الخطاب المزروعي أحد كتاب القصة القصيرة في عمان، يكتب منذ مدة ليست قصيرة، لكنه لا ينشر كل ما يكتبه، يحاول أن يحتفظ بما لم يرض عنه في أدراج طاولة الكتابة، فهو مقل في النشر، ومكثر من الحياة في مباهجها اليومية، صدر له حتى اللحظة الأعمال السردية التالية (لعنة الأمكنة): مجموعة قصصية 2003م. (الرائحة الأخيرة للمكان): مجموعة قصصية 2011م.
كما أن له كتابا آخر حمل عنوان التباسات، وهو خليط من نصوص أدبية صدر في مسقط 2007م .
بعد مجموعتك الأولى هل أبرمت عقدا مع نفسك لتكتب بشكل مغاير وبطريقة مختلفة عن السائد والمألوف فيما كتبه الأصدقاء في عُمان من قصص قصيرة؟
لعلي جئتُ بعيد جيل أسس «فنياً» جنس القصة القصيرة الحديثة عربيا في عمان، ففيه أسماء لها حضورها الإعلامي الآن؛ أمثال محمد اليحيائي ومحمد سيف الرحبي ويحيى سلام المنذري ومحمود الرحبي، لكني كتبتُ بشكل مختلف على مستوى اللغة والطرح ؛لأسباب مكانية ونفسية وثقافية مختلفة، فأنا لم أخرج من القرية وتفاصيلها الحياتية العادية، وأعيش تفاصيل الإنسان الأولى البسيطة، وفي نفس الوقت على المستوى الفكري للمكان، أعيش خارج إطاره الضيق.
الكتابة عموماً لا تحتاج لإبرام عقود متخيلة، فهي تصنعنا وتصنع نهاياتنا المقلقة، في عالم متغير بشكل متسارع على جميع المستويات.
أكثر قصصك عادة تكون قصيرة،فهل تتعمد عدم الإطالة والإسهاب ،وهل بهذا أنت تعتمد تكثيف المشهد واختزاله في مقاطع سردية تعتمد الإيجاز والتكثيف طريقة في تصوير العالم المتخيل؟
قد يكون نفَسي السردي قصيرا مكثفا. فعندما أشعر أن الفكرة وصلت أتوقف،والمسألة هكذا ليست تعمدة بقدر ما هي أسلوب. ولعل أسلوبي في اللغة ساعدني في أن أجعل من البناء السردي صورا متراكمة بشكل قد يحسبه البعض يؤثر على الحدث نفسه ونمو الخيط السردي.
أنت ابن لولاية لها دور في التاريخ العماني وفي قصصك تحضر القرية كثيرا فما دلالة حضورها؟
حقيقة لا تحضر الرستاق بالاسم كمكان في قصصي، ولكن يحضر المكان الأول بكل تجلياته وامتعاضاته وفرائحه الهاربة، حضر المكان/ الطفولة ليؤثث النص القصصي؛ لأن القصة القصيرة هي سيرة ذاتية غير رسمية وغير معلنة، نؤثثها بتجربتنا اليومية واللغوية والإنسانية، وإلا لن نكتب ما نعانيه حتى ولو كان بشكل فنتازي. لن تتكرر البيئة والشخوص في القصة، لأننا ببساطة نتحرك زمنياً ويتحرك المكان باختلاف وجوهه،هل مكاني الأول الرستاق قبل ثلاثين سنة هي الرستاق الآن؟!
لقد تغيرت ديمغرافياً وجغرافياً واقتصادياً وإنسانياً ، لا أجد سلوى سوى اجترار المراتع الأولى بالكتابة، والعيش على سقم الذاكرة الجميل. والبيئة التي تحيط بنا بالأكيد لها دور بارز في رسم أفكارنا وطرق تفكير الإنسان..وقد يكون التأثير عكسي مختلفا تماماً، أي في الجانب المناقض بعض الأحيان!. كردة فعل رافضة لما يحدث ، أي بالطرق المتفق عليها مسبقاً في المعيشة الساذجة اليومية الروتينية، وهذا ما قد يحفزني لطرح أسئلة في داخلي نمت بمرور السنين، وحكايا خرافية قذفتها ألسنة في أدمغتنا الغضة..ولأننا أمة (ملسونة) وظاهرة صوتية كما قال القصيمي.. فكان لابد من إعادة تخيل/صياغة الحكاية/الحياة ، ولو بشكل مفتعل وفنتازي، ومؤذٍ بعض الأحيان على مستوى الذاكرة.
كتب عن مجموعتك الأولى « لعنة الأمكنة» أربع قراءات، نشرت ثلاث منها في مجلة نزوى،وآخر القراءات كانت ترى أن ما تكتبه نصوصا وليست قصصا قصيرة، نتيجة لارتفاع مستوى اللغة، وانخفاض مستوى الحدث القصصي، فهل أنت واعٍ أنك تكتب قصصا قصيرة أم نصوصا سردية،خاصة في مجموعة «لعنة الأمكنة»؟
في الشق الأول من السؤال لعلك تشير إلى ما كتبه الصديق القاص محمد سيف الرحبي، إن كان ذلك ما تشير إليه فإن القراءة التي نشرت عبارة عن قراءة انطباعية- وأشكره عليها، ولا أعتقد أن قراءته تدعي النقد، ولعنة الأمكنة تختلف كلياً في تجربتي الكتابية، والبعض تناولها بشكل عميق اقترب كثيراً بشكل منهجي من نصوص المجموعة.
قبل ما لا يقل من عقدين من الزمن كنت قد بدأت النشر، وفي تلك السنوات لم تشارك في المسابقات المحلية، فقد كانت مشاركتك الأولى في الملتقى الأدبي بصور عام 2006 هي أول مشاركة وحصلت حينها على المركز الثاني ، ثم جاءت مجموعتك القصصية الثانية لتحصل على المركز الأول مناصفة في مسابقة أفضل إصدار قصصي عام 2011، لِمَ تأخرت كثيرا في المشاركة في المسابقات المحلية، وهل ترى أن الفوز يروج لما يكتبه الكاتب؟
أولاً للتوضيح مشاركتي في ملتقى 2006 لم يكن بنية التسابق، في ذلك العام تلقيتُ دعوة للمشاركة بنص قصصي ولم أعلم أني حاضر للتسابق إلا في اليوم الثاني، لأني لم أتقدم لأي مسابقة.أما بأن الفوز يروج لكاتبه فحتى الآن أرى أنها المسألة لحظية وكمادة صحفية فقط، وتدخل في سيرة الكاتب الأدبية.
هل غيرت منهجك في الكتابة بمعنى أأبرمت عقدا مع قارئك لتكتب له ما يشعر به في حياته اليومية؟
الكاتب حتى وهو يكتب عن نفسه حقيقة هو يكتب عن الجميع،فهو فرد لا يتجزأ من تركيبة جمعية،ولكن قد تختلف طريقة الكتابة سواء على مستوى اللغة أو الطرح،في مجموعتي الأولى كانت اللغة حاضرة بشكل قد يشعر بها القارئ عائقا أمام الاهتمام بالحدث، لذا كنتُ مختلفاً في «الرائحة الأخيرة للمكان»، وهنا الاختلاف ليس بمعنى عقداً داخلياً بقدر ما هو رؤية إنسانية وحضارية، فجاءت في ثيمة واحدة متأملة حياتنا المتكررة،ومعظم قصصها تناولت الناس البسطاء والمهمشين.
من خلال مشاركتك في تحكيم مسابقات محلية للقصة القصيرة كيف ترى مستوى ما يكتب من شباب يجوز نعتهم أنهم أبناء الشبكة العنكبوتية؟
لمستُ أن هناك أقلاما شابة لديها الملكة الإبداعية، التي تحمل بصمة الكتابة الأولى،ومستوى مدهش رغم الاتهامات التي تطلق على هذا الجيل،ونعته بأنه ابن الانترنت؛ بمعنى جيل لا يقرأ،وكل اهتماماته منصب في التكنولوجيا الحديثة عموما،أي في الغالب لا يستخدم القلم. المهم أن يعبر عن تطلعات ومكنونات جيله بالطريقة التي تتواكب مع الحياة الحاضرة،وليس شرطاً بالطريقة التقليدية.
شاركت في 2011 في اسبانيا في مسابقة متحف الكلمة ووصلت للقائمة القصيرة،لو تحدثنا عن تجربتك وعن المسابقة؟
المسابقة تنظمها مؤسسة ثيسار إيخيدو سيرانو ومقرها مدريد في اسبانيا، لجنة التحكيم دولية ضمت شخصيات مرموقة في عالم الثقافة والإعلام والفن؛مكونة من 19 أستاذا؛ وهم أساتذة بمدرسة الكتاب بمدريد، تحت إشراف السيد ألفونسو فيرنانديز بورغوس،مدير متحف الكلمة. قامت اللجنة بانتقاء 225 أقصوصة والتي وصلت إلى نهائيات مسابقة الدورة الثانية،ويعد هذا الانتقاء حصيلة لقراءة متمعنة لما مجموعه 14253 أقصوصة دخلت غمارالمنافسة،وقد شاركتُ بأقصوصة بعنوان «الحلم»،كانت ضمن الـ 225 أقصوصة.
من يقترب من بعض تفاصيل حياتك يجدك في الحياة اليومية أكثر مرحاً من كتابتك؟
المرح في ماذا؟ لا يوجد مرح يا سيدي بتاتاً،فقط أتحايل على الحياة بطريقة مختلفة، المرح الذي تصفه هنا كأني أحاول النوم وأنا واقف على رجليّ،والكتابة كأني أحاول الوقوف على رأسي.
ألم يسيطر الألم على معظم كتابتك؟
قد يكون ذلك موجودا بشكل فعلي؛ ولكن أشعر أنه من الضرورة ارتباطه بالكتابة لدي «وقد اتهم جيل التسعينيات بأكمله-إن كانت تهمة!»،لو لم نحتفل بالألم ونسلط الضوء عليه لما عرفنا القيمة المناقضة للشيء، كالموت فهو جزء من دورة حياتنا على هذه البقعة من الكون،لا أعلم لماذا أشعر بأن الفرح مؤجل دائماً!،وكأننا زائدون على الحياة؛إنه شعور محبط ويائس.
متى ينجح الكاتب؟
عندما يستطيع أن يكتب عن الأشياء العادية بطريقة غير عادية، بطريقة تدهش القارىء؛ ويجعله مربوطاً بالنص حتى نهايته،ويحدث في دواخله تغييرات وتأثيرات، ويجعله تنبثق في دواخله أسئلة.إن استطاع الكاتب ذلك في كل مرة وبطرق مختلفة فهو مبدع خلاّق، وفي اعتقادي كل كاتب يهمه إدهاش القارىء وتحريك دواخل الإنسان للرقي به من تكلسات وانتكاسات الحياة اليومية القاتلة.
لو طلب منك التوقف عن الكتابة فهل تشعر بمقدرة على تنفيذ طلب كهذا؟
التوقف عن الكتابة، كالغطس في الماء. كم يستطيع إنسان ما أن يقبض على نفَسه!، فإما أن يصعد إلى السطح أو أن يموت، لا أتخيلني أستطيع ذلك،إنك تقلقني بسؤالك هذا ؛يذكرني بالموت؛ الموت وحده من يستطيع إيقافي عن التنفس، حتى من يدّعو الحقيقة المطلقة والوصوليين والمتسلقين والإقصائيين لن يستطيعوا إيقاف كاتب. الكتابة عبارة عن جرح وجودي لا يندمل، أصفها بقسوة الآن؛ لأني حاولت أن أتوقف وأحرقت ما يقارب من مائة نص! كلما أتذكر ذلك اليوم أصاب بجنون وأهرب من التفكير حتى فيه.