درج عتباته خفية وضيقة
الليلة في قصبة المهدية التقيت بيكاسو يطعم طيور الكركي
سألته عن لوحاته فقال أنا مثلك سجان هواء
ولم أتعلم من الألوان الشاهقة المطلة على الماء
تركت مرسمي هناك في باب بًردْ
ولدي حقل غيوم كسرت حطبه ريشة ريشة
ذكرياتي حافة
وأرى من بعيد أحصنة تهوي وتحرث القلب المعلق في الفراغ
لا يهم أيها السيد الجليل
لدي نبيذ وسنسهر حتى الفجر
كي نرشد الأشجار الى الأخضر
المختبئ خلف صخرة الليل
ونسٌر لصيادين غفلوا عن ترديد الصلوات
عن الفضة التي تتبع النوارس
وعن مراكب الزرقة عندما تتحول الى خيط أبيض في السواد النائم المعتم .
ربما تجد لوحة ضلت المزاد
طالبة مساعدتك كي تعدل لها القبعة وتدلها على البيت
بين عيني الغريب نشعل عود ثقاب
ونسأله بأي عين يرى النار
سيكذب على كل حال
فمن ذلك المكان لا تُرى إلا بالقلب
كان ينظر في البعيد الغريق في الأفق المصفر كأسماك الزينة
يهمس للريح بعصاه
ثم بغتة أشار إلى حصاة عابرة وقال
الأوطان يبغونها عوجا
يصدرونها أكياس سماد
ويزرعوننا بالشمس والكآبة والبواسير
نسيت معطفي في الحافلة
ويدي في جيبي لا تشير الى الظل
عليك أن تختبر العتمة
تصعد درج عتباته خفية وضيقة
ثعالب الريح
بعين صقر تروز بصبر
المراوغة الأخيرة للطريدة
النهار ينتظر خلف النافذة
فاق باكرا, وسقى الحبق والنعناع
إن كنتُ طائراً، كُوني شجرتي, خبئيني في ظلك,
لئلا تعثر علي الغابة .
ظلمة تحوم كطيور فوق حقل
تغريني بالبقاء في زاوية الغرفة
انتظر يا نهار, كل نهار, في الخارج
سأعبر نهرك صحبة خراف وأعشاب يابسة
أروي لك عن الأفيال
عن مفاتيح قديمة لأبواب منسية
وعن كنز الأجداد المدفون في ميناء جزيرة بعيدة
أصنع لك طوفا من قناني فارغة
أشده بخيوط الحكاية
فقد لا يأتي وينقذنا من ليل الناقلات العابرة
ونحن في جزيرة معزولة, قد لا يأتي ليعبر بنا أحد
لا ظل لي ولا شجرة
سريري كلمات
وأحلامي خدعة قديمة
تعلمتها من بائع كتب مستعملة
نجوم حارسة تنصب فخاخ للعتمة
نامي واطمئني يا ثعالب الريح .
الملاك
صنارة الأيام
تصطاد سلة الوقت
برائحة الحقول والماء المختلط بالديزل
بأحاديث الصيادين في الميناء
بحركة المراكب وشجار البحارة
بعيون أسماك تبتسم لوجوه تدعي الحيرة بحكم العادة
لوحة عن النزهات العائلية أم كتاب في مديح الحانة
لا تفرح إن رأيت المساء أنيق بحقيبة ظهر ثقيلة
فالعمر حجارة والذئب قميص
ولا تحزن إن أخطأت الرمية
فالعين بنت القوس والوصف طريدة
ليست الأشكال الهندسية طعوما للأسماك
الوردة دائرة والنهر ماء منحني
حفرت الخندق وملأته بالدموع
كي لا يعبر الغزاة بخيولهم
وعلى أكتافهم عقبان جائعة
سورت الحديقة وأهديت حارسها العجوز
زجاجة نبيذ وسجادة صلاة
قال الملاك
لو وضعت روحك في حقيبة وضربت في الأرض
سأسلب طينك المتهدم في الأسفار
هنا أو هناك أو بينهما, سأقطفك
نسيت يا ملاكي الجميل
شخت وما عدت أعصر في انتظارك كرمة الليل وعنقود الظهيرة
أجلس كبدوي أمام خيمتي وناري
لعلك تأتي وأراك
وأرى في جمر عينيك
السنوات وقد أصبحت متحفا للرماد
ليست الريح في الخارج ما يحزن النافذة
بل الخوف أن يسود الصمت الفسحة المشرعة على الدرب المظلم
ليس الذئب وإن مشى على أطراف مخالبه ما يقلق الشجرة العالية
بل الناي في غفوة الراعي والخراف في حكمة الثغاء
في مساء ماطر
في مساء ماطر في قصبة المهدية
وقد بلل التلال شذى الزهور البرية
والنهر يلمع من بعيد بذهب المغامرة
قررت اقتحام القلعة وتحرير الأسير الأمير ابن المعتمد بن عباد
وتهريبه على قارب بمحاذاة سور العميان الواصل بين المهدية ومكناس
عبر بنا صديقي البحار إلى الضفة وسرجت للأمير حصانا طائرا
طلب مني أن أرافقه إلى آغمات
لكني اعتذرت فأنا مهاجر وحقيبتي مليئة بالأحجار
عدت ليلا بعدما انطفأت المشاعل وتهدمت أسوار القلعة .
عندما إستيقظت
كانت آثار حوافر الخيول تملأ البيت
والنهر ينام على الأريكة
وصديقي البحار على قاربه في المطبخ
يدخن مغمض العينين .
المنحدر المطل على السكون
بالأمس حلمت بمخيم الأصدقاء الأسبوعي في طيوي قبل أن تقضمه أفعى الطريق السريع, كنت أحلق وأستنشق فجر بحر ضباب, أعبر بين ضفتي واد شاب, أستلقي على رمل الشاطئ الأبيض, أقف في ظهيرة ماطرة على حافة هوية نجم, ألبد قرب الغدران في التلال كي تلتذ عيني بعيون ظباء, أسامر السحرة في كهف الجن وفي يدي تعويذة من عظام نسر, في الليل بعدما نام الحلم على كتفي, اصطدت سمكة من على المنحدر المطل على السكون .
لأنه حلم حنين لا حلم يقين
صحوت وفي فمي سؤال
بكم متر الأرض يا ترى هناك في الحلم
أكاد ألمح من بعيد سور الحديقة
و لم يعد هناك قرب البحر
مكان لبيت في حلم