إلى عبداللطيف قارعُ الناقوسِ/
حاملُ المشكاةَ في ليل الذئابْ
في ذَهَبْ القولْ ذَهَبتَ إلى طليّ الكلامْ
كتبنا تحاياك رمزاً للتاريخْ، فَرَشنا لخطو نعلكَ مراسيماً كنَقش الحِناء على بنان الحسانْ حصَنا الطريقَ بشلالات الفرحْ ورسَمنا على أرديَّة الأكتاف أَقمارا لضوء العدالةْ
قُلتَ في مُحكم الشِعر : أنا طفلُ هذا العَصر الحَقيرْ، طفلٌ لم يكبرْ الأسئلة الحارقة للساني حَرَقَتْ أجنحتي، تَعلَمتُ المشيّ، ثم فقدتُ معرفَتي تَعَبتُ من الواحاتْ، من النوق العطشى للأطلال مستلقيةً وسَط الطريقْ، الرأسُ باتجاه الشرقْ أنتظِرُ قافلةَ المجانينْ .
طَلَعتَ من باب ظَلام جَرة النور، ركَضتَ بثوبك الأندلسيّ المُمَزَقْ، رافَقَكَ ذئبُ الفلاةْ صرَختَ بعالي الصوتْ : حُريَّه، ياذئب بحار السجنْ، شمسُ الأسدْ، تجاعيدُ اللبؤةْ، قرونُ الذئابْ متكئاً على بَسمة الأطلسيّ جَلَستَ تُحاورُ أمواجَ الأبيَّض المتوسط تأتيك الموجةُ بين قدميك ْ ناثرةً مرجانها خَلل الأصابعْ، تُغَني غاديةً رائحةً صوبَ سجون الجَهلْ لتفُكِكَ سلاسل الصدأ وتنشر على آفاقِ المَعرفةْ يقين الدَرسْ. سَرَحتَ بكف الحَنان على زَغَب المتوسطْ أَسرَجتَ قاربَكَ في مرافئ النورْ، لم تَحرق القارب، انتظرَكَ دهراً، عُدتَ إليّه بأنفاس المعرفةْ، قيدِ السَجانْ حَرَرتَ حيتانَ االمُحيط بأشرعة المراكبْ، لم تنحن لكبرياء الهواء، لم تنثن لشجر الزقوم عَضَدَتكَ أمُكَ منذ ليًّن الأطرافْ، تَنهيدةُ القمرْ، رذاذُ الحليب على خديَّك المورديّن ببهجة غيّثةْ أساورُ الشوك في يديَّكْ كما المسيح غَرَسوا في رأسكَ مسامير التاجْ، حكَكتَ بدامي الإظفر حائطَ العار في حديد البلاطْ، سَمَعَكَ السرفاتي أبراهامْ، كان مُنشغلاً بتدوين تاريخ الآلهةْ، يُجاهِدُ الملائكةَ بخطاب الإله يُناجي روحَ الوردة في غيّهب السجنْ، ليديَّه رائحة الريّحان في بساتين المنصورْ، نذور الأَمازيغْ في عيد النايرْ، سجادة الدوح من فِردَوس سيدي إدريسْ، تراتيل الطاعن في لاهوت الفلسفة ابن ميمونْ، لمقدام رجليَّ السرفاتي حنان الأرضْ وتكبيرة فاسْ على رؤوس النخيل المراكشيّ، دعاء الرَباط في مقامات المُقَدَسْ . رتَلتَ له قصائدَ الماءْ وسَكَبتَ على ذَهَبِ أنامله عسلَ الكلامْ، كان سادرا في حراسة البلاطْ، الولاة غارقون في خيّانة الأَمانةَ، الحراس منخطفون بتأليه الرشوةْ والنواطير يشخرون بقيود السَجانْ صدَحَتَ بعالي حقوق الإنسان في مهيب الفناءْ ولعَنتَ خبراء السَرابْ، سُراق النور من مُقَل النَهارْ، خَطَفَت النارَ في غابر الطفولةْ، شَرِبتَ لذيذَ معارفِها من أعماق القِرب الفاسيَّةْ.
طاردتكَ كلابُ الخِسة بأسنان ابن آوى، لم تَلتَفِت إلى مشاكسات الأشواكْ، السرفاتي كان العضد والعَضيدْ التنويرُ كان المقصد والمرامْ، نادتكَ جمراتُ الثورةْ، قبَستَ من وهجها شعلةَ إلى الأَمامْ، قذفتَ جهل المَخزن بأنفاس الجحيمْ، وزنتَ قِنطارَ الحُريَّة بصوان الدمعةْ درستَ القمحَ على رحى القافيَّةْ، رافقت القصائد إلى مدن الشعاع،أَرفَقتَ شِعرَ البَحر بمدائح المجرَةْ طَرَقتَ بيَّد الحَديد ريش العدوْ، أشعلتَ في دامس الرَهبة ناقوسَ المَغرِبْ، طيَّرتَ بولع الكلمة حرائقَ السؤالْ رسَمتَ خطاً لغزالة أَغاديرْ وسَقيّتَ بَعير الهُدى بطلاوة زنبق حادي العيسْ سمَعَ مولاي إدريس النداء فصلى ركعتين على أرواح شهداء المغرب، ضحايا القيّد، سنابل الورد في أقفاص الموت. رَشَقَ توقُ فرق الموت بالنيران النبيل المهدي بنبركة في عمق النَهر، يُسَطرُ الاختيارَ الثوريَ الأخير لأجيال قادم الدار البيضاءْ، يؤسس على مقهى الحلم تواريخ عالمٍ ثالثٍ مطَهَر بماء الورد الربيعي الهوى من قَذارة الزنازنْ وكتَبَة الظلمْ، سَبَحَ مولاي بقرآن الحُريَّةْ، غَسَلَ رأسَكَ بحناء الجَنةْ ورافَقَكَ السرفاتي في راحِلة الموتْ، قاسَمَكَ خَريفَ الصَحراءْ، فَناء العَقربْ، تمرُد الثعابينْ، سَلخ الجِلدْ، خَلع الأَظافرْ، عَذاب القَبر قبل الموتْ، جهنم المخزنْ. قاوَمتَ الأنفاسَ بطَراوة الشَهدْ، صارَعتَ بنادقَ القَصائد بشرار الحَرفْ، شِلتَ على ساعِديَّك فُقَراء الأَطلسيّ، حَمَلَت إلى شفاه الرباط قرابين الحَليب المُقَطر من بئر الضياءْ، سلال التفاح من شجر الحَقْ إلى فَزان : أشعَلتَ بقَبَس العدالة نيران العلم . إلى تطوان طرت بجناح الحرية، كتفك بمرفق السرفاتي نبيل المغرب في وهج التَمرُد. بأعين أربعة رصدتُما حَقيقَةَ النور في عصور الظَلامْ، أنزَلتُما من عالي القَصدير مطرَ الربيعْ.
صدَحتَ بنواقيس الرُعب لهرقل من شُرفة طَنجهْ، انحنى العملاقُ تحيةً لقصيدكْ، ترَجَلَ من المحيط على أقدامه الجبارةْ، اجترحت السؤال لاختبار تحمله الصَخرةْ، حوَلتَ السجن إلى حُقول مَحَبةْ، خَزَنتها حنطةً لرحى قادم العصور .
تَجَلتْ الزنزانة مختبراً لبتلات السَوسَنة في مُعتَرَك الإخصابْ . صَهرتَ القيد الصلدْ نسَجتَهُ عِقداً من ياسمين العِشقْ، بسَطتَ فَناء السِجن ببستان الزنبَقْ . حِرابُ فيّض محبتك الطاعِنة في السعادَة أعيَّت أعداءك فترنحوا بثمالة الأسى، راقتهم لعنات القواقع في أعماق الهلاكْ.
رَشَقتَهُم بالريّحان مقابل بنادِقهُم ، ابتكَرتَ ثورةَ القرنفُل قبلَ ربيع لشبونهْ، واجهتَ بعَزم المشكاة دامسَ ظَلامِهمْ . جوسلين في زهو البَرقْ، خليلة النارنجْ، خلابَة القَدْ، ترفلُ في سناء الغابَةْ، لها تُغني الغزالةُ على ناي الراعيْ، تُشِع بحِكمة القَصب من عالي القِرطاسْ. من بيكاردي أزهر اسمُها منحدراً مع رقراق الدانوب في إشراقة الرَبيعْ، خَصَبَهُ إبن الإله في مختبر الروحْ إسم موسومٌ بحيويَّة الذِهنْ، بَذر الحُبور لسنابل الفَرَحْ، مَنهلاً لسعادة الآخرْ لجوسلين قداسة الإحتفال في الثالث عشر من ديسمبر، على شرفِها يرقُصُ البروتونْ حتى مطلع الفجرْ.
كان عَهدُ البَربَريَّة مُطاردٌ بمدافع الكلماتْ، عندما بدأتَ مُعاقرة القرطاسْ، المَحبَرَةُ تُعاند الحَرفْ لبِستَ رداء النور الفولتيريّ، قَدَحتَ من فيكتور هيجو رأس الكلِمْ، أسكرك رامبو في قاربه بنبيذ الخيمياءْ سافرتَ على بوهيمية راحِلة شارل بودلير، تركتهُ سارحاً في أفيونهْ، قَطَفتَ من حدائق أراغون زُرقَةَ عيونَ إلزا. نائماً عند عتبة قرآنك جلس الآخرون يدونون تضاريس الماءْ، رشقتَهُم بقائمة طويلة من عشاق الكلام عانَقتَ العالَم بقُدسيَّة الحرية، نضَدت قوافلَ الحُجاج على ساحاتها وسألتَ العصرَ عن قافلةٍ تفترس النوقْ تسفحُ مياه سنامها على الرملْ ساءَلتَ الغَفلةَ عن ساحِر يُبدِعُ من الحرب حُباً، من القُداح أقداحاً بطليّ الجَعَةْ قرأت بصمام قلبكَ عن تآلف عيّنٌ من لحمٍ وفولاذٍ مع الظلمةْ، طاعِنٌ كضَمير الأرض تُعَددُ النِسيّان على مِسطرة الذاكِرةْ، شاهدٌ لا راد لأدلتهْ سألتْ الصديقَ عن معنى الصمتْ خلخَلتَ القُضبان بزهور الربيع . شمْ السَجانُ قرَف القيَّدْ فانهارت الجُدران، فتقها الزنبقُ الطالع من شقوقها هل هذه العيَّن لاتنطفئ؟ عينُ المدينة ترصد بمنظار الحَذر أساطيل الإرهاب، تُقاتل بشراسَة الذئب أسنان حديد الأعداءْ، تقارع بمنجنيق الشجَر خريف سوءاتهمْ.
أيها اللعبي المغامر بحروف البَهاء ناشدتَ الرَفيق ما يرى، هل بدأوا تدمير غرناطةْ ؟ حين سلم بيارقها ومفتاحها الصغير عبدالله تفككت أحجارُها قطعةً تلو أُخرى في قلب أُمه رآها القمر من شرفة الحَمراء، رأتها الأُسود فبكت نافورتُهم عسلاً أحمرَ على الفراق، شفعتَها أيها اللعبي بوردة المحَبةْ، تَخيَّرت من يانع الياسمين وصغتهُ عِقداً لمرمر جيدها . هل البَرابِرةُ على أبوابنا ؟ أَحكمنا الرِتاج وحَصنا السور بعالي الفرَحْ، ملَكنا ناصيَّة الخيل لصد العدوانْ هل يتحدثون لغةً مجهولة ؟ تعلَملتَ لغات الجحيم ودرستَ لهجات الفردوس، شفرات المودةْ، طقوس النحلْ لم تَفُتكَ شاردةْ، لم تغفل عن واردةْ . تَنَبَهتَ إلى حروف الوصل ْ والهمزات ْ، أن وأخواتها دربتَ الأصابع على سنابك التشكيل، قبضت بقويّ الذراع الهمزةْ، أجلستها مرةْ وأوقفتها أُخرى حرَرتَ المفاصلَ من حديد الأربطة، ألجمتَ الرسن بعناد الحصانْ ذَلَت لك مطيعَةً الأسطرْ . هل حقاً قادمون من كوكب آخر ؟ طارَدتَ بفضاء جاليليو مفازَة السماءْ حفرتَ على وجه القمر بساتين الاشتهاءْ من بُعدٍ زمني آخر، وزنتَ الزمن على رقاص قلبك أرجَحتَ البندول على نبض فاسْ : بماذا يُشبِهوننا ؟ قرنتَ الوعل َ الجبليّ بمنقار النسر رسمت ملامحهم بفراسة العربْ وتفَرَستَ في ذاكِرة عدوانهمْ . ما المرعب فيهم ؟ حار الفضاء بتساؤلاتك ضج النجمُ في مجرة الإله . سألك المغفرةْ.
ذات قصيدة رَسمتَ للفصول مهام خط عكسي، رشقتها بألوان القزح وتساءلتَ عن كنه الصمتْ عَذَبَكَ السؤال كما في قيَد الموتْ كتَبتَ بكل شيء ولا شيءْ عالجتَ طاقة اليأس ببأس الأملْ ، يعلمُ الأله كم هي كبيرةْ، انتزعتها من بيَن عينيّهْ فابتسم في عُلاه لشبيه بروموثيوس، باركَ هرقل المغربيّ جذوة الأمل اللعبيةْ . عَملتَ كبَناء فَقيرْ، ملاذاً لنطف الأرض تشظيات الكونْ، موئلاً لأطفال الشقاء . جاءك شُكري بقمل اللقمهْ، فقراءُ الصفيح بطحلب النورْ سخركَ القَدَرُ لبناء قصور الأغنياءْ، صَفَفتَ الحروفَ طوباً وطَوَبتَ الجحيم بأنفاس الجنة ْ من باهر دروسك : يدٌ واحدة لا تكفي للكتابة، رأيتَ برابرة فلسطين قبل صياح الديك، ناديتَ من جبل الجليل موعظة الثورة بغصن الزيتون ورافقتَ الرحالة في راحلة الحضور والغياب تناسلت حجارة السجيل من ثنايا كلماتك، قرأتَ من زوادة الزيَّت على صَليب المسيحْ، من كرسي يوحنا المعمدان تأولتَ التمردْ، من سماء مراكش رأيتَ بفصيح الفطنة ماء المنصور منحدراً إلى الحقولْ جاءك المنصور في هيئة شحاذ ضرير فألقَمتَه حلوى الحُروف، زلابيا زريابيَّة اللونْ . شكرك وغاصَ في البُحيّرةْ . رَسمتَ لفلاحي الأطلسي سجادة الخطيبي، لمهاجري الأندلس خرائط الرمان، مفاتيح البيوت السادرة في غيهب الرطيبَة غرناطةْ . قرأتَ على مسمع الفُلك مخططات عبدالرحمن الداخلْ، أسسها من بذور الشام صغار طيور المغرب، نخاسة موريتانيا وشماريخ الأفق الليبيّ رأيتَ بعين الصقر طائر الإسطورة يفترس الأصابع في القفص التونسيّ، تأسيتَ لحرية شاحبة الوجه قرطاج هَجرها الأهلُ خاليةً على عروشِها، البحرُ أخرسُ اللسانْ يتمادى في وحدانيتهْ لم يتبق في مشهد المرعى سوى غنيمات هزيلة الهيكل ترعى في بؤس العشب بأفواه المجاعةْ ما تبقى قطيع أغنام ضائع في سهوب التوراة، ندمتَ لسرقَة بؤبؤعين الربيع العربيّ، طمسه تحت ركام الدينْ ودكه بدمار الإرهاب، تُماطِلُ خديعة مشهدْ يتناثر فيه شحيح العشب والشوك، يأكل الطيرُ حصتَه من أصابع الإلهْ . شاغبتَ في عابر الشِعر قارئاً يلاعب الملاعق بأكل البشرْ، بحذاقة الأسد . قاريء حالم مفصليّ لا تفوته كلمةْ، يزنُ ثقل دمِها بنعيم الهوى ويرفعُ الفواصلَ عن الجُمَلْ ليكتشف المختارَ من القِطَعْ يُعلمُ برعشةٍ الصفحةْ بعظيم الَتَنَفُسْ . تأوَهتَ لجيَّشان الانفِعالْ، يُرخي حبل َالطريدة لطيِّع الاستسلامْ ينتَظرُ التَعَب نازلاً على الوجهْ كقناع القُربانْ ليّلة التَضحيّةْ، يُنقِبُ في حفريّات الذاكرة عن ثغرة للانقضاضْ الصِفَةُ من الزوائدْ والتكرار خلاف التسامحْ . هناك آكلُ لحوم بشرية يقرأ دواوينك ويُسَطر على لوحة قلبه قواميسك القديمةْ ليتغذى من أمشاج تواشيحك الأندلسية المغربيةْ .
تروي عن أمك غيثة الرحمن بوشاح الصلاة تقرعُ الأرضَ لعنةً للطغاةْ، غَنيّتَ للشِحرور على وَهم الغُصيَّنْ كل ليلةٍ تفتح كتابَ التاريخ الكبيرْ، تتأمل مداخل المدنْ، منارات الأطلسيّ ومخارج القِلاعْ تَرضعُ من ثدي الناقةْ، تُرَصعُ بواتييهْ بسؤال الدَمارْ، ترجوك القططُ بعبث الضيافة لا يمر حاجٌ ولا يعبر متسكعْ تنتظرُ في دامس الليل الإشارةْ فلا تصلك سوى طقطقةٌ تافهةْ، جهاز التدفئة الكهربائيّ يلعنُ الشتاءْ صباحاً تحمل إليك شقراءُ صغيرة رغيفَك الفرنسيّ، لشكرها تأتيك رغبةُ الرد بتحية السلامْ : حربُ بواتييّه لم تقعْ . تَتَنصتُ على الذئاب في بيوتها الريفيةْ ثم تُشاهدُ بنهم التلفازْ، لساعات تُعِدُ بعالي الصوت الجثثْ تغني بأصم المُقَل أناشيدَ السلوى، الساعاتُ تُحصي بأُم صوتها الجُثثْ، تشدو بأقصى الصوت طالبةً المزيدْ قُلتَ أمام الذئاب : أراها تفترس ثلاث عشرة طريدة نهاراً يمزق فولاذ أسنانها حرير الرِقابْ . متبحراً في دراسة خِداعها قَلَبتَ في حصافة الحكيم خِدعَها كشَفتَ ألاعيب صغارها وجاورتها سنوات في قَيّد الحَبسْ، لم تَرجِها فك القيدْ، خَبَرَت مداهناتها للشيطان في اقتراف القَتلْ ورأيتَها بمقلة اليقين تَنتخبُ برفع اليديّن يهوذا لخدمة نزواتِها خلال ساعات تَمتَحُ النجيع من حِنجَرة القريةْ، لا يزالُ الدم يافعاً لم يطرَح ثَمَرَهْ يَثوب مُكَرمشاً دَمُ أرض يُدمدِمُ بخطى الثعلب على ورق الخَريفْ، تنام عليها الجيَّف شاهدتَ بواسع الرؤية الذئاب بأعيُّنٍ تنطفئ منتصف الليل يغتصبون بشرعية زوجاتَهمْ انفَرَدتَ بشجاعة القَرارْ ورفَضتَ فرض الساعةْ، صَلَبتَ الساعة حتى عودة الإمامْ كانت تساقط الثواني كالحصى، تنقطُ الرَقاص في فم قِطٍ أسودْ نصف أزتيكْ، نصف كلداني مُهَجَن العُروقْ، كنتَ الشاهد على نار المدفأةْ . تُخرِجُ النار لسانها المسنون تَسِحُ منه الدماءْ اكتَشفتَ عَبثية الهجرةْ، تشربُ ذات القهوة في كل مدينةْ هَرَبَ من بين أصابعكَ سر العصافيرْ كالمغناطيس يُلحُ في جاذبيّة المُغرَمْ في كل خطوة يجعل حقيبتُكَ مجذوبةْ ناشَدتَ بطيِّع اللسان جسر الروح المقاومة، هو من يلامس منذ سرمَد الزمان الضفة الأخرى لأنَهُ العارف لفارقٍ بين فاقد التأسي،طارئ عابرٌ، التَمستَهُ، أن يد العادل تَقتربْ طالبتَهُ برؤية النور هناك والتَعَرُفُ على صوت ينادي النوارْ من نبع الخيول نتحتَ أسرار الكتابة وطلاسم القول طرزتَ بلؤلؤ الكَمال شموعَ العرس المغربيّ ولمَعَتَ بحناء البربر طلاسم الأمازيغ جاءتك مَلِكاتُهم في قشيب السَناءْ، بعد ثامن الأعوام انتقلت من حضن السوسنة المصرية حيث حط بك الأوز الأبيض في سلة موشاة بأندلس الكون رَضيعاَ أرضَعَتك الغزالةْ وفطَمَك السِجنْ أنقَذتكَ غَيّثة كابن طُفيّل صِنوكَ الأندلُسيّ سَرَحتَ في حقول المَعرفة .
فزعنا لصدى الشال الطاهر لغيثة يطرق سندان الأرض بمطرقة الهول في رجاء الأديم صراخها يلفض التابو ويرمم الحرية : فلذة الكبد خلف قضبان الظلام وصوت الشال في رقبة السماء تسفح أم عبداللطيف الدمعة لنور الحرية وترى الإله شاهداً ينظر من بين النجوم تشاهده ببصيرة القلب في كل مكان . زهور تشفعُها بكَلِم الحَنان، تُناجيها بقرآن المَغرب في هَوَجة الذئاب
تطلُ بقَصائد الأنفاس وتجاعيد الأسد، تُلقِمُ القَيّد طحينَ الهواء وتُجَدِدُ للمغرب شَباب الطيّر يسعِفُك السرفاتي بوهج الأنوار، لهُ في رقبة الوقت دينٌ قديم . كَسَرت كلماتُك بحرارة حُروفها سجنَ تزنيت سَفَحتَ في صحراء السراب شرارة القول زَفَت غيثه بزغردة الزنبق سي محمد في قشيب القفطان، يتمايل بأحمر الطربوش إلى عش السعادة رقصت الأفراحُ على دقات قلب ادريس، موشحات غيَثه، تصفيق زهره ودندنة عبداللطيف يتأبطُ قصائدَ النور، يقود جوقة الأماني . كان ناموساً ذات طفولة في نبع الخُيول، صار قاموساً في معجز القول وطليّ الكلام، رددت أصداءه جبال الأطلس / ناغته مَنارة ساحة الفِنا في مراكشْ وحيّ الأندلسيين بمفاتيح انتظارهم في مرابع فاسْ تتكشفُ الطريقْ فتدَين المدينة بدين عبداللطيفْ، لطيفُ المُحيا طريف المسعى حقوقي الهوى يهيم الغرب بحكمة توراتهْ، ينزلها عليّه ملاك الشعرْ في قراطيس الماءْ، تَتَنَزل ملائكة زهرة على قلبه تنير له مداخل البستانْ فيرى بابَ الفُتوحْ، يرى ناموس في بستان مخياله غابة الأندلس الرطيب فردوس الأطلسيّ إرجوحات يتهادى على حريرها جناحي زهرة يشاهدُ بدليل مهجة زهرة تُسَبِح على مسبحة النور غيثة، تصلي لها بتلات الورد في ينعان الشبابْ تفاح الخدود في مهب القطفْ.
يحنو ناموس على كراسه بقصب المقلة، يُخاطبُ الريح بحرقة الأسئلة تُنَقب الأسئلة عن شافي الإجابة وتتوه الشمس في احتضار الظلال، الظل يقاضيه قاض بميزان الأوهام يرسم ناموسْ على منديل الفراشة حدود عالمه المتخيل: حي القرويين، الأندلس يدور في فضاءيهما كما الكواكب السيارة في مجرة النُهى، تَعَرَفَ الصبيُّ ناموس على ميكو أليف الأحياءْ حصانُ الغرابة ينام في مخيّال الإسطبلْ ويُعلَفُ من شطائر الحلمْ، له سطوة الملاك، سِرج البُراق، خَطف البرقْ وطيران النسر . فتحَ ناموس له القلب وأودعَهُ الحنايا نام الحصان ميكو غافيا في رؤى البسملة، كانت النومة السرمديه كان رجلاً ولم يَكُنْ، مات مزدوج الهويَّة في فردوسه رأى غرام شبِقات النساءْ تساءل ناموس ما الهويَّة في مُفترَق الأوطانْ ؟ كانت النساء يأتينَ ميكو كاشفات حجاب الحيّاء عاريات الوجه يداعبن الرغبات بأماني اللذة هكذا تصور الحصان في غفوته الأخيرة، كذا استمنى الرجالْ وجد ناموس فردوسَه الأرضيّ، عشق جِنان سبيل وتولعَ بياسمينها عشقتهُ تعريشةُ الياسمين وبادلته العشق، هام في وجد سوسنها وغنى لأريج نجومها.
صار الغياب فقداً : محمد بن يوسف في دورة القمر، بلاط سيدي إدريس وأعينٌ تلهج بسطوع الملك في دائرة القمرْ، رغيف الفقراء الساخن على أسطح الشقاء حرية معلقة في القَيّد الفرنسي، استعباد العقل واستعمار العضل ناموس يفرك العينين لوضوح الرؤية، الأم تبسمل، الأب يحوقل وزهرة في تجليات الصبى تناجى النجمة بروح القمر، تصب من حنو قصائد اللعبي في قادم الزمان رمان النجوى في جرار الأمل زهرة تتفتح بتلاتها في زهوة فاس، يفيض ريحان الكلام وتقوح بناعم القول أشعار اللعبي تترجمها النجومُ الى لغة الضاد فتصل المغرب بالمشرق بخيوط حرير القزحْ تصل الإثنين بغرب السهوة، يتفتح موغيه فرنسا، سنابل القمح الروسي وتفيض أنهار القافية بأنغام اللعبي في وتر النور جوسلين في قشيب الطفولة تكاتب أجيال الحروف القادمة في سلال الماندرين المغربي، يفتح المغرب وردته لنور الحرية، تُضاء سماء الكون فيُطِل محمد الخامس، يراه المشرق، يراه المستعمر الفرنسي باعور العين فاقد البصيرة، يتحقق الموعد ويَحِقُ الوَعدْ يَرفَلُ المغرب بملكه على حصان الأطلسْ، حرية ناجزة سلطانٌ بَهيّ يُقَبِلُ سيدي إدريس عيون الحرية، يتنزل البربر على خيول النار حاملين مشاعل الأمل بنادق اللهفة نوارة القلب وشايَّ المَغرِب بنعناع الروح . يطلُ السرفاتي بمشكاة الأمل وضياء الأنوار له تركعُ الأنهار ويصلي الجَبَل، على خطوه البهيّ يتجلى اللعبي في قهوة فاس ينور المستقبل تخرج جميلات المغرب في زهوة المظاهرات، يكتبن بألحان فاطمة المرنيسي وأخوات العدالة طريق قادم الشموع، يقدن حرية لابد منها،ينسجن أملاً لاشفاء منه تصرخ امرأة في عابر الكلام المسرحي تحت ظل القاضي : سأبقى هنا وليبحثوا عن الإبرة في كومة القش وعن الشوكة في الحَلقْ تَردِفُ : أنا طائر الرعد احتفظ في ذاكرتي بالخطوط الواعدة لكل الأيدي المقطوعة التي التهمتها الرمال أمام أعين قابيل المقتلعة بلون القارة الذي انغمر دون محاكمة، بانشودة القافلة الضائعة، برعشة الفجر المتمرن على العصيان ليُكَرَمَ اللعبي بحنان الجوائز ويطير بمشاهده المسرحية إلى أفق الرؤى يصرخ عربيٌّ تائه : اسمح لي أن أستمر في البحث وسط هذا السديم عن البذرة المتمردة التي يمكنها ذات يوم أن تعيد خلق الحياة من جديد وتعطيها معنى وهدفاً تحيي عبداللطيف اللعبي المشارقُ والمغاربْ وينحني لجلاله هِرقلُ على أبواب طنجه يجيئه في حلمه الخطابي نبيل الريف مهنئا بمعجز الكلام تُسدِل الحُروفُ على مُهجَته غِلالةَ الأَمَلْ .
يعقوب المحرقي