" اربع مرايا على اربع جهات فوق الخشبة – المريا مغطاة بقماش ابيض – ينتصف المريا كرسي هزاز – فتاة تجلس فوق كرسي شبه نائمة ترتدي ثوبا اسود مع مكياج خفيف وينسدل شعرها على جانبي الرأس – تدق الساعة ثلاث دقات. تتوقف الساعة ومازالت الفتاة نائمة. تدق الساعة دقة واحدة يأتي صوت عصفور من الساعة التي تلي الدقة الواحدة – تنهض مبتسمة بصفاء وحب "
الفتاة : سيأتي الان ، هذا موعده
(تتجه نحو المرآة رقم ( 1) وتزيل عنها الغطاء، ينبعث ضوء قوي في العتمة مما يفزع الفتاة التي ترجع للخلف صارخة بقوة )
الصوت 1 : هل اخفتك ؟
(الفتاة تتحدث وهي بعيدة عن المرآة )
الفتاة : من أنت ؟ وماذا تريد ؟ وأين ذهب صوته ؟
صوت 1 : صوت من ؟
الفتاة : صوت حبيبي الذي اعرفه
(يضحك الصوت بقوة وسخرية )
صوت 1 : هاها حبيبك ؟ لقد سافر
(تقترب الفتاة من المرآة ببط ء واندهاش )
الفتاة : سافر؟ ومتى ولماذا؟ لم يخبرني برغبته في السفر
الصوت 1: ومن أنت حتى يخبرك ؟
الفتاة : انت لا تعرفني حقا ؟ (بقوة وغضب )
أنا الجميلة بين النساء (بلطف وخبث )
الصوت 1 : ها ها ، الجميلة اضحكتني بكلامك وادعائك الرخيص هذا. أنت لست الا راقدة من هؤلاء الاطفال الذين تخرجهم الارض لنا كل عام ، اطفال في عمر البارود، اطفال يحترقون وحول عيونهم غشاوة من سواد
الفتاة : هل تقصد انني طفلة (تشير بيدها الى نفسها)
الصوت 1 : انت لست طفلة كما تتوهمين يا صغيرتي، أنت كائن اسير ومكبل بالأفاعي والقيود، كائن تحملين بين راحتيك بحرا من الهموم والحسره ، لذلك لا تقدرين على الحراك .
(تصرخ الفتاة بعصبية واثناء كلامها تتحرك وتقفز هنا وهناك محاولة ابراز
جمال جسدها الصارخ . بحركات استعراضية راقصة )
الفتاة :اسكت لا تقل ذلك أنا الجميلة بين النساء، من قال لك انني لا أقوى على الحراك ؟ انظر أنا أسير واقفز وأرقص (ترقص على صوت موسيقى باليه ) هل رأيت إنني ارقص وأطير ، بل واجيد الغناء ايضا اسمع (يقاطعها الصوت )
الصوت 1 : يالك من بلهاء وتريدين ان تغني أيضا ؟! ماذا تريدين أن تغني ولا شيء حولك الا الصمت الرهيب ، المليء بالتوجس والقلق (تقترب الفتاة من المرآة وبصرت مرتفع )
الفتاة : أيها المعتوه ، اين التوجس والقلق اللذان تتحدث عنهما انت لا ترى جيدا، نعم انت لا ترى الا الظلال .
الصوت 1 : تتحدثين عن الظلال ؟ ومن أنشأها ايتها المسكينة ؟ ان بداخلك رغبة وعناء في الهروب يصاحبها خوف مجهول من القدر، انني اعرفك اكثر مما تعرفين نفسك .
(تبتعد الفتاة وتقف في زاوية بعيدة )
الفتاة : ما أنت الا مجنون ، كيف لا يعرف المرء ذاته ، هل انت خبير في تحليل الانفس ؟ هل انت طبيب نفساني (تضحك باستهزاء) أراهن على انك مريض هارب من البيمارستان وقد ضل الطريق (تضحك ) أليس كذلك ؟ أيها المسكين الضال تكلم ثرثر فلا فرق بينك وبين الببغاء، (بحزن ومسكنة ) اني اشفق عليك ايها الضال ، تكلم ، انني اسمعك فعلى العاقل ان يستمع طالما ان المجنون يتكلم ( تضحك بسخرية )
(يتصاعد دخان وتتداخل اصوات موسيقى مع الاضاءة واثناء ذلك يتحدث الصوت بلهجة كمن يقوم بتنويم مغناطيسي ويوجه اوامره للفتاة التي تمتثل لها)
الصوت 1 : اجلسي ، اجلسي (تجلس الفتاة ) تمددي الان على الارض (تتمدد) في عمر الزمن الذي لم يجىء، انت الان في المهد، تنامين كالجنين في سبات من الموت ، انت الان تنامين ببطء والزمن يسوطك بسياطه خشية النزق الاليم هل تسمعين ؟ انت الان تحلمين كامرأة حمقاء كالأطفال الحمقى انت الان تحلمين بزمن قد يجىء، فيه المطر يعبث بالارض ، انت الان تتوجعين تتوجعين .. انهضي يا صغيرتي وتعالي الي (تنهض بتثاقل ) احبي على الارض وتعالي الي (تحبو مثل الاطفال ) قفي الان وتعالي الي حيث النهاية (تقف وتسير مثل النائم حتى تصل نحو الكرسي ، تجلس عليه وتتأرجح به – تفيق فجأة مما كانت فيه وتقف )
الفتاة : اين كنت ؟ (تضع يدها فوق رأسها كمن تحاول ان تتذكر شيئا) هل كنت أحلم ؟ أه رأسي وجسدي يؤلمانني، لا استطيع ان اتذكر شيئا
صوت 1 : ياصغيرتي؟
الفتاة : نعم . من يناديني؟
صوت 1. انا الصوت اناديك من وراء الجبل
(تتلفت الفتاة من حولها)
الفتاة: الجبل ؟! لا يوجد جبل هنا، اني أرى فقط منخفضا
صوت 1: منخفض ؟ إن الحواس تخدع أحيانا
الفتاة : الحواس ؟
الصوت 1 : نعم الحواس انها لا تقدم لنا الحقيقة اطلاقا
الفتاة : الحقيقة ؟! وهل تعرف أنت أين الحقيقة ؟
الصوت 1 : انا لا اعرف مكانها بالضبط ولكني اعرف ان الحقيقة أزلية وهي كالمدى اللامتناهي
(تقترب الفتاة مشيرة بإصبعها نحو المرآة )
الفتاة: وتدعي أنك تعرفني أكثر مما اعرف نفسي انك كاذب وافاق
الصوت 1 : نعم اعرفك ولكني لا اعرف مكانك بالضبط في جوهر الحقيقة ، فقط أراك صغيرة وبلهاء.
(تصرخ الفتاة كمن اكتشفت شيئا)
الفتاة : أنت تواني فقط ولكنك لا تعرف حقيقتي، لقد خدعتك حواسك كما خدعتني أيضا حواسي في تلمس ورؤية الامور على حقيقتها (تضحك باستهزاء)
انت كاذب .. كاذب
(يتحدث الصوت وتبتعد الفتاة ظاهرة له ظهرها)
الصوت 1: نعم كاذب ، وانت كذلك كاذبة تقول دائما الحقيقة
الفتاة : أنا كاذبة ولا تقول دائما الحقيقة ، آه دائما (تضع رأسها فوق صعدتها كمن يشعر بألم حاد وشديد) آه
الصوت 1 : مم تتألمين ؟
الفتاة : أنا لا أتألم اني اتوجع ، اشعر بآلام حادة في بطني، كلا في رامي (تضع يديها فوق رأسها) آه يا رأسي صداع غريب وملل غريب .
الصوت 1 : هل قلت ملل ؟
الفتاة : نعم قلت ملل ، (تنظر اليه بقوة ) لقد مللت هذا القمع هذا الالم ، (تتجه نحو الصوت ) ان عواطفي تتحطم ، وانفعالاتي اللذيذة تختفي، ومشاعري تنفلق آه إني اتوجع (تضع رأسها بين يديها) (تجلس فوق الكرسي وتتحدث بألم ) إنها تضغط علي بقوة ، انها تؤلمني، (تقف وما زالت تتألم ) بدأت افقد الاحساس بالاشياء، إني افقد الاحساس بالحب والامن آه أكاد أن أتقيأ طعم الامومة والحليب آه يا بطني آه يا راسي اريد ان استفرغ (تصدر صوت استفراغ ) اين الزبالة (تخرج مسرعة وتصدر صوت استفراغ ). (اظلام )
(تدق الساعة ثلاث دقات . تدخل الفتاة مرتدية ثوبا تتداخله فقشات ورد متفتحة ، لونه يميل للبهجة . تربط شعرها بمنديل طويل يسحب على الارض تجلس فوق الكرسي وتتحرك به وتغفو قليلا، تدق الساعة بعد برهة دقة واحدة ويصدر صوت عصفور مرة واحدة – فجأة تنظر الفتاة الى المرآة رقم (2) مندهشة ) (الاضاءة مسلطة على الفتاة والمرآة )
الفتاة : لكل علة معلول ، وحتى تتحرك الموجودات والمقذوفات لابد لها من علة تحركها، فمن أزاح عنك الغطاء ايتها المرآة ؟ (صوت آه آه ) (تتحرك نحو المرآة ) لقد سمعت صوته لابد أنه قادم الان (تتجه وتقف قبالة المرآة ، تنظر إلى مفاتن جسدها مبتسمة -يتكلم الصوت رقم (2)
الصوت ) : غادتي الجميلة ، أين كنت ؟
(تنظر للمرآة باندهاش وتشير بأصبعها الى نفسها)
الفتاة : غادتك الجميلة ؟ من أنت يا هذا؟
الصوت 2: انا غريب زاده الجمال
(ترجع الفتاة للخلف مبتسمة مرددة عبارته)
الفتاة : غريب زاده الجمال ، وهل أبدو جميلة بناظريك ؟
الصوت 2: أنت لست جميلة فقط ، أنت القصيدة ياغادتي
(تضحك بقوة وتمسك بطرف المنديل وتدور على شكل رقصات طفولية مرددة عبارته )
الفتاة : ها ها أنا لست جميلة ، انا القصيدة ، انا الغادة (توجه السؤال للمرأة ) هل انا القصيدة حقا؟ اذا.. كنت … انا القصيدة فأنت الشاعر اليس كذلك ؟
الصوت 2 : نعم أنا الشاعر الذي رآك قصيدة ، أنا الرسام الذي نحتك تمثالا أنا الكاتب الذي جعلك نصا في جريدة وفي مقال (تعود إلى الكرسي واثناء عودتها تقفز مثل الأطفال وتردد عبارته )
الفتاة : انا القصيدة ، وانا التمثال ، انا الجريدة والمقال ياي ماذا لديك بعد، قل ايها الشاعر الولهان (تقف وتتوجه نحو الجمهور وكأنها تخاطب المرأة ) هل تراني حقا تمثالا؟ انني لم اولد حسناء لا تراني الطبيعة الا جمالا فارغا، لذلك امنحها جمالي المزيف وازهو بها (تضحك بسخرية )
الصوت 2 : أنت لست جمالا مزيفا يا غادتي، انني ابحث عنك منذ زمن بعيد ان الجمال لا يأتي الا في المساء وانت مع المساء تسافرين وتدخلين مع الاشياء الجميلة في الحريق ، لذلك لا أراك بوضوح الا في الحريق فحين تشتد عيناي اغماضا تريانك بوضوح اكبر
(الفتاة بقوة )
الفتاة : لست في حاجة الى مزيد من الاكاذيب ايها المعتوه (تتحدث بحزن ) انني يا هذا ارقب عقارب الساعة بانتظار الحبيب تدق الساعة ولكنه لا يجيء، ولكنني سأنتظر انني لا املك الا الانتظار، واخشي ان يطويني الفناء (تبكي بحزن )
الصوت 2 : لا تبكي يا غادتي حتى لا تحرق عينيك الدموع
الفتاة : وهل تعجبك عيناي؟ (تقترب منه خطوتين )
الصوت 2 : من عينيك تنبعث رؤى، تتماوج مع نسمات الهوى، وشدو الربابة بين المراعي الخضر في الخريف
(كمن تتذكر شيئا تتحدث مع الاخر في حركات بطيئة وكأنها تعيش الموقف الذي تذكرته )
الفتاة : الخريف ، هذا الجسم الغريب ، يأتي كل عام من بين قذارة الازقة الموحشة العاشقة في الظلام ، يأتي دائما مبتسما يرتدي جلباها اسود وسروالا حتى الركبتين ، ويلف حول اذنيه وشاحا احمر ووردتين (تتوجه نحو المرآة ) ووجه الخريف كباقي وجوه الا حجار المقدسة التي يلمع فيها غضب الحنين الى تخوم الصحراء وغسق الغروب صح ولا لا؟
الصوت 2: ولكنك اكبر واكثر من الخريف ، انت الشتاء والصيف والربيع (تتحدث بقوة مبتعدة عن المرآة )
الفتاة : كف عن الثرثرة ايها العاشق الولهان ، انني كذبة لا تقول الا الحقيقة الكاذبة ، انت لا تراني جيدا وحواسك تخدعك ، انني طفلة انشأتها الظلال
الصوت 2 : بل انت الجوهر يا حبيبتي الجميلة ، انت التي يشتد الحب بها كثافة عندما تنشد الاغاني زفة عرس (اظلام على المرآة تسلط الاضاءة فقط على الفتاة – صوت ايقاع زفاف -اثناء الايقاع تسير الفتاة بخطوات كمن تتأبط بذراعها، رجلا ويواصل الصوت كلامه مع ايقاع الزفاف ).
من عينيك يا حبيبتي الجميلة تخرج سهام العشق فيطير الفرح طربا فوق الغصون وبين جنبات الزهور، شقائق النعمان تزغرد (صوت زغاريد، ومع كثافة الايقاع تبدأ الفتاة في الرقص كالحالمة ) وعطر البنفسج يتطاير انني اشم رائحة ابطك الوردي، اشم القرنفل في فمك العنقودي، وطعم الليمون والزعتر في شعرك الذهبي.
(تخفت الاصوات ، اضاءة على المرآة والفتاة -تتحدث الفتاة بصوت حالم )
الفتاة : هل انت حقا حبيبي الذي طال انتظاري من أجله ، تعال اذن ايها الحبيب لتمتد بي اكثر امتدادا، اني اشتهيك قبلة وسيفا ووطنا، تعال يا حبيبي وخبئني بين ذراعيك ، تعال لنحترق ونخلف وراءنا بين اشتعالات المدائن قلبا وعرسا ووليدا (يتصاعد دخان تختفي الفتاة وتخرج ) "اظلام "
(تدخل الفتاة مرتدية ثوبا اسود بخطوط بيضاء، تضع مساحيق نافرة ، شعرها تربطه للخلف . تدق الساعة ثلاث دقات ، الفتاة جالسة فوق الكرسي. تدق الساعة بعد برهة دقة واحدة ويأتي صوت العصفور، اضاءة على خشبة المسرح )
الفتاة : لابد سيأتي، انني انتظره منذ فترة طويلة ، هذا موعده الان ، سأذهب واحضر له المفاجأة (تخرج وتحضر باقة ورد،0وتقوم بتوزيع الورد على ارضية المسرح ) هنا وردة، وهناك وردتان ، يجب ان يمتلىء المكان ورودا (تقف كمن تحدث نفسها) قال لي سأعود يا حبيبتي، واريد ان اراك اجمل امرأة في الكون ، وكيف لا اكون كذلك وانا الانثى الأولى (تنهي توزيع الورد على الخشبة) ولكن هل ابدو هكذا جميلة وفي كامل اناقتي؟ يريد ان يراني حبيبي كما تركني حينما ذهب الى المحطة ، حينما ودعته بعناق شديد هناك فقد قبلني قبلة واحدة وقال لي قبل ان يركب القطار؟ اريد ان اراك حينما اعود اجمل نساء الكون ، واريد لبيتنا الصغير ان يمتلىء حبا ووردا واطفالا "بحركة سريعة " سأعيد توظيف شكلي ووجهي
يجب ان يجدني حبيبي في انتظاره كما تركني اين المرآة (تذهب وتتقدم نحو المرآة رقم 3 وتزيح عنها الغطاء وفجأة ينبعث صوت قوي )
الصوت 3: أتركي الغطاء كما هو؟ (تبتعد للخلف مسرعة )
الفتاة : من يتكلم ؟
الصوت 3: انه أنا؟
الفتاة : أنت ؟ ومن تكون انت ؟ اني لا اراك
الصوت 3: حقا لا تريني ؟ اشكر الطبيعة الطيبة
الفتاة : تشكر الطبيعة ؟
الصوت 3 : نعم ، اشكر الطبيعة
الفتاة : ولماذا لا تشكرني، الا ابدو كالطبيعة ؟
الصوت 3: انت تبدين كالطبيعة ؟ ما هذا الهراء؟ تحاولين ان تنزعي عني قناعي الذي اتستر خلفه واشكرك انك ملعونة ( بسخرية )
(تقترب من المرآة باندهاش وتكبر)
الفتاة : انا ملعونة ؟
الصوت 3: كل البشر ملعونون الا الطبيعة ، لقد شوه وجهي فاصبحت لا اميز الاشياء على حقيقتها، فقط أميز البشر.
الفتاة : وماذا فعل بك البشر ؟
الصوت 3: لقد نزعوا عني انفي كاملا وشوهوا اذني فبقيت بأذن واحدة ، وخطفوا مني عيني وصرت لا أرى الا بعين واحدة
(تضحك الفتاة باستهزاء)
الفتاة: انت اذن بأذن واحدة وعين واحدة ها ها كيف لي ان اتصور كائنا كهذا؟
الصوت 3: الاجدر لك الا تبحثي عني والا تتصوريني ابدا.
الفتاة : ولكني اريد ان اراك ويجب ان اراك حتى ….. (يقاطعها)
الصوت 3: حتى تضحكي علي وتسخري مني كفاية
( تشير باصبعها اليه باشارة لا وتتقدم نحو ه )
الفتاة : لا.. لا فقط اريد ان اشفق عليك
الصوت 3: اني ارفض ان يشفق علي
الفتاة : حتى الطبيعة ؟!
الصوت 3: الطبيعة طيبة ولم تعجن مثل البشر، اولئك الذين لا يحبون الا الدمار والحرب والهلاك اني اكرهكم واكره كل من يرتدي بزة عسكرية .
الفتاة : ولكني لا ارتدي ثوبا عسكريا ولا احمل في نفسي الا الحب ، هل تريد دليلا
الصوت 3: دليلا على ماذا؟
الفتاة : على انني طيبة وامتليء حبا وعطفا، انتظر قليلا تتقدم نحو الورد وتحاول ان تتناول وردة لتهديه اياها)
الصوت 3 : دعيهم يتناثرون كحبات الرمل فوق البقاع
(بعد ان تناولت وردة بدهشة تنظر اليه)
الفتاة : من هم الذين يتناثرون ؟
الصوت 3: انهم الغزاة (صوت ايقاع طبل ) الذين يهوون الرقص والطرب في الفراغ
(تبتسم الفتاة وما زالت الوردة في يدها)
الفتاة : حقا يهوون الرقص ؟ أنا ايضا أهوى الرقص ، انظر (تتحرك الفتاة بخطوات راقصة على ايقاع الطبل مبتسمة فرحة فيصرخ الصوت بقوة )
الصوت 3: توقفي عن هذا العبث الذي بداخلك ، انهم جراد حمر وخضر وبياض فهل انت مثلهم ؟
(تتوقف الفتاة وتلقى بالوردة من يدها)
الفتاة : هل تشبهني بالجراد ايها المعتوه الدميم ، ما انت الا وجه صرصور فقد جناحيه وقدميه
(تضحك)
الصوت 3: ها ها ، هل قلت صرصور؟ ان الصراصير على أشكالها تقع ، كل البشر صراصير يرتدون المعاطف والكرافات والدشاديش والسراويل وفي النهاية هم صراصير، اما انت جوادة كالوردة تماما.
(تماما بعصبية )
الفتاة : اصمت ايها الدميم
الصوت 3: نعم انا دميم ولكن الورد جراد اقتربي منهم وتحسسي رائحة افواههم (تقترب من الورد وتتحسس وتتقزز وتبعد بقوة )
الفتاة : رائحة كريهة
الصوت 3: الم اقل لك ؟ هل لك ان تخمني تلك الرائحة ؟
(تقترب وتتناول وردة وتشمها بقوة وبصوت نافر)
الفتاة : أف إنها رائحة كريهة تشبه رائحة الخمر، كلا رائحة القبل وعنف الاجساد لا لا اظنها رائحة سائل الاخصاب ، انها رائحة مأفونة
(تلقي بالوردة بقوة )
الصوت 3: دعيهم اذن يتناثرون، انهم كالصراصير التي تقبع فوق ارفق الزبالة
الفتاة : ولكنني اقرأ في الورد كلاما جميلا
الفتاة : وهل نسمي هؤلاء بالجراد والصراصير، انها تسميه لا تليق ، ما رأيك لو اسميناهم بالغزاة ؟
الصوت3: فكرة جميلة . غزاة ومن صفات الغزاة انهم حقيقيون وليسوا وهما (موسيقى واضواء ودخان )
الفتاة : ومن افعالهم انهم يتناثرون كالغبار ويتطايرون فوق السهول وفوق الجبال ، وتسكن في دهاء عروقهم رصاص وشظايا ونار
(تختفي الموسيقى والدخان )
الصوت 3: اذن دعيهم يتناثرون واتركي هذا المكان
الفتاة : اترك المكان ؟
الصوت 3: نعم اتركيه واخرجي من عقم الاقنوم النجس
الفتاة : الاقنوم النجس ؟
الصوت 3: انه اقنوم رخيص ونجس ، لوثه الغزاة بالدهاء وفضت بكارته قبل
الاوان
الفتاة : ان تركت الوطن هجرني حبيبي
الصوت 3: واين هو حبيبك ؟
الفتاة : لقد ذهب للحرب ، افترقنا عند المحطة ولم يأت بعد
الصوت 3: ولن يأتي، الحرب تشوه كل الاشياء الجميلة
الفتاة : ولكن حبيبي ليس شيئا جميلا انه حبيبي فقط
الصوت 3: انه كائن بشري ذهب للحرب ، ولا بد انه لن يعود
الفتاة : ومن اخبرك انه لن يعود؟ انا انتظره منذ زمن ، وكلما دقت الساعة وسمعت صوت العصفور استعد للقائه وسيأتي حتما يوما
الصوت 3: ربما يأتي في زمن قد لا يجيء وسيكون مثلي
الفتاة : ماذا تعني؟
الصوت 3: مخلوق دميم ، سيفقد اذنه الاولى وعينه وقدمه ويده التي يحمل بها البندقية وربما يفقد اعضاءه التناسلية
الفتاة : اخرس ايها الدميم
الصوت 3: ستبقى الطبيعة هي الملجأ الوحيد وكل الصراصير دميمون ، وانت ايتها الجرادة الرخيصة دميمة حتى النخاع
(تصرخ الفتاة بقوة )
الفتاة : انت الدميم ولا سواك وانت الصرصور وانت الجرادة
(يضحك الصوت بقوة ويردد)
الصوت 3: جرادة دميمة ، دميمة …
الفتاة : لا لا (تردد اللفظة الاخيرة واضعة يديها فوق رأسها وتخرج خارج المسرح )
(تدق الساعة ثلاث دقات .. بعد برهة تدق دقة واحدة ، صوت عصفور، تدخل الفتاة مرتدية ثوبا ازرق بلون البحر، اثناء دخولها تنظر الى المرآة رقم 4 والغطاء ينبعث مرفوع عنها فتندفع اليها مسرعة )
الفتاة : من أزاح عنك الغطاء ايتها المرآة البلهاء؟
(تنظر الى المرآة وتضحك بخبث ومكر)
ها ها كم ابدو جميلة حين اكون بمفردي، من قال ان الجمال امرأة واحدة فقط سأمنحه قبلة (بحزن ) لقد قال حبيبي انني اجمل امرأة في الكون ، دائما يقول في انني افوق افروديت جمالا هل كان يعرف افروديت ؟ (باستهزاء) تلك الاسطورة يعرفها الجميع . (بغضب ) انني ارفض ان يعرف العالم امرأة سواي، انا الجوهر انا القصيدة اما افروديت اسطورة (تضحك ) ها ها انا التي بيدي هذه ارسم العالم واشكله كيفما اشاء، فانا التي شئت لا ماشاء العالم ، وانا التي بيدي هذه اطوق الدول والرجال ، كلا ليس كل الرجال ، فقط اطوق عنق حبيبي، نعم اطوقه (تسير بخطوات الاميرات وترفع يدها للاعلى ) فانا المليكة بين النساء وكل الرجال لي ، انا الأولى والاخيرة ، انا الانثى والانثى هي الاصل هي الالهة (تشعر بألم في اصبعها) آه ، يدي انها تؤلمني (تبكي كالأطفال )
الصوت 4: ماذا بك ؟ مم تشكين ؟
(تنظر الفتاة للمرأة وتشير الى يدها التي تؤلمها وتبكي)
الفتاة : يدي تؤلمني ولا اعرف لذلك
الصوت 4: تقدمي ومدي يدك
الفتاة : هل ستعالجها؟
الصوت 4 : سأجعلها بيضاء خالية من كل سوء
(تقترب وتمد يدها نحو المرآة فينبعث منها ضوء قوي ترجع للخلف مذعورة)
(اثناء اقتراب الفتاة تماما من المرآة ينبعث دخان مع الضوء)
الفتاة : ماذا فعلت ؟
الصوت 4: تقدمي للعناق الان ؟
(تتحسس الفتاة يدها وتضحك فرحة)
الفتاة : ها ها لقد شفيت يدي تماما، يالك من طبيب ماهر
الصوت 4 : تقدمي للعناق اذن ، اننا لم نكبر عليه بعد
(بعصبية)
الفتاة : عناق ؟ ولماذا ؟
الصوت 4 : لنسافر بعيدا ونحلق في الفضاء
(بتوجس)
الفتاة ة : نسافر ونحلق الى أين ؟
الصوت 4 : الى الاعماق الوسيعة ، حيث لا عواصف ولا قبور، لا طريق مرصوفا بالعظام والجماجم ولا شاطيء أحمر ولا بحر ميتا
الفتاة : ولكن احلامي سوف تختبيء مني وسوف تموت ذكرياتي ان غادرت هذا المكان
الصوت 4 : هل يطيب لك العيش في مكان لا يعرفه الزمن ولا يعترف به (بقوة وكبرياء)
الفتاة : نعم ، اريد ان اعيش في هذا المكان ، تحت الشمس ، بين البحر وبين الارض وهذا يكفي
الصوت 4 : هذا البحر الذي تتحدثين عنه مليء بالدهاء والدموع
الفتاة: لا تكذب ايها الافاق ، انه مليء بالاسماك واللؤلؤ والمرجان ، الا تحب السمك ؟ انه لذيذ اذا كان مشويا في التنور مع قليل من البهارات
الصوت 4 : افقك ضيق أهكذا ترين البحر حقا؟ هذا البحر فيا امواج ما انزل بها الله من سلطان ، تختلط الافكار بالبحر فيعانق الفكر الامواج وكالخيل الجامح يقفز الموج فوق الورد ويقتل الاشواق
الفتاة: هل ذكرت الخيل ؟ انني احب الخيل ، انظر (تصدر صوت الخيل وتقفز هنا وهناك )
الصوت 4: ماذا تفعلين ايتها المجنونة ؟ هل انت بهلوان ؟
الفتاة : انا لست بهلوانا انا فنانة امارس حقي في الوجود (تقف )
الصوت 4: الوجود ؟ يا لها من كلمة واسعة ذات ملامح طائشة ، اتركيك من الوجود المزيف وتعالي لنتحد في وجود واحد يا عروستي
الفتاة : عروستك ؟ حقا هل انا عروستك ؟ انني فقط عروس حبيبي الذي انتظر اما انت فانا ابدو لك كعروس البحر.
الصوت 4: لا تذكري البحر امامي
(تقترب من المرآة وتنظر اليها)
الفتاة : لماذا تكره البحر كل هذا الكره ؟
(يبدأ الصوت في البكاء)
الصوت 4: لقد اختطف البحر عروستي، لقد تآمر مارد البحر والافعوان عليها، عروستي الان مثخنة بالالم والدهاء، لقد زحفت حولها عيون المؤامرة واختطفتها بحيلة دنيئة قذرة ، لقد نقض الخونة الاتفاق .
الفتاة : الاتفاق ؟ عن أي اتفاق تتكلم فهناك اتفاقات ومعاهدات كثيرة
الصوت 4: اتقافية الحب والسلام
الفتاة : لم اسمع بها من قبل ، واين كنت انت ؟ لماذا لم تحمها؟
(تجلس الفتاة كمن تستمع الى حكاية )
الصوت 4: لقد كنت جبانا، هربت نحو الصحراء خوفا من الاعصار لأحتمي في الكهف من مخالب الحرب
(بلغة طفولية تتحدث )
الفتاة : كان عليك ان تذهب لتدافع عنها وتجيء بها من البحر
الصوت 4 : كل البحر حانق والنورس حانق والغوص الى اعماق الماء رغبة حمقاء
الفتاة : ولماذا لم تطلب النجدة من الانسان؟
(بقوة يتحدث الصوت فتفزع الفتاة وتقفز بعيدة عنه)
الصوت 4: قلب الانسان أقسى من قلب البحر
(الفتاة تتحدث بقوة وغضب)
الفتاة : ولماذا تريد ان تعانقني طالما ان قلب الانسان قاس
(الصوت بحزن)
الصوت 4 : لانك تشبهين عروستي التي سافرت . تقدمي وعانقيني ارجوك لأنال قبلة
الفتاة : آه. أخ ، انت حيوان تنظر الي وتراني فقط حبيبتك التي سافرت تريد ان تحصل على عناق من اجل قبلة ، ماذا انا بنظرك
الصوت 4: انت انثى
الفتاة : نعم انثى ولكن بعقل وفكر، وانت لا تواني الا انثى وبويضات واخصاب ، انت مأفون ، (تتقدم نحو المرآة بغضب وتمد رأسها كمن تشم شيئا)
انني اشم رائحتك المتعفنة . (تخرج لسانها للمرآة بصوت وتخرج )
(المرايا الاربع قد ازيح عنها الاغطية تماما. الكرسي الهزاز في مكانه المعتاد بقايا الورد متناثرة فوق خشبة المسرح . اضاءة على الفتاة وهي تدخل مرتدية ثوب زفاف . تدق الساعة ثلاث دقات . بعد برهة تدق دقة واحدة ويصدر صوت العصفور، بعد الصوت تدخل الفتاة حاملة بيدها شمعة . الفتاة تدخل وتمر على المرايا الاربع موجهة اليها ضوء الشمعة ومن ثم تضع الفتاة الشمعة فوق شمعدان مخصص لها بحيث ينعكس ضوء الشمعة في كل المرايا. اثناء دخول الفتاة تكون هناك موسيقى. بعد ان تضع الفتاة الشمعة فوق الشمعدان ، (اظلام على خشبة المسرح وتبدأ الكلام )
الفتاة : هل كنت احلم ؟ ام انني اعيش
حالة يقظة ؟ انني اعيش في حلم وفي يقظة، كلا بل كنت اعيش في حالة حب ساذج، نعم حب ساذج وسخيف وأبله . هل كنت اعيش في حب ام انني فقط في الخيال، خيال ممزوج بدم، كالدم الذي في القارورة ، كل شيء اراه جافا، فهل اعيش حقا في عصر الجفاف جفاف التراب والقبور والبحر (تجلس نصف جلسة على الارض ) من اين جئت ؟ أراني أسير في طريق طويل ولم أصل بعد، إذن أين أسير وكيف ستكون النهاية ؟
الصوت : الى الصمت انت تذهبين
الفتاة : الصمت ؟ هل اسير اليه فعلا ام انني منه جئت ؟ (تقف)
الصوت : جئت من الاخر والى الاخر ترحلين
الفتاة : الاخر ؟ انا والصمت نعبر رئة النهار الى نهار اخر (تتحرك)
الصوت : نهار اخر تجترحه المرايا
الفتاة : برمق النفس الاخير أين اجد الاخر؟ انني في شوق اليه
الصوت : انه يحيا في مدينة الصمت ، المدينة التي اشتعلت فيها الكلمات وصارت ترتحل فوق حبل من غسيل
الفتاة : ما عدت أقوى على الرحيل ، وقد سئمت الانتظار (بجانب المرآة )
الصوت : يتيمة انت في هذا المكان
الفتاة : نعم انا يتمية ولكنني اشتهي عرسا
الصوت : لا يشتهي العرس الا الفقراء الذين يعيشون اسفل خط الحياة
الفتاة : وانا لا اعيش اسفل خط الحياة ولا اعيش امامه (بقوة)
الصوت : اذن انت لا تعيشين الفتاة : فكيف اتنفس اذن ؟
الصوت : انت تتنفسين صدى الحياة وصدى الكلمات
الفتاة : انني اعيش في زمن لم يولد بعد، لذلك اتماوج مع صدى الكلمات وصدى الحياة في متاهات الهوى
الصوت : في تلك اللحظة يجاوبك الصدى ان الحب مات
الفتاة : الحب لا يموت ابدا، انتم ترونه قضيبا ناشفا ولكنه في اخر المطاف داليه وميلاد
الصوت : ميلاد مشوه
الفتاة : ما بالك تحلم بغد متثاقل مليء بالأهواء لي وانا طفلة يتيمة ؟
الصوت : ستكونين بعد الميلاد طفلة دميمة
الفتاة : لن اكون دميمة ولست كذلك انني القصيدة الجوهر انني الحقيقة
الصوت : الحقيقة التي لا تقول الا الكذب
(موسيقى واصوات اجراس تشبه اجراس الكنائس ، تسير الفتاة بخطوات بطينة ومتثاقلة
الفتاة لانني لا اقول الا الكذب فانني الان ألمح فوا نيس ضوء قد تركها العاشقون نجوما يهتدى بها الميتون
الصوت : انها فوانيس الجوهر.. بل هي فوانيس الجوهر
الفتاة : انها فوانيسي انا، فوانيس الوهم والظلال
الصوت : ومن أنشأ الظلال
الفتاة : بداخل احشائي اتحسس شيئا، اني اتحسس بيدي (تضح يدها على بطنها) طفلا يكبر
الصوت : وجه طفل كباقي الوجوه سيولد في القاع فلا تأسريه
الفتاة : انا لا أأسره ، انه يدغدغني بقدميه ويديه ، انه يبكي هل تسمعون ؟
الصوت : ارضعية اذن
الفتاة . انه ثمرة النزوح
الصوت : بل ثمرة العناق اعطني اياه لاقبله
الفتاة : انه ليس لك ، انه للغزاة الحقيقيين
الصوت : انه ليس للغزاة وليس للعناق انه لك وحدك فأنت المليكة بين النساء، انت الانثى الأولى والاخيرة ، انت الحبلى الأولى والاخيرة .
الفتاة : انا المليكة الأولى بين نساء العالم ، انني انظر الى مرآتي فلا اجدني فيها، انا لم اولد بعد يا رفاق الطريق والقاذورات ، هذه ضفائري تعانق نفسها والنزيف من حولكم .. يراق (تقترب الفتاة من المرايا الاربع وتتحسس بيدها على بطنها وتتكلم وتمر بجانب المرايا) اني لا اجد نفسي ولا اجد طفلي انه لا يشبهني، لذلك قررت الا اخرجه للحياة حتى لا يضل الطريق سأجعله بداخلي يكبر وسأحرقه بنار يديه (تقف في منتصف الخشبة وتبكي بقوة وفجأة ترفع كلتا يديها ورأسها وتصرخ بقوة ، تتكلم وفي صوتها حزن وبكاء وحشرجة )
مرآتي لا اجدني فيها وطال انتظاري لعناق الحبيب فوق ارض الزهور، سئمت الانتظار، سأعود للبد اية فأنا المليكة بين النساء وكل الرجال ليسوا لي وحبيبي ليس لي أنا كذبة لا تقول الا الحقيقة ، انا المليكة الأولى وفوا نيس الوهم والظلال جعلتني.. الانثى الأولى .. والاخيرة (تقع على الارض في شكل عمود ، تموت الفتاة لا تتحرك . لا ضوء على المسرح الا ضوء الشمعة ، يدخل من خلف المرايا اربعة رجال يرتدون ثيابا سوداء تختفي كل ملامح وجوههم ، يأخذون الفتاة ويضعونها فوق الكرسي ويحركونه وينصرفون والساعة مازالت تدق باستمرار دون توقف).
آمنة بنت ربيع سالمين – عمان