بالصوت.
***
الشلالاتُ الصغيرةُ
على ظهور الجبال
تجري وتصل..
رغم أنها عرجاء
كإمضاءٍ يَختلفُ قليلاً
عن نفس الإمضاء.
***
قد أعطيكَ الجسرَ
ويبقى لي النهرُ،
لكن لا أعطيكَ الطريقَ.
فأنا لا أمشي تجديفًا
على الزرع
الذي سقيته بنهري.
***
كم كسّرْنا أسماءنا في الصغر،
كم شوّهناها،
كم كرّرنا فتنة تكسير الأشجار،
وصناعة المتاهات بأيدينا
على أوراق بيضاء
ونحن نتدرّبُ على إمضاء
يميّزنا عن غيرنا في المعاملات.
***
أسماءُ كثيرةٌ للسيف
ما تغلّبَتْ عليه.
أسماء كثيرة للورد
انتشرتْ..
ولكن عندما نُحبّ نُسمّي
الوردةَ وردة.
***
الغزالةُ
أسرعُ من الوحوش،
لكن مأساتها أنها تقفُ
في كلّ لحظة
لتلتفتَ وراءها.
***
سنجري في الحياة
بحسرة غزالةٍ
رأت صغيرتها بين أنياب الوحوش،
ولم تدرِ من ألمها بأنها
سبقتِ النهر
الذي لم تشرب منه.
***
أُحبّ الخريف،
يُوصِلُ الأوراقَ إلى العتبة.
أوراقُ الخريف
لا تذهب إلى البحر.
والخريفُ ضرورةٌ أمنيّة،
كالحرص على الكؤوس ناقصةً
لتأمين حملها.
***
أحبّ يدي،
أقلّبها كرغيف.
ولا أكفّ عن إلقائها في الهواء
كليرة من ذهب.
وتحديداً الآن،
أذكّرُها بالجروح التي أكلَتْها
وهي تفتح المعلّبات.
***
ليس الغيابُ
أن يغيبَ القمرُ وراء غيمة.
الغيابُ هو
أن تغيب غيمةٌ وراء القمر،
وتمطر عليه ليلمع أكثر..
فيما الأرضُ هناك
سوداءُ و قاحلة.
***
الأرضُ وأنا
كلانا نمشي..
أنا عليها،
وهي على الهواء.
حين أحُكّ ظهري من أثر الريح
لا أعيقُها،
وحين تحُكّ ظهرَها
تعيق الجميع.
***
من الأشياء الثمينة
على الرفّ:
ساعة يد أُهديتْ لي من زمن بعيد،
وكلّما نظر إليها زائرٌ بطمع
قلت له بخوف:
لهذه الساعة قصة طويلة،
ليس عندي وقت لأقصّها،
فهي الآن واقفة.
***
مطرٌ على الشارع بعد الجفاف،
والسيارة الواقفةُ بالعشّاق مشَتْ
كاشفةً للعين نصيبَ الشارع من الحرمان..
نصيبُ الشارع من السيارات كثير،
كنصيبي من التفاحات
أشتريها من السوق،
وخطأً أظنها من شجرة واحدة.
مختارات من ديوان: «خاطف الغزالة يتعثّر بأعشابها»، سيصدر، عن دار «مخطوطات» الهولندية / العراقية.
نصر جميل شعث