فينوس خوري ــ غاتا امرأة ساحرة تسكنها هواجس الكتابة فتسكب فيها روحها وقلقها المتنامي واحزانها المترعة .. تتوهج الكلمات في نبض الروح التي تسكن على سفوح الأرز امرأة لا تزال طفلة تركض في غابات بشري شمال لبنان هذه القرية التي وصفتها الكاتبة قائلة أنها قرية نصفها فلاحون ونصفها رعاة .. قرية مليئة بالأساطير والقصص التي يمتزج فيها الخيال بالواقع فيما الحياة الباريسية تقتل فينا الخيال بضجيجها ورتمها السريع .. ولو كنت أعيش نمط الحياة الباريسية لما كتبت أية رواية من رواياتي.
لقد حصلت الروائية والشاعرة اللبنانية فينوس خوري-غاتا بجائزة «غونكور الشعر»، وذلك عن مجمل أعمالها
وتقيم فينوس خوري-غاتا «74 عاما» في باريس منذ مطلع السبعينات، وقد أصدرت حوالي 20 ديوانا شعريا وعددا مماثلا تقريبا من الروايات.
في العام 2009، حازت خوري-غاتا الجائزة الكبرى للشعر من الأكاديمية الفرنسية.
ووصل عدد مؤلفاتها المتنوعة بين الشعر والرواية إلى 40 كتابا، كتبتها بلغة فرنسية وروح لبنانية خالصة. كل أحداث حكاياتها مستقاة من العالم العربي، الذي تؤكد أنه لم يغادرها أبدا وأن عيناها تقفز في كل مرة تشرع في الكتابة لتعبر البحر الأبيض المتوسط. تعود بها إلى بشرّي وإلى شجر القراص الذي كان موضوعا لرواية ثم لديوان شعر.
لا تكتب فينوس بالعربية، تقول إنها تركت العربية فتركتها اللغة أيضا، بدأت كصحفية وكاتبة في صحيفة النهار.
وفي باريس تمكنت من أن تحول كل آلامها وأوجاعها إلى نتاج أدبي جعلها أحد أهم الكتّاب الفرانكفونيين، وكما قالت في حوار صحفي «كان أمامي خياران، إما الانتحار أو الكتابة».
ترجمت كتبها، إلى الإنجليزية والفرنسية والسويدية والإغريقية والكورية والتركية والألمانية والإيطالية وأخيرا إلى العربية.
وحازت جائزة أبولينير، وجائزة مالارميه، وجائزة جمعية أهل القلم، وهي تسهـم في تحرير بعض الصحـف والمجـلات الأدبية في فرنسا.
فينوس غاتا خوري الكاتبة اللبنانية المقيمة في باريس أصدرت ما يزيد عن الأربعين كتابا من روايات ومجموعات شعرية وقصص قصيرة كما حصلت على العديد من الجوائز الأدبية المرموقة منها جائزة مالارميه وجائزة ابولينير .
تعتبر من أبرز كتاب الفرانكفونية في فرنسا, عاشت بين ثقافتين ولغتين وحياتين مختلفتين بين باريس ولبنان.
قـال الشاعر والناقـد الفرنسي ألين بوسكه بفينوس خوري أنها «أبصرت النور مندهشة ولا تزال. فالطبيعي في طفولتها جعلت منه مسلكاً في الحياة دونما أي جهـد. وهي تعتبر الواقع, على اختلاف وجوهـه الهادئة أو الأليمة أو المأساوية, قضـية وحي وإشراق ودهشة مستمرة. فلا شيء تقـبله من دون إبداعـه من جديد, وهو خط الشعراء قبل أن يصبحوا شعراء, وبعد تصميمهم على البقاء شعراء كلّف الأمر ما كلّف».
فينوس خوري بنت عصرها, بنت يومها, بنت ساعتها, كما يقول رواد طربيه, تهتز لكل ما هو إنساني, تهتز للفرد كما تهتز للجماعة, تهتز لمن تحبهم, وهل هناك إنسان يستحق إنسانيته ولا تحبه شاعرتنا؟ هذا ما نجده في شعرها, الذي هو شعـر الحـب, شعر الفرح, حتـى ولو كانت المآسي تواكبه.. مآسي الإنسان, ومآسي لبنان.
مع فنجان القهوة المطيبة بالهيل في بيتها في منطقة تحيطها غابة بولونيا الساحرة حيث تحيطها الأشجار والزهور وتسكن أغصان الأشجار عصافير تذكر بقرية بعيدة تتكئ على سفوح الأرز ..في بيتها الشرقي بديكوره وكأنه بيت من ضيعة لبنانية حيث تناثرت وسائد مطرزة بأيدي الجدات وشراشف شرقية التطاريز وعبق عطر شرقي يضوع في المكان .. وقطة بيضاء تتشمس على النافذة ..
هو عالم فينوس الدافئ الذي تضيئة بطلتها وابتسامتها وحلاوة ترحيبها واستقبالها وفي هذا الحوار أتعرف على الكاتبة التي استطاعت أن تفرض وجودها كمبدعة عربية باللغة الفرنسية تسكبها في إطار روح شرقية مسكونة بالحب والدهشة تحلق في الشرق كعصفور يشتاق ابدا لغابته الأولى .
روايتك الأخيرة ( سبعة أحجار للمرأة الزانية) لقي الرواج الكبير في فرنسا والعالم, حدثينا عن أهمية هذه الرواية التي تحمل مأساة نساء من الشرق ؟
هي آخر رواية كتبتها, وما زلت أحمل هواجسها في رأسي ووجداني أينما رحلت وتنقلت من سفر لآخر فقد أصبحت قضيتي التي شغلتني وأدافع عنها في كل مكان .هي قضية المرأة التي يقتلها الجهل والأعراف الاجتماعية السائدة حتى عصرنا هذا في بعض المجتمعات الشرقية .
من أين استلهمت أجواء هذه الرواية التي فيها تفاصيل كثيرة من أجواء بلدان بعيدة في الشرق, وأنت باريسية الإقامة ؟
هذه القصة استوحيت احداثها من بلد شرقي. وقد رأيت بعيني امرأة ترجم بالحجارة حتى الموت أمام حشد كبير من الناس,وقد ظلت هذه الحادثة ماثلة في ذهني لفترة إلى ان زرت بلدا آخر عند الحدود بين باكستان وأفغانستان, حيث مرت السيارة التي كنت استقلها أمام استاد لكرة القدم وعرفت من سائقي إن هناك امرأة سترجم حتى الموت .وفي قرية صغيرة وجدت الناس يحضرون الساحة لرجم امرأة حامل من رجل غريب مر من هذه القرية واغتصب هذه المراة, وقد قرر رجال القرية قتلها للتخلص من عارها كامرأة زانية برجمها بالحجارة حتى الموت .. لقد أصابني الرعب والكوابيس مما سمعته . سكنت المرأة في خيالي لعدة أيام لم أنم فيها . ورغم انشغالي بالعديد من الأسفار والمشاريع الأدبية حيث كنت قد أصدرت ديوانا شعريا بعنوان (بيت القريص ) وكنت أقوم بقراءاتي الشعرية ثم أعود إلى الفندق لا أكتب بزخم وحرارة عن المرأة التي يكبر بطنها وتقترب نهايتها .
لقيت الرواية الرواج الكبير في الأوساط الغربية لغرابة الموضوع ومأساويته ماهو أبعاده عليك ككاتبة لهذا النص الأدبي ؟
أولا ترجمت الرواية بعد نشرها بالفرنسية عن دار ميركور دو فرانس إلى عدة لغات أجنبية ما عدا العربية . وقد بيعت الرواية بشكل كبير في اليونان والسويد وفرنسا وأسبانيا . وأصبحت منظمات حقوق الإنسان وجمعيات حقوق المراة تدعوني لإلقاء المحاضرات هنا وهناك عن المرأة المعنفة .كذلك أتلقى يوميا العديد من الرسائل من المنظمات الإنسانية ومن نساء يتعرضن للظلم.
ديوانك الأخير (بيت القريص) هو العمل الثاني الذي ترجم للعربية من بين أربعين عملا إبداعيا, لماذا لم تترجم أعمالك للعربية حتى اليوم ؟.
لقد ترجمت أعمالي إلى العديد من لغات العالم حتى اللغة الهندية والكورية ومع ذلك أجد إن الناشر الذي أتعامل معه لايفكر بهذا الأمر وقد ترجم لي حتى الآن رواية وديوان شعري فقط. مع إن أعمالي كلها تدور حول العالم العربي والشرق . وقد ترجمت لي (زهيدة درويش ) ديوان (بيت القريص) بعد ترجمته إلى الإنجليزية والفرنسية وأقول لك سرا : أنا أفضل إن يسرق كتابي ويترجم إلى العربية من ان لايصل إلى القارىء العربي.
حدثينا عن تجربتك الباريسية التي حملت لك تجارب عديدة حياتية وثقافية .. ألم وفرح وموت وشهرة وتألق في المحيط الفرنسي والعالمي ؟
عندما جئت إلى باريس مع زوجي جان غاثا خوري كنا نعيش أجواء فنية وأدبية .. لأنه كان يعرف المثقفين ويواكب التيارات الفنية ومنها الفن الحديث .. لأنه كان طبيبا للفنانين التشكيليين .. وقد استفدت من باريس كثيرا في تلك الفترة اذ منحتني زمانا إبداعيا كبيرا .. وكانت النتيجة انني كتبت 26 كتابا بين القصة والشعر,, ولو بقيت في بيروت لبقيت أكتب على طريقة واحدة ولما وصلت الى الإطار العالمي وتعرفت على كبار المثقفين والكتاب والفنانين الذين أهدوني كتبهم وقدمتهم ضيوفا في راديو فرانس كولتور وفي صحيفة الفيجارو وهذه وضعتني امام مسؤولية أمام ما اكتب وأمام قرائي .
لذلك باريس بالنسبة لي إبداعيا هي مكان للحياة وطاولة عمل . ربما لو كنت أعيش في لبنان كتبت رواية عن باريس, انا أعيش في الهجرة على صفحة بيضاء املأها من ذاكرة الحياة والطفولة .
لديك عشرون كتابا في الشعر وعشرون رواية وقصص قصيرة كيف تختارين زمن كتابة الرواية والشعر ؟
عندما أكتب لا اقرر سلفا ماذا اكتب, بل تأتيني الفكرة من مخزون داخلي, ابدأ الفصل الأول من بشيء رأيته او عشته ثم تبدأ الأحداث والشخوص تتدفق على الورق وتحكي معي القصة .. أنا اكتب الشعر بعد ان أنهي عملي الروائي,, أحس إن ذلك ضرورة لي كي احلق فيه عاليا أو انزل من جبل إلى قاع واد سحيق أتدحرج بسلاسة ونشوة . بينما في الرواية اشعر اني اصعد إلى الجبل واحتاج لكثير من الجهد والتفكير والتكنيك أكثر من القصيدة
مفردات اللغة والمهجر والحب والمنفى وكيف قدمتيها في أعمالك الأدبية.. وأين منها باريس التي تقيمين وتعملين بها ؟
كل أحداث رواياتي تدور في دول أخرى غير فرنسا كتبت رواية تدور أحداثها بين تركيا ولبنان والجزائر فباريس بالنسبة لي مجرد مكتبة وتجربة.
تتقنين اللغة العربية ولكنك تكتبين بالفرنسية لماذا اخترت الكتابة بالفرنسية ؟
اللغة العربية موجودة داخل النص الفرنسي الذي اكتبها حتى الجملة العربية والديالوغ داخل النص الروائي تجده داخل السطور والكلمة المكتوبة بالفرنسية . أنا أعطي للفرنسية تفاصيل اللغة وروحها وجماليتها حتى لتختلط اللغة العربية بالجملة الفرنسية وتصبح لغة جديدة . أدخل في نسيج اللغة الفرنسية ملامح اللغة العربية وأتمنى أحيانا أن أوسع جدار الفرنسية ليستوعب لغتي العربية . لذلك فانا اكتب وروحي تحلق في كل الأمكنة التي أحبها في الشرق .
لجأت إلى السخرية في مواجهة العنف والموت ويقال انك دجنت الموت لتستطيعي تقبله خاصة بعد وفاة زوجك واخيك الشاعر ؟
نعم لقد دجنت الموت خصوصا في مجموعتي الشعرية ( تعثر الشمس ) التي أهديتها إلى زوجي .. كنت أقرب الى الجنون في مواجهة نهاية حياة شخص أحببته وضحيت من اجله بالكثير,,, لقد حكيت عن موته في هذا الديوان ووضعت يدي على الموت الذي بدا لي كجرح عميق, معظم كتاباتي السابقة كانت تحاكي المأساة وتماثلها, لم أكتب عن الخرب اللبنانية بأسلوب سوداوي بل اعتمدت السخرية في تناول الواقع المأساوي .. انها السخرية السوداء التي طبقتها في روايتي (الابن المصير) التي أسخر فيها من كل شيء حتى من والدي ووالدتي,, وكتابتي الجديدة الساخرة وصفها النقاد الفرنسيون بأنها صرخة شاعر مجروح في حبه لوطنه .
كتبت اكثر من عمل شعري و الموت يحاصرك فيها كهاجس وفجيعة ؟
فعلا عندما توفي زوجي والد ابنتي ياسمين شعرت بالانهيار والفجيعة فكتبت كل هذا الألم في كتاب ( موت بيت ) (مونولوج ميت ) ( صخب من اجل قمر ميت ) ( الأموات ليس لها ظلال ) كل هذه الأعمال التي كتبتها كأني كنت أريد أن أعيد زوجي إلى بيته .. لذلك قد تكون الأحداث هي التي حددت شكل عملي وكتاباتي
وإحساسي الذي قد يتحول في لحظة الى جنون وألم متراكم .
كيف هي حياتك خارج الكتابة والمسؤوليات الثقافية الكثيرة ؟
انأ أعيش في بيتي الباريسي كأنني في ( بشري ) مسقط رأسي ومكان طفولتي .. انكش الأرض وازرع الزهور والحبق والنعناع .. وقد اخترت غابة بولونيا حتى اشعر بنفسي كأني عشت من جديد في الضيعة,, الحديقة تحيطنى والقطط والديكور اللبناني الدافئ .. وأنا عندما انتهي من كتابة كتاب أفكر أن آخذ إجازة من الكتابة
لبعض الوقت .. ان أسافر دون أن ارتبط بمواعيد وندوات ومناسبات وهي كثيرة جدا ..
من طقوسي اليومية أن اشرب قهوتي المرة المطيبة بالهيل . وأحيانا اقرأ الفنجان بنفسي .. وقطتي سالوي تتفرج علي في وحدتي .
أحيانا اهرب من كل هذا إلى بيتي المطل على البحر المتوسط في جنوب فرنسا لأتذكر من على شرفته بيت البعيد في لبنان فيما أتابع من باريس كل ملامح وتطورات الأدب العالمي والفرنسي على وجه الخصوص.
حوار : هدى الزين
كاتبه سورية تقيم في باريس