ملحق أقاصي هو أحد ملاحق الجمعية العمانية للكتاب والأدباء يعنى بفنون السرد فقط، يعده ويحرره القاص حمود حمد الشكيلي، والشاعر عوض اللويهي. فما أن تأصل الملحق في وجدان الوسط الثقافي العماني جاءته فكرة تبني مشروع طبع ونشر وتوزيع كتب للكتّاب العمانيين، حيث فاجأ ملحق أقاصي الوسط الكتابي في عُمان بما استطاع أن يوفره للمكتبة العمانية من كتب في السرد مختلفة على مستوى الكتابة ومتنوعة على مستوى الأجناس السردية، ففي ثلاث سنوات طبع اثني عشر كتابا.
يشرف على مشروع كتاب أقاصي القاص الخطاب المزروعي، الذي ساهم في إعادة ملحق السرد الذي كان قد توقف لسنوات طويلة، بل لم يخرج منه إلا عددان عن جريدة الوطن العمانية في فترة بدايات ذرورة نشاط أسرة كتاب القصة في عمان، وقد حمل اسم «أصواتنا»، ثم مع منتصف عام 2006 للميلاد جاءت فكرة إعادة وإيجاد ملحق خاص بالسرد في عمان، فكان ملحق أقاصي يعود ليعتني بالسرد، وبالمنشغلين فيه.
ومن الكتب التي حظيت بدعم من الملحق خلال السنتين الماضيتين: «دمدمات» للشاعرة والأديبة فاطمة الشيدي، و«أشجار محمد الصغيرة» للكاتبة الأديبة أزهار أحمد، و«خشب الورد» للقاص سمير العريمي، فقد جاءت هذه الكتب كباكورة أولى يقوم بها الملحق مساهما في دعم الكتّاب العمانيين.
أما عن الكتب الخمسة التي كانت من نصيب العام الماضي: «الرائحة الأخيرة للمكان» للقاص الخطاب المزروعي، و«الطيور الزجاجية» للقاص يحيى سلام المنذري» و«أرجوحة بين زمنين» لمحمود الرحبي، و«لذة ميتة» للكاتب يعقوب الخنبشي، و«سيرة الحجر2» للشاعر زهران القاسمي.
وقد أقيم للكتب حفل تدشين ضمن فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب العام الفائت. ومع افتتاح معرض مسقط الدولي للكتاب هذا العام 2012 في دورته السابعة عشرة أقامت الجمعية العمانية للكتاب والأدباء حفل تدشين لكتب أقاصي الأربعة، وهي رواية «الوافد» للكاتب أحمد محمد الرحبي، و«سفينة نوح» للكاتب سلطان العزري، و«خفة ظل» مجموعة قصصية للقاص وليد النبهاني و«سلالم صوب الولع» للشاعر صالح العامري، وقد صدرت هذه الكتب الأربعة تزامنا مع افتتاح المعرض بحضور جمع غفير من الكتاب والأدباء والمثقفين العرب والعمانيين، وقد صاحب الحفل تغطية إعلامية موسعة، فهي المرة الأولى للمشروع التي يطبع فيها روايتين. وقد تم في الحفل تكريم الروائي العماني سعود المظفر، حيث كان ضيف شرف حفل التدشين. وهذا عرض سريع وموجز للكتب الأربعة:
الوافد / رواية لأحمد محمد الرحبي
جاءت الرواية في ثلاثة أجزاء قصيرة نسبيا، الجزء الأول لم يحض بعنوان خاص، وإنما يفتتح بمقولة «كل ما يقوله كذب وبهتان، وكل ما أقوله صدق وإيمان» ثم تلت هذه المقولة ثمانية فصول، بعدها يأتي الجزء الثاني ويحمل عنوان «كوابيس الجنة» وفيه ستة فصول، وأخيرا «العودة» وفيه ثلاثة فصول.
يشير عنوان الرواية إلى الشخصية الرئيسية في الرواية، وهي اسم فاعل من فعل وفد، ومن المعاني التي تشير إليها الكلمة هو الشخص والإنسان الوافد على الجماعة الغريبة، التي قد تختلف عنه لغة وطريقة تفكير ومنهج حياة. يسعى الراوي فصل الشخصية من خلال رؤية محايثة، إلا أن القارئ قد يشعر أن الشخصية هي الراوي، والعكس صحيح، وهما أيضا قد يقتربان من الكاتب، خاصة إذا ما علمنا أن الكاتب عادة ما يزور بلده قادما من روسيا، حيث يقيم هناك طوال العقد الماضي. من الرواية نقرأ مفتتح الحكاية فيها « ثبت عقارب ساعته على الساعة الثانية ليلا حسب توقيت مسقط، المطار شبه خاو، ما جعله يتخلى عن ترف العبور من الشباك المخصص للمواطنين. مع ذلك تأخر خروجه من المطار حتى هبوط الفجر. عندما جاء دوره، أمسك الموظف بجوازه ليختفي بين تضاريس يديه الهائلتين. أشار له وابتسامة تنام في وجهه الشحيم بالابتعاد عن الطابور والانتظار ريثما ينتهي من بقية المسافرين. وقت قصير حتى غادروا جميع من جاءوا معه، وانصرف الموظف السمين بجوازه إلى إحدى الغرف، فخيم صمت على المكان.
سفينة نوح/ رواية لسلطان العزري
يحتفي العنوان برمزية دينية، إلا إنه في الرواية ليس كذلك مطلقا، فمن خلال انعكاسات العنوان على أحداث الرواية الواقعة في المكان الذي تبدأ الرواية تثبيته في المتخيل من سرد الحكاية يشعر القارئ إن الحدث أحال المكان إلى سفينة، فغرق من غرق، ونجا من نجا، وبهذا فإن الرواية منشغلة بالمكان، عبر أحداث كانت قد وقعت في عُمان، وهي أحداث الأنواء المناخية التي تعرضت لها السلطنة فيما عرف باسم إعصار جونو، من تلك اللحظة يشيد الراوي ومن خلفه الكاتب سردا من الدرجة الثانية من خلال عودة هذا الأخير «الكاتب» إلى ما جاء في الصحف المحلية، وبهذا فإن سفينة نوح منشغلة في مخيالها بسرد ثمانية عشر فصلا، فيها ما هو واقع، وفيها ما هو متخيل، حيث إننا أمام هذه الرواية نقف أمام كارثة طبيعية أودت بحياة بشر، رغم أن واقع الإعلام يحاول جاهدا أن يجعل الحادثة سهلة وبسيطة من خلال محاولة طمأنة الناس الذين داخل مياه ذاك الواقع، إلا أن الواقع الحقيقي، واقع الطبيعة يكون أشد وأعنف من تلك التطمينات الإعلامية، من الرواية نقرأ» من على مسافة خمسين مترا كانت سيارة التلفزيون تراقب المشهد بآلات تصوير، تجمهر العمال الآسيويون عليها، خروج نمل لرائحة دسمة، تجمهروا حولها، مجموعة من العسكريين، فرقوا أكياسا على بعض أولئك العمال المتجمهرين حول الشاحنة، كانت الكاميرات تصور المشهد، قبل أن تتحرك سيارة التلفزيون بعيدا وتغادر، توقفت فجأة تلك الشاحنة المبقعة عن توزيع الأكياس، هش العسكر المتجمهرون حولها، علا صوت النحيب الطويل «وا وا وا وا وا وا وا وا وا» لدقائق ثم تضاءل عن المكان.
سلالم صوب الولع/ نصوص لصالح العامري.
كتاب نثري، يأتي مازجا النثر بالشعر؛ لتلتقي الأجناس الأدبية جميعها مشكلة سبع سلالم، تشكل السلالم المتجهة صوب الولع ست سلالم إذا ما استثنينا السلم الأول، وهن، ألعاب وطفولات، في حانة الشوق، مرمى الطائر الغريب، البلدة البعيدة، قصاصات الطريق، وأخير، القوس الثامن.
هذه السلالم التي تنشد إثبات جماليات صالح العامري في لغته، المختلفة والمخاتلة من حيث صياغة الصور المجازية من ثقافة الكاتب كثيرا ومن حياته البسيطة، تلك الحياة المكرسة لخلق كلمات مدهشة مثيرة، جاذبة القارئ في التهام النصوص، كما لو أنك أمام وجبة عمانية دسمة، ما أن تقف في السلم الأول حتى تأخذك اللغة المترفة بالحكي، والمنجذبة نحو الشعر كثيرا. من سلم مرمى الطائر الغريب نقرأ « عين الغريب» في مونولوج مع السأم « أيها العارف بأمر الفجر، أيها المدخن المشهود له بالعقوق، أيها الغائب القابض على الشهد، أيها المريض الناقم على الأوطان والأبدان والمدافن والمدائن، أيها المخلص لغباره ونثاره، أيها الجريح العاطل عن الشجاعة، أيها المتبطل الذي يعمل بقسوة، أيها المهاجر الذي يتصبب في الأصداغ والأوداج، أيها البليد في الذكاء، الذكي اللابث في البلادة.. .
خفة ظل / لوليد النبهاني
مجموعة قصصية، يهدي الكاتب مجموعته إلى الحلم واصفا إياه بأنه «القصاص القديم المراوغ» في المجموعة اثنتا عشر قصة، وهي «احتقان» ، «الكمة»، الصياد الذي جعلته العاصفة قرصانا، «أما زال شعر أبيك أسود يا حمد؟»، «نجم الدين، الظل»، «لوح محفوظ»، «صائد الأحلام الذي يكتب القصص»، «لم تلد ظلها في الظلام»، «تحية كاريوكا من دون أصابع زينب»، صورة شارابوفا»، «شخرقة».
تلتقي قصص هذه المجموعة في جملها الطويلة، كما في قصرها، فيعمد الكاتب إلى تكثيف سرده، متخليا عن الوصف الذي عادة ما يعيق توهج اللحظة السردية. من قصة لوح محفوظ نقرأ بداية القصة» إن لم يكن لصا ذاك الذي يهم بفتح المنجرة الآن في هذا الظالم الحالك فلا بد أن يكون «محفوظ» النجار الوحيد في سوق البلدة. وإن كان (نجيب) ابنه الوحيد نائما فلابد أن زوجته لم تنته بعد من عد النقود إذ باعت علبا من بخور زوجها».