* اليوم الأول
طوال سبعة أيام ظل – جبر- يجبّر خاطره، بأن الحياة التي يعيشها لا بد أنها عابرة، وأن عليه أن يبعد المطارق التي تطنّ في أذنه بثقلها ومآسيها. فالوقت يمر والحياة ثعبانية ببشرها ومدرها. لقد توحش البشر، قال، ذات زمن- من باب المرارة القاسية- وها هو الآن يقولها بتكرار ممل، لا تفارق شفتيه من كثره ما رأى و سمع. عليّ أن أرى الأمور من الزوايا المضيئة والمعتمة. هل عليّ أن اغرق، أنا وقشتي في هذا الفراغ السديمي.. لو كانت هناك جنة، لعوضت النجاة بهذه الخسارة، لكن.. عليّ أن أقول الآن، وليس غداً، وأيضاً، بوضوح تام، أنني تعبت. فلا صديق، ولا حتى عدو حقيقي. كل شيء تظهره شاشة الحياة- هنا- ضبابي. الحياة التي أعرفها لغز كبير، وأخطر مما في هذا اللغز، كيف ليّ أن أحيا بأقل التكاليف، هل، أجاهد لأعرف بعض السر، وأترك قلبي وعقلي مفتوحين لكل ريح تهب.. لا ليس بمقدورنا المراهنة على العدل أو على الحقيقة التي هي، أين! الذي أعرفه يقول – جبر- أن عليّ أن أسير وأسير بكل الخطى، مهما تملكتْنا القسوة والخسارات، فالأرض رابحة بنا، والدم حروف الكلام.
* اليوم الثاني
كان صباحاً غير مكرر في هذا اليوم الأحد من آخر أيام شهر أكتوبر. [كم، نحن غرباء في أعياد المدينة..] قالها – جبر- في تلك الساعة الباكرة من صباح يومه، مع ما يبدو أن السماء فرحة به، أو هو فرح بها بغير العادة التي اعتادها في أيامه الأخرى كقبة رصاصية محْكمة الإغلاق، تلتقط رئتيه في تلك اللحظة هواء عليل، استثنائي، مشبع برطوبة كالندى على الكؤوس في لحظة صيفية. ها هو الآن، في صباحه هذا، يشرب من كوكتيل الكوابيس والأحلام المرعبة، التي تخالطت في ذهنه في ليلته التي سبقت هذا الصباح، لم ينم بالشكل الذي كان عليه في أيامه القريبة. كان يلمس بجوارحه أن الحياة- هنا- خطأ، وعليه إن أراد العيش أن يدفع الثمن. الحياة – هنا- قالها مرة لصديق خسارة كبيرة، حيث المراثون والاستعراضات… بعض الأماكن- يقول- خلقت لكي نعرف، هل ثمة فرق بين ورقة خضراء، وأخرى ذابلة تذريها الريح وتسحقها الشمس.
* اليوم الثالث
«موت السارد العليم في مسقط رأسه» على هدوئه الظاهر يبطن – جبر- نارا مشتعلة في صدره، يدندن: ناري، نارين… نحن نعرف مقاطع الأغنية: ناري، نارين، عندما نريد أن نلفت نظر امرأة، بوجودها في هذا الحقل الفحولي والقحولي. جبر، ناره غير، نار الكآبة واليأس، لكن لطافة اللحظات، وتسْكين ما يستطيع الإمساك به من مقدور الأمور، يخفف بها الموقد المشتعل في صدره. الأسئلة تطوح برأسه فيما لا يستطيع من قدرة ومقدور، حيث، الزمن- هنا- في مسقط رأسه، مغر بغواية الصحراء البروخيسية، ومتاهات الربع الخالي وخفوت الحكاية بموت السارد العليم.