التمهيد مثّل الربع الخالي وحياة سكانه البقعة الأكثر إثارة للمكتشفين الغربيين في الجزيرة العربية منذ النصف الأول من القرن العشرين على الأقل، وبسبب علاقات البريطانيين مع الدول القائمة وهمتهم العالية كان جميع رواد الربع الخالي من غير سكانه الأصليين من الجنسية البريطانية وهم على التوالي: برترام توماس 1930، وجون فيليبي عام 1930، وولفرد ثيسجر 1947. كان الكابتن توماس أول غربي يخترق جانبا من صحراء الربع الخالي انطلاقا من مدينة صلالة بحماية ومساعدة البدو سكان أطرافه الجنوبية من القبائل الكثيرية وخاصة الراشدي وبيت علي بن كثير، وكان على رأسهم الشيخ صالح بن كلوت وهو الرجل الذي اعتمد عليه الكابتن توماس في قيادة وحماية قافلته في منطقة تشوبها نزاعات الثأر والنهب، وقد كان الشيخ صالح بن كلوت مترددا في الموافقة على تحقيق رغبات الكابتن توماس عندما عبّر له عن طموحه أن تكون نهاية القافلة أبعد من منطقة نفوذ الراشدي، ولكن إصرار الكابتن دفع الشيخ إلى المجازفة معتمدا على علاقاته بالقبائل المختلفة وخاصة مع قبيلة بني مرّة التي كانت موافقتها وحمايتها للقافلة عندما تخترق أراضيهم أمرا أساسيا لسلامتها ووصولها إلى مقصدها في قطر شمالا، لذلك استعان الشيخ صالح بصهره الشيخ حمد بن هادي من بني مرّة لهذا الغرض كدليل للقافلة وربيعها من دكاكة عبر أراضي قبيلته. وبهذه المناسبة نود الإشارة إلى أننا نعتمد في مقالنا هذا على النسخة المترجمة للعربية تحت عنوان: «البلاد السعيدة» ترجمة.محمد أمين عبدالله إصدار وزارة التراث والثقافة، وتاريخ نشر النسخة الترجمة 1984؛ ومن الملاحظ أن الكتاب المترجم قد خلا من أي إشارة تدل على اعتماده على نسخة منشورة سابقا باللغة الإنجليزية، ولكن لحسن حظنا وجدنا أن ولفرد ثيسجر قد أشار في كتابه « الرمال العربية» إلى أنه أطلع عليها قبل 15 سنة اثناء رحلته في المنطقة أي أن الكتاب كان منشورا باللغة الانجليزية منذ1932. للأسف هذا الكتاب « البلاد السعيدة» في صورته العربية ليس سعيدا بما يكفي حيث يحتوي على عيوب منهجية كثيرة تتصل أغلبها بالنشر من ذلك مثلا: عدم وجود مقدمة للمترجم أو تعليقات أو تحقيق أو فهرس باستثناء الفصول والصور والرسوم.. ويتكون الإصدار من جزءين احتوى الأول على عشرين فصلا أما الملحق وهو الجزء الثاني؛ فقد تضمن أربعة موضوعات مصنفة حسب العينات المادية والبيانات غير المادية التي جمعها الكاتب وتم إعداد تقارير علمية من قبل مختصين عن ثلاثة منها فقط فيما الملحق الرابع وكان عنوانه «الأغاني العربية» خلاء من أي تقرير تحليلي وتضمن 25 نوتة موسيقية. كانت هذه بعض الملاحظات الشكلية العابرة مقدمة إلى التنويه بالأهمية الثقافية والموسيقية لكتاب برترام توماس وقد جاءا هذا المقال المتواضع تعبيرا وتقديرا منّا تجاه هذا العمل الهام والجهد الذي بذله في رصد ما يقع أمام عينيه وما يصل إلى إذنيه من حكايات وأشعار، وألحان دوّنها الكاتب بالنوتة الموسيقية الأوروبية حسب ما تسمح تقنياتها مع تلك الألحان العربية البدوية أو الجبالية أو الحضرية. وفي هذه المناسبة تجدر بنا الإشارة إلى أن مقالنا هذا في ظل غياب تسجيل سمعي لتلك التدوينات القديمة لا يمكن أن يأخذ شكله النهائي كتحقيق إلا بعد مراجعة النسخة الأصلية باللغة الانجليزية ومتابعة الألحان والأشعار والقصص الواردة في الكتاب بدراسة ميدانية مقارنة، ذلك أن الكاتب قد سجل العديد من الحكايات المحلية أو عن السيرة الهلالية كان يرويها البدو المرافقون له للتسلية، كما أن النصوص الشعرية التي جرى ترجمتها عن النص الإنجليزي أخذت شكلا ثالثا بعد إعادتها بهذه العملية إلى العربية. من جهة أخرى كان المترجم يصطدم بخصوصية الثقافة الموسيقية المحلية فيلجأ إلى تعميم أسماء شائعة في الموسيقى العربية مثل «مواويل» غير المعروفة في تلك المنطقة ونعتقد أنها لم ترد في النسخة الأصلية الإنجليزية. فبرترام توماس يحمل ثقافة موسيقية أوروبية ممتازة عبّر عن ذلك باهتمامه الواضح بالغناء وتدوين الألحان التي سمعها من الأفراد والمجموعات التي التقى بها، وسجل أسماء أنماطها ووصف وظائفها وحرص على نشر تلك البيانات مع النوتات الموسيقية التي أعدها الأمر الذي لم نجد لها حضورا في النص العربي بالصفة التي ظهرت فيه مع النوت الموسيقية في الملحق الرابع . من الواضح أن اهتمام الكابتن توماس الأساسي كان «الحصول على مقاسات لجمجمة الإنسان العربي» «بغرض دراسة سلالة عرب الجنوب، واكتشاف جيولوجية هذه المنطقة المجهولة للأوروبيين وأنواع الحياة فيها الحيوانية والبشرية وعاداتهم اللغوية وسلوكهم وتقاليدهم وطريقة حياتهم؛ وقد قام بجمع عينات كثيرة من أنواع الحيوانات والطيور والحشرات وسجل انطباعات هامة عن الطبيعة واساليب حياة سكانها الاجتماعية والثقافية. وعلى هذا الصعيد نرى من الأهمية التأكيد بأن توماس انجز عملا ميدانيا كبيرا في كتابه البلاد السعيدة نتمنى من الجهات المختصة إعادة طباعته وتحقيقه والتعليق عليه، ذلك أن الكتاب على أهميته تنقصه العديد من المعلومات والحقائق التاريخية والاجتماعية والثقافية عن المجتمع في ظفار، وبعض استنتاجات الكاتب وآرائه مثيرة للجدل خاصة تلك المتعلقة بالجنس العربي الجنوبي، أو أنها مخالفة للواقع مثل: قصة على ضبعان الخيالية من وجهة نظرنا الذي قتل خمسين شخصا! وهو عدد يمثل قبيلة كاملة في ذلك الوقت، أو كما يقول: أن المرأة الجبّالية «لا يباح لها طهي الطعام» وغير ذلك من الملاحظات الغريبة ! وعلى كل حال فبرترام توماس وغيره من الانثروبولوجيين نقلوا لنا صورة رائعة عن الظروف الاجتماعية السائدة عبر مشاهداتهم وانطباعاتهم المتنوعة وهي في الحقيقة لا تصلح فقط للاهتمام العلمي الصرف بل والفني والأدبي أيضا. ورغم أن التدوينات الموسيقية تنتمي إلى أربعة مواقع جغرافية واجتماعية مختلفة هي: المنطقة الشرقية ( الجنبة )، ومدينة صلالة، وجبل القرا، والرمال ( الربع الخالي )؛ إلا أننا سوف نتناولها معا حسب سير العمل في هذا المقال واحتياجاته. ومن الملاحظ أن النوّت الموسيقية التي دونها الكاتب في المنطقة الشرقية وتضمنها الملحق الرابع لم يتم الإشارة إليها في نص الكتاب الذي خلاء أيضا من أي وصف لهذا المنطقة وعن رحلته البرية الأولى إلى ظفار في شتاء 1927 ـ 1928 التي اجتاز فيها بواسطة الجمال حوالي 600 ميل عبر الحدود الجنوبية المطلة على المحيط الهندي. حدود العالم ! توماس في جبل القرا استغل الكاتب تأخر وصول مرافقيه الرواشد الذين توجهوا لاستطلاع البادية وإعداد القافلة وقام في أكتوبر 1929بجولة شملت بعض مرتفعات جبال القرا، وهنا يبدو أن توماس غيّر رأيه بشأن تسمية البلاد السعيدة التي وصفها في مقدمة كتابه أنها من المفارقات « أن يطلق هذا التعبير على منطقة من الأرض تكثر بها الصحراء المقفرة التي يتصارع انسانها منذ فجر التاريخ ضد عوامل الطبيعة» القاسية. فعندما وقف على مرتفعات جبال القرا التي تطل على المحيط الهندي كتب قائلا: إذا كانت هناك منطقة في شبة الجزيرة العربية تصدق عليها هذه التسمية ـ إذا استثنينا اليمن بأمجادها التاريخية ـ فهي بحق المنطقة التي تسمى ظفار والتي تشكل في مجموعها خميلة من الغابات الخضراء التي تفترش المرتفعات الجبلية المطلة على البحر والجداول الرقراقة والحقول السندسية، والسهول التي ترصع أديمها الأشجار والنباتات والأعشاب.. وفي هذه البلاد ـ كما جاء في كتاب التكوين ـ حدّد الله حدود العالم ذاكرا أنها تبدأ شرقا من جبل سفار». سجل الكاتب العديد من المعتقدات التي كانت شائعة بين سكان جبل القرا، وكان في طريقه إليها من مدينة صلالة قد وثق العديد من المشاهدات الأثرية المادية والكتابات القديمة التي نقل بعضها أو أخذ صورا ضوئية عنها لدرجة أنه يخيل إلينا لكثرتها وكأنه يمشي على منطقة ليس بها سوى الآثار، غير أن هذه الجوانب على أهميتها لن نشغل مقالنا هذا بأمرها حيث ينصب اهتمامنا على الممارسات الموسيقية وما يتصل بها من مظاهر ومقارنتها للاستدلال بالتدوينات الموسيقية الواردة في الكتاب؛ فيذكر الكابتن توماس أنه شاهد من فوق قمة الجبل جماعة الشيخ حسن (مرافقه من القرا) « وكانوا ينشدون أغانيهم الجبلية، وقد تجمع بعض الرفاق لاستقبال جماعتهم وأخذوا يلوحون بالسيف كنوع من الترحيب بهم، وأخذت بقية المجموعة تتجمع حول زعيم القبيلة الذي كان يتلوا شعارات كلها تمجيد لأبطالهم كما وقفوا صفوفا وأخذوا ينشدون أغاني أخرى بينما كان البعض الآخر يرد عليها بنفس الطريقة..وأخذوا يرددون أغانيهم الجبلية باللهجة المهرية وذلك على عكس أغاني الحب التي يغنونها باللهجة الشحرية». في الواقع هذا وصف دقيق للمظاهر الاجتماعية والثقافية لا يزال جانب كبير منها يمارس حتى اليوم وإن كان الاهتمام بشؤون القبيلة اليوم قد تراجع إشعاعه في مثل هذه الأغاني على حساب موضوعات اجتماعية أخرى تتعلق بالحياة المعاصرة وهمومها. وبالفعل وبعد مقارنة الوصف مع التدوينات الموسيقية نتعرف بشكل دقيق على المناسبة التي سجل فيها نمطيين غنائيين هما: دانا دون ( بالعربية المهرية)، والمشعير بالعربية الشحرية سنتعرف عليهما أكثر في الجزء المخصص لتحليل النوَت الموسيقية. اختبار القوة ! يرى الكاتب أن ختان الذكور «من العادات ذات الأهمية البالغة»، وتتم عند بلوغ سن الحلم، وهذه العملية يرى أنها تشبه تلك المتبعة في مصر القديمة كما ثبت من المومياء التي تم اكتشافها. ويصور الكاتب هذا الاحتفال بقوله: «تصاحب عملية الختان احتفالات كبيرة؛ فتتجمع أعداد من الصبية في المكان الذي تتم فيها عملية الختان، كما أن الختان يعتبر اختبارا لقوة احتمال الشباب ورجولتهم.. ويحضر الاحتفال الذي يقام بهذه المناسبة كل من الرجال والنساء في منطقة مكشوفة فيؤتى بالشاب الذي يراد ختانه ويجلس على صخرة ويحمل سيفا حاد الشفرة بيده خصص لهذه المناسبة، ويقوم الشاب بقذف السيف إلى أعلى ثم يلتقطه بحيث تلمس راحته حد السيف، ثم يأتي الخاتن ويجلس إلى جانب الشاب بينما تقف خلف الخاتن فتاة عذراء محجبة وتكون عادة إحدى قريبات الشاب أو أخته وفي يدها سيف وتأخذ الفتاة تلوح بالسيف يمنة ويسرة وتضرب به على راحتها وهذه العملية تعتبر تمهيدا لعملية الختان، ثم يجلس الشاب ويرفع يده اليسرى إلى أعلى انتظاراً لإجراء العملية وبمجرد انتهائها يتعين عليه أن ينهض ويدور حول الجمع ويرفع سيفه ويخفضه بطريقة لا يظهر منها أنه يشعر بأي ألم، وبهذا الاستعراض يثبت الشاب رجولته، وفي تلك المناسبة تقوم النساء بإنشاد الأغاني وقرع الطبول كما تقمن بتعرية صدورهن ابتهاجا بذلك، ويتخلل الاحتفال اطلاق نار في الهواء (..) ومن المألوف أن يقوم بعملية الختان أحد زعماء القبائل أو شخص من عائلة مرموقة». تلك كانت العادة في هذه المناسبة التي تمثل واحدة من أكبر الاحتفالات القديمة في ظفار، غير أن الذي لفت نظري هو قرع الطبول، وتعرية الصدور! وهذا وصف ليس صحيحا لأننا من أصحاب المنطقة ونعرف تقاليدها جيدا، غير أن ما يمكن أن يكون لاحظه الكاتب هو أن ملابس النساء التقليدية بطبيعتها تكشف جانبا من الجزء العلوي من الصدر والرقبة خاصة إذا ما كان غطاء الرأس من القماش الشفاف وهذا لم يكن يمثل حرجا ولا يسترعي الاهتمام كونه من الأشياء العادية في مجتمع مختلط كالمجتمع الجبالي حتى وقت قريب، أما بشأن الطبول فالجباليون لا يستعملون مع الغناء أي نوع من أنواع الآلات الموسيقية ولا أدري من أين جاء ذكرها. ونرجح من رواية الكاتب أن نوع الغناء كان «مشعير» حيث يضيف بقوله أنه فهم «بأن الأغاني التي كانت الفتيات ينشدنها تعبر عن فرحتهن، غير أن معرفة معاني هذه الأغنيات الغرامية كان يتطلب وجود شخص يحسن اللغتين لكي يترجمها لي إلى العربية، ولما لم يكن مثل هذا الشخص موجودا فقد اكتفيت بتسجيل لحن الأغنية بالنوتة الموسيقية». إن الكاتب لديه معرفة بالتقاليد الاجتماعية الإسلامية الحضرية أكتسبها عبر السنوات التي قضاها في بعض الأقطار العربية الشمالية كالعراق والأردن أو شمال عُمان وحتى مدينة صلالة؛ وهي تقاليد تتشدد في الفصل بين الذكور والإناث لا يمكن تطبيقها في ظروف الحياة الريفية القاسية التي لكل فرد من أفراد الأسرة دور يومي يقوم به، وأغلب هذه الأدوار تكون خارج البيت البسيط والمتواضع الذي قد يكون كهفا أو ماشابه ذلك، فهذه المجتمعات عاشت قرونا طويلة منعزلة ومن النادر جدا أن يصلها شخص غريب. من هنا يتساءل الكاتب « ما إذا كان يوجد في أي منطقة من المناطق الجبلية في البلاد العربية نساء على ذلك المستوى من الجرأة على الغناء في مكان عام، لأن هذا لو حدث في عُمان المعروفة بالتزمت فإنه يعتبر عملا منافيا للأخلاق وتعاقب عليه الفتيات، إلا أن مثل هذه الأغاني تتردد في كل مكان من هذه المناطق والوديان ولها وقع جميل على الأذن». والواقع أن هذه المقارنة ليست دقيقة تماما حسب تجربتنا الشخصية؛ فدور المرأة العُمانية في الموسيقى التقليدية كبير وليس منفصلا عن دور الرجل في كل الأحوال كما قد يفهم من نص الكاتب. المهم يبدو أن الكابتن توماس كان مستمتعا بمصاحبة الجباليين واكتشاف بيئتهم الجميلة لذلك كتب أن « التفكير في العودة (إلى مدينة صلالة) أمر غير مقبول لأنه لو حدث كنت سوف أحرم من مشاهدة منطقة من أجمل المناطق في شبة الجزيرة العربية، وهي معين لا ينضب من الالهام للفنان وعاشق الطبيعة وعالم الاجناس فضلا عما كانت ستقدمه إلي من متعة حقيقية وبهجة روحية» وهكذا اخيرا عرّفنا توماس بنفسه بشكل واضح. في مدينة صلالة كان الكابتن الفنان برترام توماس قد وصل إلى صلالة بحرا عبر ميناء ريسوت (ميناء صلالة اليوم) في الثامن من أكتوبرمن عام 1929 استعدادا لرحلته الثانية إلى رمال الربع الخالي؛ فالرحلة الأولى التي كانت قبل ذلك بسنة ووصل فيها إلى مقشن لا نعلم للأسف عنها شيئا في النسخة المترجمة إلى اللغة العربية، وقد ذكر ولفرد ثيسجر أن الكابتن وصف مرافقيه حينها بأنهم خيبوا آماله. لا بد أن توماس كان يسكن قريبا من الحصن الذي كان ولا يزال مقر جلالة السلطان، فعندما صحى من النوم سمع النساء يغنين ويقرعن الطبول قيل له « إنها حفلة تقام كل صباح عندما يكون سلطان البلاد أو أحد الضيوف البارزين موجودا بالقصر»، وقد ذكرتني هذه الرواية بما كتبه ابن بطوطه عن تقاليد موكب السلطان الرسولي حاكم ظفار عندما زارها في القرن الرابع عشر. وبالنظر في مجموعة مدينة ظفار نجد تدوينا موسيقيا لغناء مع العود والطبل، غير أن النص العربي لا يشير إلى المناسبة التي استمع فيها الكاتب إلى هذا اللحن ولا إلى اسم المغني، ولم يتم تحديد نوع العود المستعمل ولا أنواع الآلات الموسيقية الإيقاعية الأخرى. ويسجل الكاتب رواية جيدة عن تقاليد المجتمع الزنجي ويذكر اسم شخصية منهم كان بمنزلة» الأب « وبناء على هذه المكانة فإن بقية أفراد الطائفة بمثابة أبناء وبنات له، فتُعرض عليه جميع خلافاتهم ونزاعاتهم ليفصل فيها وله مساعد يعاونه في تحمل هذه المسؤوليات. وفي الواقع هذا التقليد الاجتماعي هو أوسع مما ذكره الكابتن توماس ذلك أن هذا «الأب» يقف على رأس مجموعة أو أكثر من المواطنين السمر وهو إلى جانب وظيفته الاجتماعية الإدارية التي أشار إليها الكاتب ـ أن جاز التعبير ـ يمتلك السلطة الفنية وسننها الطقوسية، وهي قوة عظيمة حسب تقاليد هذه الفئات الاجتماعية ومعترف بها باعتبارها جزءا من هيكل التنظيم الاجتماعي العام لا يزال يتمتع بأهمية في المدن الساحلية في محافظات الشرقية والباطنة حتى اليوم وإن لم يكن بنفس الهيمنة القديمة فقد تولت الدولة المعاصرة جميع شؤون مواطنيها. في حفلة رقص يعود بنا الكاتب إلى أسلوب المقارنات الذي يبدو أنه وسيلة جيدة يتبعها لفهم ما يجري حوله وخاصة موقف الأطراف الاجتماعية من خصوصيات بعضها الثقافية؛ فيروي أنه حضر حفل رقص للزنوج بالقرب من الحافة أقيم بعد ظهر ذلك اليوم، وكان يوجد بعض البدو الصحراويين جاءوا ليشاهدوا الحفل وعلى الرغم من أن هؤلاء ـ كما يقول ـ مسلمون إلا أن أحدهم لم يعترض أو يؤنبه ضميره إزاء ما كان يجري أمام عينيه، على العكس من المسؤول العُماني (الشمالي) المتزمت الذي كان يرافقه. سجل الكاتب وصفا ممتازا لذلك الحفل الموسيقي الذي يقام عادة بعد مضي ثلاثة أشهر على وفاة أحدهم حسب طقوس معينة ودوّن صوتا من أصواته، نورد هنا ما قاله مع بعض التصرف:» ومكان الحفل بالقرب من قرية الحافة في المناطق التي تكثر فيها أشجار جوز الهند وتضفي عليها منظرا جميلا وقد استدرجني صوت الطبول إلى وسط الحشد، وفي وسط الساحة كانت توجد منطقة فسيحة، وفي احد اطرافها جلس ضاربو الطبول وأمامهم نار مشتعلة يستعملونها لشدها، وبالقرب منها الشبان الأقوياء البنية المفتولي العضلات وهم شبة عرايا يتبادلون قرع الطبول. وفي وسط الحلقة كان يجلس مطرب الحفل يقوم بترديد شعارات الحفل وأمامه مجموعة يقفون في صفوف لترديد الأناشيد التي يغنيها المطرب. وفي الوسط كان يجلس الزعيم الأكبر صاحب الحفل يتحرك حافي القدمين يمينا ويسارا حاملا سوطا يضرب به في الهواء لإبعاد المتجمهرين عن وسط الحلقة وعلى بعد خطوات من هذه الحلقة يقع الممر الرئيسي المؤدي للدخول إلى هذا المهرجان. وكان هناك إلى جانب مجموعات من الفتيان والفتيات يدورون حول الحلقة في استعراض راقص، وكانت الفتيات يتحركن في إيقاعات مختلفة. وكنّ في مجموعات الشابات الزنجيات السوداوات كلون خشب الأبنوس وكانت كل واحدة منهن تغطي وجهها بغلالة شفافة تنسدل على كتفيها وتكشفن مفاتن وجوههن وأعينهن وما كن يرتدينه من الحلي الذهبية كالأقراط وغيرها، كما كنّ يرتدين ملابس جديدة صنعت خصيصا لتلك المناسبة ويتألف كل ثوب من قميص فضفاض مطبوع بالنيلة، وكان الثوب يتألق تألقا شديدا تحت أشعة الشمس وكانت الفتاة تمسك بأحد طرفي الثوب بينما يدها الأخرى تمدها إلى الأمام في حركات بديعة منسقة، وعندما كانت ترقص كان رأسها ثابتا لا يتحرك فيميل يمينه ويسره، وكان أمام كل واحدة منهن شاب يحمل سيفا في يده ويلتفت يمينا ويسار ثم يعود ليقف في مواجهة الفتاة وكانت هناك مجموعات أخرى من الزنوج كل مجموعة تتكون من ثلاثة إلى أربعة شبان كانوا من وقت لآخر يصوبون بنادقهم ويطلقونها في الهواء ثم يدورون حول الحلقة في إيقاعات ورقصات تشبه رقصات الخيل». في الرمال .. كسّرت العود والشر ما يعود. كان جل اهتمام الكاتب منصبا على البدو ومراقبة سلوك أعضاء قافلته والبيئة الطبيعية والاجتماعية والآثار التي كان يمر بها في بلادهم، وبرترام توماس أول أوروبي يصل منطقة الرمال ( الربع الخالي ) حسب علمنا والكتاب ثري بالمعلومات المختلفة والمتنوعة عن البيئة الصحراوية، فعلى صعيد السلوك الاجتماعي نجد الكاتب يحاول باستمرار ملاحظة الفروق الثقافية في عادات القبائل العربية لتعزيز آرائه حول اختلاف أجناسها من ذلك مثلا قضية الموقف من حلب الماشية، وطرق المعالجة وما شابه ذلك. وربما يكون أيضا أول من وصف ظاهرة «حنينة» الطبيعية الغريبة؛ وهي حسب وصفه «أصوات تشبه الألحان الموسيقية يسمونها البدو حنينة» تنتج عن حركة الكثبان الرملية وهبوط درجة حرارتها التي تتعرض لها طوال النهار حسب تفسير البدو» وحنينة تعني العواء، والقبيلتان اللتان تستوطنان منطقة الرمال يطلق على كل منهما اسم مختلف عن الاسم الذي تطلقه الأخرى لتلك الظاهرة، فعلى حين تسميها قبيلة الرواشد «الدمام» تسميها قبيلة مرّة « الهيال». بالنظر إلى التدوينات الموسيقية نلاحظ أن الكاتب قد وصف العديد من الممارسات الغنائية للبدو في مواقف مختلفة، وذكر أن البدو يصنعون من قرون البقرة الوحشية ( المها ) «نوعا من الناي يسمونها ربابة تستعملها فتيات البدو في جنوب الجزيرة العربية لأنهن لا يعرفن الطبل ولا أي نوع من أنواع الآلات الوترية». والحقيقة لم يتسن لنا التحقق من وجود هذه الآلة بالصورة التي وصفها الكاتب غير أن العُمانيين في المحافظات الشمالية يصنعون من هذه القرون آلة موسيقية تسمى «برغوم» وهي آلة محدودة الإمكانيات يستعملها الرجال فقط كبوق مع أداء الرزحة والعازي، ولا يمكن استخراج أكثر من صوتين موسيقيين منها، وقديما كان لها أهمية خاصة لدى القبائل لأنها تستعمل كرمز من رموزها وتشكل مع بعض الآلات الإيقاعية فرقة موسيقية عسكرية تابعة لها. من المشاهد الجميلة التي يرويها الكاتب وهو في الرمال (الربع الخالي)، فرحة البدو بالمطر التي يقول أنها بالنسبة لهم أشبه بالذهب عند الباحثين عن المعدن الثمين» وكان الجميع يتمنى نزولها حتى ولو غرقت المنطقة ويغنون مع تباشير المطر على ظهور جمالهم وهم يسيرون عبر تلك الرمال المهيبة.. وها هو ثعيلب ينطلق بالغناء مرّة أخرى ـ كما يذكر الكاتب ـ بينما يردد من ورائه زملاؤه ـ فرادى وجماعات ـ معبرين عن سعادتهم، وكان المقطع الأخير من تلك الأغنية هو الترديدة، ولقد ترجمت تلك الأغنية إلى الإنجليزية « ومنها نقلها المترجم إلى العربية كالتالي: مهلا فالبرق يبدو هناك على المدى البعيد لعل حملها يسقط عند أم الحياة منهمرا امطارا دائمة تسقط عبر كثبان الرمل وممرات الأنهار حتى تعبر عن أو وارد وتصل إلى ما بعدها هناك حيث توجد امرأة جميلة تعيش وتستمتع تقف بلا حجاب وحبيبها راكع عند قدميها وقد التأمت جراح قلبه من الصعب جدا العثور على أصل النص العربي كما كان يغنيه ثعيلب ورفاقه، غير أننا من الوصف نعتقد أن ذلك كان نصا في التغرود وهو نوع من غناء البدو على ظهور الجمال أثناء السفر. ومن الحكايات اللطيفة التي سجلها الكاتب عن رفاقه البدو حكاية الظبي والأرنب الشعرية ـ الغنائية «وتقول القصة أن ظبيا جاء ليأكل من أحدى الأشجار ولم يلحظ أن تحت تلك الشجرة أرنبا نائما، وعندما شاهد الأرنب الظبي قفز وأخذ يجري، ولكن الظبي أيضا أصيب بالذعر وأخذ يجري ولكنه نسي الأرنب، وعندما تذكر الأرنب أمتعض وأخذ ينشد هذه الأبيات متهكما على الأرنب (النص مترجم عن اللغة الإنجليزية): يا من لحمه قليل القيمة وجلده لا يضفي أي متعه يا من تعطي مجرد البهجة للأطفال أيها المزعج لجيرانك ذلك ما أعنيه .. يا من لحمه لا يكفي الحاجة ولكن الأرنب أيضا استدار وقعد على رجليه الخلفيتين وأخذ ينشد هذه الأبيات ردا على الظبي: الظبي يا أبا النسيان يا حاد القرن إذا هبطت إلى الوادي الأخضر أصبحت شريكا للديدان ذلك ما أعنيه..يا من لحمه لا يفي بالحاجة ومن الموضوعات التي تثير الاهتمام ورغبة في مواصلة البحث والتحقيق القصص العديدة التي يرويها رفاق برترام توماس البدو من السيرة الهلالية باعتبارها قبيلة من المنطقة. ويصف الكاتب رفاقه البدو بأنهم» على الرغم من تلك الروح القدرية التي تسيطر عليهم، فلهم لحظات مرح ينطلقون فيها، فكثيرا ما يتذكر أحدهم أنشودة أو مقطعا من قصيدة عن أبو زيد أو دياب بن غانم أو غيرهما من الأبطال الأسطوريين فيقوم بترديدها، وذات مرّة جاءني الشيخ صالح وكان ينشد احدى الأغنيات عن بني هلال قالوها في بعض خصومهم، وتقول تلك الأغنية (النص مترجم عن اللغة الإنجليزية): أن هؤلاء ليسوا أكثر من عصافير.. وبوزيد سدرة أرغمناهم على الفرار ليعودوا إلى حضيرته أن عضة الذئب لها دواء أما طعنة أبو زيد فليس لها دواء لقد سال الدم كما يسيل الماء من الدلو تخرج الدلو من البئر ممتلئة ثم تسكب بسرعة .. ثم رد عليه احد زملائه في القافلة: وتسكب بسرعة.. أي أنه يردد المقطع الأخير من الأنشودة، ثم التفت إلي وقال إن أبا زيد من أهل الجنة، ولكن بدويا آخر صاح : أو بوزيد .. أو بوزيد لو خرج سيفك من غمده فإن الجبناء لن يبقوا أحياء كم من الآبار التي مررت بها ولم تتوقف عندها وفي الليل بعد غروب شمس النهار كم من الآبار التي مرت بها الجمال وهى عطشى في ضوء النهار عندما تغمض العيون للنوم استطاع الكاتب أن يكشف لنا بصورة مقبولة واقع الثقافة البدوية وفنونها الغنائية، فإلى جانب بعض أغاني أو أهازيج العمل وأغاني السفر والتسلية قدمت قصص ظريفة وأشعار جميلة على لسان بعض أبطال السيرة الهلالية وبصفة خاصة أبو زيد الهلالي بحيث نحتاج إلى الكثير من الوقت لتحقيقها وإعادتها إلى لغتها العربية الأمر الذي لا يمكننا إتمامه في هذا المقال، لذلك ننتقل بعد هذا التلخيص إلى القسم التحليلي للنوَت الموسيقية التي وردت في ملحق كتاب البلاد السعيدة للكابتن برترام توماس،وقد تعرفنا بشكل موجز عن البيئة الاجتماعية والثقافية التي دوّن فيها الكاتب هذه النوتات الموسيقية حسبما تسمح به هذه الوسيلة الأوروبية كما أشار. والنوت الموسيقية، منشورة في ثلاث مجموعات بمحلق الكتاب الجزء الرابع (APPENDIX VI ) تحتوي كل منها على تسع نوَت، كان موقعها الصفحات الثلاث الأخيرة من ملحق الكتاب مع تعليق بسيط من الكاتب تحت عنوان: « الأناشيد العربية: العربية الجنوبية»، وبسبب مشكلة في طباعة المجموعة الثالثة في الكتاب فإننا مضطرون لإعادة كتابة النوَت التي سننشرها من هذه المجموعة في هذا المقال لتسهيل قراءتها. وفي هذه المناسبة تجدر الإشارة إلى أن مجموعة نوَت برترام توماس الموسيقية تغطي مساحة جغرافية واجتماعية وثقافية واسعة تمتد من شرق عُمان إلى ظفار جنوبا من مدينة صلالة وجبل القرا إلى شمال ظفار حتى أطراف الخليج العربي. لذلك ولتسهيل العمل نقسم التدوينات الموسيقية إلى قسمين جغرافيين حسب الواقع السياسي المعاصر هما: محلية وغير محلية؛ وهذه الأخيرة نقصد بها التدوينات اللحنية التي تعود إلى قبائل مرّة، والكرب، والصيعر بناء على مواقعها المعاصرة خارج الحدود السياسية لسلطنة عُمان، لذلك ولنقص البيانات لدينا فاهتمامنا سينصب في هذا المقال على ما يتصل بالتدوينات الموسيقية التي تدخل ضمن التصنيف المحلي للمناطق والقبائل العُمانية كما وردت في مجموعة برترام توماس الموسيقية. وكما ذكرنا فإن جل اهتمام الكاتب كان منصبا على ظفار فكانت مجموعتان من أصل ثلاث تدوينات موسيقية لألحان ظفارية نجد وصفا لمناسبات أدائها بين الحين والآخر داخل متن الكتاب في صلالة والجبل والصحراء، وهذا على العكس من المجموعة الأولى من النوَت الموسيقية وكانت أناشيد (أهازيج) لقبائل الجنبة والعوامرلم يتم ذكر شيء عنها في متن الكتاب المترجم إلى العربية (لم نطلع على النسخة الإنجليزية) سوى إشارة بسيطة عن عبور الكاتب في شتاء 1927 ـ 1928على ظهور الجمال الحدود الجنوبية المطلة على المحيط الهندي إلى ظفار ومداها 600 ميل أي ما يقارب 970 كيلو مترا، وهذا يعني أنه في هذه الرحلة انطلق من مسقط مرورا بمحافظتي الشرقية والوسطى نحو ظفار (التسميات حسب التقسيم الإداري الحالي)، ولكن دون أن يقدم لنا تفاصيل اضافية عن هذه الرحلة الطويلة سوى تلك التدوينات الموسيقية. لذلك فالكتاب يضم تقرير الرحلة الثانية التي كانت في شتاء 1929-1930 انطلاقا من مدينة صلالة وانتهت في إمارة قطر عبر صحراء الربع الخالي. وتضم المجموعة الثانية إلى جانب أغان من مدينة ظفار وجبل القرا ثلاثة تدوينات موسيقية لألحان تعود للمجموعة الثالثة الخاصة بأغاني البادية (قبائل: راشد، ومرّة، والكرب، وصيعر) التي احتوت هي الأخرى الحنين للقرا. إن هذه التدوينات التي كتبت قبل أكثر من ثمانين سنة لها أهمية تاريخية كبيرة من وجهة نظرنا كونها أقدم وثيقة مكتوبة لألحان تقليدية عُمانية عثرنا عليها حتى الآن؛ ولأنها كتبت بالأسلوب الأوروبي وخلت من أي علامات تحويل باستثناء لحن واحد هو «طارق لقبيلة الراشد» من المجموعة الثالثة، فإن وجود فروقات عربية في درجات بعض النغمات أمر وارد جدا وواقعي، لذلك من الأهمية متابعة تحقيقها تحقيقا علميا واللجوء إلى الميدان مرّة أخرى للاستماع مجددا إلى نماذج من هذه الألحان العربية البدوية والحضرية والجبلية والزنجية وملاحظة تلك الفروق. وبالنظر في هذه التدوينات نجد في المجموعتين الأولى والثالثة تجانسا ثقافيا واضحا في الأنماط الغنائية ووظائفها بسبب طبيعة البيئة الصحراوية باستثناء اسماء مثل: «همبل أو رزفة» الخاصة بالمجموعة الأولى (العوامر والوهيبة) حسب علمنا، لذلك فالمجموعتان تضمان أسماء انماط غنائية مألوفة عندنا اليوم مثل: تغرود، وطارق، وهمبل (المشي أو همبل البوش أو تغرود البوش) إضافة إلى بعض شلات العمل وسقي الجمال (أنظر الجداول المرفقة التي أعددناها مع ترجمة للتسميات التي دونها برترام توماس). وبطبيعة الحال تواجهنا بعض المصاعب لفهم بعض هذه الألحان غير أن بعض الصيغ اللحنية الثابتة التي لا تتغير بتغير النص الشعري ساعدتنا بخاصيتها هذه على التعرف بسهولة عليها، ومن الأمثلة الجيدة لحن الهمبل أو رزفة المشي (العوامر والوهيبة) التالي (مثال 01 ) : وفي هذا الهمبل المشهور لا بأس من خفض درجة الماهور( سي بيكار ) قليلا حتى يستقيم بالمقارنة بما هو متعارف عليه في السلم دور الماجير الذي دوّن الكاتب فيه اللحن. وبمساعدة الصيغ اللحنية الثابتة نتعرف أيضا على لحن رجزيت لقبيلة المهرة ( دانادون ) من المجموعة الثانية الخالي تماما من أي درجة السيكاة كالتالي ( مثال 02 ) : أما الصيغ اللحنية التي تسمح بحرية استنباط الألحان الجديدة فتحقيق ألحانها المدونة سيكون أكثر صعوبة على الرغم من أنها في مجموعة برترام توماس ليس كثيرة وهي: غناء العود مع الطبل ( من مدينة ظفار )، وطارق ( قبيلة راشد) مع إمكانية ضم بعض التدوينات اليها مثل: شلة جنبة التي نعتقد أنها لحن من ألحان الونَة، وكذلك طارق ( قبيلة صيعر) البدوية الحضرمية ( أنظر التدوينين في المجموعتين الأولى والثالثة)؛ وهذان اللحنان بلغت مساحتهما الصوتية ديوانا موسيقيا كاملا. وهكذا فإنه من الصعوبة تصنيف اللحن العودي الوحيد المدون تحت عنوان « غناء العود مع الطبل « وتحديد إلى أي نمط موسيقي ظفاري ينتمي بسبب تركيبته اللحنية غير المألوفة للصيغ الفنية وتراكيبها اللحنية المعروفة لنا. ولكن مع هذا يمكن بسهولة أدائه بأسلوب الطبل العربي ( طبل النساء ) وهو التالي ( مثال 03 ) : أما المجموعة الأكثر عددا فهي الأهازيج التي يمكن تصنيفها وظيفيا حسب نوع العمل، وفي الواقع يصعب وضعها في صنف الأغاني التي تتطلب مستوى معينا من التطريب الفني، كما أنها قد تتفق أو تختلف من منطقة أو من قبيلة إلى أخرى، ومن هذه الأهازيج شلة عمل نعتقد أنها لإنزال الحمولة من على ظهر الجمال أداء أفراد من قبيلتي راشد ومرّة الصحراويتين ( مثال 04 ) : في الواقع هناك الكثير مما يمكننا قوله بشأن مجموعة تدوينات برترام توماس الموسيقية ذلك أننا نأمل مواصلة الاشتغال عليها وتعميق هذا التحقيق الأولي في المستقبل إن شاء الله، ولأن هدفنا في هذه المرحلة التعريف بالجهد العلمي الذي قام به الكابتن توماس فإننا نختم هذا المقال بالنظر في أربعة ألحان ظريفة وهي ( مثلا 05 ) : مجموعة تدوينات الكابتن برترام توماس رقم ( II ):هبوت القرا، ومشعيرالقرا ( نساء ). مجموعة تدوينات الكابتن برترام توماس رقم (III): غناء الأطفال القرا، ومشعيرالقرا (نساء)؛ وكما ذكرنا فهذه المجموعة (الثالثة) من التدوينات نشرت معكوسة في ملحق الكتاب ولذلك نعيد كتابتها حتى تسهل قراءتها كتالي (مثال 06): حافظنا في النقل أعلاه على التدوينات كما هي في الأصل، لذلك كانت المازرة الأولى في لحن غناء أطفال القرا ناقصة نوتة من نوع دبل كروش، ويمكن قراءتها متطابقة من المازورة الثالثة أي بكروش ثم نوتتين دبل كروش. والمهم الذي نريد أن نلاحظه في هذه الألحان هو أنها تمثل بيئة فنية فريدة، فنحن نرى أن هذا التدوين هو الأقرب إلى واقع لغتها الموسيقية مع مراعاة الفروق عند الأداء الفني بين السلمين الطبيعي والدياتوني المعدل، وبشكل عام هذا الأسلوب يمكن تطبيقه على معظم الألحان المدونة وخاصة أهازيج العمل. وكما ذكرنا سابقا فننشر مع هذا المقال ثلاثة جداول تحتوي كل منها على النوَت الموسيقية وتسمياتها باللغة الإنجليزية حسب الترتيب الذي وردت به في ملحق الكتاب مع ترجمة متواضعة لنا. وهي: (انظر الجداول المرفقة).