سأحجّ الى لاسا / يتوجّبُ أنْ أبلغها مهما لاقيتُ من الأهوالِ / من الثلج يحط على القلبِ / من الأمطارِ تبللُ احشائي / من بردٍ يتهدّلُ فوق الأكتافِ طويلاً /
لا بدّ من الحجّ الى لاسا / ممتطياً صبري والحكمة/ ملتفعاً بالكلماتِ وما ردّده بوذا/ كالتبتيّينَ سأرحلُ / مُنْتَزَحاً عن ظلي ومكوثي في الربضِ / حبيسَ الغيضةِ والأفياء الكسلى/ سأحجّ الى لاسا / منتهباً الطرقاتِ/ وملتهماً الأنوارَ وما تتركه النجماتُ على التربةِ من مأكولاتٍ لي/ سأحجّ إذاً / مختصراً غضبي، سأمرّ بأجبالٍ وصرودٍ / سأمرّ ببلدات ونجودٍ / مرتفقاً المعنى الرابضَ في المجهولِ ومصطحباً جوعي المحجوبَ عن الرؤيا / كالتبتيّينَ سأبدو/ منتصباً في السيل الماثلِ للأقدار / الوجه شبيه بالأحجارِ ومتّسخٌ بالضوءِ/ في كفي خفٌّ خشبيٌّ وعلى صدري ملحفة من جلدٍ / سأحتّ بها الأرضَ / أحزّ صخوراً فيها وأحثّ العدمَ النائمَ فيَّ الى المسعى / هِمْلَ المبذلِ أتقدمُ / لا أرفو شيئاً حين الريح تمزّقُ اقمصتي، لا أقتاتُ بمسرايَ غير رؤىً / غير الطرخون طعاماً / ظلالُ الإسفندانِ تتوّجني / بُهلولاً يتكوّن من أوراقٍ وعساليجَ وفي حَدَقي / ثمرٌ يبصرُ ….. غبشاً أتقدّم في الدُّجْنِ / الخنَّسُ تحرسني / ابنة نعْشٍ ستضيءُ مصيري/ كالتبتيّينَ أنا سأكونُ / أقبّلُ صخراً / حين أهيمُ وألثمُ ماءً حين أصادفه في الحجِّ / البِدَعُ سأهملها: الخمرةَ أهجرها/ رِفْدي يغترفُ المأثرة النورية / أحملُ فوق الأكتاف الجدولَ، أحمل في الزوّادة حقلاً / غاباتٍ احملُ في صرّتِيَ الكتّانيةِ / النهرُ اطويهِ وأمشي/ البستانُ ألبسه كالفانيلا/ الجبلُ يساعدني/ كي أصعدَه/ يمدُّ المرتقيات اليّ سلالمَ /يمنحني الذروةَ/ قد لفّتْ بشريط الشفقِ كقالب حلوى / ولسوف امضي زحّافاً نحو نوالي / الجوزاءُ تسوق مخيّلتي / والشِّعرى تتأبطُ تجوالي / أشعثَ أتمايلُ / يتقدَّمني صوتي /رثاً شوقي في الآفاقِ يُدوّمُ / معتنقاً شَغَفاً ليس له حدٌّ لبلوغ هواه /ولاسا مرتَبَعٌ وهوىً وملاذٌ للمنتهلينَ من المسعى /
ساحجّ إذاً ومعي خِرَقٌ ستغطي حٌلمي والطاعمُ غسقٌ / سيهيّئُ لي خبزاً قزحياً وحساءً يُسْلسُه نجمٌ قطبيٌّ / لكن المِعدة شبعى بالهينمةِ الجوانيّةِ / سأرى في الحجِّ رؤى تتجرّحُ / أقداماً تتلاهثُ / أصواتاً تعرجُ وملامحَ غرثى / يرفدها ملكوتٌ أزرقُ / وأرى التُّبَّعَ والأوزاعَ وراء هدىً مرتقبٍ / في الترحال يجرّون الأوساقَ/ يجرون العربات الجوزية / فالأيدي ضربتها النعمى / والمأمولُ يرمّمه التاريخُ بضوع/ يتأتى من ماء مغموسٍ بروائح شتى / يمضونَ بلا بوصلةٍ / فالتعزيمُ هو الهادي/ والليلُ هو المُهدي عبر رموزٍ تتوامضُ/ ليس لهم خيلٌ وصهيلٌ، ليس لهم كرَفانٌ غجريٌّ/ يحمل موسيقاهم/ من نايات وكماناتٍ وأغانٍ تتعقّبُ في الأسفار الريحَ /
لهم هذي القدمُ العطشى للسير / لهم هذي الكفّ المبصرة الطرقاتِ / لهم جبهاتٌ جرحى من شدة تقبيل الأحجارِ وتقبيل العاصفة الرملية / من شدة القاء البوح على الشوكِ والقاء الأسئلة على الرؤيا والميتافيزيق الكامن في الغيمة والعَفَص البريِّ / ومن شدّة نوم الجبهةِ فوق حصى الغيهبِ / من شدّة القاء الصُّدْغَ على الأسلاك الشائكةِ/ القاء الحاجبَ والأهداب على الإعصارِ / ليجرفَه التيّارُ / همو يغتبطونَ إذا تاهوا في الحجّ وصار التيهُ لهم أردية / هم يبتدرونَ الى سُرُجٍ تكمن في داخلهمْ / يختلفون الى شُعَلٍ سقطت من قمرٍ موضوعٍ قرب حواجبهمْ / .
سأحجّ الى لاسا / في قدمي أحذية من ثلجٍ / أحضنُ في ممشايَ الكرة الأرضيةَ / أسهرُ في الظلماتِ / دُجنّاتٌ تشملني ببراقعَ / فتغطي جزءاً من صمتي ولساني المتحرّق للنورِ / أتهادى فوق تراب الجيولوجيا / أحمل جلداً صينياً وفؤاداً أستخدمه بالإيجار من التبتيّينَ / أرعاه لكي لا يتحطمَ في الأقدار ِوفي ترحالي اليوميِّ بعمق الوردةِ / في مسراي المتواصل في الذرات الصغرى / أسري منخطفاً بأنوثة ريشاتٍ / فالرّخْمُ يكون أنيسي في طيراني المنخفضِ وسط الجغرافيا / استمتع بحكايا صقرٍ للأرياحِ ، بأثقال النملة من تبن وقشور القمحِ/ أأنسُ لمرور الجُعلانِِ / أرحِّبُ بالضبِّ / تلوّحه الشمسُ وبالحدأة تتلوّن قدامي كعروسٍ/ افرح لعبور سحاباتٍ جنبي / لنجوم تلعق فروة رأسي / لشَمولٍ تشربني / للنسءِ يذيبُ الذكرى / للبستانِ يلطخني بالأخضر / للفيءِ يرطّبُ ظلي / انشرحُ لمرآى القصعينِ يراودُ ثوبي المرتوقِ بآس / المرفوِّ بشمرة شوّامٍ / المشمولِ بقطعة شامواةٍ دُبغَتْ بشموسِ التبتِ / انشرح للطيّونِ يلاطفُ ذاكرتي / للبقلة تطبعُ جسمي بأصابع حقل منسيٍّ / لصلالٍ تتأملني / اندهشُ لعشب يضحكُ / لشجيرات السماقِ تُسلّمُ بشرائط من زهَرٍ / للمحراث يغني الأغنية الأبدية عن خبز القرويينَ وعن مستقبله الذائبِ في جسد البشريةِ / اندهشُ للظبيِ يُحبّ / لخنفسةٍ لا تكرهُ / للبريةِ تضجع أقماراً/ وتحنّ الى الأظلالِ السَّمنى / لسُمانٍ مأهولٍ بالنسماتِ / أندهش لمرآى الرعد يبدّد ثروته في الآفاقِ / لصاعقة لا تتزوجُ غير الأشجارِ / الدهشة تتملكني حين أهجّ بأرض لا تعرفني / درّاجاً سأحجُّ / كتاب بوذيٌّ يتحكمُ في رؤيايَ / فيطربني الأبعدُ / حيث الأكملُ ينقصني / معرفة الشيهمِ تنقصني / ينقصني الإبحارُ الى الجهة الثانيةِ من الذاتِ ومن بحر يرسفُ في نفسي / ولذا كالدرّاجينَ التبتيّينَ سأدرجُ نحو المدرجِ في لاسا / سأصادفُ تجاراً نيباليّينَ / اتجروا بحريرٍ هنديٍّ ويواقيتَ / الثيرانُ اللحيانة مثقلة ستكون بعقيق وجمشتٍ ، أو أقطان من كشميرَ / الزهّادُ اشتجروا مع قرٍّ وجلديدٍ في هملايا / شربوا الأهوالَ بأكوازٍ من خشبٍ / حتى نقلتهم الأمراسُ المبرومة من هاويةٍ نحو الأخرى / وسط تراجيديا الأشتاءِ / البردُ يحطّ على الاكتافِ كطيرٍ أبيضَ / وهمو مؤتزرونَ بأنواءٍ جارحةٍ / منتعلون الحِندِسَ والبيْدَ ومعتمرون الزوبعة الثلجية /
حين يحطّ الليل وينشرُ اسمطة سوداءَ / أرى العبّادَ عليهم أزُرٌ وقفاطينُ من الجوخِ / دعاءٌ ينبثقُ كجدول نار ليضيءَ الأجساد النعسى / في كاتدرائياتِ رمالٍ / في أيقونات غبارٍ / ولكأنّ الواحدَ فيهم يتكهّفُ ليصيرَ هو المثوى / لكأنّ الواحدَ فيهم يتهضَّبُ ليصيرَ هو الأعلى / في الليلِ تصير الأوجه مثل أجاص ازرقَ / حيث الثلجُ الأكحلُ يلتفّ على القسماتِ /الهباتُ الماوية تطرق اعظمهمْ / نامت فوق الأحجار سرائرُهمْ / نامت حتى الخلجاتُ بداخلهمْ / فالمسعى سوف يطولُ الى لاسا ..
هاشم شفيق