فى كتابه الصغير عن بروست ، يقول صمويل بيكيت:
ان قوانين الذاكرة خاضعة لقوانين العادة الاكثر عمومية..
والعادة ما هى إلا تسوية تتم بين الفرد ومحيطه ، أو بين الفرد وشذوذاته العضوية، وهى ضمان لمقدسى يعوزه البريق الذى هو الدليل الساطع على وجوده ، إن العادة هى الثقالة التى تقيد الكلب الى قيئه ".
ولكن فى الذاكرة الروائية البروستية، وفقا لبيكيت هناك انقطاعات فى قانون العادة "عندما يتم للحظة استبدالى ضجر العيش بمعاناة الوجود" وفى لحظات كهذه تخرق المعاناة الوجودية "شاشة" الذاكرة والاعتيادية و"تفتح نافذة على الحقيقى.." هذه الملاحظات يمكن تطبيقها ايضا على كتابات جان جينيه ، وعلى الاخص من خلال المشهد الرئيسى لولادته الثانية ككاتب كما يتذكرها هو على الرغم من أن كتاباته تنطوى على قدر من الفانتازيا اكثر مما تحتويه من ذاكرة مستعادة بغرض الانبعاث الذاتى.
لقد كتب جينيه رواياته الاولى فى زنزانة، فيما يشبه "التسوية الناقصة الأونانية بين الفرد ومحيطه " ومن خلال عادة اداته فى الكتابة "وفى امور غيرها" قام جينيه، بقذف معاناته وشذوذاته الجنسية على الورق مفتتحا بذلك نافذة تخيلية على الحقيقى بداخله ، وحتى لو كانت هذه الأونانية "عدم بلوغ الذروة" التى يتذكرها جينيه على انها اصل رواياته مجرد ذاكرة ملفقة او استعارة فإن النرجسية الاونانية "العاجزة عن بلوغ الذروة" لاسلوبه فى الكتابة تظل واضحة وهذا يدعونا الى التساؤل عما اذا كان جينيه قد كتب ما كتب لكى يقرأه احد أخر غير نفسه ؟ يقول بتاى مختلفا مع سارتر الذى يحيط "القديس جينيه " بهالة من القداسة: (1)
فى الواقع ، لا يوجد اتصال بين جينيه والقارىء.. وعلى الرغم من ان سارتر يعتبر عمله هذا صحيحا… إلا ان جينيه ، وفقا لسارتر قد جعل من ذاته مقدسة عن طريق القارىء… وهذا يقوده الى التأكيد على ان الشاعر انما يسعى لكى يعترف به من قبل جمهور هو لا يعترف به اصلا لكن "وفقا لبتاى" فإن العملية التقديسية او الشعرية انما هى اتصال أو لا شىء.
اذا كان جينيه قد كتب اصلا لنفسه وحسب فهو لابد قد تخيل قارئا واحدا على الاقل فى الواقع ، سيكون الغرض الوحيد لكتابته عندئذ هو ان يقرأها بنفسه وان يعيد قراءة ذاته وتخيلاته ، كما يعيد تخيل ذاته من خلال فنتازياته المكتوبة، على الاقل كان جينيه يتواصل "ويتوق الى التواصل " مع ذاته ،ولكن تلك "الذات " كانت تمثل آنذاك جينيه – القارىء -الخارجى والمستقبلي وكان جينيه – الكاتب – يراودها من اجل تواصل وصلة حميمة محتملين هذا الانشطار بين لحظات الكتابة ولحظات القراءة، وبين جينيه الكاتب وجينيه القارىء،يكشف عن انشطارات اخرى بين تلك اللحظات "الذاوت اللحظية المتكررة" وبين لحظة الذات المتخيلة، جميع هذه الشخصيات الجينية "نسبة الى جان جينيه " الثلاث والانشطارات فيما بينها، تكمن فى تلك اللحظة التى تخترق فيها "معاناة الوجود"، "ضجر العيش " وسكنى السجن ان ذاتية جينية الثلاثية ككاتب وقارىء وحالم يقظة توضح كلا من وعيه المعتقل وغربة ذلك الوعى عن ذاته "ذات الوعى"… فى التوق الى الأخر وتوق ذلك الأخر ذاته.
هذا الوضع لايختلف كثيرا عن وضع اى كاتب وحالم وناقد ذاتى مجهول يحاول ان يكون مقروءا من قبل الآخرين… سوى ان جينيه كان مسجونا.خلف جدران حقيقية واكثر صلادة من العادة ومن رغبة الكاتب فى التواصل مع ذلك فنحن جميعا "كتاب وغير كتاب " مشكلون كذاوت منشطرة طبقا لما يقوله جاك لاكان "تأسيسا على الانا الفرويدية المنشطرة". "ما اخبركم به أنا لا كان مقتفيا فى ذلك خطى الاحافير الفرويدية،هو ان ذاتا كتلك ، غير يقينية لانها منشطرة بتأثيرات اللغة… إنالذات دائما ما تدرك نفسها أكثر فى الأخر لكنها فى الوقت نفسه ، تسعى هناك الى ما هو اكثر من نصف ذاتها، فالذات هى كذلك فقط لانها تخضع لمجال الأخر… وهذا هو السبب فى ان الذات ينبغى ان تخرج… ان تضع نفسها خارجا..( 2)
لقد وضع جينيه نفسه خارجا بالفعل -ان كان السجن هو المقصود – وذلك عن طريق الكتابة وقراءته من قبل الأخر الموجود خارج اسوار السجن "وعلى الاخص سارتر وكوكتو".
ان سعيه من اجل ما هو اكثر من نصف ذاته فى شخصياته المقذوفة خارجا بشكل غير مكتمل "الاخرون المتخيلون من قبله " قد أنتج فى المحصلة الاخيرة جمهورا حقيقيا ربما اكبر مما قد حلم به قط وحينما اتجه جينيه نحو الكتابة للمسرح ،جسد ممثلون حقيقيون يشاهدهم جمهور آخر حقيقى،شخصيات الآخرين المتخيلة من قبله ، عندها امتدت ذاتية جينيه الانشطارية كحالم وكاتب وقارىء اكثر فأكثر الى/ وفى خضوع "لمجال الآخر" والى حد ما، قام مخرجون وممثلون ومصممو ازياء ومهندسو اضاءة وديكور وفنيون بالاضافة الى الجمهور الليلى "ولايزالون " باعادة تخيل واعادة صياغة مسرحياته على خشبة المسرح العمومى "الحى" كما كان يفعل القراء الحقيقيون لرواياتهم وهم فى عزلة، وهكذا قادت الممرات المسرحية التى تشق مقاعد المتفرجين الى مدخل جينيه الكاتب المسرحى الجديد والممتد "رغم عدم اكتماله ".
وبناء على ما يقول هيربرت بلو، وهو مخرج امريكى اخرج مسرحية الشرفة فإن:
"مسرح جينيه يداعب ارتياب الممثل ويجعل من تجربة الانتهاك والاغتصاب الحدث الرئيسى فى المسرحية… إن الممثل يقاوم سيناريوهه "جينيه " وهو ما ينبغى له فعله والمسرحية تكتسب كثافة المعنى من بتشيع شكاوى الممثل الطبيعية".
فى انتاج بلو، تم استنفاد معنى الانتهاك والمقاومة فى المسرحية بين الممثلين والنص ، وبين الممثلين وشخصياتهم ثم بين الممثل / الشخصية وجمهور المسرح.
"كانت مهمتهم العثور على الذات فى انسجام خضوعهم..وكممثلين كانوا سيستغلون التوقعات التلصصية الشهوية التى يمكن ان يشعروا بوجودها لدى المتفرجين ".
ينبغى على ممثلى مسرحيات جينيه "اى مسرحية" ان يبحثوا عن ذات عن شخصية يصورونها على الخشبة الامامية اذ على الرغم من ان فكرتهم وفكرة المتفرجين عمن يكونون فى أية لحظة لاتكونان متطابقتين إلا انهم دائما ما يكونون فى تدفق حواري اثناء الاداء.
ان علاقة الممثل – المتفرج بالمسرح تعكس ذاتية جينيه الثلاثية فى كلا الاتجاهين: فالمتفرج يقرأ، يحلم ، و"يعيد"كتابة الشخصية التى يقدمها الممثل على خشبة المسرح الامامية فى نفس الوقت الذى يقوم خلاله الممثل بقراءة، وتخيل ،والاستجابة "للتوقعات التلصصية الفضولية" التى تبدر عن المتفرجين. ان الممثلين وعلى الخصوص فى مسرحيات جينية يقومون بتخيل شخصياتهم ويعيدون كتابتها "تمثيلها" باستمرار على الخشبة الامامية عن طريق قراءة ردود افعال مشاهديهم "وزملائهم الممثلين " اما المتفرجون فيحلمون بالمسرحية مثل "جينيه الاونانى " حيث يدركون بأن الاداء يغيرها بالفعل فى داخلهم وفى تأثيرهم على الممثلين "مثل جينيه الكاتب " ان هذه الفجوة المتفاعلة بين خشبة المسرح والمقاعد انما تعكس الفجوة التى بين جينيه وشخصياته المكتوبة كما انها توضح التشظيات داخل جينيه نفسه المسقطة من خلال الأخرين المتخيلين من قبله ، بحيث تعكسه وتخضعه لحظة يحلم بهم ، ويكتبهم ويعيد قراءتهم (كما يحلم ويكتب ويعيد قراءة ذاته هو) وهكذا فقد كانت كتابته للمسرح تدرك وتضخم ذاته المنشطرة.
لقد بدأ جينيه حياته كطفل لقيط لعاهره ، وكمنبوذ من المجتمع لم يكتسب فكرته عن الذات إلا عبر الجريمة… وعبر استيلاد ذاتى عنيف ، كما يشرح ذلك ايهاب حسن:
المنبوذ لا يرفض المجتمع فحسب ، ولكن ايضا كل نظام للاشياء انه يعمل ضد الطبيعة، ويبتكر جنسه وذاته ، من اجل ان يقطع كل الروابط التى تربطه بالكون.
مع ذلك فإن هذا الرفض هو وسيلة لاستغلال القوانين المرفوضة فى المجتمع والطبيعة من اجل صقل هوية المنبوذ الخاصة، ان الروابط فى الواقع لاتقطع ابدا، بل انها على العكس تشتد احكاما، فالمجرم يبنى على نحو مزعوم ما تتكىء عليه هويته "كخارج على القانون " ويتملص بشكل مؤقت ، من القانون لكى يؤكده ولكن هذا الوضع فى النهاية يؤول به لان يصبح تحت بصر وقبضة القانون بشكل اكبر… كسجين ان متكئه الذاتى يسعى به الى قضبان الزنزانة، انه بحاجة لان يلقى القبض عليه لكى يثبت انه (خارج على القانون).
فى نهاية مسرحية جينيه الاولى"الاولى كتابة وليس تمثيلا" "حرس الموت " يرتكب لوفرانك جريمة قتل فى زنزانة السجن من اجل الأخر الذى يحرسه يراقبه غرين أيز والمتفرجين ان هذا الفعل هو عطاء حب لمثال ذات "القاتل " لوفرانك الذى يمثله غرين أيز، ومع ان الفعل يخفق فى توحيد ذات لوفرانك المثالية بمثال ذاته فانه اى الفعل لا يعيده الى معايشة مرحلة المرأة الذى يتسم بالاستحالة رغم التوق الدائم اليه ، على العكس من ذلك يثبت الفعل ان لوفرانك مخادع (كما يخبره غرين أيز) وان تلك لا تزال هويته على الرغم من ذلك بل واكثر من ذلك بسبب من تصرفه الجديد وحين يصل الحارس ، ينظر شزرا الى غرين أيز… فى اخراج جينيه للمسرحية، ملمحا الى ان القاتل المعروف وحده غرين ايز، سوف يعتقد بأنه القاتل الجديد، وحتى اذا ما ادعى لوفرانك انه المسؤول عن جريمة القتل فسوف يعتقد عندئذ بأنه مجرد مخادع.
وهكذا يجد المتفرجون الصامتون أنفسهم وقد وضعوا فى موقف قانونى بالغ حد الازمة رغم عجزه لقد شاهدوا الحقيقة التى اخطأها الحارس كما انهم أيضا يرون هويات المجرمين وقد اشتبكت واختلطت فى ادائهم لادوار شخصياتهم الخاصة..
ولو ان غرين آيز قد ارتكب جريمة القتل ، فإن ذلك سيكون طبيعيا ورائعا كما فى الماضى الميثولوجى، ولكن لوفرانك فى محاولته محاكاة عظمة غرين أيز يرتكب جريمة قتل مخادعة لانه ليس قاتلا، إن جريمة قتل موريس تنجح وتخفق كفعل رمزى فى ذات الوقت: فهى الجريمة تخفق فى تأمين هوية جديدة ومتعالية للوفرانك لكنها الجريمة ايضا تنجح فى البرهنة على عظمة الأخر الذى تتشكل فيه ذاتية لوفرانك ورغبته وهما تحديق غرين أيز ومرآته.
المتشرد أيضا مصبوب فى دور المنبوذ وفى طبقته المنغلقة ان ثورة جينيه الاونانية "غير المكتملة" فى الكتابة قد اكسبته هوية جديدة كروائى مسرحى وحررته من جدران السجن ولكنها اخضعته أيضا بكلا المعنيين اللاكانيين لقانون الاسم – وغياب الاب.
وبخلاف لوفرانك ، يغير جينيه اسلوب كيفية وجوده فى العالم الى حد ما لكنه لاينجو أبدا من مشنقة اللغة، ان عليه ان يستمر فى التقيؤ وفى شنق نفسه على مصطبة شخصياته المخلوقة بشكل ناقص الاشباع ، وفى تأكيد هويته الجديدة بأن "يلقى القبض عليه " على خشبة المسرح الامامية وبين حروف الطباعة، هذا ما يجب عليه وهذا كل ما فى الامر، حتى يتوقف بعد ثلاث عشرة سنة فقط من اطلاق سراحه من السجن يتم طبع أخر مسرحيات جينيه ربما كان احد الاسباب ، ان امتداد ذاتيته المنشطرة قد ازداد مع كل مسرحية تالية.
فمن "حرس الموت " وعبرا" الخادمات " ومنها الى "الشرفة" وسع جينيه من اطار وموضوع مسرحياته بل اكثر من ذلك وفيما يتعلق بمسرحيتي السود والستائر كانت انعكاسات شخصية جبنيه المتخيلة تتخذ شكل وجوه سوداء بأقنعة بيضاء وتواريخ ثم تنتقل الى هويات وقضايا واقدار عربية.
فى مقابلة اجراها معه روريجر فيشنبارت عام 1984 سئل جينيه عن علاقته بالفهود السود ومنظمة التحرير الفلسطينية(3) وعن سر انجذابه الى مثل تلك الجماعات ، فكانت اجابته (بعد الاشارة الى بروست).
""كنت فى الثلاثين حين بدأت الكتابة وكنت فى الرابعة أو الخامسة والثلاثين حين توقفت عن الكتابة كان الامر حلما حلم يقظة على الاقل ، كتبت فى السجن وحين خرجت كنت ضائعا لقد وجدت نفسى حقا… وجدت طريقى هنا فى العالم الحقيقى.. فقط فى هاتين الحركتين الثوريتين الفهود السود والفلسطينيين كان ذلك عندما خضعت للعالم الحقيقى لقد تصرفت وفق شروط العالم الحقيقى وليس وفق عالم الكلمات ".
ولكن بعد جملتين يعترف جينيه كذلك بقوله ان الاحلام حقيقية وبالمصطلح اللاكانى فإن العالم الخارجى، عالم الاشياء والتجارب الحقيقى والعالم الداخلي عالم الاحلام واحلام اليقظة المتخيل مرتبطان معا عبر عالم البنى اللغوى الرمزى(4) ولكن هناك ايضا عالما حقيقيا بالداخل هو ما يطلق عليه اللاواعى كما يوجد عالما حقيقيا فى الخارج الاحلام حقيقية كالمسرحيات لان لها معنى ولانها دائما ممكنة التفسير عبر الرمزى الذى يشير الى عالم لاواعى حقيقى، لذا فإن عالم احلام الكتابة المتخيل لدى جينيه ، الذى يبدو انه سيشجبه فى نهاية حياته يربط بواسطة الرمزى ما بين الحقيقى فى داخله والعالم الحقيقى الخارج عنه وذلك من خلال كتاباته التى تنشر وتمثل على المسرح (5).
على كل حال فإن مسرحيات جينيه بتحولها الى حقيقية فى الفضاء الخارج عنه فقد اضحت كذلك اكثر ضياعا ونأيا عنه.
ان رحلة جينيه المأساوية من كاتب اونانىOnanistic وعبر تدرجه الى مسرحيات اكثر اجتماعية ثم انتقاله الى الانا المثالية ،"للغوريلا المثقفة" عنوان مقابلته مع فيشنبارت ، ويقصد به جينيه ذاته ، تعرض اخفاقا متصلا وحتميا فى الوصول الى الحقيقى.. وفى الربط مباشرة بين الحقيقى المضمر بداخله والحقيقى فى العالم الخارج عنه ، ذلك لان الحقيقى وفقا للمصطلح اللاكانى دائما ما يتم التوصل اليه عن طريق الرمزى والمتخيل اى انه دائما بعيد المنال (6) ويبدو جينيه وكأنه يقترح ذلك بنفسه "بشكل غير مباشر" فى نهاية مقابلته مع فيشنبارت اذ يقول انه سوف يخون الفلسطينيين حالما يؤسسون انفسهم اى عندما يصبحون اكثر حقيقية واقل رمزية ويسأله فيشنبارت عما اذا كانت تلك العبارة مجرد تلميح ساخر فيصر جينيه على انها عبارة "صادقة" ولكنه بضيف قائلا:
انا صادق فقط مع نفسى وحالما ابدأ الحديث ، يبدأ الوضع بخيانتى يخوننى الشخص الذى يصغى الى.. حتى اختياري للكلمات يخوننى.
ان حساسية جينيه البالغة تجاه الانشطار فى الذاتية الانسانية والفجوات بين المتخيل الشخصى ورمزية التعبير اللغوى وكذلك رمزية بنية الذات "وبين الحقيقى الموجود فى الخارج " وفى داخله ، رغم وجوده دائما على مبعدة منه تدل على سبب عظمته ككاتب كما انها ايضا سبب للقصر المؤلم لحياته الكتابية.
ووفقا لايهاب حسن فإن جينيه ينسف كل فرضيات الوجود، انه يسبر اغوار الوعى المضاد وبهذا المعنى ايضا فإن كلمات جينيه المقتطفة اعلاه تشاطر لاكان فى تفكيكه الصامت للفكرة الفرويدية الجديدة المتعلقة بمبدأ للواقع ، كما يشرحه ايلى رغلاند – سوليفان – ان مسرحيات جينيه ، بترتيب كتابته لها،توجه تفكيكها اكثر فأكثر نحو مبدأ ا"او مبادىء" واقعية المجتمع… واساطيره… ان مسرحيته الثانية "الخادمات " (7) تنتهى هى الاخرى بجريمة قتل لكنها هذه المرة عبارة عن لعب طقوس لجريمة قتل السيد المدام حتى النهاية بواسطة العبيد الخادمات ومع ذلك ، فإنها ليست مجرد تعبير عن حقد عبد يتغلب على قوة سيده ، كما فى الدراسات الرمزية النموذجية الهيجيلية لدى نيتشه (8) وماركس ، ولكنها كذلك عبارة عن طقس تدمير ذاتى حيث تتبادل الخادمات اعادة اللعب واعادة توجيه حقدهن الاجرامى نحو بعضهن البعض ومن الواضح ان المدام نفسها تنجو من ذلك.
ان جينيه الكاتب المسرحى المنبوذ لايصور نضالا لوكاشيا ظافرا لابطال بروليتاريين ، لكنه بالاحرى يصور حقدا محكوما عليه بالاخفاق ، يرتد الى الداخل: بين الخادمات وفى داخلهن انهن واقعات فى شرك عملهن / وموقفهن وادوارهن تماما بقدر مايتعرض له سجناء مسرحية "حرس الموت " انهن يستنفذن قتلهن المتخيل والرمزى للمدام فيما بينهن: من الأخر فى الأخر والاخر فى ذاته هذا هو انتصارهن الوحيد، لذا فإن جينيه يفض بوضوح كلا من مبدأ الواقع للوضع الاجتماعى الرأسمالي /الارستقراطى وذلك الذى للبروليتاريا الماركسية.
على كل حال فإن جينيه لايدمر المبادىء الواقعية للرأسمالية والماركسية فحسب ولكنه كذلك (يزيح وعلاوة على ذلك يستبدل) قمة التركيب البنيوى النفسى لنظرية فرويد، وبينما يقوم لاكان بشطر الأنا العليا Uber-ich بين الهو او الهذا Mio التماثلية المقموعة بها وبين الانا Je الاجتماعية المشكلة هكذا فإن خادمات جينيه ، وبطريقة درامية أوديبية ومسرحيه متوازية يقمن بقتل اناهن العليا بالقتل الطقوسى للمدام ثم يوزعنها (المدام) فيما بينهن لكنهن ايضا يكررن… مع كل اداء حقيقى فى المسرحي ومع الطقس المتخيل المؤدى داخلها.. عملية انبعاث أو اعادة انتصاب الدال القضيبي ، لها أذ انها المدام موجودة داخل كل واحدة منهن هكذا تسبر مسرحيه الخادمات الوعى المضاد بفضح قانون وقوانين الضمير المضاد.
وطبقا لقراءة رجلاند سوليفان للاكان فإن "ما يتبقى من نمو طفل ما هو المتخيل الذى يؤكد نفسه فى حياة الانسان البالغ فيما يتعلق بتعاقدات وتحالفات وقوانين نظام الرمزى،بيد ان المتخيل يميل الى تخريب هذه القوانين ، سواء من خلال التهكم غير الضار أو الاعمال الاجرامية" ان لعب الاطفال المتخيل بشكل مهيمن يتطور هو ايضا الى متخيل البالغين المسرحى التأكيدى والجاد، الذى غالبا ما يثور ضد بل ويحاول ان يخرب قوانين المجتمع وتمثلاته الرمزية، علاوة على ذلك فإن مسرحيات جينيه تثور ضد ثوراتها ذاتها وتمعن تخريبا فى تخريباتها ذاتها، وبهذا تقارب ولكنها لاتصل ابدا الحقيقى الكائن فيما وراء نطاقها.
يستنفد زبائن مبغى مدام ايرما الطفوليين فى مسرحية الشرفة فانتازياتهم المتخيلة على خشبة المسرح الامامية فى الغرف العديدة يبدو الديكور ظاهرا للعيان ، بينما يسمع فى الجزء المخفى عن انظار المتفرجين ضجيج ثورة حقيقية او اكثر حقيقية بين الفينة والاخرى.
فهل ستقوم تلك الثورة الحقيقية او الاكثر حقيقية الدائرة خارج المبغى بتخريب متخيل المبغى المخرب أساسا؟ وهل العنف المتخيل ضمن المبغى ذاته مع احتمالاته الخاصة بالحقيقة هو ثورة ضد الخارج الحقيقى؟ ان العنف المتخيل داخلى المبغى والعنف الحقيقى او الاكثر حقيقية فى الخارج، والذى تؤكده دلالات صوتية هى نيران مدفع رشاش نسمعها ضمن المسرحية… هذان الشكلان من العنف يضاهيان اجتماعا عاصفا وعنيفا فيما تتطور أحداث المسرحية بشكل مشوق ، غير ان جدران مبغى الشرفة الكبيرة التى تصد الثورة الخارجية الحقيقية او الاكثر حقيقية تنطوى ايضا على ما يلي: العيون الحقيقية لمتفرجى المسرح الذين هم هناك فى الخارج وهى ترقب ما يجرى فى الظلمة من الجانب الآخر للحائط الرابع بين خشبة المسرح والمقاعد.
تقع الانحرافات العنيفة المتخيلة/ والرمزية فى مسرحية الشرفة امام مجموعة من المرايا مرايا خشبة المسرح الامامية الواقعية كما وصفها جينيه فى توجيهاته والمرايا المتمثلة فى عيون الممثل الآخر والعيون المرآوية للمتفرجين فعلى سبيل المثال يتأرجح الاسقف زبون المبغى الذى يرتدى ثياب اسقف على شفير لذة شبيهة بمرحلة المرآة والمرحلة القضيبية وذات هوية تنكرية اولا فى عيون المرأة المعترفة امامه خليلته وثانيا فى المرأة الحقيقية المثبتة على خشبة المسرح الامامية لكنه بعد نزع ثياب الاسقف عنه عند نهاية المشهد الاول يوجه نظره الى الاسفل الى ذاته المتخيلة /الرمزية وهى فى الثياب التنكرية المتكومة على الارض محاولا مرة اخرى ان يلتحق بأناه الخارجية، أناه الاجتماعية "Moi اللاكانية" بإحساسه الباطنى لمعنى Moi " My self اللاكانية" حتى ولو كانت الفجوة بينهما الأن وبسبب ذلك واضحة جدا.
"أيتها الزينات وأيتها الزخارف من خلالك انما اعود للدخول فى ذاتى انى اعود مرة اخرى الى اقتحام مملكة ما.. انى اضع ذاتى فى ارض جرداء حيث يغدو الانتحار ممكنا أخر الامر.. وهنا هأنذا اقف وجها لوجه مع موتى".
وفى مرآة ثيابه الملقاة على الارض يلمح الاسقف.. او بالاحرى الذاتMoi التى كانت بداخل الزى الفجوة بين المتخيل والرمزى وهو يواجه صورة ذاته – الموت "Mio – death" التى ستوحد فى النهاية بين الذات والانا "Moi and je " كشكل رمزى.
القاضى: بدوره يتأرجح على شفير لذة فى صورة المرأة الخاصة "بجلاده " القواد آرثر الذى يضرب اللصة / العاهرة بناء على اوامر القاضى، ومع ذلك فإنه يلمح الفجوة بين المتخيل والحقيقى والكلمة الرمزية.
"القاضى: انا مسرور بك ايها الجلاد جبل عبقري من اللحم ، وكتلة ضخمة من لحم البقر تتحرك بكلمة منى! (يتظاهر أنه ينظر إلى نفسه في شخص الجلاد) مرآة تلك التي تمجدني ! صورة أستطيع لمسها، والله أني لأحبك (يلمسه).
هل أنت هناك ؟إ. والزبون الذي يؤدي دور جنرال في المبغى،هو أيضا مستثار قضيبيا كالأسقف والقاضي ، بواسطة احتمالية وجود رمزى نقى واجوف ففى غرفته فى المبغى يمتطى "الجنرال " فرسا متخيلا خليلته حتى الموت وهكذا كما تصف هى ذلك بكلماتها فإن الامة ستبكى ذلك البطل العظيم الذى مات فى معركة".
على كل حال فإن البطل الحقيقى او الاكثر حقيقية هو قائد الشرطة الذى يحقق بطولته بإخماد الثورة الحقيقية المفترضة والمندلعة خارج المبغى.. ولكن حتى قائد الشرطة البطولى بحاجة الى ثورة اخرى والى انحراف ماخوري جديد خاص به هو، لكى يحدد مكانه الرمزى ضمن اطار ذلك المبغى، ولكى يجسر الفجوة القائمة بين متخيل المبغى والحقيقى فى الخارج فبعد سحق الثورة الخارجية يراقب قائد الشرطة قائد الثورة السابق روجر وهو يقوم بدور متخيل كقائد شرطة فى احدى غرف المبغى. ان القائد الحقيقى وهو يراقب ، يأمل فى ان يمنحه هذا المشهد الانحلالى الذى يجرى فى المبغى او بالاحرى صورة ذلك المشهد وضعا رمزيا دائما كواحد من ادوار المبغى الذى يعاد تمثيله مرة تلو الاخرى.
لكن روجر الذى ما يزال هو الثائر، يحرف الانحراف ذاته عن طريق اخصاء نفسه اثناء قيامه بدور قائدالشرطة، وعلاوة على ذلك فإن العنف الحقيقى "المفترض " لثورة روجر الاخرى يتوجه نحو القصد المتخيل /الرمزى لقائد الشرطة الذى اعلن فى بداية المسرحية (من اجل الظهور فى شكل قضيب عملاق اير ذى مكانة عظيمة)، وعلى كل حال فإن على قائد الشرطة ان ينتظر كما يفترض الفى عام لكى يتمخض قضيب روجر المخصى عن بطل رمزى جديد فى صورة قائد الشرطة وهكذا ففى النهاية يغادر قائد الشرطة الى داخل فريح المبغى المتخيل لكى ينتظر متعته بالقيامة الرمزية.
تمر مدام ايرما بتجربة متعة مزدوجة فى مسرحية الشرفة… الاولى باعتبارها سيدة مبغى الشرفة الكبرى من خلال العيون – المرأة لمعاونتها المدعوة كارمن والاخرى فيما بعد، باعتبارها الملكة الجديدة حين تتمدد الشرفة الكبرى وتبتلع الحقيقى فى الخارج بعد اخماد الثورة هناك اى فيما وراء الخشبة. هذا التمدد فى مملكة الشرفة الكبرى المتخيلة الرمزية يتم تصويره فى الاخراج المسرحى للمشهد الثامن باخراج الديكورات الى خارج المبنى المشهد هو الشرفة ذاتها التى تبرز الى ما وراء المظهر الكاذب للمبغى" فى المشهد التالي التاسع وهو أخر مشاهد المسرحية يعتقد الاشخاص المتوجون لتوهم من قبل المبغى "وهم الاسقف والقاضى والجنرال " انهم لابد قد ابدعوا نظاما اجتماعيا جديدا ابتكروا حياة كاملة كما يقول الجنرال ولكنهم على العكس من ذلك يرممون ويجسدون النظام الرمزى القديم الذي كانوا قد خربوه فى مشاهدهم الماخورية المتخيلة ان صورهم الرمزية العمومية حاليا يؤكدها مصوروهم الذين يصرون على الاوضاع التقليدية إلا عودة الى النظام وعودة الى الكلاسيكية.
على كل حال ، ان يكون المرء رمزا جماهيريا فإن ذلك يفسد المتعة المنحرفة السابقة لنفس تلك الادوار المتخيلة الاسقف والقاضى والجنرال حتى حين كانوا يهددون بأن يثوروا هم انفسهم ضد قائد الشرطة لكن عندئذ يعود التهديد الخارجى الاعظم بالثورة ملقيا بظلاله على انتفاضتهم الصغيرة، ويدرك قائد الشرطة والملكة ايرما بأن اغتيال الاسقف للمومس شانتال التى كانت تعمل سابقا لدى ايرما والتى اعيد استئجارها من قبل الثوار لتكون مغنيتهم وعلامتهم للبطولة قد اخفق فى جعل شانتال رمزا مضمونا "قديسة" للنظام المعاد ترميمه على كل حال فإن هذا التهديد الجديد بالعنف سيغدو امل قائد الشرطة فى مقام رمزى قبل اخصاء روجر لنفسه مستثارا بكلمات الاسقف والجنرال فوفقا لرأيهما، كان الناس قد ارتجفوا بعنف شديد وهم الآن يفقدون كل امل وسينهارون يسقطون مثل نرسيسوس الى داخل اعماق فكرة قائد الشرطة عن نظام رمزي فيملأونه ""قائد الشرطة" كما يفعل القضيب بأجسادهم الغارقة ولكن كما اسلفت للتو فإن تخريب روجر لصورته المتمردة وذلك بتقليده عدوه قائد الشرطة يصبح انحرافا اكثر تخريبا عن تصور قائد الشرطة للبطل وذلك من خلال قيام روجر بإخصائه لنفسه ، علاوة على ذلك فإن هذا يفيد فى عملية الفصل بين الرمز القضيبي والصورة الملموسة لقائد الشرطة ""كبطل " كما تنبأ بها هو نفسه قبل مدة طويلة من اعرابه عن رغبته فى الظهور كقضيب…
سأجعل صورتى تحرر ذاتها منى سأجعلها تخترق استوديوهاتكم وتشق طريقها الى الداخل فتنعكس وتتضاعف. وهكذا فإن نظام المدام /الملكة ايرما الماخوري الرمزى يعاد هنا تأكيد تتويجه… وبالتحديد من خلال العنف الثورى الشديد الذى يفترض انه يحاول الاطاحة به ، ان حقيقة الثورة التى فى الخارج يماط اللثام عنها لانها نفسها مخربة من قبل القوة المتخيلة /الرمزية الموجودة ضمن المبغى وبواسطة الرغبة فى الثورة التى هى كذلك مطلب لمجمل النظام الاجتماعى ربما كانت الثورة الخارجية دائما مجرد غرفة اخرى من غرف المبغى.
فى مركز مبغى الشرفة الكبرى التى وضعت في مقدمة خشبة المسرح انما تكمن القدرة التلصصية والعيون – المرآة لنظارة المسرح الحقيقيين الذين اجلسوا خلف المرآة التى يراقبون.
ففى منتصف المشهد الاخير يتبنى قائد الشرطة ألية ايرما الشمالة لمعاينة جميع غرف المبغى، حيث يتم طبقا لتعليمات جينيه الاخراجية فصل لوحى المرأة المزدوجة التى تشكل خلفية خشبة المسرح بصمت لتكشف عن الجزء الداخلي للاستوديو الضريح الخاص ولكن تلك المرأة المزدوجة طبقا لخيالي المسرح لاتعكس الفعل المسرحى على الخشبة الامامية وحسب ، ولكنها ايضا تعكس ذهول عيون المتفرج والوجوه التى تتفرج ، لذا فإن فصل مرايا الخشبة الخلفية فى هذه اللحظة بحيث تبدو شخصيات السلطة الرمزية وهى تراقب المشهد فى الاستوديو الضريح تظهر ايضا للجمهور صورة عن انفسهم وهم ينقسمون الى جزءين بحيث ينكشف ذلك الاستوديو الضريح الرمز/ المتخيل بداخلهم ، لذا فإن تلك الرؤية تكشف ايضا عن انعكاس للحقيقى داخل المتفرجين وهم يعاينون ويعيدون تخيل وعكس الشرفة على خشبة المسرح امامهم (9).
ان العودة اللانهائية للثورة الحقيقية المقموعة.. خارج وضمن الرمزى والمتخيل للحدث المسرحى… تتخذ طابعا عرقيا فى المسرحية التالية لجينيه ، (السود: استعراض مهرج) فكما لاحظ ايهاب حسن:
"جينيه الأن يعكس نفسه ! الثوار.. يربحون… ومع ذلك رغم انتصار الثوار السود التدريجى واطاحتهم بقوة البيض الاستعمارية فهم لابد وان يفسدوا انفسهم بإرتداء اقنعة بيضاء والقيام بتصرفات عبودية امام متفرجين بيض على وجه التحديد او الرمز طبقا لطلب جينيه " (10).
وبما ان على قائد الشرطة ان ينتظر الفى عام فى ضريح المبغى لكى يغير النظام الرمزى لمجتمع الشرفة فكذلك يجب على السود فى مسرحية السود أن يظلوا فى تنكرهم كعرض للمتفرجين البيض حتى يتمكنوا فى نهاية المطاف من تشكيل نظام رمزى اسود جديد.
ان محكمة السود الغبية التى يتقنع افرادها بأقنعة بيضاء والتى تطل من الشرفة على خشبة المسرح تعكس صورة جمهور المتفرجين من البيض وهكذا فهم يمثلون اضطهاد الرمزى القديم على الرغم من عملهم على تخريبه… التغيير يأتى عبر العنف الحقيقى المفترض بعيدا عن الخشبة وكذلك على خشبة المسرح الامامية من خلال العنف المتخيل / الرمزى لجريمة القتل المعاد تمثيلها بشكل طقسى، هاتان الاليتان المتقنتان والمضللتان فى أن ، تتحدان وتتقاطعان وتتصلان جنسيا لكى تخلقا فى النهاية امكانية "لايماءات حب " جديدة من قبل القاتل فيلاج والعاهرة فيرشو فى نهاية المسرحية.
ان ثورة السود الحقيقية خلف الكواليس كما كانت تنقل اثناء المسرحية الى قائد الحفلة التنكرية الاسقف بواسطة الشخصية المسرحية "نيوبروت نيوز" يحدث ذلك على الخشبة الامامية وخلف الكواليس بشكل متكرر، تقوم بتلقيح المسرحية التى تجرى على الخشبة الامامية بقصد عنفى ولكن الحفلة التنكرية التى تجرى على الخشبة الامامية ايضا والتى تخفى العنف الذى يجرى خلف الكواليس هى ثورة ايضا، ان الطقس الجنائزى وجريمة القتل المعاد تمثيلها حول الجسد الغائب والمتخيل والقناع الرمزى لفتاة بيضاء يرتديه رجل اسود تشعل ثورة طقسية اخرى على الخشبة الامامية، الانحراف العنيف للرموز البيضاء للسلطة من خلال اعادتهم لتمثل دورهم المتخيل يتقمص السود البيض لكى يقتلوهم ويطيحوا بهم ، ولكى يقتلوا ويطيحوا بالابيض والرمزى والمتخيل فى وعيهم ولا وعيهم وايضا لكى يعيدوا ابتكار سوادهم الخاص بهم ان على السود ان يقبلوا ذلك الذى تصفه العاهرة فيرشو ومعنى اسمها الفضيلة بأنه ما اراه وما يجرى فى روحى وما ادعوه بغواية البيض.
فى وقت مبكر من المسرحية يعيد الاسقف بشكل ساخر طمأنة جمهور المسرح الحقيقى على انه سيتم الاحتفاظ بمسافة أمنة ومريحة بين الخشبة والمقاعد: سوف نزيد المسافة التي تفصلنا وهى مسافة لابد منها لابهتنا وطرائقنا الخاصة وغطرستنا ذلك لاننا نحن ايضا ممثلون هذه الزيادة فى المسافة هى ايضا بالمعنى البريختى اساسية لاعادة خلق هوية السود المتخيلة والرمزية طوال المسرحية ان ابهة وطرائق وغطرسة السود الذين يؤدون ادوار شخصيات بيضاء والسود الذين يؤدون ادوار شخصيات سوداء تستل خيوط النظام الرمزى من التمثيل المتخيل متيحة بذلك امكانية اعادة العرض فيما وراء الحفلة التنكرية، ومع ذلك تظل المسافة الرئيسية او الفجوة بين المتخيل اعادة العرض الرمزى من جهة وبين العالم الاجتماعى الحقيقى فيما وراء الحفلة التنكرية على المسرح ومن خلالها فى جمهورها الحقيقى من جهة اخرى حاضرة فى المسرحية بل هى فى الواقع تزداد تكشفا مؤجلة بذلك ذروة ونجاح ثورة السود حتى مملكة الموتى، ففى المواجهة المسرحية بين قائدات السود وقائدات البيض على سبيل المثل تكشف فيليستي ملكة السود عن الجمال والديمومة المأساوية للعنف الاسود الأجرامى ( 11).
فيليسيتى يداها على ردفيها تنفجر قائلة:
يازنوج تعالوا ساندونى ولا تدعوا احدا يخفف من شأن الجريمة موجهة كلامها الى الملكة لا احد يمكنه نكران ذلك ابدا،انه يتبرعم يتبرعم جمالي انه ينمو مضيئا واخضر انه يتفجر مزهرا ومعطرا وتلك الشجرة الحبيبة جريمتى تلك كلها افريقيا… الملكة التى ترتدى قناعا ابيض.
ولكن حين اموت لماذا تستمرون فى قتلى وذبحى المرة تلو الاخرى فى صورة لونى ؟
فيليسيتى:
سوف احظى بجثمان شبح جثتك.
إن العنف والاعتداء الاجرامى اللذين هما امران جوهريان فى كتابات جينيه يزعجان بعض النقاد امثال هارى ئى ستيورات الذى يصف بتفصيل اولئك المجرمين الحقيقيين وجرائمهم التى هى مادة افتتان جينيه الحقيقى والمرعب.يربط ستيوارت جريمة قتل الليلك (اغتصاب وتقطيع اطراف الفعلية) التى حدثت لطفلة عمرها اربع سنوات وارتكبها لوى مينيسكلو الذى يذكر بالاسم الحقيقى فى اهداء جينيه على كتابه خصام الثدى يربط هذه الجريمة بالايحاء ات الضمنية التى تطلقها مسرحية جينيه الاولى حرس الموت كذلك وطبقا لستيوارت فإن افتتان جينيه بجيل دوري يميط اللثام عن مظاهر اضافية لانجذابه الى السيكوباتيين المتوحشين وعلى الاخص رغبته العميقة الجذور لان يكون هم يسرد ستيوارت قائمة بعدة سيكوباتين متوحشين أخرين لهم جاذبية عند جينيه واسىء استخدامهم " اى اعيد ابتكارهم فى تقديسه الحرفى لهم كشخصيات فى رواياته ومسرحياته انى اقدر الدليل فى بحث ستيوارت ولكنى اتبنى وجهة نظر اخرى ان انجذاب جينيه الى المجرمين الحقيقيين والمتطرفى العنف لايميط اللثام عن رغبة دفينة لان يصبح هم وحسب ، ولكنه يكشف ايضا عن عمق عنيف بشكل اصيل وعن صدق سيكوباتى فى كتاباته.
كثير من كتابات جاك لاكان المبكرة فى التحليل النفسى كانت تهتم ايضا بموضوع العنف الاجرامى كما تقول كارولين دين فى كتابها "القانون والتضحية بتاى لاكان ونقد الموضوع ":
يسعى الجنون الى تسوية مستحيلة بين الحقيقى والمثالي وهذه التسوية المتوسل اليها هى التى تشكل الدافع وراء الجريمة (اللادافع اليها) او المتعذر تفسيرها تلك الجريمة التى تحرر المجرم من جنونه وفى ذات الوقت تديم امد التعارض بين من يكون هو وبين من يريد ان يكونه وهذا هو اصل جنونة Folie فى المقام الاول ففى الواقع ان الجريمة تسم ما يدعوه لاكان بحدود الدلالة انها الطريق المؤدية الى الفعل Possage all,octe التى من خلالها يتحرك المجرم من الباثولوجيا الى "الشفاء" من الهذيان الى الخلاص الناجز بالعقاب الذاتى الذى تتيحه له الجريمة بالاضافة الى ذلك تمثل الجريمة حركة من الرمزى الى اللاممكن تمثله لانها تعين حدود الرمزى ".
لقد انتقل جينيه المجرم من كتابة السجن غير المكتملة الى الشرعية الروائية والمسرحية لكنه لم يتخل ابدا عن عنفه.. وفى الواقع توضح كتاباته كم هو جوهري العنف بالنسبة للفعل الابداعى فى تلك الروايات والمسرحيات التى تدنو من الفراغ الكامن بين الحقيقى والمثالى الذى يلامس حد موسى الرمزى عند حد الدلالة والحقيقى اللاممكن تمثله بيد ان مثل هذه الكتابة هى ايضا مثال على الفجوة او الفجوات الفعلية فى الوجود بين المتخيل او الرمزى، وبين الحقيقى اى العجز عن ان يكون والرغبة فى ان يكون تعبير لاكانى Manque – a- etre اى انعدام الكينونة كائنا انسانيا ان المجرمين العنيفين والمرضى عقليا والكتاب العنيفين والمجرمين امثال جينيه يجعلوننا نرى حدود انسانيتنا.
فى مسرحيات جينيه بشكل خاص يتفرج الجمهور ويسهم برغباته التلصصية الخاصة الى الرغبات التلصصية للممثلين والمخرج وفنانى المسرح الآخرين وذلك لكى يروا ويسمعوا ويلامسوا حدود تخوم وجودهم الانسانى ومع ان الملامسة تتجاوز التلصص وعادة ما تكون ممنوعة على المتفرجين إلا ان رغبة الاختبار بحواس اكثر حميمية من النظر والسمع.وتجربة مناظر واصوات اكثر حميمية دائما ما تكون جزءا من حقيقة المسرح فى الفجوة الدائمة الحضور بين خشبة المسرح والمقاعد حتى فى المسرحيات الاقل تقليدية و"بيئية" حيث يجلس المتفرجون على خشبة المسرح الامامية او يتم الاداء فى فضاء عام.
فى مسرحيات جينيه يتم تأكيد وابراز الفجوة بين خشبة المسرح والمقاعد بين المتفرجين والممثلين والشخصيات التى يؤدون ادوارها" كما يقول ذلك الاسقف للمتفرجين فى مسرحيه السود ولكن خشبة المسرح الامامية تزود بمرايا بحيث توضع فى الفجوات المذكورة بين شخصيات تتفرج وتمثل لبعضها البعض وغالبا ما ينطوى ذلك على دغدغة الاحاسيس الجنسية واستثارة النزعة التلصصية لكل طرف على الأخر.
ووفقا لـ لاكان فإن رغبة انسان ما هى هى رغبة الاخر…حتى بالرغم من الأخر (12).
ان شخصيات جينيه لاتظهر رغبة تخيلية بشكل منحرف تجاه الأخر وحسب ولكنها توضح بعنادها المدمر رغبة من رغبات الطرف الاخر الرمزيين انها تعرض عنفا ضروريا وجنونا اجراميا وقد تحررا من كل قيد رغم ديمومتهما فى أفعال تلك الشخصيات الثورية…. كالافتقار الى الآخر والرغبة فى موضوعاته وحاجاته الملحة بالطبع الأخر حاضر ايضا على مقاعد المسرح انه ذلك الأخر الحاضر الذى اليه ومنه يتوجه ويتشكل الممثلون الشخصيات على خشبة المسرح الامامية بشكل عفوى تماما، وانه ذلك الأخر او الاخرون على خشبة المسرح الذى منه واليه يشكل الحضور/ المتفرجون رغباتهم التلصصية والمنحرفة والمدمرة فى التجربة المسرحية لمسرحيات جينيه ان مرآة الفجوة والتحديق بين خشبة المسرح والمقاعد والمرايا الكثيرة على خشبة المسرح الامامية فى مسريحات جينيه فعليا وكذلك فى عيون وتحديقات الشخصيات كلها تعكس ويرى من خلالها صورا ورموزا للحقيقى مكررة الازدواج فى تجاور عنيف (13).
ان الرغبة فى والمطالبة بجمال العنف الاجرامى يتواصل من ثوار الشرفة والسود الى العرب الثائرين فى (الشاشات) بيد ان الفجوات بين الرمزى والمتخيل والحقيقى تزداد اتساعا كلما تحركت ثورة العرب "الحرب الجزائرية" نحو الخشبة الامامية ( 14).
فى المشهد الاول تستعير امرأة عربية رمز الآخر الاوروبى للجمال الشبقى الايروتيكى والقوة الانثوية وهو انتعال حذاء عالي الكعب والرقص بجمال وفخر امام ابنها وعلى الرغم من انهما ينفجران بالضحك إلا ان الحقيبة المليئة بهدايا زفاف متخيلة تسقط على الارض وتنفتح خاوية، وعلى غرار فيليسيتى فى مسرحية السود فإن هذه المرأة العربية (تلقب بالام) تجىء لتجسد الجمال المنحرف للثورة سوف اتلو عليكم مئة وسبعا وعشرين اهانة، مئة وسبعا وعشرين مرة وستكون كل اهانة ايتها السيدات جميلة جدا بحيث تجعلكن تومضن.
مع ذلك فإن القوة القصوى التى تجسدها هذه المرأة حتى النهاية هى قوة الضحك الساخرة والطائشة والكلية الثورية(15) فهى تخاطب الحضور بقولها انا الضحك ولكنه ضحك ليس كأي ضحك وحسب.. انه من ذلك النوع الذى يظهر عندما ينحرف كل شىء عن مساره وحين ينتهى ابنها سعيد الخائن للقضية العربية الى ان يصبح البطل المضاد فى المسرحية تطلب منه التهرب من الطرفين ومن اسطورته قيد التشكل.
الام:… اصنع لنفسك بوابة للخروج لاتدع نفسك عرضة للخداع سواء من قبل الفتاة العربية العجوزة أو الجنود.لاتخدم ايا منهما لاتخدم اى غرض مهما يكن اعتقد انهم سيؤلفون اغنيه عنك لقد كتبت الكلمات والناس يدندنون بها،انها مذاعة على الهواء تصرخ سعيد اخمد الطموح وتغوط عليهم !"
ما ان تستنفد مسرحية الشاشات نفسها على الخشبة الامامية حتى ينمو عالم الموتى فى علاقته مع خلافات إلاحياء ويعرض جينيه عالم الموت الحقيقى هذا الذى لايمكن تمثله ،كوجود فى الضحك ، ويتفرج الموتى من مستوى اعلى من الخشبة (الشرفة) ويضحكون على صراعات الحياة العبثية فى مستويات ادنى وعلى المتمردين العرب واعدائهم والمستعمرين والجنود وحين يلتقى ممثلون عن الطرفين فى الموت ، فإنهم يضحكون معا على غباء وجنون الاحياء فعلى سبيل المثال الضابظ غاجيت الذى مات وهو يتغوط يضحك مع النساء العربيات شارحا فراغ تفاهة الزى الرسمى والشرائط والنياشين وهو فراغ رآه فى مرايا عيون من هم اعلى منه رتبة التى ادرك انها افرغت من محتواها حين كان يتغوط ايضا.
كانت ام سعيد هناك معه تضحك فى عالم الموتى ، حتى خديجة كانت هناك حتى خديجة قائدة الثوار المتحمسة والتى استدعت فى المشهد الثانى عشر "الشيطان " ليخصب شعبها ثم استجمعت المواهب الدموية للثورة التى رسمها العديد من الثوار العرب على الشاشات حتى هى تنتهى مع الام وهى تتلوى على الارض من فرط الضحك حين تكون ميتة.
ووفقا لوجهة نظر ايلى رجلاند – سيوليفان حول النظرية اللاكانية فإن المتخيل والرمزى يموضعان نفسيهما كشاشتين فوق الحقيقى ويمنعانه من التفكير بنفسه فعليا تماما وبهذا المعنى فإن الحقيقى بالنسبة للتجربة النفسية يقع فيما وراء الحلم ان حقيقى التجربة النفسية – لجينيه وتجربة الممثلين والجمهور ايضا يقع فيما وراء الشاشة المفرطة مسرحيا والمتخيلة/ الرمزية لمسرحياته ومع ذلك فإن الفجوات بين تلك الابعاد اللاكانية يتم ادراكها على الخشبة الامامية فى المرايا اللانهائية والحادة الحواف لمسرحيات جينيه ، ان هذا الادراك المسرحى مثل حافة حد الجريمة الفعلية العنيفة هو طريق الى الفعل وعلاج للانشطار المرضى بين المثالى والحقيقى يعثر جينيه على علاجه المسرحى الاخير فى حلم الموت كضحك – وجود يتم ادراكه فى الشاشات هناك ايضا الجوقة المكونة من الاشباع والمتفرجين الذين يضحكون معا فى مسرح فى الهواء الطلق مما يوصل ذات المسرحى الممتدة والمنشطرة الى ذروتها من الانانة الى الاونانية العاجزة عن بلوغ الذروة الى كاتب السجن ، عبر حساسيته المرضية للانا المنشطرة الخاصة بكل الموضوعات الانسانية والمتجهة نحو ارتباط مؤقت مع الآخر على المسرح.
على كل حال ففى تلك اللحظة توقف جينيه عن الكتابة للمسرح بعد ان عولج بالعقاب الذاتى عن تلك الجريمة.
نبذة عن كاتب الدراسة
اعد مارك بيزاتو عام 1990 اطروحة دكتوراه فى في جامعة ويسكونسن – ميلواكى حول الاعتقاد والانحراف فى المسرح الحديث ، وبيزاتو ايضا كاتب مسرحى له عدة مسرحيات تم انتاجها فى واشنطن دى سى ونيويورك سيتى تشرت ثلاث من مسرحياته عام 1989 من قبل آران برس لويزفيل كنتكى.
الهوامش
1 – مقتطفات سارتر اقتبسها بتاى من كتابه "القديس جينيه ، كوميدي وشهيد" دون ان يشير الى ارقام الصفحات.
2 – تشرح ايلي رغلاند – سوليفان استخدام لاكان لمصطلحى- ego
ideal ego ideal فى كتابها "علم النفس الجمعى وتحليل الانا" الصادر عام 1921 اشار لاكان الى الاستثمار النرجسى فى النفس على اعتباره انا مثالية، اما الاهداف التى يتدفق نحوها ليبيدو الانا، فقد اشار اليها على انها مثال الانا، انظر ايضا استخدام لاكان لهذين المصطلحين فى كتابه "المبادىء الاربعة الرئيسية فى التحليل النفسى" فى الاخر انما يتشكل الموضع كمثال بحيث يصبح لزاما عليه ان ينظم تتمة ما ينشأ كأنا او كأنا مثالية التى هى ليست مثال الأنا – اى ان يشكل ذاته فى حقيقته المتخيلة" علاوة على ذلك كما تلاحظ رغلاند – سوليفان فإن فرويد قد خلط ما بين الانا المثالية ومثال الانا واعتبرهما كأهداف للرغبة التى تمثل اشباعا للامنية لقد اتجهت جهود لاكان فى الاتجاه المضاد فهو يحاول ان يحتفظ بمسافة بين الانا والمثالية ومثال الانا "الانا البديل " وان يفصلهما كليهما عن آلية ألرغبة.
3 – وفقا للمقدمة التي صدرت بها مقابلة فيشنبارت فى مجلة -Per forming Arts Journal فقد نشر جيفيه تقريرا عما شاهده فى مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين فى لبنان فى اليوم الذى اعقب المذبحة سبتمبر 1982وذلك تحت عنوان " 4 ساعات فى شاتيلا" وفيما بين اكتوبر 0 97 1 وابريل 1971 تلقى جينيه دعوة من منظمة التحرير الفلسطينية حيث زار المخيمات الفلسطينية والقواعد العسكرية على الحدود السورية والاردنية.
4 – لا اهدف من ذلك الى اقتراح طوبولوجيا "تموضعات " قارة فالمراتب اللاكانية الثلاث توجد فى ابعاد متدامجة انظر كتاب رغلاند سوليفان "جاك لاكان وفلسفة التحليل النفسى" ص 190 رسم لها لاكان ثلاث حلقات متداخلة ومتشابكة ومربوطة فى عقدة بورومية.
5 -انظر ايضا حلم جينيه بصرح مثالي كما عبر عنه فى كتاب "ملاحظات حول المسرح ". لايسع المرء إلا ان يحلم بفن يمكن ان يكون شبكة متقنة من الرموز الحية القادرة على التحدث الى الجمهور بلغة لا يقال فيها شىء بل يبشربه.
ويستطرد جينيه شارحا محاولته للوصول الى هذا المثال فى الكتابة للمسرح بقول:
حاولت ان احدث ازاحة. يمكن ان تجلب المسرح الى داخل المسرح راجيا بذلك من اجل فائدة العلامات ان تزيحها بحيث تكون بعيدة قدر الامكان عما قصد بها ان تشير اليه فى بادىء الامر، كى توحد عبر تلك الرابطة الوحيدة، بين الكاتب والمتفرج ، رغم التصاق تلك العلامات بمدلولاتها.
يمكن ملاحظة احالات ضمنية الى أرتو وبريخت فى مثل هذه التعبيرات بيد انها ايضا اصيلة وخاصة بجينيه.
6 – انظر كتاب رغلاند – سوليفان السالف الذكر ص 188 "ان الحقيقى الحقيقى موجود فيما وراء وخلف وادراك المتخيل ووصف الرمزى ".
7 – كتبت ايلى رغلاند – سوليفان ايضا حول مسرحية جينيه الخادمات من منظور لاكانى وبتفصيل اكبر مما فعلت فى هذه الدراسة، انظر مقالها المعنون "جاك لاكان والنظرية الأدبية وخادمات جان جينيه " فى كتابها "منظورات سيكلوجية حول الثقافة المنشقون على فرويد وغير الفرويديين "الصادر عام 1984.
8 – توضح مسرحية "الخادمات " على نحو متكرر موقف الحقد النيتشوى فى كتاب ، "جينيالوجيا الاخلاق " فحسد العبد العميق لنبالة السيد يتصاعد الى حد حصول "ارادة قوة " فاعلة للسيطرة على السيد، على سبيل المثال الخادمة لسولانج حين تقول "نحن الآن المدموزيل سولانج لوميرسييه تلك المرأة لوميرسييه المجرمة الشهيرة انا لست خادمة ان لى روحا نبيلة"ص 95 تنتحل سولانج وجينيه فى هذا المقام تحديق "عين الحقد السامة" للعبد النيتشوى التى ترى الرجل النبيل القوى كشر ص 40 لكنها ايضا تحول هذا الحقد الى نفسها فى متعة مرحلة المرأة متظاهرة بالنبالة والشر معا فى تحديق المرأة الى الخادمة الاخرى والمتفرجين هذا يذكرنا ايضا بارتقاء جينيه نفسه الى النبالة الشريرة كمجرم شهير/ فنان عبقري يدعى الى العشاء على طاولة الرئيس الفرنسى فى قصر الاليزيه "انظر كتاب ايهاب حسن ص 18.
9 – هذه الصورة "والرمز" المسرحية الفارغة بشكل واع التى تمثل الحقيقة يعاد تكرارها فى كلمات ايرما وتصرفاتها عند نهاية مسرحية الشرفة حين "تواجه جمهور المتفرجين " قائلة لهم "عردوا الى بيوتكم " لمواجهة متخيل رمزى اكثر زيفا من هنا ص 96.
10 – يحرص جينيه كثيرا على وجود جمهور ابيض من المتفرجين فى مسرحية السود حتى ولو كان ذلك بشكل رمزى حيث يتم توزيع اقنعة بيضاء على المتفرجين السود او توضع دمية ترتدى قناعا ابيض وسط جمهور الحافرين ص 4.
11 – قارن ذلك بتعليق جينيه فى كتابه "ملاحظات حول المسرح " اذ يقول:
لاشك بأن احدى وظائف الفن هى استبدال قدرة الجمال على التأثير بالايمان الدينى على الاقل يجب ان يكون لهذا الجمال سطوة قصيدة شعرية اى تلك التى لجريمة ما ص 810.
ثم يستطرد قائلا:
سأكتفى بإكتشاف او ابداع – العدو المشترك ثم الوطن لكنه يعلق ايضا:
بالنسبة لى لن يكون العدو فى اى مكان – كما لن يكون هناك اى وطن
مجردا كان او داخليا.
ان افتقار المنبوذ – جينيه الشخصى الى تعيين ( أي لاتعيين) العدو والوطن ، والذى يكتف تلك الرغبة يمكن ان نراه فى التصميم شبه المستحيل لمحاولة السود قلب ثم ابتكار نظامهم الرمزى الخاص بهم ( المقنع بالابيض) من خلال جمال القتل والثورة والحب.
12 – انظر أيضا ملاحظات المترجم "الن شريدان " حول الرغبة. لقلى ربط لاكان فكرة الرغبة بكفرة "الحاجة" besoin وفكرة الطلبdemands. على الرغم من انه لا يوجد اى تلاؤم بين الحاجة والطلب الذى يوصلها فى الواقع ان الفجوة بينهما هى التى تشكل الرغبة فجأة بشكل خاص الاولى ثم بشكل مطلق كالثانية، ان الرغبة "مفردة فى الاصل " هى اثر دائم للمتفصل اللفظى الرمزى ص 93.
هذا يتعلق ايضا بمناقشتي لمفهوم "حاجة " رئيس الشرطة الى الثورة الخارجية والى التقمص المنحرف لشخصيته من قبل روجر فى (الشرفة) ان الفجوة بين هذه الحاجة وبين طلب رئيس الشرطة كى يصبح شخصية بطولية رمزية ومتخيلة "قضيبيا بكل صراحة" فى الماخور، يعرضها جينيه بشكل نابض بالحياة وذلك حين يقوم روجر الذى يتقمص شخصية رئيس الشرطة بخصاء نفسه ص 93.
13- انظر ايضا مناقشة لاكان لموضوع "التحويل " فى التحليل النفسى وبالتحديد قوله:"فى فضاء الأخر انما يرى الموضوع نفسه كما ان النقطة التى ينظر منها الى نفسه توجد ايضا فى ذلك الفضاء ص 144.
14 – بينما تتحرك الثورة الخارجية على خشبة المسرح الخلفية فى المسرحيتين الاخريين الى داخل فضاء الخشبة فى الشاشات فإن الخشبة نفسها يتم قلبها من الداخل الى الخارج وتحويلها الى مسرح فى الهواء الطلق بناء على طلب جينيه نفسه ص 9.
15 – لمزيد من النقاش المكثف حول موضوع الضحك فى الشاشات انظر كتاب هربرت بلو الكوميديا منذ العبث ص 545 – 568.
بقلم / مارك بيزاتو
ترجمة / نعيم عاشور (كاتب ومترجم من البحرين)