تميزت التطورات المعمارية التي شاعت مؤخرا في بلدان منطقة الخليج العربي بأغفال الكثير من مباوىء اقتصاديات الطاقة, تلك التي تم بلورتها عبر الزمن في الانماط المعمارية المحلية التقليدية.
حدث ذلك على الرغم من كفاءة هذه الانماط المعمارية التقليدية في توفير بيئة حرارية ملائمة في جو المنطقة القاسي ،لأى مبنى حديث ، وان الطاقة الرخيصة .المتوفرة حاليا هي مدعومة الى حد كبير ،ناهيك عن اضطرابات السوق النفطية وتقلباتها.
ومن المؤسف ان هذا الإرث الحضاري يبدد بالنسيان والضياع بسبب الإهمال في دراسته وتفهمه والمحافظة عليه.
وتمثل هذه الدراسة محاولة لتقصي السمات المميزة للعمارة العمانية التقليدية ولمئات عديدة من السنين .
ونتج عن اهدار هذا الإرث إسراف كبير في توليد واستهلاك الطاقة الكهربائية لمواجهة الاحتياجات المتزايدة والتي وصلت على سبيل المثال في سلطنة عمان الى استهلاك أكثر من 70 بالمائة من الطاقة الكهربية المولدة لتكييف العديد من المباني الحديثة ذ ات الكفاءة الحرارية المنخفضة ،وأصبح من الجلي آن استهلاك هذه المعدلات العالية من الطاقة لهذا الغرض قد أضحى يشكل عبئا ماليا كبيرا على بلدان المنطقة.
في هذا المقال نستعرض بعضا من الطرز المعمارية التي طورت محليا في السلطنة عبر فترات زمنية ممتدة ، وأسهمت لأقصى حد في تطويع معطيات البيئة المحيطة للتمتع بها والتكيف معها .
ولقد شمل ذلك مناطق السلطنة الأربع ذات المناخ المتفاوت ، وهي المنطقة الساحلية ، والمنطقة الجبلية ، والمنطقة الصحراوية ، وأخيرأ محافظة ظفار .
وسوف نرى كيف أمكن استخلاص فوائد جمة من تامل ودراسسة الانماط المعمارية المتميزة قي هذه المناطق والتي تفيد كثيرا في توفير الطاقة وحسن استخدامها عند مواعاتها في المباني الحديثة .
ويزداد الأمر أهمية إذا تذكرنا أن المخزون النفطي في السلطنة يقدر بحوالي 40 عاما ، وهو أقل من العمر الاحتمالي في مواطنها المختلفة عملا على الاستفادة منها.
مناخ سلطنة عمان :
تقع السلطنة في الطرف الجنوبي الشرقي لشبه الجزيرة العربية بين خطي عرض 16 و 26 درجتن شمال خط الإستواء ، وتنتمي الى حزام الصحراء الشهير في نصف الكرة الشمالي ، ولذا تتعرض لتغيرات مناخية كبيرة ، وتصل درجة الحرارة القصوى الى حوالي 5 و 49 درجة مئوية في مسقط العاصمة ، وتتراوح الرطوبة ما بين95 في المائة في المناطق الساحلية ، والى حوالي 10 في المائة في المنطقة الصحراوية الداخلية ، وتتركز الكثافة السكانية في السهول المجاورة للمناطق الجبلية شمال وجنوب البلاد .
ولقد ساعد الموقع الاستراتيجي المتميز للسلطنة على سيادة العمانيين على إلطرق البحرية عبر منطقة المحيط الهندي، وخاصة سواحل شرق أفريقيا والجزيرة العربية وبلاد فارس والهند والصين .
وظهر جليا حب العمانيين عبر التاريخ للترحال والسفر ، وأدى اتصالهم بالعديد من الشعوب في الشرق القديم الى تبادل في المؤثرات والثقافات ومن ضمنها الطرز المعمارية التي طوروها لتناسب طبيعة بلادهم واحتياجاتهم .
ويتنوع المناخ في عمان تنوعا بينا ما بين البرودة الشديدة فوق المرتفعات الجبلية ، لكي يصبح دافئا ورطبا خلال المناطق الشمالية ولسهل الباطنة ، الى دافىء قأري في الجنوب ، الى حار وجاف عبر الصحراء .
وانعكس هذا التنوع الواضح في المناخ على الانماط المعمارية في كل المنطقة والتي لطورتها، وأثرتها الحضارات المحلية عبر الاحقاب التاريخية .
ما هي الجدوى المنشهودة من دراسة الانماط المعمارية؟ :
سعى الإنسان خلأل آلاف بعيدة من السنين الى تحري الوسائل و الأساليب المناسبة لمواجهة تقلبات إلطقس ، وعوامل المناخ المحيطة به، وظهر هذا جليا خاصة في الملابس والمساكن ونمط العيش لتوائم حاجة الانسان الى الشعور بالراحة خلال تقلبات الحرارة والرياح والأمطار .
عندما بدات حركة التحديث والنهضة في عمان منذ عام 1970 م بذلت جهور ضخمة لتطوير البلاد .
وفي زمن قياسي انتشرت في ربوع السلطنة الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة وشبكات الطرق والمياه والكهرباء .
وبتوافر الكهرباء وأجهزة التكييف الحراري أصبح بالامكان العيش في المباني الخرسانية الحديثة التي تتسم بكفاءة حرارية منخفضة ، وأصبح بالامكان كذلك عدم مراعاة التأثيرات البيئية الحرارية في تصميم وانشاء المباني ، الأمر الذي أدى الى إغفال الرصيد الحافل من الأنماط المعمارية التقليدية التي تطورت محليا عبر آلاف السنين لتتلاءم مع البيئة الحرارية في السلطنة ، وكان سببا رئيسيا في ذلك:
1 – العمالة الوافدة التي درجت على الستخدام الخرسانة في بلادها ، واستعمال الوسائل الصناعية لتوفير جو المعيشة الملائم ، كما انها لم تكن ملمة بالأنماط المعمارية المحلية المنسجمة مع البيئة العمانية .
2 – بدت المنازل الخرسانية أكثر جاذبية من المنازل التقليدية من حيث الظروف الصحية وسهولة نظافتها وصيانتها ، وطول عمر المبنى.
لقد تبلورت فلسفة البناء التقليدي في عمان في اطار الحصول على أقصى قدر من النفعية الحرارية (التهوية والتدفئة أو التبريد) باستخدام الوسائل الطبيعية وعدم إلاعتماد على المواد مستوردة أو مكلفة ، ومن هنا تم تصميم المباني واتجاهاتها وكذلك المواد الانشائية المستخدمة لتوفير هذه النفعية المرجوة ، كما تطورت أساليب العيش في هذه المباني لتنسجم مع البيئة الحرارية الخارجية .
والملاحظ في الوقت الراهن أنه ومع توفير وسائل التكييف الحراري الآلية ، والتي تمكن الانسان من التحكم بسهولة فى درجة الحرارة وا التهؤية فانه قد تم التغاضي عن أسس العمارة التقليدية والموائمة تماما للبيئة والانسان ، وصاحب ذلك زيادة واضحة في لم استهلاك الكهرباء والتلوث البيئي والضوضاء ، وتكلفة
صيانة المباني والأجهرة الكهربية.
وتفيد الاحصائيات بالزيادة المطردة في استهلاك الكهرباء خصوصا في منطقة العاصمة ، وأن ما يزيد على 70% من هذه الطاقة تستهلك خلال فصل الصيف في التكييف الحراري للمباني والمنشآت ، وهذا المنحى سيظل في زيادة مطردة مع النمو السكاني العالي والذي يقدر بـ 3.5 في المائة سنويا ونصيب الفرد المتزايد من استهلاك الطاقة .
ومن هنا تتضح الأهمية القصوى لتخفيض استهلاك الطاقة في هذا المجال وتحسين الكفاءة الحرارية للمباني بالوسائل الطبيعية .
ولقد بدا واضحا في الانماط المعمارية التقليدية خلال مناطق السلطنة المختلفة ،كيف تم التعامل بكفاءة وحنكة مع المتغيرات المناخية وتقليل تأثيراتها .
وليس المقصود بالطبع العزوف عن استخدام الوسائل الحديثة في المباني والتي توفر بيئة حرارية مريحة بطرق صناعية ،وانما المقصود تحقيق قدر من التوازن ،وربما التبادل ، بين هذه الطرق ، والطرق الطبيعية المتوفرة ، والآن نلقي الضوء باختصار على المناطق الجغرافية الأربع للسلطنة وما حظيت به كل منها من خبرات وكنوز معمارية فريدة .
المنطقة الساحلية :
تمتد المنطقة الساحلية على طول المقريط الساحلي لعمان ، من مضيق هرمز شمالا ، وحتى بداية ساحل المنطقة الجنوبية شاملا ساحل الباطنة ، ومسقط ، و صور.
ومن المفيد معالجة ساحل المنطقة الجنوبية بصورة منفصلة نظوا لتفرده بظاهرة مناخية متميزة خلال فصل الصيف من شهر مايوإلى سبتمبر.
يتميز طقس هذه المنطقة الساحلية بأنه عموما حار ورطب ، مع شذرات قليلة من الأمطار ، وتتراوع درجة الرطوبة النسبية صيفا بين 5 الى 100 % مع متوسهط يصل إلى حوالي 75% مما يعمل على إعاقة تخفيض درجة حرارة الجسم عن طريق تبخير العرق على جلد الإنسان ، الا اذا استخدمت وسائل لتنشيط حركة الهواء الملامسة للجلد .
ويصل متوسط درجة الحرارة في هذا الفصل لحوالي 33 درجة مئوية ، مع حد أقصى حوالي 5 و49 درجة مئوية ،ويعمل البحر على تلطيف ررجة الحرارة على الساحل بمقدار 2 الى 3 درجات عن المناطق المجاورة .
ومن الملاحظ أن الأنماط المعمارية في هذه المنطقة قد استفادت لأقصى درجة من ظاهرة "االتبادل الحراري " بين البحر واليابس ، فمن المعروف أن هناك تفاوتا في اكتساب وفقدان الحرارة بين الأرض والبحر ، فالأرض تكتسب الحرارة نهارا أسرع من البحر ، مما يسبب تيارا هوائيا تصاعديا على الأرض ، واستقطايا للهواء البارد من سطح البحر الى اليابسة ، وكلما زاد فارق درجة الحرارة بين اليابس والماء ، زادت سرعة هذا التيار الهوائي المعروف ب "نسيم البحر" , وتنعكس هذه الدورة خلال الليل نظرا لأن الأرض تققد حرارتها المختزنة خلال النهار بمعدل أسرع من البحر ، ولذا فقد صممت المباني للاستفادة من هذه الدورة الحرارية عن طريق تسهيل مرور تيارات الهواء الملطفة من البحر الى هذه المباني ، والتي انشئت مواجهة للبحر مباشرة ، وحاوية على أكبر عدد من فتحات التهوية .
ونظرا لأن الخط الساحلي يمتد من الشمال للجنوب فان المباني قد تمحورت على نفس هذا الخط "اشمال – جنوب ". ونظرا لأن موقع عمان الجغرافي بين خطي 16 الى 26 درجة شمالا يتسبب في أن حوائط المباني في إتجاهي الشرق والغرب تتلقى قدرا أكبر من الاشعاع الحراري خلال النهار صيفا ، عن الحوائط في اتجاهي الجنوب والشمال مما أدى الى استخدام وسائل لاستجلاب الظل على الحوائط جهة الشرق ، بينما تم تقليل عدد الفتحات خلال حوائط الجهة الغربية .
وتعتبر التذبذبات الحرارية بين ساعات الليل والنهار في المناطق الساحلية ضئيلة نوعا ما ، اذا ما قورنت بتلك التى في المناطق الصحراوية .
ومن الملاحظ أيضا ان الأنماط المعمارية خلال المناطق الجغرافية المختلفة في المنطقة الساحلية قد تاثرت الى حد بعيد بالظروف البيئية المحلية ، مثل المواد المتاحة للبناء ، وبالعوامل الاجتماعية والاقتصادية ، ولايضاع ذلك نتناول على من مباني مطرح .. يلاحظ كثيرة النوافذ ذات الدعائم الخشبية الطولية التي تساعد على لم استقبال نسيم البحر انفراد المناطق الجغرافية الثلاث على الساحل ، وهي ساحل الباطنة ، ومنطقة مسقط وصور.
ساحل الباطنة :
يأخذ ساحل الباطنة شكل الهلال ،ويمتد من مناطق الحدود مع دولة الامارات العربية المتحدة شمالا الى منطقة مسقط جنوبا ، ومحصورا بين سلسلة جبال الحجر غربا وخليج عمان شرقا .
ويبلغ عرض سهل الباطنة في أقصاه ثلاثين كليو مترا , وينحدر تدريجيا ناحية البحر ، وبالقرب من الساحل فان مستودعات المياه العذبة ، والتي تغذى من الامطار الساقطة على سلسلة جبال الحجر تكون سطحية الى حد بعيد ، مما سساعد على استزراع شريط ضيق متصل قرب الساحل .
ولقد صاحب الزراعة نشاط سكاني في حرفتي الصيد والتجارة عبر البحر مما ساعد على الاستقرار السكاني والاستيطان في المناطق بكثافة نسبية ، ولعل صحار هي أكثر الأماكن إزدحاما بهذه الأنشطة المتعددة والسكان ، ومن المعروف أن صحار ميناء قديم دأب الناس على استخراج النحاس من المنطقة المحيطة به وتصديره منه خلال فترة تقارب الألف سنة الآن .
ويمكن عموما تقمسيم الانماط المعمارية فى المنطقة إلى ثلاثة نماذج هي :
مساكن منطقة الشاطىء ، مساكن الشريط الزراعي ، ومسا كن المنطقة الواقعة جهة الداخل.
وتتسم مستوطنات الشاطىء بانها تتكون من صفوف من المنازل مواجهة للبحر للاستفادة من نسيم البحر ، مع مسافات بينية كافية بين هذه الصفوف للسماح بمرور هذا النسيم للمنازل في الصفوف الخلفية ، وتوجد عادة بين المباني الساحلية في منطقة المزارع مجموعة من البنايات ذات النفع العام مثل المسجد الجامع ، وقلعة كييرة ، والسوق ،بالاضافة إلى منازل إلتجار الأثرياء وأصحاب المزارع ، وتتناثر خلال الشريط الزراعي البيوت الصيفية لأصحاب المزارع والزراع ، وتستغل هذه المنازل عادة خلال فصل الصيف عند الحصاد ، ولكونها تقع بين مناطق النخيل الكثيفة فانها توفر جوا منعشا ذا هواء معتدل كثير الظلال ، وتنتشر ، الى الداخل قليلا ، من المنطقة الزراعية مجموعات متفرقة من المنازل الصيفية التي تستخدم بصورة مؤقتة غالبا بواسطة الأشخاص الذين يقومون بالقدوم الى المنطقة لجني التمور .
تتمسم المباني التقليدية خلال ساحل الباطنة بخفة المواد المستخدمة في بنائها ، وهي أيضا كثيرة الفتحات في الجدران لواجهة البحر لذلك لا تمتص جدران المباني كفية كبيرة من الحرارة خلال النهار ، مما يساعد على عدم ارتفاع درجة حرارة الحيز الداخلي للمبنى أثناء الليل ، و تعتبر هذه الظاهرة ذات ميزة نسبية حيث أن نسيم الهواء خلال الليل لا يعد ذا أثر كبير في التبريد ، كما هو الحال في نسيم النهار ، ويرجع ذلك الى انحدار منطقة الشاطىء لأسفل نحوالبحر، مما يجعل سريان النسيم من اليابس ، والذي يمر عبر شجار النخيل ، ضعيفا على البيوت المجاورة للشاطىء .
كان "العريش " هو النمط السائد من المباني حتى عام 1975 على ساحل الباطنة وكان يصنع من سعف وجريد أشجار النخيل ، وهي المادة المتوفرة بوفرة في البيئة ، كما أنها رخيصة الثمن ، ومناسبة تماما للتكيف مع جو المنطقة الحار والرطب .
واذا تاملت المنطقة الآن فانك ستجد للأسف ان عدد المباني المصنوعة من سعف النخيل قد تضاءل ، نظرا لعدم مناسبتها للتمديد بالكهرباء ، بالاضافة الى أنها قابلة للاشتعال بسهولة ، وغير مقاومة للسيول الناتجة عن الأمطار ، و أنها ذات عمر قصير ، وكذلك بسيب عدم توفيرها الخصوصية الكافية والأمان لقاطنيها .
ولقد نتج عن اختفاء المباني المصنوعة من جريد النخيل أن ضاع الكثير من فرص التعوف على مزاياها وخواصها.
وعلى الرغم من أن مثل هذه المباني لم توفر بالضرورة كل المتطلبات المتاحة في نظيراتها الحديثة ، الا أنها وفرت مزايا متفوقة من ناحية التكيف الحراري ،ويمكن تصنيف المساكن التقليدية بساحل الباطنة الى ثلاثة أنواع: .
أ – المساكن الصيفية – الشتوية :
وهي ذات تركيب بعسيط يحوي غرفا مصنوعة من سعف النخيل ، وتستخدم على شكل ألواح (دعون ) لعمل الحوائط والأسقف ، وتسمح هذه الألواح بسريان الهواء ، من خلالها ، مع الحفاظ على قدر كأف من الأمان والخصوصية ، وعند اقتراب فصل الشتاء تضاف طبقة أخرى من الألواح لعرقلة موور الهواء وزيادة الدفء .
ب -المساكن ذاق الصفين :
وفيها يخصص صف الحجرات المواجهة للبحر للاستعمال خلال الصيف ، والمقابل له للاستعمال خلال الشتاء: وتطل كافة الحجرات على ساحة داخلية واسعة ، وتصنع الحجرات المستخدمة صيفا من ألواح جريد النخيل "الدعون " أو من جدران تتخللها نوافذ عريضة وواسعة ،بينما تستخدم ألواح مماثلة لانشاء الغرف المستخدمة شتاء ، ولكن مع سد كل الثغرات باستخدام الطين ، أو تنشأ من الطابوق المصنوع من الطين "الطفال "وبأقل عدد من النوافذ خلال الجدران .
ج – المساكن المصنوعة من الطين أوالجص والحجارة :
وتستخدم كمبان إدارية أو كمحلات بيع ، تلك التى تتطلب قدرا كبيرا من تأمين محتوياتها ، وتستخدم أيضا في المباني الداخلية بعيدا عن البحر ، حيث تقل نسبة الرطوبة .
منطقة مسقط :
يشتمل الشريط الساحلي الضيق لهذه المنطقة على مدينتي مهسقط ، ومطرح القديمتين ، وتقع كلتاهما عند التقاء المرتفعات الجبلية مع السهل الساحلي ،وهما تقابلان موانىء طبيعية جيدة . ولقد أتاحت لسلسلة الجبال المحيطة بالمنطقة والزخم الحراري لها ايجاد اتزان في درجة حرارة الهواء حول المناطق السكنية المأهولة ، والتي تعاني عادة من ارتفاع درجة حرارتها بضع درجات عن المناطق الساحلية الأخرى في عمان .
ونتج عن تلك البيئة الجغرافية ان تمتعت منطقة مسقط بانخفاض ظاهر في درجة الرطوية النسبية خلال شهور الصيف القائظ الى أقل من 60 قي المائة .
ومن الواضح تأثر دورة النسيم بين البحر واليابس بوجود سلسلةالجبال في هذه المنطقة ، باعتبار أن الجبال عادة ما ترتفع درجة حرارتها بمعدل أبطأ من اليابس حولها ، مما يؤخر هبوب نسيم البحر في المنطقة ، وبالمثل فان نسيم البر يتأخر لبضع ساعات عند المساء.
تأخذ مسقط شكل منخفض محاط بالجبال العالية ، وهي ذات منفذ احادي ناحية البحر ، ونظرا لأنها كانت عاصمة للبلاد لفترات طويلة فقد إنعكس ذلك على نمط عمارتها التقليدية ، ومن الناحية التاريخية فانه يمكن تقسيم النماذج
السكنية في مسقط الى ثلاث مجموعات بحسب المستوى الاجتماعي للقاطنين ،ويشمل ذلك :
أ – منطقة العائلة المالكة ورجال الدولة .
ب – منازل الطبقة المتوسطة .
ج – منطهقة سهكن محدودي الدخل .
تقع المنطقة الأولى . وهي مسورة عند منفذ البحر ، حيث ينشط النسيم ، وتتصف هذه المباني بالفخامة والمناعة ، وعملا لأستمرار تلطيف الجو في هذه المنازل فانها صممت لتحتفظ يبرودتها المكتسبة خلال الليل وحتى منتصف النهار ، وذلك حين يبدأنسيم البحر في الهبوب بفاعلية ، ومن هنا فقد كأن نمط المنازل ذات إلفناء الداخلي هو المناسب لتحقيق حالة الانسجام أو التكيف الحراري ، اضافة الى أن الرطوبة المنخفضة نسبيا في منطقة مسقط تساعد على تحقيق هذا الهدف .
يتكون المينى السكتي في هذه المنطقة من طابقين ، أو ثلاثة ، ومعظمها لها فناء داخلي ، وفيها يكون الطابق الارضي حاويا لعدد قليل من النوافذ (مع عدد كبير من فتحات التهوية المرتفعة) لضمان تأمين ألمبنى ومناعته ، وتحوي الطوابق العليا عددا أكبر من النوافذ ويعلو كلا منها فتحات للتهوية التى تفيد في تسريب هواء الغرقة الساخن الى الخارج ، ليحل مكأنه هواء بارد من فناء المنزل ، وخلال الليل فان فناء المنزل يفقد حرأرته بالاشعة المتصاعدة الى طبقات الجو العليا بينما لا يصل اليه الهواء الساخن بفضل جدران الغرف المحيطة به ، ونتيجة فذلك فان الهواء البارد الذي يتكون في الفناء ينساب الى الغرف المحيطة به طاردا الهواء الساخن من خلال فتحات التهوية العلوية .
تساهم عوامل عديدة ، كما هو واضح الآن ، في توفير هذه الحالة من الانسجام الحراري داخل المبنى حتى منتصف النهار ، وهي عكلى سبيل المثال ضخامة حجم المبنى الذي يختزن في جدرانه السميكة كمية من البرودة المكتسبة خلال الليل ،ويتسع أيضا قي مساحة الفناء والغرف المحيطة به لكمية كبيرة من الهواء البارد ،ويالتالي يحجز الهواء داخله ، الهواء البارد المتكون داخل ساحة المنزل ، وذلك المحبوس داخل الغرف المحيطة ، وعند منتصف النهار عندما تسطع أشعة الشمس مباشرة داخل الساحة الداخلية للمنزل فان نسيم البحريكون قد بدأ ينساب رقيقا من خلال نوافذ الطوابق العلوية للمبنى ، والتي تسمح بسرعة سريان آعلى للهواء من نظيراتها السفلية .
وتتجاور مساكن الطبقة المتوسطة متلاصقة عند مركز البلدة ، وهي غالبا مكونة من طابق واحد تكون له عادة ساحة داخلية أيضا، ونوافذ عديدة في حجرات معينة ، واخرى لا تكاد تحوي أي نافذة . ومعظم هذه المساكن يحوي مكانا مظللا شبه مفتوح بسمى "الدهريز" وهو لفصل غرف النوم عن ساحة المنزل ، ويظل هذا الدهريز باردا نسبيا حتى عند انتصاف النهار وارتفاع درجة حرارة الهواء في الساحة ، ولذا فان هذا المكان يستخدم عادة كمكأن معيشة ومجالسة لأصحاب المنزل .
أما منازل محدودي الدخل قتتواجد متراصة وملاصقة لمنطقة المرتفعات الجبلية، وتبنى عادة من جذوع النخيل، وتحظى بمزاياها فتسهم التيارات الهوائية، التي تتكون بفعل التغيرات الدورية في درجة حرارة سطح الجبل ، في توفير نوع من الانتعاش الحراري عندما تمر على جسم الإنسان المبلل بالعرق .
وتعكس الانماط المعمارية قي "مطرح " مزيجا اجتماعيا فريدا ، حيكث استقر فى المدينة كثير من التجار النازحين من أمكنة مختلفة ، وما زألت المنطقة السكنية الخاصة بهم تحمل سماتها المتميزة ، ومع تطلع أهل هذه المنطقة المزدحفة الى توفير الخصوصية والأمان في المسكن ، فانهم لم يتوانوا أيضا في توفير أسباب التكيف الحراري مع البيئة الحارة المحيطة بهم.
ولقد بنيت المساكن غالبا من طابقين ،ومرتفعة من 2 الى 3 أمتار عن سطح الأرض لتفادي نوبات فيضان مياه البحر القريب ، ولتحقيق الخصوصية والأمان.
والملاحظ كثرة عدد النوافذ الطويلة المرتفعة والتي تساعد على استقبال نسيم البحر المنعش ، وتظهر الشرفات ذات الدعائم الخشبية الطرفين بكثرة في الطابق العلوي، والتي قل أن توجد في غير هذه المنطقة عبر عمان.
تمتد هذه الشرفات عرضيا من مستوى الطابق إلأول مواجهة للبحر ، ومغطاة بسقف مائل ، وتحو ى الحوائط التي تمتد منها هذه الشرفات بوابا زجاجية ونوافذ مستطيلة ، واعتبرت هذه الشرفات كأمتداد لأماكن المعيشة وشاع استخدامها بواسطة السكان كأماكن للجلوس أو النوم ، ويلاحظ أن هذه الشرفات توفر ضلا للنواقذ التي تقع تحتها في الجدار .
بعيدا عن الشاطىء تظهر الحاجة الملحة الى التهوية بالعدد الكبير من الفتحات في المساكن ، ومن الملاحظ أيضا أن كثيرا من المنازل القديمة في "مطرح " كانت قد بنيت من سعف وجريد النخيل .
صور :
تقع منطقة "صور" على الطرف الجنوبي من سلسلة الجبالى الشمالية في عمان ، أي بالتقريب ، عند منطقة التقاء خليج عمان والبحر العربي والمحيط الهندي ، وتعتبر "صور" من كبريات مدن عمان ، وكانت ميناء مكتظا بالحركة ما بين ساحل شرق أفريقيا والخليج العربي ، وإيرإن والهند ، ومقارنة بغيرها من المدن العمانية ، فإن "صور" ذات كثافة سكانية عالية ، وقد انعكس هذا على التخطيط والأنماط المعمارية في المدينة.
يختلف جو "صور" عما عداها من مناطق الساحل العماني نظرا لموقعها المفتوح وقربها من الصحراء (صحراء آل وهيبه على وجه الخصوص ) ، فسرعة الرياح في منطقة صور أشد من مناطق السماحل الأخرى ، ويوجد اتجاهان رئيسكلياق لحركة الرياح ، وهي رياح شمالية خلال أشهر الشتاء ، وجنوبية غربية خلال شهور الصيف ، ويكون ا لطقس حارا ورطبا خلال شهور الصيف ويصبح مطلوبا بشدة تحري اتجاهات حركة الرياح خلال هذه الفترة للتمتع بالراحة وتحقيق التكيف الحراري ، ويغلب على شهور الشتاء البرودة وحركة الرياح فيها نشطة ، ومن ثم يتطلع السكان الى تقليل حركة الهواء داخل المباني ، ولتحقيق هذه المتطلبات المتعارضة، خاصة مع استخدام النوافذ الخشبية التي يتخللها الهواء حتى مع إغلاقها بإحكام ، فقد بنيت غرف مختلفة لاستخدامات الصيف والشتاء.
الحجرات الصيفية تحوي العديد من النوافذ المواجهة للبحر وعادة ما تكون في الطابق الأول من مبنى ثنائي الطوابق ،والغرف الشتويه تقع في الطابق الأرضي من المبنى ، وتكاد لا تحوى أي غرف أو فتحات.
وتقع الغرف ، في غالبية أنماط المعمار المحلي في "صور" على جانبين أو ثلاثة من محيط مسساحة أرض المبنى ، متضمنة ساحة (باحة) مركزية كبيرة ، تفيد في توفير الخصوصية للسكان ، ولكنها أيضا تضمن عدم الشروع في بناء مبان ملتمصقة بالحجرات الصيفية ، والتي قد تعرقل سريان كمية كافية من الهواء المنعش خلال هذه الحجرات .
ويلاحظ في المنطقة المكتظة سكانيا في صور (وتسمى صور الساحل) أن طرازات المباني تتسم بالعشوائية ، وهناك الكثير من المسطحات الفارغة والطرق الضيقة بين المباني ، ويرجح اف هذا النمط كأن مرغوبا فيه لسماح بسريان الهواء من خلال الفراغات للمنازل المتناثرة والبعيدة عن الشواطيء .
ومن السمات المميزة في انماط المساكن المحلية في منطقة صور ان تصميم النوافذ يسمح بالتحكم الدقيق في سريان تيار إلهواء للغرف المختلفة في المسكن ، وذلك بتقسيم النوافذ الى قطاعات صغيرة وعديدة ، ويمكن إغلاق أي منها أو فتحه بمفرده .
ويمكن من خلال هذه النواقذ التعامل بكفاءة مع متغيرات الجو خاصة الرياح النشطة في المنطقة .
وقد استخدم الحجر الجيري المتوفر محليا في بناء أغلب حوائط المنازل المحلية في صور . من سمات هذه الحوائط السميكة انها تختزف حرارة الشمس الساقطة خلال النهار ، وتنقلها الى الحيز الداخلي خلال الليل محققة درجة حرارة أدفأ من الجو المحيط وهو أمر مرغوب داخل الغرف الشتوية خلال فصل الشتاء.
المنطقة الجبلية :
تشمل هذه المنطقة جغرافيا البلدان التي تقع في ، وفيما حول ، سلسلة الجبال الشمالية في عمان ممتدة من الحدود مع دولة الامارات العربية المتحدة الى الجانب الشمالى الشرقي من عمان ، وتمتد تقريبا بمحاذاة الساحل ، وتفصل هذه المنطقة إلجبلية ما بين المنطقة الساحلية والصحراء، وتبلغ آعلى القمم الجبلية 3075 مترا فوق سطح البحر " وتقع ناحية جنوب الشرق في الجبل الأخضر.
تتساقط الأمطار بغزارة ولفترة زمنية محدودة خلال العام ، وتنساب هذه الأمطار خلال الآودية الجبلية كمياه جارفة ، وتكون هذه مع الطمى الخصب الذي تحمله أحواضا زراعية خصبة عبر مسار الاودية ولهذا تقع معظم المستوطنات السكنية حول بطون هذه الأودية .
يتأثر الطقس الى حد بعيد في هذه المنطقة بالجبال التي تتسم بسعتها السحرارية الكبيرة والتي تعمل على اعتدال درجة الحرارة .
الا أن التغيرات في درجة الحرارة تتعدى تلك الموجودة في المنطقة الساحلية ، ولكنها آقل حدة من تغيرات درجة الحرارة في المنطقة الصحراوية .
تنخفض درجة الحرارة عموما فوق منطقة المرتفعات الا أن كثافة اشعاع الشمس تتجاوز ذلك عل الساحل، وربما يرجع هذا جزئيا الى ان الرطوبة تقل عن رطوبة الساحل .
تكون اتجاهات الرياح شمالية خلال أشهر الشتاء ، وجنوبية غربية في الصيف ، ويطلق على الرياح الشمالية اسم "العلوي " وهي شديدة البرودة بالنسمبة لمنطقة تتسم بجوها الحار ، بينما تهب الرياح الجنوبية الغربية وتسمى "السموم " من منطقة الربع الخالي ، وهي شديدة الجفاف وساخنة .
يوجد أيضا نسيم خفيف يهب على المنطقة بصورة دورية يومية نتيجة التباينات الحرارية المحلية بين المنحدرات الجبلية والأودية .
يلاحظ أيضا أن هناك فروقات في المناخ بين الجوانب المقابلة للبحر ، وتلك المواجهة للصحراء ، على جانيي المرتفعات الجيلية وتزيد الرطوبة في الجهة ناحية البحر .
تترامى البلدات ناحية الشرق من سلسلة الجبال وتقع في الآودية المنخفضة أسفل المرتفعات مما يلقي عليها ظلالا حانية خلال الساعات الأخيرة من النهار.
والأكثر أهمية أن المرتفعات تكفل حماية فعالة للمناطق المأهولةمن الرياح الجنوبية الغربية والقي تهب جافة وساخنة من الصحراء .
اضافة الى العوامل الاجتماعية والاقتصادية فان التغيرات المناخية قد أدت الى فروق واضحة في تخطيط التجمعات السكنية خلال المنطقة التي يغلب عليها التشابه في تصميم المباني .
تظهر المستوطنات السكنية في المناطق خصبة التربة وفيرة المياه ، وتبنى المساكن عادة فوق الأماكن المرتفعة نسبيا والتي لا تصلح للزراعة ، ولذلك تبتعد عن أخطار السيول والفيضان .
تغطي اشجار النخيل أكثر من 80 % من الأراضي المزروعة وتوجد التجمعات السكنية داخل المناطق المزروعة أو حولها.
يتضح بجلاء تأثيران هامان للمناخ ععلى أنماط المباني في هذه المنطقة وعلى ردود فعل السكان حولها .
أول هذه التاثيرات هي كوكبية توزيع المساكن (تجاورها معآ) خاصة في الجانب المواجه للصحراء، وتبلغ ارتفاعات المساكن طابقين أو ثلاثة . وهي متلاصقة الى حد بعيد وتشترك في حائطين أو تلاثة وتفصلها ممرات ضيقة متعرجة .
تتواجد مجموعات المنازل