«هناك حرج يتزايد أكثر وأكثر من حولنا، حين يتم الإفصاح عن رغبة في سماع قصة»
والتر بينيامين
جرى كثير من العمل في حقل السرديات، بحيث إن السعي نحو أي نوع من تكوين مناطق اتفاق أساسية، وقضايا مبدئية محل اختلاف، يبدو مهمة مهولة. ولو حصر المرء نفسه في حالات واضحة، فإن هناك عمل الشكلانيين الروس، خصوصًا بروب وشكلوفسكي، وهناك موروث أمريكي يمتد من مقدمات هنري جيمس، مرورًا بلوبوك وبوث، وانتهاء بالمحاولات الحديثة في تكوين ما يجمع بين الموروثين، مثل دراسة سيمور شاتمان «القصة والخطاب» – كل هؤلاء اهتموا بمشكلات وجهة النظر في السرد. وأخذت البنيوية الفرنسية على عاتقها تطوير قواعد للسرد (بارت، تودوروف، بريموند، جريماس، توماس بافيل، جيرالد برنس) ووصف العلاقات بين القصة والحكي (جينيت). كما يرد إلى الذهن من ألمانيا ولفجانج كايزر، بيرنارد لاميرت، فرانز شتانزيل، وولف شميد، وكُتبتْ أعمالٌ مهمة في هولندا، خصوصًا لدى تيون فان دايك، وميكي بال، فضلاً عن وجود مجموعة نشطة في تل أبيب(بنيامين هروشوفسكي، مائير شتيرنبرج، مناحيم بيري)(1).
هناك إذن تنوع كبير بين هذه الموروثات، وبطبيعة الحال فإن كل منظِر من هؤلاء له مفاهيمه ومقولاته، أما لو اتفق هؤلاء المنظِرون على شيء، فسيكون قولهم بأن نظرية السرد تتطلب تفرقة بين ما أسميه «القصة»، وهي متوالية الأفعال أو الأحداث، منظورًا إليها بمعزل عن الطريقة التي تحققت بها في الخطاب، وبين ما أسميه «الخطاب»، وهو تمثيل الأحداث، أو سردها في كلام.
تلك هي التفرقة في حركة الشكلانية الروسية، بين fabula و sjuzhet، أي القصة بصفتها سلسلة من الأحداث، والقصة كما نقلتها عملية السرد. ويطرح منظِرون آخرون صياغات مختلفة لهذه التفرقة، وهي صياغات تنطوي مصطلحاتها على نوع من التشوش؛ فمصطلح récit مثلاً، يساوي أحيانًا مصطلح fabula كما عند بريموند، ويساوي أحيانًا sjuzhet كما عند بارت، غير أن هناك على الدوام تفرقة أساسية بين متوالية من الأحداث، وبين خطاب ينظم هذه الأحداث ويقدمها. يميز جينيت مثلاً، بين متوالية الأحداث histoire ، وتقديم هذه الأحداث في خطاب récit، كما يميز هذين المستويين عن مستوى ثالث يسميه narration، وهو طريقة النطق بالسرد. غير أن ميكي بال،ومن الطريقة التي يستخدم بها جينيت مقولاته، تؤكد – وهي على صواب فيما أعتقد – أنه « لا يميزفي النهاية إلا بين مستويين، هما المستويان نفساهما اللذان ميز بينهما الشكلانيون الروس»(2).
كان التراث الأمريكي أقل من غيره نزوعًا إلى صياغة هذه التفرقة صراحة. لقد كان معنيًا في الأساس بمشكلات وجهة النظر؛ أي تطابق الرواة، والتمايز بينهم، الرواة من الداخل والرواة من الخارج، ووصف ما ينتمي في الرواية والقصة القصيرة إلى منظور الراوي. غير أن المرء لكي يقوم بذلك، يجب أن يفترض تفرقة بين الأفعال أو الأحداث نفسها، وبين العرض السردي لهذه الأفعال. ولكي يكون لدراسات وجهة النظر معنى، لابد أن تكون هناك طرق متعددة متعارضة لرؤية قصة معينة وحكيها. وهذا يجعل من القصة جوهرًا صلبًا لا يتغير، شيئًا ثابتًا يمكن أن تقاس عليه تنويعات العرض السردي المختلفة. ولكن وصف الموقف على هذا النحو، يعني إدراك التفرقة وكأنها خيال موجِه؛ ذلك أن من يقوم بالتحليل، لا تُقدَم له – إلا نادرًا – عملياتُ سرد متعارضة لنفس المتوالية من الأفعال، من يقوم بالتحليل يجد أمامه عملية سرد واحدة مفردة، وعليه أن يفترض ما «حدث في الواقع بالفعل»، لكي يكون بمقدوره أن يصف ويفسِر الطريقة التي رَتبَ بها الراوي متواليةَ الأحداث، وقيَمها، وعرضَها.
وهكذا، ورغم أن التراث الأمريكي لم يكن لديه الكثير من الاهتمام بصياغة مقولاته، أو محاولة وضع قواعد للحبكة، فإنه اعتمد على هذه التفرقة الأساسية نفسها، التي كان علم السرد الأوروبي يصوغها صراحة، وهي التفرقة التي أزعم أنها مشروع في السرد لا غنى عنه. وعلى المرء لكي يجعل من السرد موضوعًا للدراسة، أن يميز بين السرد واللاسرد، وهذا يتضمن بالضرورة أن السرد ينقل متوالية من الأحداث. وإذا كان السرد يُعرَف بأنه تمثيل لسلسلة من الأحداث، فإن على من يقوم بالتحليل أن يدرك هذه الأحداث، وأنها تقوم بوظيفتها وكأنها أمر لا علاقة له بالخطاب أو بالنص المدروس، كأنها شيء له وجود سابق على عملية التمثيل السردي، ومستقل عنها، وأن عملية السرد قامت بعد ذلك بنقلها. لا أقول بالطبع، إن علماء السرد يعتقدون أن قصة بلزاك كانت قد وقعت فعلاً، أو أن بلزاك كان قد تصور الأحداث أولاً، ثم جسدها بعد ذلك في خطاب سردي، بل أقول إن التحليل السردي لنص من النصوص، يقتضي أن يتعامل المرء مع الخطاب وكأنه تمثيل لأحداث تم التفكير فيها مستقلة عن أي منظور أو تمثيل سردي، كما تم التفكير فيها وكأن لها نفس خصائص الأحداث الحقيقية. وهكذا، قد لا تدرك الرواية العلاقة بين حادثتين تقدمهما، أما من يقوم بتحليل السرد، فيجب أن يفترض أن هناك ترتيبًا زمنيًا حقيقيًا أو مناسبًا للأحداث، وأن الأحداث قد وقعت في الحقيقة إما في الوقت نفسه أو في أوقات متلاحقة. وتحدد ميكي بال هذه الفرضية بوضوح يندر مثله بين منظِري السرد:»تتألف القصة من مجموعة من الأحداث في ترتيبها التعاقبي، وفي حيزها المكاني، وفي علاقتها مع الفاعلين الذين يتسببون فيها أو يقومون بها»، أو بعبارة أكثر تحديدًا، إن للأحداث علاقات زمنية أحدها بالآخر؛ فكل حدث إما أن يكون سابقًا على الأحداث الأخرى، أو متزامنًا معها، أو لاحقًا لها»(3).
من يقوم بالتحليل عليه أن يفترض أن الأحداث تقع في ترتيب حقيقي؛ ففي هذه الحالة فقط، يمكنه أو يمكنها أن تصف التمثيل السردي وكأنه تعديل أو محو لترتيب الأحداث. وإذا كانت رواية معينة لا تدرك العلاقة الزمنية بين حادثتين، فإنه لا يمكن للمرء أن يتعامل مع هذا الأمر باعتباره خصيصة مائزة لوجهة النظر في هذه الرواية، ما لم يفترض أن الأحداث نفسها كان لها ترتيبها في التتابع.
وبطبيعة الحال، ليس من المعقول إلا أن نفترض أن الأحداث تقع بنوع من الترتيب، وأن وصفًا للأحداث يفترض وجود هذه الأحداث المسبق، حتى لو كان وجودًا في الخيال. وفي تطبيقنا لهذه الفرضيات حول عالم النصوص السردية، نفترض مستوى من البناء، يمكننا – من خلال قيامه بوظيفته كمعطَى غير نصي – أن نتناول كل شيء في الخطاب، وكأنه طريقة لتفسير هذه المعطيات غير النصية، وتقييمها، وتمثيلها.
كانت هذه طريقة مثمرة في العمل. والحقيقة أنها طريقة لا غنى عنها، حتى بالنسبة لتحليل القص المعاصر الذي يبدو كأنما يرفض فكرة «الحدث» نفسها. إن افتراض أن السرد يمثل سلسلة من الأحداث، أمر مهم لتفسير الأثر الذي تتركه قصص مثل «الغيرة» لروب جرييه، القصة التي تجعل من المستحيل على القارئ أن يكتشف الأحداث الحقيقية، وبأي ترتيب وقعت؛ فتكرارية الخطاب السردي في الرواية، لن تكون مربكة على الإطلاق، وسيتم تفسيرها سطحيًا وكأنها تكرار لموتيفات. ولكن مثلما كان هذا المنظور لا غنى عنه ربما، كانت نتائجه بالنسبة لطبيعة السرد، وبالنسبة لنظام الخطاب السردي، محل تساؤل متكرر داخل القصص نفسها؛ في اللحظات التي تنقلب فيها هيراركية السرد، اللحظات التي يجب أن تدرس بعناية، إذا أراد المرء ألا يمر مرور الكرام على الطريقة التي تؤدي بها القصص وظيفتها، وإذا أراد ألا يفشل في تفسير سر قوة هذه القصص.وعلم السرد، إذ ينظر إلى أسبقية الأحداث على الخطاب الذي ينقلها أو يمثلها، إنما يؤسس لتراتبية تدمرها القصص عند تأديتها لوظيفتها، وذلك من خلال تمثيلها للأحداث، لا في صورة أحداث معطاة، وإنما في صورة نتاج لقوى الخطاب أو متطلباته.
ولتوضيح القضايا المشار إليها هنا، دعونا نبدأ بمثال مألوف، قصة أوديب. سيبدأ تحليل السرد من إدراك متوالية الأحداث التي يتألف منها الفعل في القصة: يطرح أوديب على جبل كيتيرون، ينقذه راعٍ، يكبر أوديب في كورينثيا، يقتل لايوس عند مفترق الطرق، يحل لغز أبي الهول، يتزوج من جوكاستا، يبحث عن قاتل لايوس، يكتشف أنه هو القاتل، يفقا عينيه ويترك البلد. بعد إدراك الحدوتة the fabula ، يمكن للمرء أن يصف الترتيب والمنظور الذي تم من خلاله تمثيل الحوادث في خطاب المسرحية. حين يتعامل المرء مع هذه الأحداث باعتبار أنها واقع القصة، سيسعى بعدها إلى تفسير مغزى الطريقة التي تم بها تصوير الأحداث. وفي حالة أوديب، كما في قصص أخرى كثيرة لا يؤلف العنصر البوليسي سوى الإطار العام، يتركز الخطاب على بلورة حدث حاسم، يدرك وكأنه الواقع الذي يحدد المغزى. هناك شخص ما قتل لايوس، والمشكلة هي اكتشاف ماذا حدث حقيقةً خلال تلك اللحظة القدرية من الماضي.
واحد من ملايين القراء المتحمسين، وهو سيجموند فرويد، يصف المسرحية كما يلي:
لا تقوم المعالجة المسرحية على شيء آخر سوى الإفضاء، إفضاء تتزايد الإثارة في سياقه رويدًا رويدًا، ويتم بعد تعويق ماهر، بأن أوديب نفسه هو هو قاتل لايوس، وأنه أيضًا ولده، منه ومن يوكاستا، ويرتاع أوديب لهول ما أتى غير عالم، فيفقأ عينيه ويهجر وطنه.(4)
يركز فرويد على أن منطق الدلالة هنا، هو منطق تحدد فيه الأحداث المعنى، والمفهوم أن الأحداث هنا سابقة ومستقلة عما يمثلها من خطاب. المسرحية تبلور فعلاً مهولاً، وهو فعل له من القوة ما يفرض معناه، بغض النظر عن نية من يقوم بهذا الفعل. هذا الفعل المسبق هو الذي صنع خطيئة أوديب، وحين يتكشف الحدث، يصل أوديب إلى المصير التراجيدي بقبول المعنى الذي فرضته عليه الحادثة التي تكشفت.
هذه الطريقة في التفكير حول المسرحية طريقة أساسية، غير أن هناك منظورًا مناقضًا، وهو أيضًا منظور أساسي في قوته، ومن الواضح أن عنصرًا هامشيًا سيساعدنا في الوصول إلى هذا المنظور. وحين يسأل أوديب عما إذا كان أي شخص قد عاين مقتل لايوس، يقال له : «مات الجميع، ونجا واحد، وفر مرعوبًا، واستطاع أن يخبرنا بحقيقة واحدة واضحة: قالت القصة إن لصوصًا، ليس لصًا واحدًا بل لصوص، صادفوهم في حفلة الملك وقتلوهم(5). فيما بعد، وحين يبدأ أوديب في التساؤل عما إذا كان من الممكن ألا يكون هو نفسه القاتل، يخبر جوكاستا بأن كل شيء يتوقف على شاهد العيان هذا، الذي يقفون في انتظاره: « تقولين أنه تكلم عن لصوص، وأن هؤلاء اللصوص قتلوه، إذا كان لا يزال يقول لصوصا، فهذا لم يكن أنا، شخص واحد ليس كأشخاص كثيرين، ولكن إذا كان يتكلم عن مسافر واحد وحيد، فلا مفر، الإصبع يشير إلى». وهنا تجيبه جوكاستا:» آه، ولكني أؤكد لك أن هذا ما قاله، وهو لا يستطيع الآن أن يغير ما قاله، لقد سمعته المدينة كلها، لا أنا فقط».
لقد حكي الشاهد الوحيد في العلن، قصة مناقضة لخطيئة أوديب. وإمكانية البراءة هذه لم تُستبعَد قط؛ فحين يصل الشاهد، يكون أوديب مهتمًا بعلاقته بلايوس ويَسأل فقط عن مولده، وليس عن الجريمة. لم يُسأل الشاهد قط، ما إذا كان الجناة واحدًا أم كثيرين(6).
أنا لا أشير بالطبع إلى أن أوديب كان بريئًا حقًا، وأنه اتُهم زورًا لألفين وأربعمائة عام. أنا معنيٌ بدلالة الحقيقة القائلة بأن احتمالية البراءة لم تُستبعَد قط. «الحدث كله في المسرحية» يقوم على كشف هذا الفعل المهول، غير أننا لم نُعطَ قط دليلاً يثبت ذلك، أي شهادة شاهد العيان. أوديب نفسه، وقراؤه جميعًا، يُصوَرون في إطار أنه مذنب، ولكن قناعتنا لا تأتي من تكشُف الفعل. وبدلاً من انكشاف فعل مسبق يحدد المعنى، يمكننا القول إن المعنى، تسرب المعنى في الخطاب السردي، هو الذي يقودنا إلى التسليم بهذا الفعل تجليًا ملائمًا للمعنى.
بمجرد أن نكون داخل المسرحية، نعرف أن أوديب لابد أنه مذنب، وإلا فالمسرحية كلها لن تكون على الإطلاق؛ فالمنطق الذي نستجيب له،ليس مجرد منطق جمالي يؤثر في قراء الأعمال الأدبية. وأوديب يشعر هو أيضًا بقوة ذلك المنطق. كانت النبوءة قد وقعت بأن أوديب سيقتل أباه، وكانت النبوءة قد قالت بأن لايوس سيُقتَل على يد ولده. يعترف أوديب بقتله رجلاً عجوزًا في زمان ومكان ربما كان بهما علاقة بالحادث، ولذلك، حين يعلن الراعي أن أوديب هو في الحقيقة ابن لايوس، يقفز أوديب ، ويقفز معه كل قارئ، إلى الخلاصة: أنه هو في الحقيقة قاتل لايوس. وخلاصته لا تقوم على دليل جديد يتعلق بفعل في الماضي، وإنما على قوة المعنى، على المراوحة بين النبوءات ومقتضيات التناغم السردي. إن تضافر قوى الخطاب تجعل من الضروري أن يكون أوديب هو قاتل لايوس، وهو نفسه يستسلم لقوة المعنى. وعليه، وبدلا من القول بأن هناك متوالية من أحداث الماضي موجودة سلفًا، وأن المسرحية تكشف عنها بطرق معينة ملتوية، يمكننا القول بأن الحدث الحاسم هو نتاج لما تقتضيه الدلالة. المعنى هنا ليس نتيجة لحدث سابق، بل هو سببه.
يصبح أوديب قاتل أبيه، لا من خلال فعل عنيف نراه في الضوء، وإنما من خلال الخضوع لمقتضيات التناغم السردي، وأخذ ما هو قادم من أفعال في الاعتبار. وعلاوة على ذلك، فإن الأمر الجوهري بالنسبة لقوة المسرحية،أن يقوم أوديب بهذه القفزة، وأن يخضع لمقتضيات التناغم السردي، وأن يأخذ في اعتباره أنه مذنب. لو كان أوديب قد قاوم منطق الدلالة، وقال لنفسه:إن « كونه أبي لا يعني أنني قتلته»، وطالب بمزيد من الأدلة عن الحادثة التي وقعت في الماضي، لما كان لمسرحية أوديب أن تكتسب شكلها التراجيدي اللازم. وتعتمد قوة السرد في هذا الخصوص، على المنطق النقيض، الذي لا تكون فيه الحادثة سببًا للموضوع، بل نتيجة. ووصف هذا المنطق لا يعني المماحكة حول التفاصيل، بل يعني فحص القوة التراجيدية.
يمكن للمرء، فضلاً عن ذلك، أن يلاحظ أن هذا المنطق النقيض، هو في الحقيقة منطق ضروري بالنسبة لقراءة فرويد للمسرحية، رغم أن فرويد نفسه يؤكد في بحثه مسألة أسبقيةَ الحادثة على المعنى.لو كان لنا أن نتبع هذا المنطق، ونقول بأن الأفعال السابقة، التي ارتكبت من دون فهم، هي التي جعلت أوديب مذنبًا في قتل الأب، لما كان بالإمكان القول بأن مسرحية أوديب تنطوي على عقدة أوديب7. ولكن افترض أننا أكدنا بدلاً من ذلك، أن أوديب بمجرد أن يعلم أن لايوس هو أبوه، بعلن على الفور ما كان ينكره حتى تلك اللحظة؛ يقول لنفسه في الحقيقة: لو كان لايوس هو أبي، إذن فلابد أنني قتلته. حين نركز على هذه النقطة، يمكننا في الحقيقة أن ندرك عقدة أوديب. التي هي بناء للدلالة (رغبة في قتل الأب، ثم إحساس بالذنب بسبب هذه الرغبة)، وهو بناء لا ينتج عن الفعل، وإنما يسبقه.
هذا المنطق – الذي تكون فيه الحادثة نتيجة لقوى الخطاب، أكثر مما هي شيء ينقله الخطاب- أمر جوهري بالنسبة لقوة القصة، ولكننا بوصفنا المسرحية على هذا النحو، لا نعمل بالتأكيد على إحلال نموذج سردي صحيح، محل نموذج سردي مراوغ أو غير صحيح. فالواضح على العكس من ذلك، أن معظم قوة المسرحية يعتمد على فرضية في علم السرد تقول بأن خطيئة أوديب أو عدم براءته، كانت قد قررتها بالفعل حادثةٌ من الماضي، لم تتكشف ولم يُحكَ عنها بعد. غير أن المنطق النقيض، الذي يقوم فيه أوديب بالفعل استجابة لما تتطلبه الدلالة، هو منطق جوهري بالنسبة لقوة النهاية التراجيدية. ولا يمكن الجمع بين هذين المنطقين في تجميعة متناغمة؛ فكل منطق منهما بعمل من خلال استبعاد المنطق الآخر، وكل منهما يعتمد على علاقة تراتبية بين القصة والخطاب يدمرها المنطق الآخر. وبقدر ما يكون هذان المنطقان لازمين لقوة المسرحية، فإنهما يشككان في إمكانية وجود دراسة للسرد منظمة وغير متناقضة. إنهما يؤسسان للمواجهة بين أنواع من علم العلامات تسعى إلى إنتاج قواعد للسرد، وإنتاج تفسيرات تفكيكية، تشير – وهي تكشف معارضة العمل الأدبي لمنطقه الخاص – إلى استحالة وجود مثل هذه القواعد؛ وإذا كان تحليلٌ ما لمنطق الدلالة، يوضح أن مسرحية أوديب تقتضي قراءة مزدوجة، أي قراءة وفقًا لمبادئ متساوقة، فسيشير هذا إلى أهمية التحليل القائم على علم السرد، ويشير في الوقت نفسه إلى استحالة وصول هذا السرد إلى هدفه.
وإذا كانت مسرحية أوديب تبدو حالة خاصة، لأن التحليل يشير إلى انعدام اليقين فيما يتعلق بالحدث الأساسي للحبكة، فدعونا ننظر في مثال مختلف، ينتمي إلى فترة وإلى نوع أدبي مختلف+ تمامًا، أعني رواية جورج إليوت « دانييل ديروندا» George Eliot’s Daniel Deronda، كما حللتها سنثيا شيس Cynthia Chase في مقالة أخيرة. ديروندا ابنٌ بالتبني لنبيل إنجليزي، وهو شاب موهوب وحساس، يتحرك في مجتمع جيد، ولم تكن له القدرة على اختيار مهنة. وقد حدث أن أنقذ هذا الشاب بنتًا يهودية فقيرة كانت تحاول أن تغرق نفسها، ثم فيما بعد وخلال بحثه عن عائلتها، يلتقي الشاب بأخيها موردخاي، وهو باحث عليل يبدأ الشاب معه دراسة اللغة العبرية. يزداد اهتمامه بالثقافة اليهودية، ويقع في حب ميراه، البنت التي أنقذها، ويقبله موردخاي وآخرون روحًا شقيقة.
هنا يتلقى ديروندا استدعاء من والدته التي تكشف له، بناء على وصية من والده الميت، عن سر ميلاده: انه يهودي. تركز الرواية على القوة السببية لهذه الحادثة؛ فلأنه وُلد يهوديًا هو الآن يهودي. يتجمع الأصل، والسبب، والهوية لصناعة تدليل ضمني على أمر شائع في القصة؛ إذ سيكون من المفهوم ضمنًا، مع ظهور أسرار والدَي ديروندا، أن شخصيته الحالية وانخراطه فيما هو يهودي، كان سببه أصله اليهودي.
ولكن من الجانب الآخر، وكما تلاحظ شيس:
«فإن توالي الأحداث في الحبكة ككل، يقدم انكشاف أصل ديروندا من زاوية مختلفة؛ فسرد موقف ديروندا يوضح للقارئ بشكل متزايد، أن التقدم في اتجاه مصير البطل، أو فلنقل تقدم القصة، يقتضي الكشف بإيجابية، عن أنه وُلد يهوديًا؛ ذلك أن شخصية ديروندا- لكي تستمر روايته التكوينية – كان يجب أن تتبلور، وكان يجب أن يتم ذلك من خلال إدراك لمصيره، الذي ظل غامضًا بالنسبة له، طبقًا لسرد الراوي، والأساس في ذلك أنه كان يجهل أصله. إن التركيز التشويقي على علاقة ديروندا بموردخاي وميراه، يوجه حكايته في اتجاههما، وموردخاي يؤكد بشكل صريح، إيمانه بأن ديروندا يهودي. وهكذا يأتي القارئ إلى مسألة أصول ديروندا اليهودية، وكأنها استنتاج حتمي يتحسسه، لا من تقديم قيم ديروندا وتعاطفه مع اليهود فحسب، بل قبل هذا، من استراتيجية السرد الواضحة واتجاهه. ومن ثم فإن الكشف عن أصول ديروندا، يبدو كأنه نتيجة لمقتضيات السرد.إن القضية المفترضة لشخصيته ولنزوعه الداخلي (طبقًا للفصول التي تسرد عملية كشف السر) – أي أصل ديروندا – تقدم نفسها (في ضوء ما تبقى من النص) باعتبار أنها نتيجةلنزوعه الداخلي: أعني أن أصله نتيجة لنزوعه الداخلي»(8).
بمنطق من المنطقين، يكون مولد ديروندا سببًا من الماضي لنتائج تحدث في الحاضر. وبالمنطق الآخر النقيض، وهو المنطق الذي يشير إليه صديق ديروندا هانز ميريك في رسالة تقوم على الثرثرة، فإن المرء بالأحرى لابد أن يتكلم عن «الأسباب الحالية لنتائج من الماضي»(9). من الضروري أن نؤكد هنا، كما أكدنا في حالة مسرحية أوديب، أنه لا توجد مسألة العثور على صيغة توفيقية، تعدل بين طريقتين في تقديم الحدث وتتجنب المواقف المتطرفة، ذلك أن قوة القصة تعتمد بالضبط على الاستخدام البديل، وهو المواقف المتطرفة، أي على توزيع المنطقين بشكل حساس؛ فكل منهما يعمل من خلال استبعاد الآخر. لا يمكن أن نقول مثلاً، أن انخراط ديروندا في اليهودية، هو – جزئيً وليس كليًا – نتيجة لمولده، وأن انكشاف أمر مولده، هو بالتالي في جانب منه توضيحٌ، وفي جانب آخر هو تحققٌ سردي. هذا النوع من الصياغة مخطئ؛ لأن قوة رواية إليوت، تعتمد بالضبط على أن اعتناق ديروندا لليهودية وللمثالية، بدلاً من الإيمان بالمجتمع اللاهي الذي نشأ فيه، يُقَدَم وكأنه اختيار حر. لكي تكون هناك قيمة أخلاقية نموذجية، يجب أن تُقدَم وكأنها اختيار، وليس بصفتها نتيجة حتمية لحقيقة الأبوين الخفية، كما أنه يجب أن تقدم وكأنها مسألة إخلاص، وليس بصفتها لعبًا للهواية تحول بعد ذلك إلى اعتناق بعد انكشاف حقيقة المولد. تقتضي الرواية أن يكون اعتناق ديروندا لليهودية مستقلاً عن انكشاف مسألة أنه يهودي. هذا أمر أساسي من الوجهة الموضوعاتية والأخلاقية. غير أن سرد الرواية لمسألة يهوديته لا تدع مكانًا للخلاف، وتصر على عدم إمكانية تبديل هذا الأصل: فأن تكون يهوديًا يعني أن تكون قد ولدت يهوديًا. هذان المنطقان – اللذان يصر أحدهما على الفعالية السببية للأصل، وينكر الآخر هذه الفاعلية السببية للأصل – منطقان متعارضان، لكنهما أساسيان بالنسبة للطريقة التي يؤدي بها السرد وظيفته. أحد المنطقين يدعي أسبقية الأحداث، والآخر يتناول الأحداث وكأنها نتاج للمعنى.
يمكن للمرء أن يؤكد أن كل سرد يعمل وفقًا لهذا المنطق المزدوج، فيقدم حبكته وكأنها متوالية من الأحداث، وهي متوالية سابقة على المنظور الذي تقدم من خلاله هذه الأحداث، ومستقلة عنه، ويشير في الوقت نفسه– من خلال مزاعمه الضمنية حول الدلالة – إلى أن هذه الأحداث مبررة بسبب تواؤمها مع بنية الموضوعات. ونحن بصفتنا نقادًا، نتبنى المنظور الأول حين نختلف حول دلالة ما تقوم به الشخصية (فنأخذ هذه الأحداث وكأنها بديهية). ونتبنى المنظور الثاني حين نناقش ما إذا كانت النهاية ملائمة أو غير ملائمة (أي حين نختلف حول ما إذا كانت هذه الأفعال، تعبيرًا ملائمًا عن البنية الموضوعاتية التي يحسن أن تكون محددة للأفعال). وبطبيعة الحال، فقد أدرك منظرو السرد هذين المنظورين على الدوام، غير أنهم ربما كانوا على استعداد لافتراض أنهما يمكن أن يعملا معًا، ويجتمعان بطريقة ما ومن دون تناقض. لا يقتصر الأمر على وجود تناقض، بل سيعبر عن نفسه تعبيرًا واضحًا في القصص، وكأنه لحظة تبدو إما زائدة (نهاية مائعة، كما في مسرحية الملك أوديب)، أو محكمة أكثر مما ينبغي، كما في رواية دانييل ديروندا. وقد أبرز العمل الذي أجري مؤخرًا على السرد لحظات كهذه، مؤكِدًا أهميتها بالنسبة للقوة البلاغية للقصص.
ورغم أن أمثلتي كانت حتى الآن، من كلاسيكيات الأدب الأوروبي، فإن هذا المنطق المزدوج أمر ثابت من غير شك بالنسبة للسرد القصصي. إن الدراسات الأخيرة لطبيعة السرد وبنيته في عمل فرويد، تتيح لنا إدراك موقف مشابه؛ فالنظرية الفرويدية عمومًا، تجعل السرد هو الصيغة المفضلة للتوضيح. والتحليل النفسي لا يقترح قوانين علمية للشكل (إذا كانت س ستكون ص)، وإنما يتضمن الفهم القائم على التحليل النفسي، إعادةَ بناء لقصة ما، اقتفاء لظاهرة ما للوصول إلى أصولها، رؤية لكيف يقود شيء ما إلى شيء آخر. البحوث في حالة فرويد،هي نفسها في الحقيقةسرد، فيه قصة وفيه خطاب. القصة هي الحبكة المعاد بناؤها، متوالية الأحداث في حياة المريض، والخطاب هو الترتيب الذي تقدم فيه هذه الأحداث، أي قصة استنتاج فرويد للحالة(10). تمامًا كقصتي أوديب ودانييل ديروندا، تفضي قصص فرويد إلى انكشاف حادثة حاسمة، وحين توضع هذه الحادثة في متوالية الأحداث الحقيقية، يمكن أن يُفهَم أنها متسببة في الموقف الحالي للمريض.
إحدى أكثر حالات فرويد درامية، هي حالة وولفمان Wolfman، وفيها تقود الأحلام والتداعيات الأساسية، فرويد إلى خلاصة مفادها أن الطفل في عمر سنة ونصف، يستيقظ ليشاهد والديه في حالة جماع. يقوم فرويد بإعادة بناء متوالية من الأحداث، تبدأ بهذا «المشهد الأساسي»، ويستخلص تحول الذكرى إلى فجيعة في عمر الرابعة، إنه مثال صادم للفعل المؤجل Nachtr?glichkeit.ورغم أن الحادثة كانت قد افتُرِضَت أو تُصوِرت ( «بُنيَت»‘constructed’ بعبارة فرويد) اعتمادًا على الكلام الذي أنتجه المريض، وهي على هذا النحو قد تبدو نتاجًا لقوى الخطاب؛ فإن فرويد يدافع بقوة عن الواقع وعن الأسبقية الحاسمة للحادثة. ويستخلص فرويد أن «الحادثة يجب من ثم، أن تترك عند هذه النقطة (لا أستطيع أن أرى احتمالية أخرى)؛ سواء قام التحليل على أن العصاب في طفولته، كله عديم المعنى من البداية إلى النهاية، أو قام على أن كل شيء، كان قد حدث تمامًا كما وصفته فيما سبق»(11). أن نشك في أسبقية الحادثة، يعني أن نراود العبث.
في هذه النقطة، يحاول فرويد أن يضم في تجميعة واحدة مبدأي السرد، اللذين وجدناهما متعارضين في مكان آخر: أسبقية الأحداث في ناحية، وأن تحدد أبنية الدلالة الحدث في الناحية الأخرى.والحقيقة أنه يستشهد بأن تصوره يصنع المعنى، ويربط المبدأين معًا بشكل طريف، ويتخذ من ذلك دليلاً على أن الحدث كان لابد أن يقع. يرفض فرويد مفهوم الحدث بصفته خيالاً له معنى، ومقصودًا بعناية، لأنه يرفض أن يراه احتمالية. إنه لا يعترف إلا بالبديلين: حدث حقيقي سابق، أو سرد من دون دلالة. غير أن فرويد توصل فيما بعد إلى احتمالية أخرى، وفيما يدعوه بيتر بروكس «إحدى أكثر اللحظات جسارة في فكر فرويد، وأكثر إشاراته ككاتب بطولة»، يسمح فرويد لحجته الأولى بأن تنهض، ويضيف دراسة جديدة بشكل عرضى كما يقول «عن التسامي والتقويم»(12)؛ فمن الممكن في التسامي كما يقول فرويد، ألا يكون الحدث المبدئي قد وقع، وأن يكون ما نتعامل معه في الحقيقة هو صورة، انتقال من مشهد جماع الحيوانات إلى مشهد والديه، لينتج في عمر الرابعة فانتازيا لما عاينه في عمر سنة ونصف، مشهد جماع والديه. ويرد فرويد على الاعتراض المحتمل القائل بأنه من غير الممكن أن يكون مشهد كهذا قد أعيد بناؤه، ويستشهد للتدليل على احتمالية وجود هذه الفانتازيا بالتناغم البنائي، الذي كان قد قُدِم من قبل دليلاً على واقعية الحادثة نفسها. فإذا كان الحادثة الفانتازية تعمل مثلاً في سرد محتمل، لابد أن يتم تخيلها كما لو كانت تقع والطفل نائم في غرفة نوم والديه. «كان لابد للمشهد أن يجهز بحيث يحقق شروطًا معينة، وهي شروط – نظرًا لظروف حياة الحالم – لا يمكن أن تكون على هذا النحو بالضبط إلا في تلك الفترة المبكرة من العمر، حيث يجب أن يكون الطفل رضيعًا على السرير في غرفة نوم والديه»(13).
إذن، في مناقشته لهذا المبدأ الثاني، يفصل فرويد بين مبدأي السرد، بدلاً من محاولة دمجهما كما فعل من قبل. ويمكن للمرء أن يبقي على أسبقية الحدث؛ فقد وقع الحدث في اللحظة المناسبة، وحدد الأحداث التالية له، ودلالتها. أو يمكن له أن يبقي على القول بأن أبنية الدلالة، ومقتضيات الخطاب، تعمل على إنتاج حدث خيالي أو مجازي. ويعترف فرويد في هذه النقطة بالتناقض بين هذين المنظورين، غير أنه يرفض الاختيار بينهما، لافتًا القارئ إلى مناقشة في نص آخر، لمشكلة المشاهد الأولية في مقابل الفانتازيات الأولية.
وحين يعود فرويد لمناقشة المشكلة في تاريخ هذه الحالة، تأتي عودته في صياغة غنية ومتماسكة: «لابد لي أنا نفسي أن أسعد حين أعرف ما إذا كان المشهد الأولي في حالة مريضي الحالي فانتازيا أم تجربة حقيقية، ولكني حين آخذ في اعتباري حالات أخرى مشابهة، لابد أن أعترف بأن الإجابة على هذا السؤال، ليست في الحقيقة مسألة بالغة الأهمية»(14). وحين يصطدم فرويد بصعوبة القرار ما إذا كان يجب أن يعد حادث سردي مفترض، معطى هكذا، أم منتَجًا عن قصد، يلاحظ أن هذا ليس له أهمية حاسمة؛ فكلا المنظورين يعطينا التوالي السردي نفسه.
غير أن فرويد يدرك أيضًا، أن القارئ أو المحلل لا يمكنه أبدًا،أن يقبل هذه الخلاصة في هدوء، حين يكون منخرطًا في قصة. ليس هناك عملية توفيق سهلة؛ ذلك أن القوة، الفحوى الأخلاقية لقصة ما، تجبر القارئ أو المحلل أن يتخذ قرارًا. ومن المفهوم أن فرويد يود لو عرف مإذا كان قد اكتشف الحادثة الحاسمة في ماضي مريضه، حادثة قد يتمتع الآباء الآخرون مثلاً بتجنبها، بناء على اكتشاف فرويد، أم أن تصرف الآباء على أي حال لم يكن له دور حاسم؛ حيث إنهم أيا كان ما فعلوه، فإنه يمكن أن يتحول إلى صور من الفانتازيا، في إطار ما تقتضيه قوى الدلالة داخل السرد. هذا يعني أن الأبعاد الأخلاقية والمرجعية للسرد، تجعل مثل هذه الأسئلة أسئلة مهمة بالضرورة، رغم أن المنظِر يقاوم هذه الأهمية بأن يشير إلى أن الاختيار ليس أمرًا ذا بال.
وبمعنى ما، فإن فرويد على حق؛ ذلك أن البديلين كليهما يعطيان لنا سرديتين متشابهتين جدًا؛ فإذا اختار المرء أن تؤدي قوى الدلالة إلى إنتاج الحدث، سيصبح واضحُا أن ما يمكن أن نسميه الفانتازيا الأولية، لن تكون فاعلة إلا إذا كان الحدث المتخيل يلعب دوره في السن الرابعة، وكأنه حدث حقيقي جاء من ماضي ولفمان. ومن الناحية الأخرى، لواخترنا واقعية المشهد الأولي، يمكن أن نفهم أن ذلك الحدث، لم يكن لتكون له تلك العواقب الكارثية، لولا أن أبنية الدلالة التي جعلته فجيعة لولفمان، وأعطت له قوة شارحة لا تقاوم، كانت أبنية ملائمة بحيث تجعله أمرًا ضروريا. إن الحدث الذي يفترض أنه قد وقع في عمر سنة ونصف، والذي لم يصبح فجيعة إلا من خلال حدث مؤجل يقع في سن الرابعة، يظهر الدور الفعال لقوى المعنى. ولكن مهما يكن من إحكام هذين البديلين، تبقى الحقيقة من وجهة نظر علم السرد، وكذلك من وجهة نظر القارئ المشارك، أن الخلاف بين حدث في الحبكة وحدث من الخيال، هو خلاف لا سبيل إلى اختزاله. وكما يقول بروكس في خلاصته، فإن « العلاقة بين fabula و sjuzhet ، أو بين الحدث وإعادة كتابته على نحو دال، هي علاقة تشويق وتخمين، بنية قائمة على عدم القدرة على الوصول إلى قرار، وهو ما لا يمكن أن يقدم سوى إطار عمل لإمكانات السرد، وليس حبكة واضحة الملامح»(15). وعدم قدرة الوصول إلى قرار هذا، هو نتيجة لتداخل المنطقين السرديين، الذي لا يسمح بظهور توليفة تجمع بينهما.
ويتبدى هذا النموذج السردي والتحليلي نفسه، في نص آخر لفرويد، لا يحكي قصة فرد، بل قصة العرق كله؛ ففي كتاب الطوطم والطابو Totem and Taboo، يحكي فرويد عن حادثة تاريخية فاصلة في الأزمنة الأولى: أب غيور وطاغية، يحتفظ بكل النساء لنفسه، ويقوم بإبعاد الأبناء ما إن يبلغوا الحلم، اتحد الأبناء معًا وقتلوه وأبادوه. كان هذا «الفعل البارز والإجرامي» هو البداية للتنظيم اجتماعي، وللدين، وللقيود الأخلاقية؛ ذلك أن الذنب قد قاد إلى خلق المحرمات(الطابوهات taboos). ويزعم فرويد أن هذا الحدث التاريخي، يبقى فاعلاً إلى اليوم. نحن نرث الرغبة ونكررها، وإن كنا لا نرث الفعل الحقيقي، والذنب الناشيئ عن هذه الرغبة، يُبقي على نتائج الفعل حية في قصة لا تنقطع.
ولكن من الواضح إنه إذا كان الذنب تخلقه الرغبات كما تخلقه الأفعال، فإن من الممكن ألا يكون الفعل الأصلي قد وقع قط. ويعترف فرويد بأن الندم ربما ابتعثتهلدى الأبناء فانتازيا قتل الأب (أي من خلال تخيل الفعل). هذه فرضية معقولة، كما يقول فرويد، «وعلى هذا النحو، لا انقطاع سيقع في السلسلة السببية، الممتدة من لحظة البداية إلى اليوم»(16). إن الاختيار بين هذه البدائل ليس مسألة سهلة، ولكن، كما يضيف فرويد، «لابد من الاعتراف بأن التفرقة التي قد تبدو أساسية بالنسبة لآخرين، لا تؤثر في رأينا على جوهر المسألة». وكما في حالة ولفمان، فإن التركيز على الحدث والتركيز على المعنى، يعطيان القصة نفسها، ولكن مرة أخرى، ليس بإمكان المرء أن يكف عن الرغبة في الاختبار، وهذا ما يفعله فرويد: فالبشر الأوائل لم يكونوا مكبوتين، والفكرة عندهم تنتقل سريعًا إلى الفعل، «بل إن الفعل عندهم هو بديل الفكرة؛ ولهذا السبب فإنني أعتقد – دون زعم الوصول إلى حكم نهائي – أنه ربما يُفترَض في الحالة الماثلة أمامنا، أنه «في البدء كان الفعل»»(17).
إنه افتراض آمن، ربما، لكنه آمن بسبب أنه يقوم على التساوي؛ إذ يبدأ فرويد هنا بالفانتازيا، ويؤكد أن الفعل بالنسبة للإنسان الأول، كان بديلاً للفانتازيا. وهو يزعم أن الفعل قد وقع حقيقة، غير أن صياغة فرويد تمنع المرء من أن يرى الفعل أمرًا مفروغًا منه؛ ذلك أن الفعل نفسه ليس سوى بديل للفانتازيا. وفرويد بزعمه أنه في البدء كان الفعل، يعود بنا لا إلى فعل ما، بل إلى بنية دالة، إلى نص آخر،أعني فاوست لجوته، التي لا يكون فيها الفعل بديلاً لـ «كلمة». يترجم فاوست الكلمات الافتتاحية في سفر التكوين: «في البدء كانت الكلمة»، ويقرر – غير سعيد بـ«الكلمة» الألمانية Wort– أن يستبدل بها، وفي إيماءة تكرر ما فعله فرويد، يستبدل بها كلمة «الفعل» Tat. وفرويد إذ يقتبس من جوته تأكيده لأصلانية الفعل، لا يمكنه إلا أن يعود بنا إلى كلمة سابقة. ويُظهر نص فرويد أنه حتى عندما يحاول المرء تأكيد أسبقية إما الكلمة أو الفعل، فإنه لا ينجح في الهروب من البديل الذي يحاول رفضه.
وأنا أؤكد إمكانية الجمع بين الاثنين؛ لأن المضمون هنا في السرد، ناتج عن التدمير الذاتي. وهو تدمير ينطوي على توضيح أن التعارض الهيراركي، الذي يقال إن أحد طرفيه يعتمد على الطرف الآخر السابق عليه، هو في الحقيقة حيلةٌ بلاغية أو مجازية، فالهيراركية يمكن بسهولة أن تنقلب.والقصص التي نوقشت هنا، تنطوي على لحظة تدمير ذاتية، يُفترض أن تنقلب فيها أسبقية الحدث على الخطاب. وأكثر أشكال هذا التدمير بساطة، وهو تدمير مختلف نوعا ما، لكنه لا يزال وثيق الصلة بالقصة، أعني تحليل نيتشه للسببية وكأنها صورة، أو كناية.
تنطوي علاقة السببية على بنية سردية، نفترض فيها أولا وجود سبب ما، وبعدها الحصول على نتيجة. والحقيقة أن فكرة الحبكة هي في حد ذاتها، كما علَمَنا إ. إم. فورستر E. M. Forster، قائمةٌ على علاقة سببية؛ فـ«مات الملك ثم ماتت الملكة» ليست حبكة، أما «مات الملك، ثم ماتت الملكة حزنًا عليه» فحبكة(18). ويمكن القول بان هذه هي القصة fabula ذات الحكاية المسببة؛ إذ هناك أولاً سبب، ثم هناك بعد ذلك نتيجة؛ تلدغ البعوضة ذراع شخص أولاً، ثم يشعر بعدها بالألم. غير أن هذه المتوالية، كما يقول نيتشه، ليست أمرًا مفروغًا منه، إنما تبنيها عمليةٌ بلاغية. فما يحدث ربما يكون أننا، مثلاً، نشعر بالألم أولاً، ثم ننظر حولنا باحثين عن عامل، يمكننا أن نتخذ منه سببًا. المتوالية السببية «الحقيقية» قد تكون على هذا النحو: الألم أولاً، ثم البعوضة بعد ذلك. النتيجة هي التي تأخذنا إلى إنتاج سبب. وعملية تصويرية هي التي تعيد ترتيب متوالية الألم- البعوضة، وتحولها إلى البعوضة- الألم. وهذه المتوالية الأخيرة تنتجها قوى الخطاب، ولكننا نتعامل معها كأنها أمر مفروغ منه، أي باعتبار أنها الترتيب الحقيقي(19).
هذا التناول لعلاقة السببية، لا يعني أن بإمكاننا أن نتخلى عن فكرة السببية، وإنما يعني فقط أن إنتاج الخطاب للأحداث، يشي بأن القصة يمكن أن تؤدي دورها من دون فكرة السببية. غير أن هناك لحظات تتطابق فيها القصص مع إنتاجها التصويري، ويصبح لا غنى عن المنظور الثاني في تبرير قوة هذه القصص. ويصح هذا، لا بالنسبة للسرديات الأدبية أو النظرية المعقدة فقط، بل أيضًا بالنسبة لما يسميه عالم اللغة الاجتماعي ويليم لابوف William Labov: «السردية الطبيعية»، وهي حالة مثيرة بالنسبة لعالم السرد.
في دراسته لعامية السود الإنجليزية، أصبح لابوف شغوفًا بمهارات السرد التي يبديها الراشدون والمراهقون. إنه يسأل مثلاً في مقابلاته معهم: «هل حدث قط أن دخلت في عراك مع ولد أكبر منك؟»، وإذا كانت الإجابة بـ«نعم»، يتوقف ثم يسأل: «ماذا حدث؟». ويبدأ لابوف تحليله الرسمي لهذه القصص بافتراض أسبقية الأحداث؛ فهو يعرف القصة بأنها «منهج في استعادة تجربة من الماضي، من خلال عملية مطابقة بين متوالية العبارات ومتوالية الأحداث»(20). غير أنه انطلاقًا من هذا التعريف، يكتشف أن :
هناك جانب واحد مهم في السرد لم تجر مناقشته، وربما هو العنصر الأهم بالإضافة إلى العبارة السردية الأساسية. هذا ما نسميه تقييم evaluation القصة؛ أي الوسائل التي يستخدمها الراوي لتحديد مركز القصة، سر وجودها، لماذا حُكِيَت وما الذي لفت انتباهه فيها»(21).
بل إن لابوف ينتهي إلى خلاصة مفادها أن اهتمام الراوي الأساسي، قد لا يكون سرد متوالية الأحداث، كما يوحي تعريف السرد، وإنما يكون اهتمامه منصبًا على حكي قصة لا يمكن التفكير فيها من دون نقطة ارتكاز. إن القصص التي تفتقر إلى مركز تلتقي مع الرد المدمر « ثم ماذا بعد؟». وكل راو جيد يتفادى هذا السؤال دائمًا؛ إذ عندما تصل قصته إلى نهايتها، يجب ألا يرد على ذهن المتلقي هذا السؤال :»ثم ماذا بعد؟»(22).
إن الرواة عند لابوف يثبتون مهارتهم بتفادي هذا السؤال، وهم يبنون قصصهم على نحو يُستجَاب فيه لما تتطلبه الدلالة، وبحيث يُفهم أن القصة جديرة بأن تُحكَى، وقابلة للحكي. ويميز تحليل لابوف عناصر الخطاب والعناصر التقييمية، عن نتيجة الأفعال التي تحكيها عبارات القصة؛ وعليه فإنه تحليل يقوم على نسخة أخرى من تفرقة علم السرد الأساسية بين القصة والخطاب. وتعمل تحليلات لابوف على نحو ممتاز، طالما يستطيع التفرقة بين القصة والخطاب. وإذا كان يستطيع الفصل بين العبارات السردية والعبارات التقييمية، فإنه يستطيع الحفاظ على الرأي القائل بأن القصة هي متوالية من العبارات تحكي الأحداث، مضافًا إليها العبارات التي تقيم هذه الأحداث، غير أنه حين يصل إلى وصف أدوات التقييم، يكتشف أن بعض أكثر هذه الأدوات أهمية وقوة، ليس تعليقات من الخارج على الأحداث، وإنما هي أدوات تنتمي في الحقيقة إلى متوالية الأحداث. وبدلاً من أن يسجل المرء كم كانت الحادثة مثيرة وخطيرة، وكم كانت مستدعية، يمكنه أن يركز على قابلية القصة للحكي، بأن يجعل التعليق التقييمي منسوبًا إلى واحد من المشاركين في القصة، وبأن يحكي هذا التعليق وكأنه حدثٌ في القصة: «وحين نزلنا هناك، التفت أخوها ناحيتي، وقال هامسًا:»أعتقد أنها ماتت يا جون!»، أو كما يقول لابوف، «ربما يكون التقييم نفسه عبارة سردية»، حيث يكون للحدث الذي يحكيه الشخص وظيفة مبدئية، هي التركيز على الطابع الدرامي للحدث، كما في عبارة «لم أدعُ الرب قط في حياتي بهذه السرعة وبهذه الخشونة!»(23).
والمؤكد أن لابوف على صواب، في زعمه أن كثيرًا من العبارات التي تحكي الأفعال، إنما تحددها في الحقيقة وظائفها التقييمية؛ فبدلاً من التفكير في هذه العبارات، باعتبار أنها تقارير عن أفعال سابقة، يفضل لابوف أن يراها في الحقيقة منتجة للأفعال، بقدر ما تستجيب لمتطلبات الدلالة، وتجعل القصة قصة لا قبل لأحد أن يقول فيها: «ثم ماذا بعد؟». غير أن المحلل إزاء هذه الإمكانية المتاحة، يجد نفسه في موقف حرج؛ فكل تقرير عن حدث، هناك إمكانية للتفكير فيه وكأنه عنصر تقييمي، تفرضه متطلبات الدلالة، وليس بصفته تمثيلاً سرديًا لحادثة مسبقة. وحيث إن أهم تفرقة عند المحلل، هي التفرقة بين العبارات السردية والعبارات التقييمية، وحيث إن تحليل الحكاية بالنسبة له، هو قبل كل شيءعملية تصنيف للعناصر في هذين الصنفين، فإن عليه أن يقوم بهذا الاختيار، وهو اختيار قد يكون بالغ الحرج. وبالطبع فإن اختياره بمعنى ما كما يقول فرويد،قد لا يكون مسألة مهمة؛ لأنه إن كان يصف حدثًا معينًا، فنحن لا تزال لدينا الحكاية نفسها. ولكن لو كنا معنيين بقوة القصة، وكان أولئك الذين يحكون أو يستمعون لسرديات طبيعية يهتمون خصوصًا بقوتهم هم، فنحن مدعوون حينئذ إلى الاختيار.
في السردية الطبيعية، يحتمل أن تظهر الرغبة في الاختيار، أو ضرورة الاختيار،في صورة شك. إنها تبدو أكثر إتقانًا من الحقيقة، وأكثر درامية وأكثر جودة. هل حدثت حقًا بهذه الطريقة، أم أن هذه الحادثة أداة تقييمية، صيغ تبحيث تمنعنا من قول «ثم ماذا بعد؟» وهل هذا العنصر المحدد في القصة نتاج لمتطلبات الخطاب؟ ويظهر الاختيار عادة فيما يسمى «السردية الطبيعية» في صورة سؤال حول خيالية القصة (هل هذه حادثة حقيقية؟»، ولكن بمجرد أن تدخل القصة ككل في كنف الخيال، ما إن نتناولها في صورة قصة قصيرة وليس حكاية عن تجربة شخصية، فإن مسألة علاقة القصة بالخطاب، لا تجد لها مخرجًا كهذا. نحن لا يمكن أن نسأل ما إذا كانت الحادثة حقيقية أو مزيفة، وسيكون من الغريب جدًا أن نقول عن قصة دانييل ديروندا، إننا لا نصدق إنه في الحقيقة ولد يهوديًا. علينا أن نسأل بدلاً من ذلك عما إذا كان هذا حدثًا يقرر المعنى والخطاب، أم تحدده هو نفسَه متطلباتُ السرد والخطاب المختلفة.
تحليل السرد فرع مهم من علم العلامات.ونحن إلى الآن، وفي كل جوانب حياتنا، لا نقدر المنظومات والنماذج السردية حق قدرها. وتحليل السرد كما قلت، يعتمد على التفرقة بين القصة والخطاب، وهذه التفرقة تنطوي دائمًا على علاقة اعتماد متبادل، سواء نظرنا إلى الخطاب بصفته تمثيلاً لأحداث علينا أن نفكر فيها مستقلة عن ذلك التمثيل المخصوص، أو كنا نفكر فيما يسمى أحداثا وكأنه من افتراضات الخطاب أو من نتاجاته. وحيث إن التفرقة بين القصة والخطاب لا يمكن أن تؤدي وظيفتها إلا إذا كان هناك تحديد لأحد الطرفين من خلال الآخر، فإن على القائم بالتحليل دائمًا أن يختار أي الطرفين سيعامل بصفته الموجود أولاً، وأيهما الناتج عنه.
غير أن كلا الاختيارين يفضي إلى علم سرد، يفتقر إلى بعض التركيب اللافت في السرد، ويفشل في تعليل كثير من آثاره. لو فكر المرء في الخطاب بصفته تمثيلاً لقصة، سيجد أن من الصعب تفسير نوعيات التأثير التي ناقشناها هنا، وهو أمر يعتمد على تحليل القصة من خلال الخطاب، وهي إمكانية غالبًا ما يطرحها السرد نفسه. ومن ناحية أخرى، لو تبنى المرء الرأي القائل بأن ما نسميه «الأحداث» ليس إلا أشياء ينتجها الخطاب، سلسلة من الأفعال المسندة إلى الفاعلين في النص، حينئذ سيكون المرء أقل قدرة حتى على تفسير قوة السرد. ولأنه حتى أكثر القصص تطرفًا، تعتمد في تأثيرها على افتراض يقول: إن متواليات الجمل الغامضة في القصة هي تمثيلات لأحداث (رغم أنه قد لا يكون في قدرتنا الإخبار عن ماهية تلك الأحداث)، وإن هذه الأحداث من حيث المبدأ، لها خصائص لا يحكي عنها الخطاب – فإن مجموعة مختارة من الأحداث كهذه، يعمل من خلالهاالخطاب ، هي مجموعة لها معنى. ومن دون هذا الافتراض الذي يجعل الخطاب انتقاء، بل يجعله قمعًا لمعلومات ممكنة، ستفتقر النصوص إلى قوتها الآسرة المربكة.
لا منظور من المنظورين إذن، يمكن أن يقدم علم سرد مقنع، وليس في إمكان المنظورين أن يتوافقا معاً في توليفة متناغمة؛ فهما يقفان في تعارض لا حل له. إنه صراع بين منطقين، يشكك في إمكانية الوصول إلى «علم» للسرد متناغم ولا تناقض فيه. غير أن هذا الإدراك لقوة معينة قائمة على التدمير الذاتي، في السرد وفي نظرية السرد، يجب ألا يقودنا إلى رفض المسعى التحليلي الذي يدفع المرء إلى هذا الاكتشاف؛ ففي غياب إمكانية قيام هذه التوليفة، على المرء أن يعمل الانتقال من منظور إلى آخر، من القصة إلى الخطاب وبالعكس.
الهوامش
1- For a bibliography and useful synthesis, see Seymour Chatman, Story and Discourse: Narrative Structure in Fiction and Film, Ithaca, CornellUniversity Press, 1978. For more recent discussions and further bibliography,see the three issues of Poetics Today devoted to narrative: 1:3 (1980), 1:4 (1980) and 2:2 (1981).
2- MiekeBal, Narratologie: essaisur la signification narrative dansquatre romans moderns, Paris, Klincksieck, 1977, p. 6.
3 – Ibid., p. 4.
4 – Sigmund Freud, The Interpretation of Dreams, New York, Avon, 1965, p. 295
وقد استخدمت هنا ترجمة مصطفى صفوان الشهيرة لكتاب فرويد، ص 277-278.
5 – Sophocles, Oedipus the King, translated with a commentary by Thomas Gould, Englewood Cliffs, N.J., Prentice-Hall, 1970, lines 842–7.
6 – See SandorGoodhart, ‘Oedipus and Laius’s Many Murderers,’ Diacritics, 8:1 (Spring 1978) pp. 55–71.
7 – See Cynthia Chase, ‘Oedipal Textuality: Reading Freud’s Reading of Oedipus,’ Diacritics, 9:1 (Spring 1979) p. 58.
8 – Cynthia Chase, ‘The Decomposition of the Elephants: Double-Reading Daniel Deronda,’ PMLA, 93:2 (March 1978) p. 218.
9 – Ibid., p. 215.
10- هذا تبسيط لبحث أكثر تعقيدًا قام به بيتر بروكسPeter Brooks في:
– ‘Fictions of the Wolfman,’ Diacritics, 9:1 (Spring 1979), pp. 75–6.
11- Sigmund Freud, TheWolfman and Sigmund Freud, Harmondsworth, Penguin, 1973, p. 220.
12- Brooks, ‘Fictions of the Wolfman,’ p. 78; Freud, TheWolfman, p. 221.
13- Freud, TheWolfman, p. 223.
14 – Ibid., p. 260.
15- Brooks, ‘Fictions of the Wolfman,’ p. 77. See also Brooks, ‘Freud’s Masterplot: Questions of Narrative,’ Yale French Studies, 55/56 (1977) pp. 280–300.
16- Freud, Totem and Taboo, New York, Norton, 1950, p. 16.
17- Ibid., p. 161.
18- E. M. Forster, Aspects of the Novel, Harmondsworth, Penguin, 1962, p. 93.
19 – Friedrich Nietzsche, Werke, ed. Karl Schlechta, Munich, HanserVerlag, 1956, vol. 3, pp. 804–5. For discussion see Jonathan Culler, On Deconstruction: Literary Theory in the 1970s, Ithaca, Cornell University Press/ Routledge&Kegan Paul, forthcoming, ch. 2.
20 – William Labov, Language in the Inner City, University of Pennsylvania Press, 1972, p. 360.
21 – Ibid., p. 366.
22- Ibid.
23- William Labov, ‘Narrative Analysis: Oral Versions of Personal Experience,’ Essays on the Verba and Visual Arts: Proceedings of the American Ethnological Society (1966) pp. 37–9.