يكتب الشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين قصيدته الوافية ، ويذهب الى ظلالها، يجلس في مدارها ويراقب ما رأى أثناء الكتابة. وفي كل قصيدة يكتبها ، يرى ما كتبه وما تحسسه في لحظة الكتابة. كأن القصيدة هي خير دليل لما سيظهر في وعيه. فهل تفي القصيدة برؤياها في حياة الشاعر، أو تبقى في مداها المفتوح غير المحدود؟ ويبقى السؤال كما هو، لغة مفتوحة على احتمالات الوعي المفتوحة أيضاً، فكيف يمكن صوغ النهايات ، أو شكل الإستمرارية في سؤال الشعر والقصيدة؟ والشاعر على تماس مباشر مع الجواب أو الأجوبة التي تنطلق في صحوة الأسئلة. وحواره هنا، مع (نزوى) بلسان وأسئلة الشاعر اللبناني اسماعيل فقيه ، يحاول الشاعر شمس الدين إيجاد الجواب ، والأجوبة… ويبقى الكلام ، في الأجوبة ، كما في الأسئلة ، في مدى المسافة المفتوحة:
ll السؤال المكرر. من هو محمد علي شمس الدين؟ هل تغير التعريف؟ كيف تعرف نفسك اليوم بعد تجربتك الشعرية ومحطاتها؟
vv غالبا ما اتهم بالنرجسية في شعري وكتب الدكتور محمد عبد المطلب مقالا في مجلة دبي الثقافية حول المختارات الشعرية التي صدرت لي في الشارقة 2015 بعنوان «سطوح غادرت ساكنيها» أحصى فيها اكثر من 70 مرة استعمل فيها ضمير المتكلم المتصل او المنفصل لكنه لم يذكر النرجسية. والحال ان الشعر ضمير الشاعر, حتى ولو تكلم بصيغة اثنين او جماعة . في الشعر الجاهلي والشعر الاسلامي هناك ظاهرة مخاطبة الشاعر لاثنين او مناداة اثنين في النداء … ابتداء من معلقة امرئ القيس ومطلعها :
«قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل»
وقد جاء في تعليل خطاب الاثنين، كما ذكر الزوزني في شرح المعلقات السبع : «قيل خاطب صاحبيه، وقيل بل خاطب واحداً وأخرج الكلام مخرج الخطاب مع اثنين، لأن العرب من عاداتهم إجراء خطاب الاثنين على الواحد والجمع، فمن ذلك قول الشاعر :
«فإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر
وإن ترعياني أحم عرضاً ممنعاً»
خاطب الواحد خطاب الاثنين.
أقول في قصيدة «فاتحة النار في خرائب الجسد» 1974 ( من ديوان «قصائد مهربة إلى حبيبتي اّسيا»: «.. أفض دم الاشجار/ دم الامطار/ أشق ضريح النار بحنجرتي/ فأنا الشفاف الآسر والمظلم في الآبار/ أنا الجرس المهدوم…/ عنقي يتفتح مثل الجمرة في ريح الفلوات/ ويقدس كل هواء الكون/ يتقدم بين الموت وبين الموت ويفتتح الظلمات/ ويدون في قدميه العشب وبين يديه الماء ويرسم ظل أبيه على الطرقات/ فأنا الصعلوك الهائم خلف أبيه وخلف حبيبته ويقول سلاماً يا عشاق العالم / لا يسمع غير صدى يتماوج خلف صدى يتما…….»
أردت أن أشير إلى هذه القصيدة المبكرة لي، لألاحظ أني، لا واعياً، أقصد شعرياً، أركز العالم كله في ذاتي،, وأنني أعتبر كل ما أتكلم عليه، سواء الجماعة أو العناصر، من بشر وأثمار ونساء وحيوانات وطيور… الخ ليست سوى أقنعة لذاتي الشعرية. إذ ليس في هذا الكون سوى هذه الذات. هذه النرجسة ضرورية للبقاء البيولوجي والبقاء الشعري. في الصراع على الحياة بين كائنات كثيرة، تلاحظ كم هو شرس دفاع القطة عن صغارها، وفي الجواب عن سؤالك من هو محمد علي شمس الدين وهل تغير التعريف بعد المراحل ؟ وجدت من المناسب أن أستعرض ما كتبت من شعر على امتداد 40 عاماً.. ظهر لي أني تعاملت مع عشرات بل مع آلاف الاسماء والمدن والتواريخ والأفكار..
إذ أن التواريخ جزء من تجربتي الشعرية، لكني لاحظت أني لا أصوغ سوى تاريخي الشخصي،,, سواء في الحرب أو السلم. الحب أو الخديعة. اللذة أو الموت،. أقول : «وتدور الحرب أنا البطلان كأنهما الجبلان/ وأنا الجثث الساحات القتلى الاسلاب…» أما في العلاقة بالعناصر… الصخرة مثلاً، ففي قصيدة الصخرة : «في فوضى هذا العمل الخلاب/ حيث الشعر يوحد بين الاسماء/ يحلو أن أتقدم للصخرة /أسألها : هل أنت أنا ؟». تلاحظ اني أخاطب الصخرة على اساس انها انا
وحيث أني أكتب تاريخي الشخصي في الشعر، فأنا أكتب أسطورتي أيضاً. وهي مسألة شديدة الاهمية.. ثمة أصدقاء كثر دخلوا إلى منزلي الشعري. المعري، المتنبي، ديك الجن الحمصي، رامبو، غوغان، الحلاج، دالي، ليلى، مريم، بلقيس، اَسيا…..،….. الخ. لكن المهم أنهم لم يحتلوا هذا البيت، أي لم يمنعوني من أن أصنع ما يخصني. أي صورتي الشعرية. المسألة تتعلق بصراع شرس على الهوية… كتب أنسي الحاج ذات مرة، بعد ترجمته لأنتونان أرتو، كتب : «إن أنتونان أرتو يربض عليه»… كتبت إلى جانب هذه العبارة الخطيرة، ما يلي «تخلص منه. اقتله». حسناً. لم أقلها مباشرة لأنسي الحاج، بل قلتها لنفسي….
ll حضرت بقصيدتك إلى الحياة، أم القصيدة أحضرتك ؟
كيف ظهرت ملامح الشعر في حياتك أو في منعطفها الاول؟
vv لأقل إنها المصادفة المبكرة والخطيرة في الحياة. ففي الريف الرعوي من الجنوب اللبناني، حيث ولدت، كان لا بد لي في الطفولة والصبا حتى 13 سنة، من احتكاك جسدي عنيف وحي بالصخور والريح والمطر.. كما بالشجرة.. الذئب، والطيور… ومعها الصوت الانشادي لجدي الشيخ، حيث كنت بلا أبوين تقريباً. ثم شيء من طقوس كانت تدور حولي في المنزل بين الدين والسحر. أضيف تفتحي الحسي المبكر على الجنس. بالطبع كان ثمة امرأة دربتني. لكن أيضاً عثوري على كتب قديمة بين يدي في مكتبة جدي.ما زلت أحتفظ منها بكتابين لزوميات المعري والامتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي. باكرا مع الصبا، اختلطت جميع هذه العناصر في جسدي ونفسي وهي ذات كيمياء مؤلفة من صخور ورياح عنيفة وإنشاد ديني حزين ودين وسحر وجنس.. وتأمل فلسفي في الموت والحياة. أنا ابن المعري مهما طال السفر. ولسوف أكتب قصيدتي الاولى في الـ13 من عمري… متأثراً بشك المعري. أقول فيها :
أنا مجهول وحسبي أنني
عشت هذا العمر في اللازمن
أقطع الايام وحدي كي أرى
نفسي الولهى وألقى بدني
ذرة الرمل التي لم أرها
في صحارى الارض كانت وطني
تشرب الماء مزيجاً عكراً
من وحول الشمس فوق القنن
كفرت بالشمس لكن آمنت
باللظى المشبوب فوق الوثن»
من هذه النقطة العالية بدأت لكني ألقيتها في النسيان ولم أذكرها في أي من دواويني، أنا لا أنشر محاولاتي الاولى كما يفعل كثير من الشعراء ثم يندمون على ذلك. أول ديوان لي هو قصائد مهربة إلى حبيبتي اّسيا عن دار الآداب 1975.
ll هل أعطاك الشعر الأمان، هل القصيدة تطمئن الروح والنفس ؟
vv أعتقد ليس لي شيء من الحياة سوى القصيدة هي قلقي ونسكي ومحياي. بالطبع هي الأمان الوحيد لي. القصيدة هنا هي الطمأنينة الوحيدة لي في حياتي القلقة. عشتها مثل ريشة تحت أقدام الخيل. اللذة مختلسة بين قناصي الحروب والموت جرس دائم. الحياة جميلة ومستحيلة وحاجتي للقصيدة كحاجة الخائف لإله. حتى الحب من دونها عابر. حتى الثروة، حتى السلطان، القصيدة مرضي الملازم الجميل. أرجح أن هذا الاحساس خاص وليس عاماً. حسناً الشعر قيمة حضارية تخص جميع البشر لكن الاحساس بأن الوجود قوقعة فارغة بلا صدى القصيدة هو إحساس من يشبهونني. حين اشتهرت بثينة بشعر جميل وكأنها أجمل نساء الارض. طلب الخليفة الاموي الحاكم أن يرى بثينة فوجدها ذات جمال أقل مما يرى فيها صاحبها. وحين قال لها الخليفة ماذا رأى فيك جميل، حتى قال ما قاله من شعر، أجابته لوكان في وجهك عينان كعينيه لرأيت في ما رآه.
ll كتبت عن الحياة بقسوتها ولطفها، أين وجدت نفسك أكثر. هل يمكن للقصيدة أن تكون جوابا شافيا على أسئلة القلق في وعيك ؟
vv أنا مررت بمرحلتين اتجاه القصيدة، المرحلة الاولى تمثلها مجموعات قصائد مهربة وغيم لأحلام الملك المخلوع، الشوكة البنفسجية و هي مرحلة تجريب الشعر كموسيقى عنيفة تعزف في عرس أو جنازة. كموسيقى فاغنر والقصائد التي كتبتها في هذه المجموعات والتي امتدت حتى أواخر ثمانينات القرن الفائت قصائد إنشادية ملحمية. ليس فقط في الحروب الطويلة ولكن في الحب أيضاً. فإن قصيدة عودة ديك الجن إلى الارض المكتوبة بين بيروت والجزائر على امتداد العامين 1971 /1980 تنتهي بعودة علي بن عبد السلام ديك الجن الحمصي إلى حمص ليسأل عن قبر خليلته التي قتلها ورد فيأخذه من يده شاهدان «يقولان أنظر/ فأبصر في القبر سيدة مثل/ زنبقة الماء جالسة في انتظاري/ وعارية في مهب الزمان/ وقد مسها البرد مساً خفيفاً/ ونقع في وجنتيها الندى قلبه/ فأخلع ثوبي لأستر أقدامها/ وفي السهل كبشان يقتتلان». هكذا يختم الحب بالموت لكن الصراع يستمر وفي السهل كبشان يقتتلان. المرحلة الثانية بدأت من ديوان أناديك يا ملكي وحبيبي، وبخاصة قصيدة ذكر ما حصل للنبي حين أحب. مروراً بديوان اليأس من الوردة 2009 وصولا لديوان النازلون على الريح 2014 حيث لم يعد وجود حل لإشكالات الوجود والموت والحياة يضغط على نفسي باعتبار تحطم أسئلة شعراء العالم وفلاسفته وعلمائه على صخرة الموت وهو ما لخصه عمر الخيام من خلال قوله : «ستموت إن تشرب وإن لم تشرب». صار التغلغل في سيمياء التعارضات هو همي وفي حين كنت اعتبر نفسي في المرحلة الاولى سيد العبارة صرت أقف أمامها حائراً وأندمج في حيرتي لم تعد اللغة مسعفة بل صارت قلقاً.
ll متى يكتب الشاعر شمس الدين، ما هي ظروف وطقوس الكتابة، وهل تكتب الشعر كل يوم ؟
vv هناك موجات شعورية تصادر أيامي وأوقاتي وقد كتبت قصائد ديوان النازلون على الريح في مدي شهرين من نهاية العام 2013 وكتبت قصيدة دموع الحلاج من ديوان اليأس من الوردة بين عامي 2000 و2008. في حين أنني كتبت أغنية كي تنام زينب في 15 دقيقة. طقوس الكتابة عندي مربوطة بشعور بالوحشة. لا أعرف سببه. تدق القصيدة بابي وأبدأ من جملة ثم تتدفق الجمل لا أعرف من أين لأن تدفقها يمنع عني التخطيط الذي ربما وضعته لها. أي غالباً ما تمشي القصيدة عكس مخططها في حقل مفاجآت. القصيدة لا تسمح لأي عيش آخر معها حتى الطعام والشراب يمتنعان أو أتناولهما ميكانيكيا. بالطبع صلتي بالعالم الخارجي تكاد تكون معطلة. أنا كتبت قصائدي في الحروب ولا أنام حتى تنتهي القصيدة. أكون مرهقاً ولكن لا أشعر بالارهاق، أقرؤها آخر مرة وأنام وحين أستيقظ أقرؤها. بعض القصائد حضرت لها بقراءات مثل قصيدة الطوفان. قرات كتاب من ألواح سومر لصموئيل كريمر. الآيات المتعلقة بالطوفان في القرآن والعهد القديم. وقصيدة يوم الاحد الواقع فيه صمتي وهي مكابدات معراج نحو الله قرأت لها تجارب الصوفية والاسراء والمعراج بالطبع تجربة حافظ الشيرازي كانت موجودة أمامي. أنا أكتب بقلم حبر أسود على ورق أبيض بخط جميل، ما يلبث أن يتشوش وتلعب الاسهم لعبتها الطلسمية. لا يمكن لأحد أن يقرأ مسودة قصيدتي. غالباً ما أكتب القصيدة عشرات المرات قبل أن تستقر على حال. هذه طقوس الكتابة.
ll اللغة في قصيدتك هادئة جداً، بمعنى أنها تلتزم خصوصية التأمل والبحث، حتى في مشاهد النبرة العالية تبقى قصيدتك محافظة، أو كأنها تحاول الصراخ دون ضجيج.
vv أنا ميال في قصائد المرحلة الثانية بخاصة إلى موسيقى بيتهوفن بمعنى الايحاء البعيد المدى. من خلال الايقاعات الصوتية،التي هي بدورها إشارات تستر أكثر مما تكشف. إن ثمة بناء إيقاعياً لكل قصيدة. فهو مؤلف من موسيقى الصورة واللغة والمعنى الذي لا ينكشف بمقدار ما يقلق كامرأة حائرة بين أن تكشف عن جمالها أو تخفيه. هذا لا يستدعي إلا الهدوء والتمنع. وحتى تلك الصور الدرامية المشهدية لا أسرف فيها. مثل قولي في مقطع واحد من ديوان اليأس من الوردة. «هب شتاء عاصف/ ورأيت بأرض حديقتنا شبحاً يمشي/ فخرجت فلم أبصر إلا نعشي». هذا ما أرق جوزيف حرب ليلة بكاملها.
ll ماذا قال الحب لقصيدتك ، هل الحب هو المحرك لقصيدتك ؟
vv ابتداءً من القصيدة الجوهرية ذكر ما حصل للنبي حين أحب ، مروراً بقصائد اما آن للرقص أن ينتهي، وصولاً إلى قصيدة ينام على الشجر الاخضر الطير، الحب هنا هو شغف العناصر المتباينة ببعضها. أنا هي رجل امرأة شجرة نشوة موت إلخ… حيث يلعب الميتافيزيك ( التصوف ) دوره الحاسم في قصائدي، المرأة شجرة الوجود، أقول أنحني ألف عام لأصغي إليك. من قصيدة أما آن للرقص أن ينتهي.
ll ثمة حزن في قصائدك أيضاً. إلام ترد هذا الحزن ؟
vv الحزن عميق قد يعود إلى النشأة الكربلائية لطفولتي. ثم إن تجارب الحياة جعلتني حزيناً.
ll ماذا يعني لك الفرح. أو كيف يقاربك وتقاربه؟
vv الفرح والحزن ليسا بحرين منفصلين في نفسي. يدخل مياه هذا في مياه ذاك. أقول في قصائد مهربة إلى حبيبتي آسيا : «أنا أضحك الآن لكنني مرهف كالبكاء». كما أنني أدمج بين الدموع والرصاص والضحك.
ll سئل سقراط عن تعريفه للجمال فقال، دعوا هذه المسألة للعميان. كيف تقرأ عين الشاعر الجمال ؟
vv لعل سقراط قصد إلى أن الجمال مرتبط بمخيلة العميان، أكثر من ارتباطه بالمنظور سيما أنه كان قبيح المنظر، ونال منه نيتشه من هذه الناحية في كتابه أفول الاصنام، قد يكون الجمال هو الوجود بتنافراته أي ليس أخلاقياً. نيتشه وبودلير كانا أقرب لفهم الوجود من الفلاسفة اليونان الذين ألهوا العقل واعتبروا الجميل هو الأخلاقي. فأسقطوا النزوات والمشوهين. أنا أقرب لقول السيدة زينب حين سئلت في بلاط يزيد عن مقتل أخيها الحسين. قالت ما رأيت إلا جميلا.
ll أغلب الشعراء أبدعوا حين كتبوا عن المرأة. برأيك لماذا المرأة هي العنوان الأهم للشاعر ؟ ماذا تقول أنت للمرأة، ماذا قالت قصيدتك للمرأة وعن المرأة وفي المرأة ؟
vv من الناحية البيولوجية الأنثى أساس بمعنى أن توليد الحياة مرتبط جوهرياً وعملياً برحم الانثى. صحيح أنه لا بد من ذكر. لكن عمل الذكر في توليد الحياة سريع، ولعله هامشي. الرحم الكبرى في المرأة. عناية وغذاءً وارتباطاً في الداخل الدموي الحار. ثم ما الحياة بلا امرأة ؟ والحب ما هو إن لم تصنعه امرأة والشهوة الجسدية، والجنس والرحمة بين اثنين. في شعري وردت قصائد كثيرة على اسماء نساء والتأنيث مسألة جوهرية فيما كتبت. ثمة أطروحة ماجستير في الأدب العربي في الجامعة اللبنانية كلية الاداب أعدتها الطالبة ملاك مكي، حول المرأة في شعري. قلت لها أحصي أسماء النساء ورموزهن في القصائد، وحللي كل مقطع على حدة، وادخلي إلى أبعاده ومرجعياته. هناك نساء من الواقع ونساء من التاريخ ونساء من الاسطورة.
ll هل للشعر اّوان وينتهي؟
vv لنتفق أن الشعر معطى تاريخي. ولكنه يكاد يلامس معطى النصوص المقدسة. والنصوص الدينية من توراة وإنجيل وقرآن هي بالعرف السائد نصوص غير بشرية كلام الله. أما الشعر كلام الشعراء. لكن الشعراء زعموا في القديم سواء في الشعر الجاهلي أو في شعر اليونان القديمة أن كلامهم ليس لهم. بل مصدره السحر أو عبقر أو قوى غيبية غامضة. أول بيت في الالياذة مثلا هو بترجمة سليمان البستاني. «ربة الشعر عن أخيل بن فيلا خبرينا واروي حديثاً طويلا».
وحتى أيامنا هذه مع تطور المعارف والعلوم والنظريات الفلسفية والنقدية المنصبة على الشعر لا يمكن لأحد من الشعراء أو الدارسين أن يجزم من أين يصدر الشعر. فرويد و باشلار و رولاند بارت مثلا.التوحيدي والجاحظ والجرجاني وحازم القرطاجني لكل منهم افتراض في الشعر…. وهو مجرد افتراض لكن المؤكد أن الشعر تاريخي وقديم رافق الانسان من أيام الكهوف. حيث وجدت أشعار ورسوم محفورة على جدران ألتاميرا وسواها. وهو في طبائع القبائل البدائية كقبيلة الماوري في أمريكا الجنوبية حيث رقصاتهم مصحوبة بعبارات موقعة هي أقرب للشعر. لكن الشعر لم يكن له على امتداد المراحل التاريخية حتى اليوم الموقع نفسه والتقدير نفسه. وذلك مرتبط بظروف اجتماعية وفلسفية متغيرة. الثالوث الفلسفي اليوناني «سقراط، أفلاطون، و أرسطو» اعتبر الشعر والتصوير فعالية تقليد في أسفل المدينة التي يحكمها الفيلسوف «العقل». الاسلام الاول خفض من قيمة الشعر لكن في القرون الوسطى وفي عصر النهضة في أوروبا رد كل من نيتشه وهايدغر بالقول أن الشعر هو ابتكار جديد للوجود بالكلمات، لأن الشاعر سابق الفيلسوف. كذلك المتصوفة المسلمون صالحوا بين الشعر و القراَن… في العصر الاخير وبها جس فلسفي عبر عنه هيغل في 1832 قال أن الشعر مات وكذلك الفن لأنهما موضوعان في خدمة الفلسفة والفلسفة اكتملت فلا بد من تسريح الشعر إلى المكتبات والفن إلى المتحف..بالطبع. رد شعراء وفلاسفة على هذا الادعاء ومن بينهم بودلير وملارميه بأن الشعر ليس خادماً لشيء لا أخلاق ولا فلسفة بل هو خادم لنفسه. تسألني عن أوان الشعر أقول، الشعر مرتبط بالحياة هو نهر الحياة ذاتها. مرة يتدفق، مرة يخف، مرة يتفرع. لكنه يجري دائماً.
إسماعيل فقيه