الحكاية
يحكى أن ثمة مقبرة ما في قرية ليست بعيدة تظهر مع اكتمال القمر وتختفي باختفائه كثرت حولها الأقاويل وتعددت الحكايات فصارت كالأساطير تتناقلها الأجيال تلو الأجيال، هناك من صدقها وآخرون كذبوها.
الزيارة الأولى
قبل الكثير من السنين تحدث الأجداد عنها فكان أن ذاع صيتها فقصدها من قصدها وصدقها من صدقها وكذبها من عجز عن فك شفرة لغزها.
الزيارة الأولى كانت لشاب طموح سمع ذات ليلة اكتمل فيها القمر صوت طفل يعصف بهدوء ليل ساكن..ثمة مشاعر خوف ورهبة اختلطت بفضول كبير فخرج من داره يلحق بكاء ذلك الطفل..وقف مذهولاً فاغراً فاه من هول ما رأى.. أشجار تحيط بمقبرة لم يرها هذا الصباح..اقترب.اقترب…اقترب يا لهول ما يرى مقابر مرتبة بنظام دقيق ولكن لماذا تظهر يمنى الموتى..تطالب النجدة بإيماءات متشابهة..هل يقترب ؟ انه يقترب..تلاشت مشاعر الخوف والرهبة تملكته نزعة الفضول وحب الاستكشاف مد يده ليد طفل هو من كان يبكي هذا المساء.. ماذا بعد ؟؟ إلى حين كتابة هذه الأسطر لم يعثر على ذلك الشاب.يقولون أنه جن وذهب تائها في الخلاء .
وهناك من يقول بأنه انتقل إلى العالم الآخر وآخرون يؤكدون أن الموتى سحبوه إليهم لكي لا يحدث أحد عن عالمهم الحريصين عليه كل الحرص من أطماع الأحياء.. وبين تلك الأقاويل لا نجد ظلا لأية حقيقة.
الزيارة الثانية
لا تبتعد زمنيا عن الزيارة الأولى كثيرا بضع سنوات الزائر هذه المرة أستاذ مواد فلسفية..تعمق كثيرا في فكرة الوجود وآمن بوجود عالم آخر وكائنات أخرى وحين زاد الهمس حول صحة عقله قرر أن يثبت ما يؤمن به بأن يدلل لمن يشككون في قدراته العقلية بأن المرأة التي تشق سكون الليالي القمرية من كل شهر بصراخها المفزوع ما هي إلا كائن آخر من عالم مجاور يفتح لنا نافذته في أيام محددة..
تردد قليلا ولفترة قصيرة..صباح ذالك اليوم تلقى الكثير من النصائح ولكنه كعادته لا يطيق أي نصيحة مساءً ذهب يحمل في ذهنه فكرة ما، وبقلبه حب كبير وبروحه يحمل ضياء جميلا ترك كل شيء عدا نظارته وعصا لا تغادره إلا في منامه..
أياد تخرج من المقبرة..أياد لنساء وأخرى لرجال وأطفال، إيماءات معينة تطلب النجدة، تطلب الخلاص، لا بد أن تلك اليد يد من يمزق صراخها هجعة الليل، امسك يدها بكلتا يديه..
في الصباح حيث تختفي المقبرة وجد الأهالي نظارة الأستاذ وعصاه أيضا..
يقولون أن عقله ذهب به للتهلكة، ويقولون ان قلبه لم يرحمه وأن ضياء روحه لم يدله أبدا للطريق الصحيح..وفي كل قول وحكاية يغيب تماما خيال المنطق..
الزيارة الثالثة
صبي لم يتجاوز الثانية عشرة، لا أم تحن عليه ولا أب يشمله بعطفه، تلك الأماسي كان يأتي مع الليل نداء شجي من أم ثكلى تنتظر رؤية ولدها مرة أخرى، لم يأبه اليتيم للحكايات التي رويت عن المقبرة وعن الذاهبين إليها دونما رجعة، لم يترك لعقله فرصة التفكير، نداء قلبه فقط من كان يسمع ولشوق يكاد أن يلهبه كان يستجيب، ذهب مستغنيا عن مصباحه فقد كان سناء القمر يغني عن كل المصابيح، كان على يقين بأنه لن يذهب للموت ولا للتهلكة سيذهب فقط ليرتمي في حضن سيدة تناديه كل ما حان وقت ظهور المقبرة سيدة هي في الأغلب والدته التي حرم منها منذ سنوات ليست كثيرة..
ترك حقيبة المدرسة، وترك ثياب العيد التي كان يشتريها له عمه وأحيانا خاله، ترك أصدقاءه وترك كرة القدم ترك أشياء كثيرة وذهب لا يحمل معه سوى ساعة اكبر من معصمه اخبروه بأنها الشيء الوحيد الذي تركه له والده..
هي الساعة التي دلت على ذهابه للمقبرة ليلا حيث وجدت في مكان ما يظن انه مكان صاحبة القبر الذي سحرت اليتيم بصوتها الشجي ذات أماسي معينة..
كالعادة يقولون ويقولون وما بين الأقاويل كثر قول واحد هو أن عم الفتى لم يكن رؤوفا به لم يكن خاله رحيما بحاله فآثر الفتى الذهاب إلى التهلكة حين قرر الاستجابة لذلك الصوت..وما بين كل تلك الأقاويل يعيب إطار صورة تربط الأحداث بالواقع..
الزيارة الرابعة
عاشقان هاربان من سوط التقاليد العتيقة وجبروت القبلية القاسية، التقيا كثيرا وأحبا بعضهما كثيرا ووجدا معارضة كبيرة لحبهما العظيم، هي من قبيلة وهو من أخرى، هي يجب أن ترتبط بابن عمها وفي أسوأ الأحوال بأحد شبان القبيلة وهو يجب أن لا يترك ابنة عمه التي تكبره بأعوام قليلة.قلبهما سمع نداء واحد يأتيهما في أماسي معينة، سناء القمر يضيء الليل ولا يخفي هريهما، أخذت حبه معها وأخذ معه قلبها وذهبا دونما تردد ملبيان نداء تردد عليهما.
خلفت برحيلها عار القبيلتها وهو ترك خجلا كبيرا شرخ برواز صورة والده الشيخ وقبيلته الكبيرة.
ثمة أياد كثيرة تخرج من تلك المقابر تشبثت به، امسك يدها ومضيا نحو يد واحدة في زاوية المقبرة تبدو كيد عاشق غادر ذات ليلة تاركا كل شيء حتى محبوبته..
ذلك الصباح تحدثت القبائل عن ابن الشيخ وابنة القبيلة ولكن لم يجرؤ احد على مداهمة مكان صار يجمعهما ولأول مرة تنآى القبائل عن اخذ الشرف رغم علمها بمكان الهاربين..
العشاق باركوا ذلك الهروب و الضعفاء استخفوا بتلك العواطف وما بين المباركة والاستخفاف حدث قد صار قد يكون خاطئا وقد لا يكون ولكن في كل الأحوال التهمت المقبرة أحمقين جديدين.
الزيارة الخامسة
حاكم عربي بطش كثيرا واستعبد الخلق طويلا ،قتل ليصل إلى كرسي الحكم ،كان كاذبا بارعا وديكتاتوريا بشعا سلب خيرات البلاد لم يضع رأسه يوما لينام إلا وقد ظلم وضرب وقتل ، عندما زاد بطشه وروت الأرض من دماء قتلاه ضاقت الأرض من أفعاله فأغوته بأمرأة جميلة جرجرت فخامته إلى الحديقة خلف سور داره فكان أن نالت منه الأرض التهمته تاركة خلفه الكثير من الحكايات الغامضة ،باتوا يرددون حكاية الحاكم الذي اغوته شيطانة يقال إنها (أم الصبيان)* التي أغرمت به وطمعت في جاهه وسلطانه .
الزيارة السادسة
تفرد المجلات الفنية كل سنة مساحات واسعة لسرد تفاصيل اختفاء الفنانة الفاتنة ذات القوام الجميل والوجه الحسين والجسد الفاتن، تلك الفنانة التي اشتهرت بعرض جسدها اكثر من تميز صوتها اختفت في ليلة من ليالي مهرجان فضائية معروفة، انتظر الجمهور كثيرا وغضب المنظمون وما أن أطلت الشمس حتى كان الخبر يتصدر كل المجلات والصحف الفنانة الموهوبة اسيرة المقبرة الغريبة، يقولون أنها افرطت في عرض جسدها لدرجة أن حيوانا غريب الشكل شاهدها فعشقها واشتهى جسدها فحاول التهامها بيد أن قبر صغيرا في يمين المقبرة سبق الحيوان إليها فالتهمها لتبقى يمناها تطالب النجدة وتبقى مادة مثيرة لمجلات تفلص احيانا في موادها فتستعين بقصص غريبة تروي عن اختفاء الفناة العذراء.
الزيارة السابعة
كاتب متمكن سخر قلمه لأغراض الشيطان فتارة ينتهك اعراض الحرمات على صدر صحيفته وتارة يطلق التهامات على الأشراف من قومه وتارة تجده يفتح ملفا عن الحسبة و أهمية فصل الحياة عن القرآن ،عندما حاول فتح ملف عن المقبرة الزئبقية وجد نفسه مأسورا في قبر بأسفل المقبرة يمد يده التي ما زالت تمسك بقلم ينزف ،يدرسونا في كلية الإعلام معنى شرف المهنة وأهمية قول الحق ولو على قطع الرأس ولا ينسون في نهاية المنهج أن يهمسوا في آذاننا بأننا لا نعيش في المدينة الفاضلة وأن ليس من الشجاعة ولا من العقل أن يحتفظ المرء بكل مبادئه .
الزيارة غير الأخيرة
كاتبة سمعت وكذبت أخبار المقبرة، أتت من بعيد إلى قرية نائية بغية فضح خرافات أو إثبات حالة.
قبل منتصف الشهر بيومين وطئت قدماها أرض القرية سألت كثيرا وسخرت من الأقوال والحكايات كثيرا..كل ليلة تمضي بهدوء وليل القرى غير ليل المدن..هدوء جميل يبعث للنفس أحيانا الرهبة والخوف..ولكن الهدوء بعيد كل البعد عن منتصف كل شهر يمر على هذه القرية..تارة صراخ امرأة وتارة بكاء طفل وأحيانا أصوات رجل أو رجال..
أول الليل سكون وسكون تلك الليلة لم يدم كاتبتنا تشعر بخوف ورعب سرعان ما أسعفها عقلها العبقري بفكرة راقت لها وطمأنتها: فلماذا لا يكون هذا الصوت نابع من احد أبناء القرية بغية إخافة بنت المدينة المثقفة لكي تصدق بخرافات أهلها..؟
هذا لا يمنع من الخروج..كاميرا رقمية حديثة كانت قد اصطحبتها معها كانت رفيقتها الوحيدة في ذلك الخروج الذي لم تعقبه عودة..
ذهول ودهشة بحجم كل هذا العالم لربما تكون صدمة أو أي شيء لا يمكن أن تؤطره أي كلمة أو أي معنى..مقبرة لم تكن موجودة أصلا هذا الصباح ولا صباح الأمس ولا أي صباح..
أشجار كبيرة وطويلة تحيط بالمقبرة لتصير مقبرتنا الغريبة كحدائق بابل المعلقة..تقترب تلتقط بضع صور..تقترب أكثر..يا لهول ما تراه أياد كثيرة تطلب المساعدة بإيماءات متشابهة.. تلتقط المزيد من الصور..
ماذا بعد ؟!؟!؟
وجُدت الكاميرا دونما أي كاتبة أو أي مقبرة ؟!؟أخذ احد القرويين الكاميرا وعبث بها كثيرا ثم رماها حين لم يجد منها نفعا..من ركلة إلى أخرى ومن كلب إلى ذئب إلى ثعلب تنقلت الكاميرا كل مساء.
وأخيرا كاميرا تالفة وفيلم لا يصلح للتحميض وكاتبة رثتها بعض الصحف ونعتها الهيئات الثقافية.
زيارات أخرى نظمتها مراكز علمية لم تسفر سوى عن اختفاء أثر ورهبة أكثر وأسئلة كثيرة وحكايات وأساطير أكثر وأكثر..
كل زيارة لها حكايات وقصص وأبطال وأسئلة دونما إجابات..
القبر الأول
لأني لم أمت كان عليَّ أن اطلب العون لكي أخرج من قبر صوري وليس حقيقيا، ولأني حاولت قتل أمي ذات ليلة مقمرة لكي أحظى بمالها الوفير أصابتني اللعنة فوجدتني داخل قبر مظلم لا يعلم بي احد لا اشعر بما يحدث وكأني في نوم عميق أصحو كلما اكتمل القمر اطلب العون وأعيش على لحم من يمد يده ليساعدني..
القبر الثاني
ظننت أني سأفعل خيرا فوجدتني بلا أرجل وبلا يد..التهم بعض أعضاء جسدي قاتل أمه.اذهب في سبات عميق كل ليلة ولا أصحو إلا عندما يسكب القمر عليَّ سناءها.. أبحث عن مأكل ولا يسد رمقي سوى بعض وريقات الأشجار التي ترميها علينا الرياح..حين سمعت صوت رجل يتردد في فضاء ليل كامل البدر ظننت أنني سأعود لحياتي وأحلامي وطموحاتي ولكن كل شيء صار مدفونا معي في هذا القبر المظلم، لذا كنت اردد كل ما استيقظت بالمساعدة..
القبر الثالث
على هذا المكان خنت زوجي..لقد تركني لسنوات طويلة، هاجر بحثا عن الرزق تاركا لي أطفالا صغارا، كنت لهم أبا وأما وفرت لهم المأكل والمشرب ولكني وجدت نفسي أقع في أحضان رجل آخر فصرت وإياه في هذه المقبرة لا أنا قادرة على تبرير موقفي لأبنائي ولا هو قادر أن يمسح عني العار.
فكيف لي أن امضي في حياتي فلا أهلي سيقبلون بطلاقي من رجل غائب لسنوات طويلة ولا أنا بقادرة على انتظار رجل من ورق قد لا يعود.
القبر الرابع
هاهنا دفنتني أمي..ظنت أني قد مت وفرحت كثيرا عندما لم تجدني، مولودة ليس لي ذنب سوى أنني غلطة يجب أن لا تكون.. فأنا أبنتها من رجل ليس بزوجها.
بكائي كان يبكي الجبال والسماء كانت تدمع كلما احتجت للحليب والحنان..وحيدة هنا لا أكبر ولا أعرف لي اسما..لا اعرف سوى البكاء الرحيم والشعور الأليم، نتيجة أنا للذة حرام فكنت في هذا القبر أمد يدي لعل أحدهم ينتشلني من براثن قبر مخيف أو لعل أحد يقول لأمي بأني ما سامحتها يوما ولا غفرت لها ذنبين أشدهما قتلي مرتين.
القبر غير الأخير
ما حاولت أن أصنع مجدا زائفا بل حاولت أن اكتشف سر هذه المقبرة واحذر الناس من الاقتراب منها والإصغاء لنداءات من يرقدون بها ولكني وجدتني بين اسوارها متهما بالحماقة خارجها وبالسخافة داخلها..
من ينتظر نبيا ليخرجنا منها..أو إلها يميتنا أو يبعثنا أحياء ولكن ان نموت ولا نموت فيه من الكفر الكثير ومن العذاب الكثير..
أن نموت ولا نموت
أن نعيش ولا نعيش
أن نكون ولا نكون
حكايات نحن تلوكها الألسن
يتسلوا بأخبارنا في المقاهي ويتسامرون على اساطيرنا في الشتاء..من يزورنا لا يعود ومن لا يزورنا لا يدري عن هذه الأوراق شيئا..وقتنا سراب وعمرنا سراب ونحن صرنا بحيرة زائفة في صحاري الأعراب.
حكايات أخرى لمقبرة حية ذات زيارات لا تنتهي
الحكاية الأولى
ثمة بقعة يخشى الكثير هنا الاقتراب منها، كثرت حولها الأقاويل والأساطير مقبرة تهاب الشمس وتأمن القمر فتظهر بانسكاب سنائه.
مقبرة هذه القرية ليست ككل المقابر لأن الأموات الذين يسكنونها ذوو مواصفات خاصة.
في المساء، في كل منتصف كل شهر يسمع جميع من في هذه القرية أنينا مخيفا وبكاء مولود رحيم.
هناك من يقول أن لذلك سببا واحدا هو أن كل من دفن في هذه المقبرة إنما قتل غدرا .
ثمة من يرى أن هذه المقبرة تضم في تربتها مجموعة من المظلومين الأبرياء الذين ينفذ فيهم ظلما حكم الإعدام بناء على حكم المحكمة.
جدتي تسخر من كل هذه الأقاويل إذ ترى أن أموات هذه المقبرة قد تكبروا ذات عهد على نعمة الله فكان أن اصابتهم لعنة السماء والأرض معا حيث دفنوا أحياء، وتصر جدتي على أنهم تزاوجوا وتناسلوا تحت التراب حيث يعيشون.
الحكاية الثانية
أشجار كثيفة تحيط بمقابر يغلفها غموض شديد، وأقوال عقيمة لا تشبع فضول من يسكنه هاجس سر مقبرة زئبقية لمسها محال ونسيانها جنون.
مع اكتمال القمر تكتمل ملامح الكثير من الحكايات حول امرأة دفنت هناك بعد أن تركت لكلبة القرية العرجاء مهمة إرضاع مولودها، فكما تقول الحكاية القديمة أن المرأة التي أنجبت طفلا ذا عينان تضيئان ليلا قد خافت منه وأبت إلا أن ترميه في إحدى زوايا القرية المهملة، ويقال ان المرأة لم ترجع إلى منزلها حيث التهمتها الأرض فصارت جسدا يواريه التراب وحكاية تلوكها الألسن.
الحكاية الثالثة
في مقهى القرية يتسامر الرجال حول أحاديث عدة يحويها حدث واحد ما هو إلا زواج الرجل الثري الذي جاء من بلد بعيدة ليتزوج فتاة جميلة وفقيرة، كان المهر العالي والمجوهرات الكثيرة قد أنست والد الفتاة التدقيق في نسبه الجديد.
بعد احتفال بهيج لم تشهد القرية مثله قط اختفت العروس وكذلك عريسها.. العريس الذي كان من آكلي لحوم البشر التهم عروسه لحما نيئا كما التهمته بعدها الأرض ليصبح في جوف أرض لم تخنق شهقاته ولا صراخ عروسه فباتت الشهقة والصرخة معلما من معالم هذه القرية حيث ترددا في فضاء قرية مكتملة القمر..
الحكاية الرابعة
لا يمكن أبدا أن ينسى أو يتناسى أهالي القرية تلك العجوز الشمطاء التي ابتلت بها القرية ذات عهد بعيد، فتلك العجوز تستطيع ممارسة فعل السرقة بطريقة غريبة، فهي لا تسرق المال أو العقار ولا حتى المجوهرات، تسرق ما هو أغلى وأثمن.
ذات مرة سرقت أجمل عينان عرفتهما القرية وتركت محل تلك العيون عينيها البشعتين، ومرة أخرى سرقت من فتاة صغيرة فمها التوتي وحاجبيها المقوستين، وسرقت من طفلة صغيرة بشرتها البيضاء الناعمة الغضة، ومن تلك سرقت صوتها ومن هذه سرقت قوامها..وهكذا حتى صارت تلك العجوز جميلة المظهر..فكانت أن عشقتها الأرض وتزوجت بها وأهدتها بيتا مخيف ما هو إلا قبر في إحدى زوايا مقبرتنا الزئبقية.
الحكاية غير الأخيرة
في جلسات نساء القرية يتكرر الحديث دائما عن شيخ القرية الذي زعم في ذات زمن أنه قادر على معالجة النساء من العقم، وكان أن النساء اللاتي ذهبن إليه لمعالجتهن من داء لم يعرف له حينذاك دواء أنجبن أبناء يشبهون إلى حد كبير ذلك الشيخ، وكان من سذاجة الرجال والنساء على حد سواء أنهم ظنوا ذلك الشبه بركة من بركان الشيخ.
وحين التهمت الأرض ذلك الشيخ الدجال واحتفظت به بين تراب مقبرتها أدرك الجميع أن الشيخ الجليل كان يمارس غوايته مع نساء ساذجات كان يعطيهن مادة منومة..فتركهم تاركا لهم أبناء من صلبه لا يعلم احد في أي خانة يصنفونهم ولا بأي لعنة يلعنون أنفسهم ونساءهم.
تتناسل الحكايات والأساطير حول المقبرة منها ما قد يكون حقيقة ومنها ما يكون زيفا وما بين الحقيقة والزيف مقبرة غريبة في قرية نائية لا تنقطع عنها الزيارات ولا تزال الأساطير والحكايات تحاك حولها.