رسمه لخريطة السلطة، وصوره الحادة حول صمود الفرد وتمرده وفشله
مثل كثير من كتاب أمريكا اللاتينية، يتجه ماريو بارجاس يوسا من العام الى الخاص (بينما حركة الآداب الأوروبية والآنجلو سكسونية، تنطلق من الخاص الى العام)، وأيضا، انه مسيس للغاية. في هذا الصدد، دوّن يوسا اسمه في تاريخ العالم، ونشأ يتحدى الحدود، الأدبية والايديولوجية: «تتمثل فرصة الأدب في الارتباط بمصائر العالم : تعد شكلا رئيسيا من أشكال معارضة ونقد الوجود».
في سن الرابعة والسبعين، أصبح يوسا مانيتو، الها من آلهة الهنود، الآداب الأميركية اللاتينية، جنبا الى جنب مع عدوه القديم، الكولومبي جابرييل جارسيا ماركيز. وهما، ماركيز/يوسا، يمثلان المنحدر الجنوبي للمنافسة باث/فوينتس في المكسيك.
على خلاف كثير من كتاب قارته، ابتعد يوسا عن «الواقعية السحرية»، علامة الانتاج الأميركية الجنوبية، التي يراها الكثيرون على أنها خاصيتها الوحيدة. متأثرا بوليام فوكنر، وجوستاف فلوبير وفيكتور هوجو (حيث كتب عن كل منهم)، لماريو بارجاس يوسا، ظاهريا وبدون أدنى شك، كتابة تداول الأصوات والرواة. ولذا استطاع أن يصور، بجلاء، تغيرات المجتمع، العنف، الجنس… أو السلطة أو التدني الأخلاقي، التي تمثل موضوعاته الكبرى.
بعد دراسات في الأكاديمية العسكرية، تابع دراسته في مدريد، حيث كتب بالتوازي عمله الأول : مجموعة قصصية «القادة» (1959). ثم اتجه للاقامة في فرنسا، وأصدر روايته «المدينة والكلاب»، في عام 1963، التي جعلت اسمه معروفا، وترجمت الى عشرين لغة تقريبا.
عمل كصحفي في وكالة الصحافة الفرنسية (AFP) وهيئة الاذاعة والتلفزة الفرنسية. وفيها انشغل بالكثير من الأعمال المهنية-التحريرية. ولذلك، سرعان ما نفهم لماذا، في «المدينة والكلاب»، كما في كافة أعماله اللاحقة، امتلك هذا الحس العالي بالانشغال بالشارع، مجاري المياه، الاهتمام بالشباب المساءة معاملتهم والمحقرون دوما (كالكلاب، بالضبط) وكيف عامل هذه الانشغالات في سياق عام، سياسي.
قبل أن يصدر روايته الكبيرة «حوار في الكاتدرائية» (1973)، التزم سياسيا. في البداية، انضم الى فرع الطلبة بالحزب الشيوعي البيروفي، الذي هجره منتقدا «الخط الستاليني المهيمن على الأدب والفن». قاد اضراب الطلبة في بيورا، ناضل في صفوف الحزب الشيوعي الفرنسي، ساند فيدال كاسترو ونظامه. غير أنه أصيب بالاحباط من الثورة الكوبية، لميلها غير الديمقراطي.
ثم كان التوجه (العنيف، ان جاز التعبير) الى اليمين عبر اليسار. متأخرا، أسس حركة يمينية، «ليبرتاد»، التي تحالفت مع «الجبهة الديموقراطية»، واختارته للمشاركة في الانتخابات الرئاسية، في عام 1990، ضد المرشح الشعبي، آلبرتو فوجيموري.
بعد اخفاقه، لجأ الى اسبانيا: أصبح عضوا في أكاديميتها الملكية، وحصل على جنسيتها.
منذ ذاك، يحيا يوسا بين ليما، باريس، لندن و(بالأخص) مدريد. يكتب في صحف اليمين الصادرة في أمريكا اللاتينية وفلوريدا. يكتب الروايات. يشارك في الندوات والمحاضرات… لا يكف عن الحركة.
(المترجم)
[[ ما هي، حسب وجهة نظرك، الاختلافات الجوهرية بين جيل الكتاب الذي تنتمي إليه، أمثال جابرييل جارسيا ماركيز وكارلوس فوينتس والجيل السابق أمثال ميجيل آنجل آستورياس، خوان رولفو، روميلو كاليجوس، آليخو كاربنتر ؟
– أعتقد أن الاختلاف الأساسي يتمثل في كون جيلي في أمريكا اللاتينية منح أهمية كبيرة للشكل والمظهر التقني للرواية، بينما في الماضي، كان الموضوع – بالأخص الموضوعات التاريخية – ذا أهمية كبيرة ولذا أهمل كتاب الجيل السابق المظاهر التقنية للكتابة ووجهات النظر والأفاق واللغة والى غير ذلك. أعتقد أنها الحجة التي جعلت الأدب الأميركي اللاتيني ذا مظهر فولكلوري وصحفي. بالنسبة إلى كافة هؤلاء الكتاب، كان للمظهر الشكلي للنص والقيم الأدبية حالة ثانوية، بيد أن وجهة النظر تلك تغيرت مع الجيل الجديد، واهتم الكتاب الأمريكيون اللاتينيون بنوع عالمي للأدب، لأنهم أكثر وعيا بأهمية الشكل والأسلوب والتنظيم السردي. أعتقد بأنه في هذا الشأن يقبع الاختلاف الرئيسي بين جيلي والجيل السابق.
[[ ومع ذلك، منح كاتب مثل خوان رولفو أهمية كبيرة للشكل.
– أقول أن رولفو استثناء، إذ أنه – بالرغم من أنه كتب عن العالم القروي، عن الناس، عن المدن الهندية الصغيرة – كان على اطلاع بالأدب المعاصر. قرأ وليام فوكنر الذي تأثر به كثيرا، مثل كثيرين من أدباء أمريكا اللاتينية، وتبنى تقنيات كتابية حديثة في قصصه وروايته. أعتبر رولفو كاتبا حديثا.
[[ تتميز من بين كتاب جيلك. اجتزت حدود بيرو لكي تهتم بأمريكا اللاتينية، على عكس الكتاب الأمريكيين اللاتينيين الآخرين الذين قبعوا داخل بلدانهم.
– كتبت رواية تدور حوادثها في البرازيل : «حرب نهاية العالم» وأخرى عن جمهورية الدومينكان: «حفل التيس». في الواقع، أحداث رواياتي لا تجرى في بيرو ولكن بالتأكيد أعتقد أنني أحمل داخلي تجربة بيروفية في كل ما أكتبه، حتى في الروايات التي تجري حبكتها في بلاد أخرى.
[[ لهذا السبب لا تكتب فقط لبيرو وانما تعتبر أمريكا اللاتينية وطنك ؟
– نعم، بمعنى ما. في حالات كثيرة، حدود أمريكا اللاتينية حدود مصطنعة لم يكن من المقبول أن تقع. أعتقد أن المشاكل، التقاليد، الأساطير، اللغات والثقافات غير محددة بواسطة الحدود السياسية والإدارية التي نمتلكها في أدبنا تحديدا. أقدر أنه من السطحية الكلام عن أمريكا اللاتينية بمصطلح القومية. أمريكا اللاتينية وحدة ثقافية هائلة، وحدة تحيا حالة صراع مع التقسيم الاصطناعي لدول هذه القارة.
[[ في رواياتك، كانت الشخصيات متعلقة بالسياسة، حتى البسطاء منها. في الواقع، الى أي مدى يهتم البسطاء بالسياسة، حسب وجهة نظرك؟ وهل هم مسيسون حاليا مقارنة بالماضي ؟
– بالطبع، كما تعرف، حينما تعيش البلاد المشاكل الاقتصادية ، يصبح من الصعب تحاشي السياسة، التي تدمج الثقافة طبيعيا، وبالتالي الأدب. لدينا مشاكل سياسية، لم تحل بعد في أمريكا اللاتينية، وكذا يوجد حكام ديكتاتوريون. لدينا تاريخ طويل مع الديكتاتورية وأرض رحبة حكمها دكتاتوريون عسكريون، يساريون إلى حد قليل بينما الغالبية من اليمين، الذين شوهوا وغيروا طبيعة الحياة في القارة. وهذه الوضعية ممثلة بعمق في الأدب لأن الديكتاتورية تستخدم دوما الأدب، مع احتمال التضحية بها كوسيلة إبلاغ وتحريض. في حالات قليلة، رسبت الروايات والقصائد في اختبار الإبداع الجمالي والفني لأن هدفهم كان الإبلاغ السياسي، ولكن في حالات أخرى نجحنا في إبداع أدب ثري، مرتبط بقيم مدنية. قارتنا مهد الكثير من الكتاب المعاصرين.
[[ إلى أي مدى كان سانتياجو في : «محادثة في الكاتدرائية» يشبهك، وكلاكما يبلغ نفس العمر ؟
– أعتبر نفسي نشطا عن سانتياجو (ضحك). سانتياجو بالمقارنة معي سلبي ومتشائم للغاية، يقلق كثيرا من المشاكل التي تسبب الفساد في بلده، غير أنني لا أقاسمه التشاؤم والسلبية، ولا استقالته وميله للتضحية. ضحى بنفسه لأنه رأى أن كل رابح في بلد فاسد مستغل. لا أتقاسم معه هذا النوع من العقلية، ولكن هذا منتشر جدا، ليس في بيرو فقط وانما في أمريكا اللاتينية، وعلى وجه الخصوص بين المثقفين. بين المتخصصين، هناك طبقة وسطى متشائمة بعمق تجاه إمكانية تحرك الأشياء وتغيير الأوضاع.
[[ أفكر خاصة في الطريقة التي تعارف سانتياجو فيها على الشيوعية. ربما عشت تجربة مثيلة…
– تعرف، منذ خمسين عاما بدت الشيوعية البديل الوحيد القابل للحياة في أمريكا اللاتينية. بحثنا عن إقامة مجتمعات عادلة، منصفة ومزدهرة، ثم تدريجيا اكتشفنا أن الشيوعية لم تكن الحل وسببت مشاكل عدة. كانت شيوعية وقتذاك مختلفة عن شيوعية اليوم، حيث عرفنا اليوم التبعات.
[[ تعكس رواية : «محادثة في الكاتدرائية» الشك. سانتياجو، الشخصية الرئيسية، متردد في أفعالها وتشك في اختيارها الشيوعي. عن هذا الشك والالتزام الشيوعي في البلاد تكلمت عن تجربتك الشبابية.
– استخدمت تجربتي في إبداع شخصية سانتياجو، ولكن ليس مائة بالمائة. استدعيت ذكرياتي الجامعية تحت حكم الديكتاتور العسكري مانويل آرتورو أودريا، وتجربتي كصحفي شاب خلال هذه السنوات في بيرو، ولكن تحت مظاهر عدة، لم أستخدم ذاكرتي فقط، وانما أيضا فنطازيتي وخيالي. هذا الكتاب رواية، وليس كتاب تاريخ، حتى وان اعتقدت بأنني كنت وفيا لما كانت عليه الحياة في بيرو وفي بلدان أمريكية لاتينية أخرى خلال هذه الخمسينيات.
[[ «محادثة في الكاتدرائية» ذات بنية أصيلة، حواراتها اللا مرتبة تمنح هذه الرواية بنية متفردة. لماذا اخترت تقنية الحوارية السردية في هذه الرواية ؟
– ربما لأنني أردت أن أولف وأركز الحدوتة، إذ أن رواية تزمع وصف المجتمع خلال ثماني سنوات من حكم الديكتاتور من الممكن أن تبلغ عشرين مجلدا (ضحك) . كانت هذه هي الوسيلة الوحيدة للتركيز، وإعطاء وحدة عميقة إلى نوع السرد المشتت، اشتغلت بقسوة لكي أجد البنية التي تناسب «محادثة في الكاتدرائية». في البداية، فقدت سنتي الأولى في تحرير الرواية، كنت ضائعا كليا لأنني كتبت مقاطع بدون أن أعرف كيف أدمجها ببعضها البعض، حتى يوم واتتني فكرة المحادثة كمركز جوهري للرواية. وبعد ذاك، اشتغلت عليها بطريقة أكثر تماسكا.
[[ مع الأخذ في الاعتبار البنية الأصلية والمعقدة لرواية : «محادثة في الكاتدرائية»، إذا طلبنا منك أن تكتب رواية، هل تعتقد أنك قادر على إيجاد بنية مثيلة ؟ بقول آخر هل أنت قادر على إعادة كتابة هذه الرواية ؟
– نعم ولكن ليس بهذه الطريقة. أعتقد أن هذا الكتاب يمثل تحديدا شكلا لنمط الكتابة الأدبية خلال هذه السنوات، شكل يناسب العصر، تحت تأثير روايات فولكنر، دوس باسوس، جويس، وغيرهم… أفضل الروايات الحديثة، غير أنني لا أريد اليوم أن أكتب رواية ما. كتبت رواية تحت الديكتاتورية، «حفل التيس»، وبنيتها كانت مختلفة ومن وجهة نظري أشياء عديدة مرتبطة اليوم بعالم الرواية.
[[ الديكتاتورية والديكتاتوريون حاضرون بقوة في نتاجك، بيد أن صورة الديكتاتور، على سبيل المثال في رواية «حفل التيس» كانت ملتبسة نوعا ما. بمعنى أن شخصية تروخيلو لم تكن متطرفة إلى أقصى حد، انه يشبه الجميع ويعمل أحيانا لصالح البلاد. أريد أن أطرح سؤالا يتضمن مثالا : في بعض البلدان، بعد مضي أكثر من قرن، لا يمكن لنا أن نحكم على نشاط الديكتاتور. لدى البعض آراء طيبة ويرون إلى أنه قدم الكثير لبلاده، بينما يرى آخرون انه مجرم وخائن. لماذا هذه الثنائية ؟
– أرى أنه من الصعب الاعتقاد بأن ديكتاتورا معينا يظل ديكتاتورا طوال الأربع والعشرين ساعة وسينقل طبيعته الشيطانية إلى كل ما يقوم بعمله، هناك دوما توازن، لكن المظهر السلبي يسبق ويبقى في المحصلة الختامية، الديكتاتور من الممكن أن يتفاعل بصورة طيبة، ولكن ليس هذا هو المهم. التوازن هو الذي يعتد به، وهذا التوازن مأساة تدمر المجتمع. وبالتالي، لهذه الحجة، أرى إلى أن الديكتاتور والديكتاتورية يجب النظر إليهما بدون تبرير، على الرغم مما قدماه لصالح البلاد.
[[ قارن البعض بين روايتك : «حرب نهاية العالم» ورواية «الحرب والسلام» لتولستوي، من ناحية الحجم وعدد الشخصيات والحكايات التي تتقاطع في هاتين الروايتين.
– انها مقارنة فنطازية. أنا فخور للغاية لأن «الحرب والسلام»، بالنسبة لي رواية ضخمة لن يكتب مثلها أبدا، رواية تعجبني بشدة وتولستوي لدي أول روائي كبير.
[[ قورنت الروايتان لحجمهما. كتابة نتاج بهذه الضخامة مخاطرة كما يرى النقاد الذين لا يثمنون أن نقرأ النتاجات الضخمة. ألم تشعر بالخوف عند كتابة هذه الرواية ؟
– لا أفكر أبدا بالقارئ حينما أكون متحمسا في كتابة رواية. أريد أن أكتب هذه الرواية بالطريقة التي تناسبني، ووجدتها لما كتبت هذه الرواية. لا أفكر في استقبال القارئ وأعتقد أن كافة الكتاب يتقاسمون هذه الرؤية معي. المهم ليس ما سوف يجرى لما ينتهي الكتاب، وانما التجربة الفريدة للكتابة. أنت مأخوذ بما قمت به خلال عامين أو ثلاثة أعوام، وتحاول نقل هذه التجربة ببعض الكلمات. وبعد ذاك ينجم رد الفعل اللا منتظر دوما من القارئ.
[[ هل تمثل «حرب نهاية العالم» الصراع بين التقاليد والحداثة ؟
– نعم، أعتقد بأنه وصف رائع لهذا الكتاب، لديك الحق.
[[ الصراع بين التقاليد والحداثة يشبع هذا الكتاب بدون أن يحمل حكما أو أن يطرح حلا. هل هذا الصراع يشغل دوما أمريكا اللاتينية ؟
– نعم، كثيرا وأعتقد أن هذا الصراع يوجد ليس فقط في البرازيل وانما في غالبية دول أمريكا اللاتينية. هذا الدمج الصعب للحداثة في البيئة التقليدية حاضر، ليس فقط في الأدب، وانما في الثقافة كلها. أنه موجود في كل شيء. في السياسة والأعمال الاجتماعية، نحن مازلنا متجذرين في التقاليد، على وجه الخصوص في دول كبيرو أو المكسيك أو جواتيمالا، التي تحتوي على ماض ثري. وفي نفس الوقت، لا يمكن نسيان أن هذه التقاليد تثري ثقافتنا، أساطيرنا والأشكال الفنية التي نعبر بها، وإذا نجحنا في دمج هذه المظاهر المختلفة لواقعنا أعتقد أننا نستطيع التنبؤ بمستقبل جميل لبلاد هذه القارة.
[[ تكتب الماضي، أليس لديك نية الانحناء على موضوعات أكثر معاصرة ؟
– أكتب دوما حول مسائل معاصرة (ضحك). أستعمل الماضي، والماضي وسيلة مثلى للكلام عن الحاضر. أنا رجل اليوم، وليس القرن التاسع عشر (ضحك). أكتب عن الحاضر، وعن ما مضى. رأيت تروخيلو، رأيت الحرب الأهلية في البرازيل، أرى إلى منظوري المعاصر، وان تبدى أن الموضوع ماضويا. صدقني ، أحيا عصري.
[[ خلال سنوات، كنت مناصرا لفيدال كاسترو، مع جابرييل جارسيا ماركيز. ومع قضية بايا التي أعلن ماركيز فيها تأييده الدائم لكاسترو انفصلت عن الكتاب الذين أيدوا كاسترو والشيوعية. ما هو سبب انفصالك عن هذا التيار وعن صديقك القديم ماركيز ؟
– تلك حكاية طويلة. كنت إلى جانب الثورة الكوبية. انتظرنا بفارغ الصبر هذه الثورة، كانت ثورة حرية، ثورة التنوع، ثورة التعددية. في البداية، تبدى فيدال كاسترو من نوع هؤلاء القادة، بيد أننا خدعنا فيه، كنا سذجاً، في الحقيقة، أصبح ديكتاتورا بسرعة، لأنه فهم أن الديكتاتورية هي الوسيلة الوحيدة للحفاظ على السلطة إلى ما لا نهاية. حينما فهمت ذلك، انتقدته وهذا يمثل تجربة هامة لي لأنني تعلمت إعادة تقييم القيم الديمقراطية. فهمت بصورة أفضل أهمية الحرية والشرعية والتعددية وكل التصورات التي تجعل الحياة مقبولة ومنذ ذاك كنت مجابها كل شكل للديكتاتورية. كنت مجابها لبينو شيه بنفس الطريقة، وضد كافة الديكتاتوريين، بدون استثناء.
[[ ما الذي دفعك، وأنت كاتب، إلى الدخول إلى عالم السياسة وتقديم نفسك كمرشح في الانتخابات الرئاسية ؟
– في ذاك الوقت، واجهت البيرو ظروفا سياسية معقدة للغاية. من ناحية، كنا نعيش حربا أهلية ومن ناحية أخرى كانت الحكومة الديموقراطية هشة. كانت لدينا مشاكل اقتصادية واجتماعية ثقيلة، تضخم سريع النمو وكان النظام الديموقراطي على وشك الانهيار. في هذا السياق قررت دخول عالم السياسة، وهذا ما وددت القيام به، إلا أنني لم أنجح. على أي حال، هذه التجربة مثيرة وعلمتني أشياء كثيرة.
[[ أذكر في حوار لك مع صحيفة «الجارديان»، أن هذا الحدث علمك أن السياسة تغير البسطاء الى مسوخ. ألا تندم على دخولك إلى السياسة وبالأخص أنك كنت مرشحا في الانتخابات ؟
– لا أندم لأنني كنت أعرف وقتها ما أريده. أيا كان الأمر، انها تجربة لن أكررها لأنني فهمت خلال السنوات الأخيرة أنني لست سياسيا، وانما كاتب. فهمت أنني يجب أن أدخل إلى النقاشات المدنية كمثقف وليس على مستوى ألعاب السياسيين الكبيرة. غير أنني لا أندم على شيء. هي تجربة أخاذة، تجربة تعليمية وبالنسبة لكاتب ليس هناك تجربة سيئة، كل شيء بالنسبة له مفيد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* Revue de Teheran , Mai 2008 .
مترجم من مصر.
كاتب من ايران.