لا أخفي أني في زمنٍ ما
كنت شغوفاً بالماء
وأحلم أن يأتي يوم يتملكني فيه
بيتٌ بالقرب من البحر
لأغسل في ماءِ البحر جراحاتي
ولكي أهدي بعضاً من حزني للأمواج
لكن الوقت مضى
والحلم تراجع
وانكمشتْ أحلامٌ أكبر من حلم البيت
على البحر
أحلامٌ في حجم الأرض
وكيف يعيش الناس عليها
فرحى سعداء.
j h j
قبل حديثي عن بيت لي
كنت حلمت بأن سيقام تجاه البحر،
أحدثكم عن نفسي الآن:
أنا إنسانٌ وصل الزهدُ به حدا ً
يجعله يستكثر كيف يكون له قبرٌ
لينام عليه إذا جاء الموت
ومن حول القبر ملايين الناس الأحياء
وهم أطيب منه كثيراً
لا يجدون على الأرض مكاناً
يشبه هذا القبر ليأوون إليه
من الحر
ومن القرّ
ومن نظرات ساخرةٍ لرجالٍ يتلهون
بسياراتٍ فارهةٍ
تدهس أحلام البسطاءْ.
j h j
أتخيل بيتاً لي بالقرب من البحر
سأبنيه من خشب الأبنوس
وأدفن جزءاً منه عميقاً في الأرض
فإن هبت عاصفةٌ أو ريحٌ
لن يقتلعاه،
ولا يغدو قرباناً للبحر
سأجلس عند النافذة الغربية
أشرب ماءً مغلياً بالنعناع
وأقظم قطعةَ خبزٍ ناشفةٍ
وأحدّق في سرب طيورٍ جائعةٍ
تنشد حصتها من مائدة البحر
المفتوحة للإنسان وللحيوان وللطير ،
ما أوسع قلب البحر
وما أضيق قلب الإنسان .
j h j
أتخيل نفسي
أجلس في بيتي المنصوب
تجاه البحر
وأتابع وشوشةَ المدّ مع الليل
ووشوشةَ الجَزْرِ مع الصبح
أرى أمواجاً تعلو
تتلوها أمواجٌ تهبط
وأقول لنفسي :
هذا شأن الدنيا
البحرُ هو الدنيا
والناسُ هم البحر .
j h j
لا أقرأ شيئاً في حضرتهِ
فهو كتابٌ مفتوح عن هذا الكون
وعن أكوانٍ طازجةٍ أخرى
حين تكون هنا مثلي
بالقرب من البحر
حاول أن لا تشغل عينيك
بغير البحر
ولا تشغل أذنيك سوى
بأغانٍ قادمةٍ من أغوار البحر
فلا أجمل من وجه البحر
ولا أعذب من موسيقى تعزفها
عند غروب الشمس الأمواج .
j h j
أتخيل – مازلت-
بأني أسكن بالقرب من البحر
وفي حافته الغرقى بالطين المالح
تتمشى قدماي إذا جاء الصبح ،
تسيران على شاطئه حين يجيء الليل
أنا رجلٌ محظوظٌ
أخلع نظاراتي كل مساءٍ وأصيد نجوم سماء الله
– جميع نجوم سماء الله –
وأنظر للقمر التائه في الأفق
أراه قريباً مني يسألني :
ماذا تفعل ؟
أسأله ماذا يفعل ؟
هو منسيٌ في صحراء الليل وحيدْ !
وأنا منسيٌ في صحراء الحزن وحيدْ !
j h j
البحر حنونٌ وأليفٌ
لا يغضب ..
يرميه الناس بأطنان اللعنات
وأطنان القاذورات
فلا يمسح – من غيظٍ – ضوءَ البسمة
تبقى عالقة في شفتيه وفي عينيهِ
وينصت قلبي لصلاة تتنزل
من كل جهات العالم :
من أين لنا ناسٌ كالبحر
إذا نالت منهم أحجارُ الكلمات
ابتسموا
ومضوا للبحث عن الأسباب
وجاءوا كي يغتسلوا في ماء البحرْ.
—————
عبدالعزيز المقالح