(1)
قَادِمٌ مِن كُوخٍ عَلى الغَيمِ
كَان الغَريبُ يَومَاً شَجَرةَ لوزٍ
تحَوّلَ إلى قِيثَارةْ
تَعزفُ مَرثِياتٍ مُفرِحةٍ للقَومْ
مَا عَادَ يرَتَدِي المَاءَ سِترَةً
مَا عَادَ رَفِيقَاً أثِيراً للنُومْ
(2)
جِاء هُنَا يبحثُ عن فِراشَاتٍ
وَزنابقَ وليلكَ وَعَصَافِيرْ
لَكنَّهُم صَوَّبُوا بَنَادِقَهُم نَحوَ عَينَيهِ
واتَّهَمُوهُ بِالكُفرْ
(3)
مثلُ حِصَانٍ
انشَلّتْ أرجُلهُ فَجأةً
وَسَطَ زَحمةِ الشَارِعِ السَريعِ
مَا عَادَ الغريبُ يَعلمُ أيَّ سَمَاءٍ سَتَحمِلهُ
(4)
وَحيدٌ مَرةً أُخْرَى
مَرّتْ الوَردَةُ ولوَّحَتْ مَن بَعِيدٍ
كَاشِفةً عَنْ سِوارِهَا
وأنتِ فِي المَقهَى بانتظارِهَا
أَيُّهَا الغَرِيِبُ
لَن يَنتَشِلَكَ أحَدٌ مِن وِحدَتِكَ
سَتظَلُّ تَسيرُ عَلى الحِبرْ
عَلى الرَملِ اللافِحِ
عَلى الجَمرْ
أَيُّهَا الغريبُ مَا عَادَ الألَمُ يُؤلِمُكَ
والوِحدةُ أَصبَحتْ حَبِيبَتُكَ الاولى
وأَنتَ العَاشِقُ والمَعشُوقُ في آنٍ
(5)
مَا عَادَ الغَريبُ عَرَّافًا
يَحملُ رايةَ العِشقِ
ليُدَاوي قُلوبِهنَّ التي كَسَرتَهَا السُفُنُ
المُسافرةُ بَلا رَباَّنٍ
مَا عَادَ قَلبُهُ شَحَّاذًا
يَترصَّدهُنَّ فِي الطُرُقَاتِ
الهَاربةِ مع شَظَايا الليلْ
ليَتلقفَ حِفنَةً مِن الفَرحِ المُستَحيلِ
مَا عَادَتْ امرأةٌ تُجدِي
لمِسحِ انطِفَائِه اليَومِيّ
لاَ شَيءَ يُجدِي
سَتبقَى أيهَا الغَريبُ
وحيداً تحمِلُ مَعكَ
كآبَتكَ المُستَبدةَ
تُضَاجِعُ عَيناكَ البَحرَ
فِي انتِظارِ لاَ شَيء
فَلا شَيء سَيأتِي
(6)
أيُّهَا الغَرِيْبُ
مَن أنتَ
هلْ أنْتَ انَأ
أمْ أنَا أنْتَ
أنَا لا أعرِفُكَ
لا أتَحَمَّلُ أوزَارَكَ وخَطَايَاكَ
أنتَ مُستَبِدٌ/مُستَغرِقٌ/غَارِقٌ
فِي أحْزاَنِكَ وَوِحدَتِكَ الوُجُودِيَّةِ
فَابْتَعِدْ عَنِّي
فَأنَا لَا أتْقِنُ العَومَ
فِي بِحَارِ شَجَنِكَ
وانأ أكرَهُ المَوتَ المَجَّانِيَّ
عَلى صَدرِ امْرأةٍ
ضَاعَ قَلبي فِي ظِلِّهَا
وَتَاهَ ظِلُّهَا فِي أفيِاءِ النِسيَانْ
(7)
كَيفَ يَبدأُ الغَرِيْبُ
الَذِي أضَاعَ طَرِيقَهُ مِنْ جَدِيدْ
وَكُلُّ المَسَارَاتِ غَارِقَةُ فِي العُتْمَةِ
الطَرِيقُ رَحَلَ قَبْلهُ
وَسَبقَهُ إلى الَلامَكَانْ
(8)
جِئتُ هُنا فِي غَيرِ زَمَنِي
تَلبَّستُ وَجهَاً لاَ يَخُصَنِي
حَملتُ رَايةَ المُستَقبلَ بِيدي
رَسمتُ الطَريقَ بِدمٍ بِنفْسَجي
صَادقتُ أُنَاسَاً أكادُ لا أعْرِفَهُمْ
أحبَبتُ مَعشُوقَاتٍ لا لَغةَ لَهَنْ
وُجُوهَهنَ لا تُشبُهُنِي
أُعلنُ الآنَ مَوتَ انتِمَائِي لَكُمْ
أُعلنُ الآنَ غُربَتيِ الضّوئِّيةَ
انَا الغَريبُ ..الغَريبُ
قَادِمٌ أنَا مَعَ عُرسِ الغَيمْ
فِيِ الليَلةِ مَا بَعد الآن الَفْ
(9)
مَاذَا سَتَقولُ عَنِّي قَارِئَةُ الفِنجَانْ
غيرَ أني جِئتُ غَريبًا
بِقلبٍ نَقيٍّ أَتعَبَهُ البَحثُ
فِي كَفَّيكِ عَن المُرجَانْ
يَسَعُ كُلَّ حَدائِقِ العِشقِ المُستَحِيلةِ
بِمُهْجَةٍ دَمُهَا وَرْدٌ وَريحَانْ
وَوَجهٌ يَعزِفُ العَالمَ ولا يَعْزِفَهُ
غَدًا يَموتُ غَريبًا فِي بَحرٍ غَادَرَتهُ الشُطآنْ
سَيَموتُ وتَاجُكِ فِي يَدَيْهِ وَحِيداً
يَنتظِرُ صَحوَةَ الإنْسَانْ.