«أيها الحب. أيتها الحياة. ليست الحياة بل الحب في الموت»
روميو وجولييت
الفصل 5، المشهد5
قدمت مسرحية «العادلون» لأول مرة يوم 15 ديسمبر 1949، على خشبة مسرح هيبيرتو (إدارة جاك هيبيرتو)، بإخراج بول إيتلي، الديكور والملابس لـ«دي روسناي». وهي إحدى أهم الأعمال المسرحية الخالدة لكامي. تعالج موضوع الإرهاب والقتل المجاني الذي ينخرط فيه شباب كل العصور دون وعي بما يفعلون. إن مع تعقد مشاكل عصرنا، سياسيا وثقافيا ووجوديا، نحتاج إلى قراءة وإعادة قراءة ألبير كامي الذي أصبحت له اليوم راهنية أكثر من أي وقت مضى. لهذا الغرض تنشر مجلة «نزوى» الفصل الأول من مسرحية» العادلون»، على أمل نشر فصول أخرى في أعداد قادمة.
شقة الإرهابيين. فـي الصباح.
يرفع الستار وسط الصمت. «دورا» و «أنينكوف» فوق الخشبة، لا يتحركان. نسمع جرس الدخول يدق مرة واحدة. يقوم «أنينكوف» بحركة ليوقف «دورا» التي يبدو أنها تريد الكلام. يدق الجرس مرتين، واحدة بعد أخرى.
– أنينكوف: إنه هو.
يخرج. «دورا» تنتظر، بدون حركة دائما. يعود «أنينكوف» رفقة «ستيفان» الذي يمسكه من كتفيه.
أنينكوف: إنه هو. هذا هو ستيفان.
تذهب «دورا» في اتجاه «ستيفان»
وتمسك يده.
أية سعادة، يا «ستيفان».
ستيفان: صباح الخير «دورا».
دورا تحدق فيه.
لقد مرت ثلاث سنوات.
ستيفان:نعم، ثلاث سنوات. اليوم الذي ألقي علي القبض فيه، كنت سألتحق بك.
دورا:كنا ننتظرك. الوقت يمر وقلبي ينقبض أكثر فأكثر. لا نجرأ على النظر في بعضنا.
أنينكوف: كان ينبغي تغيير الشقة، مرة أخرى.
ستيفان:أعرف.
دورا: وهناك، ستيفان ؟
ستيفان: هناك ؟
دورا: السجن ؟
ستيفان: لقد هربنا منه.
أنينكوف: نعم. لقد كنا سعداء عندما علمنا أنك تمكنت من الهرب.
ستيفان: سويسرا سجن آخر، بوريا.(ص.17)
أنينكوف: ماذا تقول ؟ إنهم أحرار، على الأقل.
ستيفان: الحرية سجن مادام الإنسان مستعبد على الأرض. لقد كنت حرا ولم أكن أتوقف عن التفكير في روسيا وعبيدها.
صمت
أنينكوف: أنا سعيد، ستيفان، كون الحزب قد أرسلك إلى هنا.
ستيفان: كان ذلك لازما.كنت أختنق. لا بد من فعل شيء ، في الأخير.
ينظر إلى أنينكوف.
سنقتله، أليس كذلك؟
أنينكوف: أنا متأكد من ذلك.
ستيفان: سنقتل ذلك الجلاد. أنت هو الرئيس، بوريا، وسأطيعك.
أنينكوف: لا أحتاج إلى وعدك، ستيفان.نحن جميعا إخوة.
ستيفان: لابد من الانضباط. لقد استوعبت ذلك في السجن. الحزب الاشتراكي الثوري يحتاج إلى الانضباط. ونحن منضبطون سنقتل الدوق الكبير وننتصر على الديكتاتورية.
دورا وهي تتجه نحوه: اجلس، ستيفان. لابد انك متعب، بعد سفرك الطويل.
ستيفان:لم أشعر بالتعب أبدا.
صمت. دورا تذهب للجلوس.
ستيفان: كل شيء جاهز، بوريا ؟
أنينكوف، وقد غير من نبرته: منذ شهرين، واثنان من عناصرنا يدرسان تحركات الدوق الكبير. لقد جمعت دورا التجهيزات الضرورية.
ستيفان: هل تمت كتابة الإعلان؟
أنينكوف: نعم. ستعرف كل روسيا بأن الدوق الكبير قد أعدم بقنبلة من طرف الجناح العسكري في الحزب الاشتراكي الثوري للإسراع بتحرير الشعب الروسي. ستعرف المحكمة الامبراطورية هي الأخرى أننا قررنا ممارسة الإرهاب حتى تعود الأرض إلى الشعب. نعم، ستيفان، كل شيء جاهز. لقد اقتربت اللحظة.
ستيفان: ماذا علي أن أفعل؟
أنينكوف: في البداية، ساعد «دورا». شوايتزر، الذي ستعوضه، كان يعمل معها.
ستيفان: هل قتل ؟
أنينكوف: نعم.
ستيفان: كيف ؟
دورا: حادثة.
ينظر ستيفان إلى دورا. دورا تحول نظرها.
ستيفان: وبعد ذلك؟
أنينكوف: وبعد ذلك ، سنرى. عليك أن تكون مستعدا لتعويضنا، عند الاقتضاء، والحفاظ على العلاقة مع اللجنة المركزية.
ستيفان: من هم رفاقنا ؟
أنينكوف: لقد التقيت «فوانوف» في سويسرا. أنا أثق فيه، رغم أنه شاب. أنت لا تعرف «يانيك».
ستيفان: يانيك ؟
أنينكوف: كالياياف. نسميه أيضا الشاعر.
ستيفان: هذا ليس اسما يطلق على إرهابي.
أنينكوف، وهو يضحك: يانيك يظن العكس. يقول إن الشعر ثوري.
ستيفان: القنبلة هي الشيء الوحيد الثوري. (صمت). دورا، أتظنين أنني أستطيع مساعدتك؟
دورا: نعم.فقط ينبغي الحذر من كسر الأنبوب.
ستيفان: و إذا انكسر؟
دورا: هكذا مات شفايتزر.(لحظة). لما تضحك يا ستيفان؟
ستيفان: أضحك؟
دورا: نعم.
ستيفان: هذا يحدث لي أحيانا.(لحظة.يبدو ستيفان كما لو أنه يفكر). دورا، أقنبلة واحدة تكفي لتفجير هذا البيت؟
دورا: واحدة، لا. لكنها ستلحق به أضرارا.
ستيفان: كم من قنبلة تكفي لتفجير موسكو؟
أنينكوف: هل أنت مجنون؟ ماذا تقصد؟
ستيفان: لا شيء.
دق الجرس مرة واحدة. الجميع ينصت وينتظر. دق الجرس مرتين. انتقل أنينكوف الى المدخل وعاد رفقة «فوانوف».
فوانوف: ستيفان!
ستيفان: صباح الخير.
تصافحا. اتجه فوانوف نحو «دورا» وقبلها ؟
أنينكوف: هل مر كل شيء على ما يرام، أليكسيس؟
فوانوف: نعم.
أنينكوف: هل درست المسار من القصر إلى المسرح؟
فوانوف: أستطيع الآن رسمه. أنظر.( بدأ يرسم) هذه منعطفات، وطرقا ضيقة، عوائق…السيارة ستمر تحت نوافذنا.
أنينكوف: ماذا تعنيان هاتان العلامتان؟
فوانوف: مكان صغير حيث ستبطئ الخيول والمسرح حيث ستقف. في رأيي ، إنهما أفضل الأمكنة.
! أنينكوف: هات
ستيفان: الجواسيس ؟
فوانوف، بتردد: يوجدون بكثرة .
ستيفان: يثيرونك ؟
فوانوف: لست مرتاحا.
أنينكوف: لا أحد مرتاح أمامهم . لا تضطرب.
فوانوف: لست خائفا من أي شيء. لست معتادا على الكذب، هذا كل شيء.
ستيفان: كل الناس يكذبون. يجب أن تكذب ببراعة، هذا هو المطلوب.
فوانوف:ليس سهلا. عندما كنت طالبا، كان رفاقي يسخرون مني لأنني لم أكن أعرف الكتمان. كنت أقول ما أفكر فيه،فتم طردي من الجامعة.
ستيفان: لماذا ؟
فوانوف: في درس التاريخ ، سألني الأستاذ عن كيف شيد بيار لوغران سان بترسبورغ.
ستيفان:سؤال جيد.
فوانوف: بالدم و السوط، أجبت. فتم طردي.
ستيفان: وبعد ذلك…
فوانوف: عرفت أنه لا يكفي أن تفضح الظلم. بل ينبغي أن تكرس حياتك لمحاربته. الآن، أنا سعيد.
ستيفان: ورغم ذلك تكذب ؟
فوانوف: أكذب. لكنني لن أكذب أبدا يوم ألقي القنبلة.
يدق الجرس.دقتين، ثم واحدة. اندفعت دورا.
أنينكوف: إنه يانيك.
ستيفان: إنها ليست نفس الإشارة.
أنينكوف: وجد يانيك متعة بتغييرها. إنه يمكل إشارته الشخصية.
هز ستيبان كتفيه.يسمع صوت دورا وهي تتكلم في المدخل.
تدخل دورا وكالييف، وهما يمسكان أيديهما. كالييف يضحك.
دورا: يانيك. هذا هو ستيبان الذي يعوض شفايتزر.
كالييف: مرحبا بك، أخي.
ستيبان: شكرا.
تذهب دورا وكالييف لتجلسان، أمام الزاخرين.
أنينكوف: يانيك، أمتأكد من التعرف على عربة الخيل ؟
كالييف: نعم، لقد رأيتها مرتين، وعلى مهل. لتظهر في الأفق وسأعرفها من ضمن مليون عربة!
لقد سجلت كل التفاصيل. مثلا، قطعة من زجاج المصباح الأيسر مكسورة.
فوانوف: والمراقبون؟
كالييف: أسراب. لكننا أصدقاء قدامى. كانوا يشترون لي السجائر. (يضحك).
أنينكوف: هل أكد «بافيل» المعلومة ؟
كالييف: سيذهب الدوق الكبير هذا الاسبوع الى المسرح. خلال لحظة سيعرف «بافيل» اليوم بالضبط وسيبث رسالة مع البواب. (يلتفت نحو دورا ويضحك). إننا محظوظون، يا دورا.
دورا، وهي تنظر إليه: ألم تعد بائعا جوالا ؟ ها أنت سيدا كبيرا. كم أنت وسيم. ألم تندم على ثوبك الجلدي ؟
كالييف: صحيح، لقد كنت فخورا جدا به. (يتوجه إلى ستيبان وأنينكوف). لقد أمضيت شهرين في مراقبة الباعة الجوالين، أكثر من شهر وأنا أتمرن داخل غرفتي الصغيرة.لم يشك في أبدا أصدقائي.» كانوا يقولون إنه شجاع كبير، يبيع حتى الخيول للقيصر». كانوا يحاولون تقليدي بدورهم.
دورا: طبعا كنت تضحك.
كالييف: تعرفين أنني لا أستطيع التخلص من ذلك التنكر، تلك الحياة الجديدة… كل شيء كان يمتعني.
كان !
دورا: أنا لا أحب التنكرات. (تشير إلى تنورتها). ثم هذه الثياب الفاخرة.
أنا أملك قلبا بسيطا.! «بوريا» سيجدني مختلفة. ممثلة
كالييف، يضحك: أنت جميلة جدا بهذه التنورة.
أكون سعيدة بذلك. لكن لا ينبغي التفكير في الأمر. ! دورا: جميلة
كالييف: لماذا ؟ عيناك دائما حزينتان، يا دورا. يجب أن تكوني سعيدة، يجب أن تكوني فخورة. الجمال موجود، السعادة موجودة. «في الأمكنة الهادئة حيث قلبي يتمناك…
دورا ، وهي تبتسم : أتنفس الصيف الأبدي…»
دورا، تتذكرين بعض هذه الآبيات. تضحكين؟ كم أنا سعيد…! كالييف: أوه
ستيبان، يقاطعهما: إننا نضيع وقتنا. بوريا، أعتقد أن علينا إخبار البواب ؟
ينظر إليه كالييف باستغراب.
أنينكوف: نعم. دورا، هل تريدين النزول؟ لا تنسي البخشيش. فوانوف سيساعدك فيما بعد في تجميع التجهيزات في الغرفة.
يخرج كل واحد من جهة. ستيبان يمشي نحو أنينكوف بخطى واثقة.
ستيبان: أريد إلقاء القنبلة.
أنينكوف: لا، ستيبان. لقد تم تعيين الذين سيلقون القنبلة.
ستيبان: أرجوك.تعرف دلالة ذلك بالنسبة لي.
أنينكوف:لا. القاعدة هي القاعدة.(صمت). أنا لن أقذفها، سأنتظر هنا. القاعدة صارمة.
ستيبان: من سيلقي القنبلة الأولى ؟
كالييف: أنا. فوانوف سيلقي الثانية.
ستيبان: أنت؟
! كالييف: هل يفاجئك ذلك؟ إذن أنت لا تثق بي
ستيبان: الأمر يتطلب تجربة.
كالييف: تجربة ؟ أنت تعرف جيدا أننا لا نلقي القنبلة إلا مرة واحدة وبعد ذلك…لا أحد يقذفها مرتين.
ستيبان: لابد من يد صلبة.
كالييف، وهو يمد يده: أنظر. أتظن أنها سترتعش؟
ستيبان يدير وجهه.
كالييف: لن ترتعش.