مربع أسود صغير
الرجل المُقعد على السرير منذ عشر سنوات. كان يحلمُ أن يزور بيتَ الله. وأن يُكحّل عينيه بمشاهدة الكعبة قبل أن يموت، وأن يشرب من ماء زمزم. كان يُكرّر هذا الحُلمَ كل مساء على ابنته الوحيدة في فناء البيت.
في حصة الرسم، رسمت ابنة الرجل المُقعد في الورقة البيضاء مربعا أسود. ورسمت أشخاصا يطوفون على المربع الأسود. حلّقتْ طيور بيضاء حول المربع الأسود. أدخلتْ الابنة أباها في الورقة. كان معهم يطوف. أحد الحجّاج يرتدي ملابس بيضاء يدفع أباها في كرسي متحرّك. نظرتْ إليه. ضحكتْ له. ابتسم لها. حطّ حمام الحرم فوق الكعبة المرسومة في الورقة
عندما عادتْ إلى البيت وجدتْ أباها قد غادر حصة الحياة.
فضول امرأة
المرأة الأفريقية الواقفة في الصورة المعلّقة على الجدار. تحمل فوق رأسها عذقاً من الموز الأخضر، وعلى ظهرها تحمل طفلها. وتمسك بيدها اليسرى سلّة مصنوعة من أشجار الغابة. وبيدها اليمنى طفلتها.
في الليل تنزل المرأة الافريقية من الصورة المعّلقة على جدار الصالة. تدخل المكتبة، تبدأ في البحث عن تاريخها أو عن أي كتاب تتسلى به. ذات ليلة وجدتُ طفلها يبكي وحيدا في الصالة. وكانت هي نائمة في مكتبتي. وعذق الموز وطفلتها ظلا في إطار الصورة.
جاع طفلها، خرجتْ من الصالة. دخلتْ إلى المطبخ، أعدّتْ لطفلها وجبة سريعة؛ وأعدّتْ لنفسها قهوة. ورجعتْ إلى إطار الصورة.
السيدة تيتي
تيتي المتسللة من المثل العماني (تيتي تيتي كما سرتي جيتي). كانت تسكن إحدى قرى ولاية قريات. قبل ثلاثمائة سنة، في قرية يتي، كانت تذهب كل صباح إلى المراعي لتجلب الحطب. ولكنها ترجع بدون الحطب. وقد ملّ أهل القرية من فعلها هذا. لا يعلم أحد ماذا كانت تفعل خلف الجبال.
قال السارد : إن تيتي العمانية لا علاقة لها بحُنين في المثل العربي الذي رجع بدون فائدة. رغم تأكيد أهل القرية أن حُنين هو زوج تيتي. ولكن لم تنجب تيتي أي طفل. لذلك سكنت تيتي وحيدة في بيت المثل العُماني.
الطفل السمكة
عندما اجتمعت العائلة على وجبة الغداء. كان الطفل ينظر إلى رأس السمكة. قال بصوت هادىء
: أبي أريد أن أكون سمكة.
: لماذا يا أحمد تريد أن تكون سمكة؟
ردَّ الطفلُ دون أن يرفع عينيه عن رأس السمكة،
: لكي أسبح في البحر، وأروح عند السمك الكبير ، وألعب مع السمك. وبعدين السمك الكبير يأكلني».
ردَّ الأب مندهشا من رغبة طفله : وكيف ستعود إلى البيت؟.
قال الطفل : عادي يوم يشقوا بطن السمكة الكبيرة، راح أهرب إلى البيت.
كبرت دهشة الأب من حلم الطفل. باغت الطفل دهشة أبيه، والتهم رأس السمكة.
وجهان
أمام بوابة مدارسهم الخاصة والمخصوصة والخصوصية جدا، وبالتحديد أمام الفصول الدراسية، يقف سرب من العاملات والمربيات الآسيويات، هذا السرب الأنيق المُرتدي بنطلونات الجينز والتنانير القصيرة، وذات السيقان البيضاء الأنيقة. عندما يدق جرس الخروج، تحمل المربيات حقائب الأطفال من الفصول في المدرسة الخاصة إلى السيارات الفارهة. في ممرات المدرسة تسمع خليطاً من اللغات ؛ العربية بلهجات متعددة ولغات أوربية وآسيوية. السائق المسترخي على مكيف السيارة ينزل يفتح باب السيارة. يخرج التلميذ من المدرسة الخاصة إلى السيارة الخاصة كي يذهب إلى البيت الخاص.
في البيت الخاص يصنع عالمه الخاص جدا.
في الجهة الأخرى من الورقة التي تنسكب بها الحكاية، في القرى المليئة الحياة . يدقُّ جرس الخروج من الفصول، ويطلق التلاميذ أقدامهم للريح، يتكدسون في الباصات التى خلّفتها الحرب العالمية الثانية. يتحوّل بطنُ الباصِ إلى مهرجان. من النوافذ يتركون لإيديهم ووجوهم حرية معانقة الريح والحرارة.
يصرخون على المارة، تتحول الكراسي إلى طبول، ويتحول التلاميذ الأكبر سنا إلى مطربين . عندما يلفظهم الباص عند رأس القرية. يمارسون بعض جنونهم الطفولي، إذا صادفهم قط أو كلب لحظة نزولهم من الباص؛ فإن ذلك اليوم هو أسوأ يوم في حياة ذلك الكلب أو القط. ستشن عليه أشرس حرب بالحجارة والزجاجات الفارغة.
وعندما لا يصادفون لا كلبا ولا قطا. تنقسم المجموعة التي لفظها الباص في الظهيرة عند رأس القرية إلى مجموعتين. ينقسمون على أساس قبلي أو مكاني. كل حارة تنضم إلى المجموعة. وتبدأ حرب قصيرة بالحجارة والشتائم.
وينقضي النهار القصير.
لكل الكائنات أحلامها في هذه الحكاية من حملتهم السيارات الفارهة وسرب المربيات. ومن حملهم الباص الموروث من الحرب العالمية الثانية.
وطن الطفل
في الصباح حمل الطفل العلم، أخرجه من نافذة الحافلة المدرسية، قيل له أن الوطن هو العلم. حرّك يده الصغيرة، تراقصت ألوان وطنه الصغير تحت أشعة الشمس. سقط العلم في الشارع. دهستْ السيارات المسرعة وطن الطفل. ظلَّ يبكي وطنه الصغير المدهوس في طابور الصباح.