أعيش فـي السرد والدراما أكثر من الواقع
كاتبة عُمانية في مجال المسرح، وباحثة في النقد الحديث، تُعِّدّ حاليا أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الخامس بالمغرب، بعنوان: «الرؤية السياسية في المسرح الخليجي».
وقد صدر لها عدد من الكتب الأدبية والمسرحية منها: «ما يوقظ القلب: في السرد والنقد والثقافة، دار العالم العربي، دبي، لبنان، 2008م- «البنية السردية للقصة القصيرة في سلطنة عُمان» (1980م-2000م)، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2005م- «المُحب والمحبوب»–مدونة عشق «ديك الجن»، دار الفرقد، سورية، 2008م وكذلك «الأعمال المسرحيّة»، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2003م، و«الحبل»، الرؤيا للنشر، عُمان، 1997م وأيضا «الطعنة»، الرؤيا للنشر، عُمان، 1996م.
هذا شكل من أشكال اللقاءات الإثنوغرافية المختلفة حيث الخلط المقصود للمخيلة والواقع والذكريات والتداعي الحر للكلام وبعض التأملات والتحليلات…
[ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . :-
لأبدأ بهذا المقطع السردي وهو عبارة عن رسالة ستبعثها إحدى شخصياتي المسرحية إلى شخصية متخيلة ما، قد يكون الحبيب أو مجرد فكرة تُداهم الشخصيات في النصّ الجديد الذي أشتغل عليه في فترات السفر. تقول له ما يلي: «تبعت إحساسي القديم من أوله لآخره. أنتَ لا تريد أن نلتقي على وجه الحقيقة_كم أكره هذه الكلمة_ وكم كان يغويني مجاز التأويل لأفهم سرّ ذلك الإحساس. مؤخرا أدركت: الفهم يعني أن لا أفهم. سأحترم رغبتك حتى النهاية وسأحرص تماما في قادم الأزمنة أن لا أستجيب لأي شكل من أشكال غوايتكَ».
[ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . :-
منذ مسرحية «المُحِّب والمحبوب مدوَنة عشق ديك الجن» وأنا أعي أهمية تلك الشخصيات التي تبدل مصائرها ليس بفعل الزمن كما جرت العادة وإنّما أيضا بفعل المُخيلة وتدفقات المجاز والاستعارات والتأويل. في المسرحيات التي قبل المدونة لم أكن أنتبه لهذا التبدّل أو التحول. كانت كتابة النصّ عندي تسير حسب خُطاطة معينة، تخضع للمراجعة دون شك لكنها تمضي إلى أفق ما ينتظرها. ما حدث في المُحب والمحبوب أمر آخر، بدأ مثلا مع شخصيات (ورد ومجد وحبيب) الإشكالية. وهذا في حد ذاته قلَّب وليس انقلابا على طرائق الكتابة القديمة.
[ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . :-
حسنا المقطع السردي السابق الذي بدأت به اللقاء فيه شيء من السحر والعذاب والتأوه. كما أن به قدرا كبيرا من السلطة والسياسة وافتضاضي لفعل المُخيلة. باختصار شديد يتحدث النصّ عن النساء. به نساء كثيرات يتقاطعن معنا في محطات كثيرة في حياتنا ومعيشتنا اليومية، لكنهن لا يُشبهننا أبدا. وسأعمد إلى توضيح أن أي تشابه بين نساء النصّ والواقع وافتراضات المُخيلة هو تشابه مقصود على نحو من الأنحاء.
[ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . :-
مجموع النساء سيتحركن في انحناءات عنوان «مثنى وثلاث ورباع» نعم. أنا في المبتدأ أتحرك مع العنوان. وليس دائما أن يحبل هذا بقطف كل الثمار الحلوة. أذكر مثلا أن عنوان مسرحيتي «منتهى الحب منتهى القسوة»، قد جاء بعد كتابة النص، إذا بدأ يتشكل في أثناء الكتابة. وفي الأغلب أنني أختار عناوين نصوصي بنفسي، لا أترك لأحد التدخل. وربما أستشير الصديقات القريبات جدا من القلب والروح، لكنني على ما يبدو أمضي حيث شاءت ليَّ المُخيلة.
[ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . :-
في هذا النصّ «مثنى وثلاث ورباع» كما ذكرت ثمة شخصيات نسائية كثيرة. نساء قادمات من واقع المجتمعات العربية والمخيلة والسرد العربي القديم. نساء آتيات من الميثولوجيا ومن عدسة الكاميرا والإعلام والصور والمرايا المُحدبة المُضخمة لجسد المرأة في الدعاية والإعلان وفي الأجناس الأدبية وتحديدا الرواية. والشخصيات أيضا هن نساء جميلات وفاسقات، كما أنهنّ حالمات ومؤثرات في إيقاع الحياة الذي ما عاد ينبض بالحب وبالصداقات أو حتى بالعلاقات البسيطة والعادية. سأتخيل معك أن أنتيجونا ستلتقي بأورسولا في مائة عام من العزلة، وهذه الأخيرة ستجري حوار مع جدتي لأمي. وعليكم أن تصدقوا ذلك..
[ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . :-
الكاتب ابن بيئته. ومن لا يريد أن يكتب عن واقعه الاجتماعي فلن يموت أبدا على كل حال! في السنوات العشرين الأخيرة مرت مجتمعاتنا العربية والخليجية بأشكال متباينة من التمزق والهتك والشعور بالضياع بسبب وباء فساد السلطة والسياسة، ومن الطبيعي أن يتأثر الكاتب بقضايا يؤمن بها ويدفع روحه لأجلها. من هنا جاءت فكرة نص «مثنى وثلاث ورباع» إحدى شخصياته مسكونة ذكرياتها بل ذاكرتها كلها في الحصار وفي تداعيات حرب الخليج. فلا تستيقظ إلاّ على مشاهد خوذ العسكر والدبابات والرصاص. هذا جزء صغير جدا من واقع التشرذم والانحطاط الذي تعيشه الشخصية العربية منذ عقود طويلة.
[ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . :-
أجرّب في هذا العمل كتابة كنت قد بدأتها في المسرحيتين السابقتين «المدونة وعابر أقل». ولكن ما يميز هذا النصّ إلى جانب التنوع في العوالم الداخلية للشخصيات، هناك فنية معروفة بفنية وجهات النظر المتعددة، وهو كما يقول النقاد اختراع روائي بحت، لكنني لا أصدقهم في ذلك! بالإضافة إلى أنني قد بدأت كتابة العمل في أعقاب غزو العراق، وتوقفت مبتعدة عنه لأسباب عديدة متداخلة يطول شرحها. والآن اضطررت العودة إليه في ظل سقوط النظام السياسي في مصر ومحاولة العمل على إنهائه.
[ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . :-
لماذا اضطررت العودة إليه، لأسباب هامة أولها السفر الذي يُتيح لي فرصة الاشتغال على الإبداع. من ناحية أخرى نحن نشهد اليوم مرحلة تسمى بانعطافة جديدة في مسيرة المجتمعات العربية، وفي تقديري بأن ما كان يؤرخ في العهد القديم «قبل الطوفان وبعده» سنتذوقه اليوم ونشهد عليه. فلدينا اليوم بل ولدى جيل الشباب عصر ما قبل وما بعد النظام السياسي المُعين للرئيس الفلاني المخلوع أو الهارب أو المجنون أو المتذاكي مثلا. ومنذ عقود لم تُستعمل ألسنتنا إلاّ ألفاظ الأمل البعيد أو الأمل المنتظر أو الأحلام البعيدة والأمنيات الدفينة، وكان الإنسان العربي يموت شهيدا مضرجا بالدم وفي نفسه شيء من حتى السيبوية. أو يموت كمدا مخلّفا تركة كبيرة من الوصايا في انتظار المُخلّص على هيئة السوبرمان أو البوكيمون، لدرجة أن مخزون ذاكرتنا وقف تاريخيا وفنيا عند سكتة شهرزاد السردية المألوفة «وسكتت شهرزاد عن الكلام المباح»، وإذا كان الروائي نجيب محفوظ قد اتهم حارته بالنسيان، لأنها كما يبدو اعتادت النسيان من منطلق سياسي رمزي خفي هو أنها يجب أن تَنسى، فإنّ «زمن الخيول البيضاء» للروائي إبراهيم نصرالله تبدأ بمقطع «معجزة كاملة تجسدت»!
[ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . :-
ومنذ متى كان المثقف منشغلاً عن السياسة! المسرحيون يقولون بدأ المسرح سياسيا. وأتفق معهم. أنا لا أطالب المبدع أو المثقف الانتماء السياسي في حزب معين، ولا أرى أن ينافق المبدع تجاه قضايا الوطن والحريات والعدل والكرامة البشرية. في البداية كنت أظن أن دافع الحبّ وحده هو ما يدفعني للكتابة الإبداعية. فأنا لا أكتب إلا بأمر الحُّب. لكن أحداث تونس وثورة 25 يناير في مصر، وتداعيات الثورة في ليبيا والجزائر واليمن كلها قد قلبت الموازين وعلى أصعدة كثيرة. هذا ربما يشير إلى أن الثورة والحب من أهم الدوافع الخفية لإحداث التغيير في قوالب الحياة وفي الكتابة وفي الثقافة، وحتى في أشكال التلقي.
[ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . :-
علاقة المثقف والأدباء بالسلطة علاقة قديمة تعود للقرن الخامس قبل الميلاد. هذا ما نعرفه مثلا عن فلاسفة أثينا وكتّاب عصر النهضة بداية القرن الثامن عشر، وفي ثقافتنا العربية والإسلامية كما يرى الباحث مصطفى التواتي شكلت الدولة البويهية انعطافة هامة بوجود كبار الأدباء المتصلين بالبلاط نذكر مثلا أبو حيان التوحيدي والمتنبي وغيرهم كثير. وفي وقتنا الحالي يجب تفسير ظاهرة هؤلاء ضمن العديد من الظواهر الاجتماعية المتباينة والمتغيرة، بالإضافة إلى استراتيجية الخطاب الحكومي الثابت.
[ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . :-
ربما يبشر هذا بالعودة إلى كتابة قصدية للنص المسرحي السياسي. عموما أنا لا أقدر أن أجزم بهذا التحول في الكتابة، لكنني أقدر أن أقول إن النص المسرحي السياسي الجبان ستتغير مفرداته وبيئته الحاضنة لعناصره التي ستقود إلى التغيير. منذ عقود طويلة كانت لفظة الثورة من أكبر الكبائر، اليوم يعود اللفظ بإشراقات جديدة. من واقع قراءتي للنص المسرحي الخليجي لا يوجد عندنا مسرح سياسي بالمفهوم الذي اجترحه إرفين بسكاتور أو بروتولد بريخت أو حتى إلى عهد قريب بيتر فايس! وهذا ليس خللا ولا عيبا ولا تهمة. صحيح يسهم هذا بالبحث عن قدر من الأدلجة الفكرية للكاتب، بعيدا عن الممارسة الفعلية للسياسة، لكنه في تقديري تواضع وجُبن يعيه الكاتب المسرحي الخليجي ويروج له ويتأطر فيه تأطر الخاذلين.
[ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . :-
أنا مع محاكاة الأعمال الأدبية العظيمة. فمن يريد أن يقلّد فليقلّد من سبقوه في الكتابة السياسية الإبداعية وفي كل الأنواع الأدبية الأخرى. فلنقلّد بيتر فايس في مسرحه التوثيقي أو التسجيلي ولنكتب مثله إنّ شئنا، ومن بعدها فلنتركه ونرحل عنه غير آبهين به ولا مكترثين، وشيئا فشيئا ستتضح ملامح كتابة سياسية مسرحية محددة الملامح ووافرة المعطيات وزاخرة بالتحديات. لقد عثرت على نصوص خليجية يظن أصحابها بأنهم يكتبون مسرحا سياسيا لكنهم في الواقع هم يكتبون كتابة تنفيسية فيها شيء من الابتذال والرُخص والركاكة، في المقابل توفر عندي بعض النصوص الجيدة والجميلة هي التي جعلتني أفكك المفهوم التقليدي للمسرح السياسي لأعيد اجتراح مفهوم متجدد وليس طارئا كما دعت إليه الأدبيات والمعاجم.
[ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . :-
نعم أدهشني تغير أفكاري وتطورها. وهذا قد يشير إشارة خفية إلى أن المرأة في آمنة قد تغوي آمنة الكاتبة كثيرا وتدفعها إلى بعض الاختيارات الصادمة. لقد بدأت بدراسة الفلسفة. استوقفتني نظريات المعرفة لدى سقراط وأرسطو ومن قبلهما بارمنيدس وفيثاغورس. شيئا فشيئا تقدمت في القراءة ولا أخفي انجذابي لوجودية سارتر وعدمية نيتشة وعلامات سقوط الذات عند هيدغر وكيركيغارد. لقد وجدت ثمة علاقة من الأنانية والسوداوية ما بين كيغارد وفرناندو بيسوا. كلاهما كان مصاب بلعنة الوجود المحض في اللحظة الزمنية المتغيرة. لقد ساقني هذا إلى القراءة المتعمقة في الزمن. فعلى صعيد آمنة المرأة تعرضت لأشكال من الخذلان، لكني على مستوى الكتابة أعرف جيدا أن ثمرة التسامح أجمل كثيرا من القسوة، وهذا ما أسعى لأنسجه في كتابتي.
[ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . :-
على مستوى النقد مضيت فيه على هدي ما يُستجد ولكنني إبداعيا أنزعج منه. الكتابة الإبداعية هي هاجسي الأول وليس النقد أو نظرياته. كأنني كنت مشروعا لموضوعات ليس من بينها الموضوع الذي كنت أود أن أكونه وهو كاتبة درامية.
[ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . :-
أنا بطبيعتي أعيش في السرد والدراما أكثر من هذا الواقع. لا أدري ما السبب. ولا أبحث له عن تفسير لأنه يُعجبني حتى اليوم. ويحدث أن أشعر بالانقباض والخوف من انقضاء الحياة قبل أن أجد معنى لحياتي وقبل أن أفرغ من مشاريعي المؤجلة.
[ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . :-
نعم قلت إنني أنزعج من النقد. أنزعج منه حين يقيد إبداعي ونفسيات شخصياتي وألفاظها. مسرحية «مدونة عشق ديك الجن» كتبتها في المرة الأولى باللهجة المحلية، ثم عدلتُ عن ذلك بسبب النقد. عدا ذلك فأنا ممتنة كثيرا لكل من ألفّ كتابا نقديا قرأته وأضاف لمعرفتي مصطلحا واحدا. في مرة من المرات تحدث رولان بارت عما سمي بنزعة معادة الثقافة، واصفا إياها بأنها اختراع رومانسي. وكما نعلم كان الرومانسيون هم أول من بدأ بإثارة الشك حول الأشياء الثقافية عبر فصل العقل عن القلب، ولولاهم لما عرفت النظرية مبدأ الشك الذي نما وترعرع لدى ديكارت وهيجل أقطاب الديالكتيك الفكري. في النظرة إلى المدارس النقدية المسرحية اليوم، هناك فصل خفي، ما بين المشرق والمغرب في قراءة النظرية المسرحية القديمة والمعاصرة. كأننا مقبلون في السنوات القادمة لمواجهة نزعة معادة بعض أشكال القوالب التجريبية التي قرئت تاريخيا خطأً. من يظن مثلا أن المسرح اليوناني لم يكن قد عرف التجريب ومن يظن أن البيان المسرحي الأول الذي أطلقه أبو خليل القباني لم يكن يحتمل فكرة التجريب؟؟ النظرية النقدية المعاصرة تساعد في الإتيان بقراءات متجددة وحيوية.
[ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . :-
ككاتبة دائما أتخوف من إخراج مسرحياتي إلى الخشبة محليا. يحدث هذا لأسباب ثقافيّة واضحة تفصل بيني وبين من يهيئون أنفسهم لإخراج نصوصي، وهذه النقطة الفاصلة تشكّل مساحة أخذت تتسع كلما توغلت بعمق في إشعال مُخيلتي وكلما ذبل ذهن المخرج عن عدم تأويل النص وقراءته قراءة عميقة لإخراجه. أما ما يقال عن أن نصوصي غير مفهومة أو أنها تصطدم بذائقة المجتمع أو خدش لذاته الكلاسيكية فهذا كلام مردود عليه ولا صحة له.
[ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . :-
قلت في محاضرة ألقيتها في معرض الكتاب في مسقط قبل ثلاث سنوات تقريبا إن مشكلة مسرحنا العماني ليست في النصَ، ولدينا كتّاب يكتبون نصوصا جميلة لكنها ضعيفة من حيث الخيال. نعم نصوص بعضهم مشحونة بالعاطفة وبالحب وبالرقص والتجريب ولكنها ضحلة مع الخيال. ذلك الخيال الذي حرّك أنتيجونا لمواجهة الآلهة والمجتمع، ذلك الخيال الذي جعل الملك لير يصل إلى حال من الطُهر الداخلي لصلاة الخاشعين. كم شخصية لدينا في مسرحنا الحديث كمؤمنة سعدالله ونوس مثلا؟ وكم لدينا مُخيلة كمخيلة المملوك جابر؟ سردنا العماني التقليدي تغمره المخيلة ولكن كيف يتجرأ المبدع على قيود الكتابة ويتحرر وينطلق؟. والخيال كما يعرّفه أينشتاين هو كل شيء. إنه الرؤية المسبقة لما سوف تجذبه الحياة وتأتي به. على المبدع أن لا يشبه تلك العصافير التي راحت تبحث عن أقفاص وقيود لتقيد طيرانها!
[ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . :-
بالنسبة للجنة تطوير الدراما والمسرح لا أعرف عنها ما يُمكنني أن أقوله، ولا أعرف من هم أعضاؤها. كل ما أعرفه أن هناك لجنة قد تم تشكيلها لتضع خطة عملها واستراتيجيتها التي تراها مناسبة وسوف تُعلن توصياتها للنور في الوقت الذي تراه مناسبا، وكلنا منتظرون.
[ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . :-
نعم لقد شاهدت العديد من العروض المسرحية من خلال المهرجانات العربية والخليجية، وفي تقديري أن كل مجتمع في الخليج يتمتع بشفرة معينة في تلقي المسرح. خليجيا هناك كتاب جيدون وبعضهم ما زال ينقصه الكثير، وعلى مستوى الإخراج ثمة تجارب رائعة، وأنا شخصيا تُعجبني اللغة الإخراجية التي يستعملها المخرج الإماراتي محمّد العامري. في عمان كنت أراهن على بعض التجارب الإخراجية لدى سعيد البوسعيدي وعماد الشنفري. أما عربيا فالتجربة التونسية هي الأوفر رشاقة وأناقة.
[ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . :-
طقوسي في الكتابة تغيرت مع السنين والوقت. في الماضي كنت مثلا أحرص على توفر شكل محدد من الفاكهة والماء. اليوم بت أحرص على توفر القهوة والموسيقى من دون فاكهة. ربما يتوفر العصير. لكن أهم ما يجب أن أوفره هو صفاء الذهن من الانشغالات الصغيرة. كثيرا ما نشغل أنفسنا بمواقف باهتة بلا لون ولا رائحة. وحرصت من عاداتي التقليدية أن أكتب إبداعي على الورق. لست صديقة للتقنية بإطلاق، وأفضل ساعات الكتابة هي الليل وأجملها في الهزيع الأخير.
[ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . :-
حفزتني لدخول مجلس إدارة الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء أمور عدة منها روح العصر والتقنية. كلها عالميا تفرض وجود هذه المؤسسة. وحينما دعا عدد من الأدباء والمثقفين إلى الاجتماع التأسيس الأول للجمعية لم أتردد. وعندما بدأنا العمل كان أمام مجلس الإدارة مشكلات وعراقيل يعرفها الجميع، كالقانون واللوائح الداخلية المنظمة للعمل التطوعي والمكان والدعم. وهي بالمناسبة مشكلات تعاني منها مؤسسات المجتمع المدني في الخليج، وبعض المسؤولين ينظرون للجمعية كأنها «غرفة خادمة منزل» عليها الطاعة وإلاّ أعادوها من حيث أتت أو وأدوها.
[ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . :-
لقد أحببت العمل المدني وتفتح ذهني على استعمال ألفاظ جديدة ومصطلحات متخصصة تدور في فلك محدد هو الحقوق الإنسانية واحترام حرية التعبير. لاشك أن هذا الاشتغال قد جاء على حساب أشياء أخرى ولكني أعتقد بأن تجربتي في مجلس إدارة الجمعية قد أضافت لمخزوني الثقافي الشيء الكبير الذي أجله وأقدره، كما أنه أضاف لي على الصعيد الشخصي الثقة والاعتداد بالنفس ومواجهة كل مسؤول بما يجب أن يكون عليه المقال. نحن أفراد لا تنقصنا لا الثقافة ولا الاحتكاك، فلا يجب أن يتم التعامل معنا من منطلق الوصاية فروح العصر قد تغيرت. ومن ناحية أخرى لقد حققت الجمعية نجاحا ملموسا في وسط مجتمعي لا يعرف الممارسة السياسية في أبعادها المدنية وهذا إضافة، فالمجهود الذي كُلل بالنجاح وبشهادات المجتمع نفخر به، ولا يكفينا أن ما قمنا به هو نشاط تؤديه النقابات والاتحادات، بل علينا بذل المزيد لتكون الجمعية اتحادا، وأن نعمل على اختبار قوة هذه الأفكار وصلابتها.
[ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . :-
على المثقف العضوي حسب أنطونيو غرامشي أن يعمل من موقعه وفي أي مكان كان لدعم الحراك المدني. ليس المثقف مَن كتب مقالة أو ألف كتابا. المثقف يمكن أن يكون متفاعلا من وظيفته البعيدة عن الإنتاج الثقافي، فمثلا نحن لا نطلب من الميكانيكي أو الصياد أن يؤلف كتابا ليكون عضوا بالجمعية، لكني أراه من موقعه يستطيع أن يشارك بتكوين ثقافة معينة ومختصة في مجاله، بحيث تتسع وتتقدم لتشكل مجموعة من الأفراد لديهم نشاط مدني وهكذا، فوعي هؤلاء القائم سوف يتحول شيئا فشيئا ليصبح وعيا ممكنا قابلا للتحقق إما في ناد أو جمعية مثلا، وعند هذا تتضافر كل الجهود لتغيير القوانين المنظمة لعمل الجمعيات.
[ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . :-
صدقا لست متحمسة لخوض تجربة الترشح لانتخابات مجلس إدارة الجمعية، ولا الشورى، على الأقل في الوقت الراهن. مع أملي في الدفع بالجمعية ودورها في الحراك المدني لكن ما حدث مؤخرا في الجمعية أصابني بالإحباط. على المستوى الشخصي فأنا لدي مشاريع أكاديمية وإبداعية هامة جدا، يجب التفرّغ الكامل لإنجازها.
[ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . :-
إنه مبدأ تشاؤم الفكر مع قوة الإرادة. نعم كان لمجلس إدارتنا خطوات رائعة ومتقدمة. كان هدفنا التكريس والبناء ولكن من جاء بعدنا كان له وجهة نظر أراها تلهث لتقويض البناء السابق. وهذا يُفقد الجمعية مصداقيتها. فهل نحن مؤسسة للعمل المدني أم لعمل حكومي؟ وفي تقديري أن عدد الذين يريدون لجمعية الكتّاب أن تُغلق سيجدون الفرصة سانحة الآن، فقد أتهمنا في المجلس السابق بأننا «أطفال صغار لا نعرف الأدب»، فكيف اليوم ببعض الخطوات غير المحسوبة تشرّع النوافذ وتجهز الأقفال لوأدنا. على المثقف الذي أقصده كفئة اجتماعية مهمتها الأساسية إنتاج المنظومات الثقافية والأيديولوجية حسب تحديد هذه الوظيفة في الأدبيات والموسوعات أن يتحرر من خوفه ويُسمع صوته فالمشكلة ليست في فاعلية العمل المدني الحر بل في بعض الأفراد الذين يبحثون عن الأخطاء الصغيرة والمزالق ليأدلجوا الخطاب الرسمي وفق مفاهيم ما عادت تتماشى مع لغة العصر.
[ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . :-
هناك حكمة بات يعرفها الجميع أؤمن بها وهي زوادتي في كل مكان أذهب إليه، ملخصها العمل في صمت وترك الحديث لصوت العمل. لكني سأنهي الحوار الجميل بهذه الحكمة اقتبسها من الشاعر محمود درويش: «حين يساعد في بنائك آخر قد تنكسر أو تفقد شيئا من برنامج عاداتك اليومية القديمة. تعلم لتتعود إن استطعت أن تبني بيتك لوحدك، كما تعودت أن تبكي بألم لوحدك».