أغرتهم الرغبة في الحضور فما استطاعوا
فاستحضروا ,
وغابوا في دهاليز النصوص
واستكبروا
فرحين بالفتات الذي ألقاه النص لهم على العتبات .
***
يخافون الغوص في البحر
ويصنعون من القش مراكب للشطوط ,
ويلتقطون الأصداف المرمية على ضفاف النهر
علّهم يعثرون على لؤلؤ للبيع .
يشقون الأصداف بالسكاكين المغلولة
من قراع الكلام حسداً
فيملأون محابرهم باللزوجة
ويكتبون خواءهم سعيدين .
***
يتسللون إلى خزائن النص مدججين بالبنادق والخناجر و القناديل الخافتة
يسرقون ما تيسر
ثم يمدحون ويشتمون ويعبثون ,
وأحياناً يحتجون صارخين :
وبعد كل هذا التعب الطويل
لم نحصل بعد على صيد ثمين .
***
يمرون خائفين بجوار النص
ودون أن يلقوا عليه التحية
وقبل أن يستأنسوا
يفترشون العتبات
وتأخذهم سنة من النوم
أو نوم طويل شاخرين
وحين يستيقظون يكتبون شخيرهم
وينصرفون .
***
يتوهون في دروب النص
يذهبون ويجيئون متأففين
من وعورة الدروب و الضياع
ثم يخرجون من المتاهة فرحين
بسلة صغيرة من الذكريات .
***
تغريهم البساتين في ربيعها الأخّاذ
فيبنون سوراً طويلاً وعالٍيا حولها.
يجمعون باقة من هنا وباقة من هناك
ولا يرون شقائق النعمان
والياسمين و زهر البنفسج
و الورد وبسمة الأشواك و الأشجار الغريبة
***
يحملون – فرحين – أصفادهم الصدئة :
قواعد القول القديم
والصراط المستقيم
وشارات المرور
ومعجم الألفاظ
واستظهار الدروس
هاربين من انفجار اللغة
وشدة النور المشع من الفكرة الوليدة .
***
يحدقون في واجهة النص
كما تحدق امرأة جوفاء في واجهة بيوت الأزياء
يفتشون عن بزة تليق بالظهور أمام حشد ….
ومن على المنصات الملكية
يخطبون
معلقين شارات الولاء لطغاة القول العظام
على صدورهم الخاوية .
***
يمرون في وادي النص
كي يشرعوا في الصعود إلى القمة
يعدّون خطاهم خطوة خطوة
وعيونهم بين أرجلهم .
كلما صعدوا خطوة أو خطوتين
حطوا الرحال مستريحين .
وسرعان ما ينال منهم التعب
فيعودون القهقهرا إلى قعر الوادي
شاتمين وعورة الطريق
والقمم البعيدة .
***
يتجولون داخل أروقة النص
حامين آباءهم على ظهورهم
باحثين عن بصمة الآخرين
وحين يهلعون من صرخة اللغة للقيطة
يفتشون فيها عن شبح باهت
وتتعالى أصواتهم المبحوحة :
ها قد عثرنا على الآباء .
***
يحومون حول جدران النص
باحثين فيه عن كوة هنا أو ثقب هناك
علهم يرون ما يزخر القصر به
من لوحات وكنوز نادرة
جاهلين بالدرجات الخفية التي تقود
إلى شرفه الواسعة .
يلملمون ما علق على الجدران من أخضر ثم يعودون فرحين
كي يسطروا آثار رحلتهم الخائبة
على الورق .
***
يطير بكل وقار وهيبة و فرح وحب
في فضاء النص .
تكشف سناءات عينيه أسرار الكلام
فيجلس خاشعاً عند جلال ما وراء القول العظيم
يراقب حركة النجوم ,
ويعيد ترتيب أصوات العنادل
وأزهار الجروح ,
ثم يعود مثقلاً بالحمل النضير
آملاً بالعودة إلى البحر
معتذراً من الما رواء الواسع .