هذه واحدة من حكايات الغربي إذ يرى الشرق
يوريديس تعلن عن صدور كتابها في مقبرة
تمثيل: Twiggy Bussyt موسيقى: Emmanuelle Schotsaert
شخصيات المسرحية:
(حيّة على المسرح): (مولتي ميديا):
– يوريديس / الروح – صحفي/ جندي أمريكي/ مدير المتحف
– مذيعة/ صحفية/ حارس
– نوال/ سلوى, ممثلة ومغنية تلعبان كل الأدوار.
الفضاء: مقبرة الييج البلجيكية وهي مقبرة لمن لا مأوى له/ الزمان: 2010.
افتتاح أول
نثار مقابلات تلفزيونية. مولتي ميديا حيث الصورة لا تتطابق مع الصوت. أنفاس. موسيقى. تعليقات تلفزيونية. يوريديس كاتبة بلجيكية مشغولة بالتحضيرات مع الناشر لمؤتمر صحفي كبير غرضه تقديم كتابها الجديد.
يوريديس: ربما في لحظة متأخرة لكنّ الجيش الأمريكي الآن متواجد في المتحف الوطني العراقي، بشكل مباشر ومكثف ومشدد. للأسف، اختفى اللصوص منذ عدة أيام وبحوزتهم كنوز تعود لآلاف السنين.
جندي أمريكي: كان واضحا للعيان أنّ.. أنّ ثمّة نوايا من جماعة ما، من.. فقط لارتكاب.. فقط لتشريع الفوضى… بهدف إثارة السخط.. تدمير الأرشيف، تكسير… كراسي، لمجرد… ببساطة فقط لغرض النهب والتخريب.
يوريديس: ليس بحوزة العراق معالم آثارية كبرى تشجع السياحة كمثل الاهرام، أو المعابد، أو الحمامات التركية. ولكن هنا في أرض الرافدين، أرض سومر وآشور، بابل وأوروك، البلد الذي غرق الفقر والكراهية والشك ابتدأت حضارتنا البشرية. أول نمط من الزراعة، أول المدن، أول كتابة، أول الشرائع، العجلة، السفن الشراعية، علم الفلك. المباني التاريخية الكبرى لهذه الحضارة استحالت ترابا… يوريديس مراسلة التلفزيون البلجيكي من بغداد
صحفية في التلفزيون الهولندي
المذيعة: كان هذا عن الكنوز الفنية في بغداد.
معنا في الاستوديو يوريديس فيره مانس مراسلة صحفية. وقد كانت هناك في المتحف مع السيدة العراقية سلوى منصور عندما حدث كل شيء.
ما هو شعورك عندما رأيت هذه الصور الصادمة عن المتحف؟
يوريديس: أصابتني صدمة!! لم أصدق ما رأت عيني، لكنّي مع ذلك.. مع ذلك.. كنت أقول بأن ال.. ال.. أول فكرة جاءتني حينما رأيت أن ممرات المتحف قد خلت من التماثيل وسرقت كل المحتويات. قلت لنفسي أن الكنوز الحقيقية مخبأة بالطبع في الأقبية الحصينة حتى على القنابل، لأن القانون يفرض الحفاظ على تماثيل مثل سيدة الوركاء في حصن حصين. لهذا السبب لم أصدم..
المذيعة: نعم! نعم.
يوريديس: لقد أصابني الرعب الحقيقي في اليوم التالي! عندما… عندما.. عرفت أن اللصوص أفرغوا الأقبية السرية حيث تقبع النسخ الأصلية.
ذهبت لحظتها مع السيدة نوال أمين مديرة المتحف وسلوى منصور إلى الأقبية حيث وجدنا عصابة من الحواسم
نوال أمين مساعدة مدير المتحف تهاجم عصابة من اللصوص: اطلع. اطلع برّه!! اللعنة على ذلك الذي جوّعكم وجعل منكم عبيدا ولصوصا!
نوال أمين: تسألني عن شعوري؟!!!! أشعر وكأنني فقدت أهلي.. لماذا؟ لماذا؟ لييييش؟!!
تبكي
أين سيدة الوركاء؟ سرقوها؟ لا؟ عزه!!!
تلطم. تتجه إلى طابق آخر. ترى لصوصا
لقد سرقوا سيدة الوركاء. لقد سرقوا حتى القاعدة..
نوال أمين مع صحفي أمريكي
نوال أمين:لقد سرقوا سيدة الوركاء. لقد سرقوا حتى القاعدة..
الصحفي: سرقوا ماذا؟
نوال أمين:سيدة الوركاء.
الصحفي: سيدة ال.. ال.. ال.. هل بامكانك أن تتهجّى الاسم لو سمحت؟
نوال أمين:سيدة.. ال.. ور.. كاء
الصحفي: ال.. ور.. ور؟
نوال أمين:واو.. راء.
الصحفي: عفوا؟
نوال أمين:واو.. راء.
الصحفي: كاف.. أليف!
نوال أمين:كاف.. أليف!
الصحفي: كاف.. أليف! ومن هو هذا أو هذه ال.. ال.. الور.. ور.. ور؟
نوال أمين:إنها تمثال آلهة من عصر سومر! هذه القطعة المصنوعة من الرخام تمثّل أحد الإبداعات الفنية المبكرة للتعبير عن الوجه البشري ويعود تاريخها إلى حوالي 3500 عام قبل الميلاد. إنها رأس امرأة بلا جسد.
الصحفي: وما هي أهمية هذه التمثال؟ هل يمكن لك أن تعيدي؟
نوال أمين:إن اسم هذه السيدة المفقودة هو الموناليزا البابليّة!
الصحفي: الموناليزا!! الموناليزا البا.. بابي.. ليّ.. هل يمكنك أن تعيدي لي الاسم؟
افتتاح ثان
نعرف أنّ يوريديس فيره مانس تقدّم كتابها الموسوم (عند مرقد السيدة) على الصحافة في إحدى مقابر بروكسيل. المقبرة خاصة بدفن المعدمين وخاضعة لدائرة المساعدات الإجتماعية البلجيكية. يوريديس تستخدم كل ما هو قائم في المقبرة لتحتفل بكتابها أمام الصحافة. بعض القبور تتحول إلى طاولات، أو مصاطب للجلوس، أو للتواري عن الانظار…
يوريديس تحدّق بالجمهور وهو يتخذ لنفسه أماكن مرتجلة في المقبرة. يوريديس تتحدث طوال الوقت
دون أن تفارق شفتيها الابتسامة وعينيها الحاضرين.
فضاء يستعصي على التعريف.
تصوّر أنّك تخرج من بيتك فتواجهك صحراء لا متناهية. لم تعد هناك طرقات مبلطة بالإسفلت، ولا أعمدة كهرباء. لا بيوت، لا حركة سير ولا مارة. الحركة أو اللا حركة لا تقودك إلى الخلف أو إلى الأمام أو إلى الجوانب… بل إلى عمق الصحراء.
فضاء يستعصي على التعريف.
تصوّر أنّك تجد نفسك في حالة ترحّل في الصحراء. أنت لا تترحّل. الصحراء هي التي تمتد إليك فتبدو أنت مثل سراب يتدلّى في فلاة. في فضول صحراوي. في غواية صحراوية. الصحراء تبثّ فيك، رغم القيظ، نسمات مرمّلة، مظلّلة وموشّاة برذاذ ماء عذب. كلما أوغلت في البيداء، أو بالأحرى كلما تجاوزتك البيداء، تكتشف أن لونها الحقيقي هو اللون اللازوردي. هنا وهناك ثمة ما ينمو في الصحراء. بقع رملية داكنة تتفتق عن شيء.
سراب آخر يتدلّى أم ماذا؟
ومثلما يتجمّع الندى تتجمّع البقع وتأخذ هيئات آدمية. ثمّ مجاميع بشرية صغيرة تغذّ السير.
في فضاء يستعصي على التعريف يبدو وكأن ثمة موعدا.
أنت تبدأ الخطو. تتبع المجاميع التي تبدو لك وكأنها تختفي في غيمة غامقة.
غيمة أم واحة؟ تسأل نفسك، ثم تغذّ السير نحو الغامق المفترض.
درب رملي يبزغ. يتسع. وشيئا فشيئا تنبثق من الرمال أشنات تبثّ رائحة بخور. ثمّ أشنات أخرى أكبر. ثمّ أشنات تصبح بيارغ ملونة…
لهيب مشاعل وروائح بخور.
إيقاعات دفوف عالية.
ترتسم على الرمال أزقّة أخرى. في رأس كل زقاق صنم يقدم شايا أو ماء ورد أو شمعة عليك أن تشعلها وتجتازه إلى ممر ضيّق.
جدران الممرات ليست من الآجر ولا من الإسمنت. جدران الممرات مبنية من عباءات غامقة. في نهاية كل ممر تنفرج فسحة من الفضاء. في موضع ما من الفسحة ثمة معمار يشبه بيت القصب.
ديوان.
بوابة صغيرة.
أنت تدخل الديوان.
ثمة ضريح، منبر، أعمدة قصب، أرض مفروشة بالسجاجيد والوسائد.
لا ضوء سوى تمايل لهب الشموع. القهوة حارة. يبدو دخول الناس المتقاطرين، أو المتقطرين، وكأنه استسلام لواحة صمت مؤطرة بعبق بخور هندية.
شخوص الحكاية يسكنون الديوان… كأنهم تماثيل حيّة في متحف!
يوريديس تؤدي طقوسا تحاول أن تحاكي الطقوس الإسلامية، فتفشل أحيانا وأحيانا تنجح.
يوريديس إلى جانب الضريح، عارية:
كائنة متيبّسة تلتصق بعمود من القصب.
طينة إنسانية تتكور على نفسها قرب المنبر.
مومياء تعيد تكوين أبجديتها في ثنايا السجاجيد.
زهرة رمل تتفتت عند صدر الضريح.
إلى جانب يوريديس، عند الباب، موسيقية تجلس مثل وصيفة: تقدم القهوة المرّة وتعزف آلات بدائية. الموسيقية تنادي قوى خفية.
موسيقى وغناء يشتعلان كنار تذيب جليد التمثالة (يوريديس) التي تتكبّل بالثلوج من جديد ما أن تخبو النار.
1
صباح السبت.
يوريديس تتحدث بشكل مفاجئ
من أين نبدأ؟؟
خديجة، رشيدة، وديعة، صابرين الجنابي، زكية، بنت الهدى، نزيهة الدليمي، ماجدة جبر، عميدة عذبي حالوب.
نعم! يعني!!! أسماء!! لائحة بأسماء كتّاب.. كاتبات اختفين، نسيناهنّ، اختفين، قتلن في العراق. العراق. العرق، الراكي، الكاكي، الكاري، بغداد، بابل، أوروك، الفلوجة، الموصل، مدينة الصدر، الأعظمية، النجف… تمارين على الأسماء
نعم! يعني!!! أسماء!! تمارين على الأسماء… تمارين.. أحفظها عن ظهر قلب. أنا لا أحب أن احفظ شيئا عن ظهر قلب.. قابليتي على الحفظ ضعيفة ولساني ثقيل، وأتكلم بسرعة كبيرة وأبلع الحروف أثناء الكلام. لذلك، أمارس ذلك الجمناستك الصباحي منذ زمن: هكذا اتفقت مع نفسي اتفاقي جنتلمان!
…..
على أية حال!!
أنظر، أتأمل كيف يلوك لساني الأسماء.. يتقاذفها في فجوة الفم ويرميها من الأمام إلى الخلف، من الخلف إلى الأمام، من الأمام إلى الخلف.
خديجة، اختفاء غامض، رشيدة موت بسبب الغرق، وديعة موت بسبب خطأ طبي، صابرين الجنابي اغتصاب عن طريق جنود أمريكان، أطوار بهجت قتلتها القاعدة في أرض الرافدين، زكية قتلت بالسم، بنت الهدى قتلها صدام، دينا محمد حسن، قتلها الأمريكان. لقاء عبد الرزاق، قتلها الأمريكان. رائدة وزان، قتلها الأمريكان. هند اسماعيل، قتلها أمريكي. نزيهة الدليمي، موت بسبب صدام. سهام حسين، سرطان بسبب صدام. ماجدة جبر، قتلت في السويد. عميده عذبي حالوب، قتلها صدام.
سبتمبر 2001.
الجو حار. رحيق الزيزفون البديع يهب على الحمّام. طاقتي على المرح تتفتح.
صباح مبكّر، الاطفال غادروا البيت. أخيرا، أخيرا، ثمة وقت وراحة. وقت حر!
طاقتي تعمل بدرجة قصوى.. سأبدأ الآن.. سأكتب النص الموعود الذي أسميته: (إبحثي عن العيب في داخلك ولا تلومي الآخرين)
اسمع خطوات ما تهبط السلم كالرعد..
ـ لابدّ أن تكون جارتي الساكنة فوق.
أقول لنفسي.. لقد نسيت باب الشقة مفتوحا. وقبل أن تستقر الفكرة في ذهني، تفتح جارتي باب الشقة وتدخل كالعاصفة. تدور في الشقة، وتلوّح بيدها عاليا. تواجهني بعلبة كرتونية صغيرة تحملها!! أنا واقفة في منتصف الصالون. عارية. عيناي تزوغان بحثا عما يسترني…
الاسم!
تقول لي.
ـ الأيقونات.. أين اختفت؟
تسألني!!
ـ الآثار، الخطوط… ماذا تريد مني؟
تسألني مرة أخرى بحدة تصيبني بالتوتر.
ـ أتعرفين ماذا تريد مني؟
بالطبع لا أعرف ماذا تريد منها ولا من هي.. أو ما هي!! أهمل أسئلتها وأفكر فقط بـ:
ـ كلسوني. سوتياني. أين هم؟ يجب أن أرتدي شيئا.
ـ أتعتقدين أنها انتقلت إلى……
تصرخ.
ـ أتعتقدين أنني انتقلت إلى جوار ربّي؟!!
كفّها تكفش شعر رأسها.
يطير شرودي وتمصّري الصباحي بسرعة البرق!! يجب أن أرتدي شيئا.
ـ اللغة. اللغة.. لا شيء تحت سقف جمجمتي سوى اللغة!
تئنّ الفتاة.
ـ كابوس لغوي، أين هو الكابوس؟؟؟
وتمسك فكاّها بتلابيب بعضهما، وتغمغم شيئا من قبيل:
ـ ممم… أم… يمّه
و..
ـ أتفهمين ما أقصد؟
وأنا أقف هناك… أنظر لها وأحاول أن أخفي انفعالاتي لأبدو في هيئة طبيعية. يا الهي! ماذا أفعل؟ كل ما أستطيع أن أقول لها هو:
ـ تفضلي بالجلوس.
الفتاة تجلس.
أثناء الجلوس انتهز الفرصة لكي أعبيء بنطلون جينز مكوي للتو بمؤخرتي العارية! وأفكر:
هذا هو مصير صباحي الجميل.
ـ تشربين شيئا؟ قهوة شاي؟
أسألها بغضب كتيم.
2
المدينة المسوّرة.
ـ مدينة مسوّرة من كل جانب بجبال على رؤوسها العسكر. 5 سنوات في دمشق. العساكر تسوّر المدينة.
تقول.
ـ وحدات عسكرية واقفة في وضعية إنذار جيم على رؤوس الجبال. بينما أنا في أسفل تلك المدينة… لقد شحّ الذهول!
ـ شحّ الذهول؟!! ماذا تعنين؟
ـ نفذت الصدفة! ونفذ كل شيء! ولم يتبق لي إلا أن أرقب أيام المدينة. المدينة كائن متغير. متجدد دائما. تتناسل دوما وتنجب وتنجب
ثم… تبربر مع نفسها وكأنها تبحث في ثنايا الرطانة عن ذكريات. بعد صمت متوتر تحمل شيئا من ذاكرة بعيدة.
ـ ذات صباح شتائي.
تقول.
ـ ذات صباح شتائي رأيت الأشجار، خضراء يانعة، تلهو مع الأزهار. بالطبع يحدث ذلك لأني لم أكن أعاني في ذلك الصباح من الصداع…
ثم… ترطن مرة أخرى…
ـ ذات مساء صيفي رأيت أعمدة الضوء تطير فتصبح الشوارع مظلمة حالكة، لولا كؤوس حليب السباع لما عادت الأعمدة إلى الشوارع..
ـ تريدين أن تشربي شيئا؟
أسألها.
ـ كان ربيعا وكانت الأزهار تتقافز. تغيّر أزياءها الملوّنة أمام عيني. كانت الأشجار اليانعة تتهادى… وكنت أرى النسيم بين زهور السوسن والياسمين… وفجأة رأيت ما يلي: زوبعة. باقات زهور تطير. أشجار مقتلعة عائمة. الموت يجزم الأفعال! روائح عفنة. نتانة كونية!
ـ أصنع لك شيئا من القهوة؟ لدي أيضا عصير فواكه أو شوكو ميلك
ألح قليلا ولكن بأدب.
ـ نتانة كونية!!
تعيد علي.
ـ لقد رأيت تلك المجزرة بالطبع لأن خمور الليلة الفائتة ما تزال تتلاطم في معدتي
ـ خمور؟ قلت خمور؟ ماذا؟!! أنت مسلمة كيف تجروئين؟
ـ لأن الخمور ما تزال تتلاطم في معدتي ولأن حريقا شبّ في أحشائي وآخر فلع قحف رأسي. نار سحبتني ودفعتني ودكّتني وزطتني ورفستني وأمرتني: لماذا لا تقولين شبّيك لبّيك! شبّيك لبّيك! عبدك بين يديك!
ـ ها؟؟ نعم؟.. جارتي الكريمة، أرجوك.. أنا أيضا ما أزال في ساعات الصباح الأولى. وقد بعثت الأطفال توا إلى جدّتهم لكي أتفرّغ لـ.. لـ….
اهدأي يوريديس.. قلت لنفسي.. اهدأي. هيا.. اصنعي قهوة قوية للزائرة المفاجئة ولك.
موسيقى
3
الكابوس.
لم أكن تعرفت على جارتي العراقية بشكل جيد. أو بالأحرى، لم تكن قد تعرفت بها. لهذا، احترت. كيف سأبدأ الحديث؟
ـ هل تعيشين من فترة طويلة في بلجيكا؟
أقول لها وأقدم كوب قهوة سوداء قوية، إلى جانبها قرص دافالكان.
برشفة واحدة تقذف القهوة بين ما تبقّى من أسنان مصفرّة في فمها وتقول بلغة إلهية:
ـ لقد نسيت الكابوس!
أنا أقول:
ـ من الصعب تذكّر الأحلام.
ـ لا. لقد نسيت الكابوس عمدا! ولم أعد أفكر بها. بعد كل تلك السنين من غسيل الصحون في المطاعم، وقضاء الليالي في الفنادق، لبيع جســ…
لقد نسيت أنّ أمي تنتظر. كانت واقفة عند ضريح السيدة زينب تريد أن تراني.
بينما أنا نسيت أن لدي أشواقا لها. اندفعت نحوها بعجلة. توقفت أمامها. تمتمت: لا. إنها ليست هي واستدرت إلى ناحية أخرى رغم الهاجس الذي أراد أن يستوقفني قائلا: أنظري جيدا! إنها أمك… أكملت الطريق ورحت أنظر حولي: ربما تجلس هناك.
ـ كيف لي أن أتعرّف على أمي، أنا التي نسيت بعد ثلاث سنوات من المنفى حتى صورة العراق؟
تفتح عينيها السوداوتين فجأة وتنظر إليّ. فتنجذب عيناي إليها. في تلك اللحظة توقف العالم عن الحركة.
ـ كيف لي أن أعرف أنها أمي، وقد تركتني ذاكرتي، وحيدة، أتفرس بوجهها، في مرقد السيدة زينب، حتى أضيع في التفاصيل والتجاعيد، فأرى صورة جدّتي مرة وصورة جارتي مرة وصورة زوجي مرة وصورة سجادة مرة وصورة ابني مرة حتى يهتز كل شيء وتهرب مني القدرة على التعرّف على ملامحها؟
تكفش شعرها مرة أخرى.
ـ لا أدري. لم أعد أدري.
ذكريات ملامحها المتبقية في ذاكرتي تدق مسامير نفسها على وجه آخر لامرأة لا تقف عند المرقد، وإنما تجلس بين عشرات النساء في الصحن. نساء مبرقعات بعباءات سوداء. تهرب ذكريات الملامح مرة أخرى، إلى امرأة أخرى تمسك بقضبان شباك الحضرة بقوة لا تتناسب مع حجمها. وعجوز تهزّ الضريح في حالة تجلٍ، في حالة لا أمل، ولكن بقوة وعزيمة الأيمان. ومرة أخرى تهرب الملامح لتستقر على وجه امرأة أخرى، ثم امرأة أخرى، وعلى أخرى حتى تتلبّس وجوه جميع النساء.
4
أمي!
أدقّق النظر فيها.
«بهدوء يا أخت، برويّة. فضفضي عن نفسك. رغم أن الوقت ذهب بالنسبة لي. أفكر مع نفسي.
وفجأة تقفز إلى الممر وتغلق الباب.
أتمكن في تلك اللحظة من الذهاب أخيرا إلى غرفة النوم لكي أضع شيئا حول جسدي العاري. وإذ أنا أبحث في كومة الـ (تي شيرتس) أسمع أنينا. أنشغل في البحث. أنين. أنين لا يتوقف. أستغرق في البحث. كلمات تلوّن الأنين. أنين وكلمات. أتناول (تي شيرت) لكنّي أغيّر رأيي فأرميه بعيدا. أتناول قميصا كيفما اتفق وأتحرك بشجاعة نحو الممر. أفتح الباب وأسحبها إلى الداخل، إلى المطبخ.
تظلّ واقفة في المطبخ حيث وضعتها بلا حراك. لا تفهموني خطأ. كانت واقفة هناك. عجوز مهدّمة عمرها حوالي 35 سنة. ملامح وجهها، مستغلقة تائهة، تبحث عن دموع.
ـ يمّه!!
تقول.
ـ يمّه!!….. أمي، أريد صورتك.
نظرت إلي ونظرت. نظرت طويلا، ونظرت حتى بدأت أعصابي تتوتر.
5
الصورة
ـ هل أستطيع أن أفعل لك شيئا يا أخت أأ….؟
أسألها بطريقة خرقاء.
ـ يوريديس..
تقدّم نفسها لي.
ـ عفوا؟
أقول.
ـ يوريديس. اسمي يوريديس.
تقول. أنا أضحك.
ـ أنا يوريديس. اسمي يوريديس!
أقول لها.
ـ لا ترددي خلفي كالببغاء.
تقول
ـ سلوى؟ أليس اسمك سلوى؟
أقول لها.
كان مكتوبا على جرس شقتها: س. منصور… تصمت المرأة. أسألها مرة أخرى:
ـ أليس اسمك سلوى؟
ـ اسمي يوريديس.
تقول.
ما هذا اللعب الطفولي. مثل هذه الالعاب ألعبها مع أطفالي.
ـ هل بإمكاني أن أفعل لك شيئا يا.. يا.. يوريديس؟
ـ أردت منها صورة فقط!! بيد أنها لم تكن تحمل صورة شخصية لها… «خذي هوية الاحوال المدنية. اقلعي الصورة الملصوقة عليها، وسأخبرهم في العراق أنها ضاعت» قالت لي.
ـ أن يكون كل شيء قابل لأن يوضع في محفظة، في صندوق، حتى أمي ذلك شيء عجيب. على كل حال.. كانت صورة.. هممم. لا أكثر من صورة.
أما أنا فقد بقيت أردد عليها:
ـ صورة حسنا، صورة في محفظة. ما هي المشكلة؟ هل أستطيع أن اقدم لك مساعدة ما يا.. يوريديس؟
أنظر إلى الوقت فأرى كيف يطير الزمن من بين أناملي، في حين تبدو جارتي وكأنها التصقت بشكل أبدي على الكرسي، في مطبخي، في بيتي. بل أكثر راحت تحدق وتلتصق بالحيطان، بصور العائلة المعلقة على الحائط. عائلتي.
6
الأخ أسامة.
نظرت جارتي إلى صورة موضوعة على مرمر الموقد:
ـ هل هذا أخوك؟؟
سألتني.
ـ أخي الأصغر جاء لزيارتي مع أمي في المدينة المسوّرة. كنت مشدودة لمعرفة ما يحدث خارج المدينة، كنت أريد أن أعرف كل شيء، حتى التفاصيل المملّة. لأنني كنت معزولة عن كل شيء حتى عن ذاكرتي.
ـ هل تتذكر تحسين، كيف كنا نهرب من البيت في ظهيرة آب لكي ألتقي بحبيبي؟ كيف كنت تساعدني في تلك الظهيرات القاسية الحرارة؟ وكيف كنت تشجعني لأجل أن أختار بنفسي؟
هل تتذكر تحسين، اللقاءات السرية مع حبيبي في بستان جدي؟
«يجب أن تكوني حرّة في تحديد خياراتك»
كنت تقول لي دوما
«لاتخافي، ولا تخضعي للاعراف والتقاليد لأجل أن يزوجوك إلى ابن عمك.
هل تتذكر تحسين،
كيف كنا نضحك في السر؟
كيف كنت تنظم لقاءات الحب بيننا، وفي كل مرة كنت تدّعي بأني ذاهبة إلى بستان جدي لكي أقطف الباذنجان، وأنك ترافقني لكي لا يعاكسني أحد.
باذنجان، باذنجان، وقد صار اسم حبيبي الباذنجانة الخفية السحرية. هل تتذكر تحسين، وفي تلك المرة
كيف هددتني ذات بأن تفشي السر لأبي ونسيت أنّك إذا ما فعلت فسيكلفك ذلك حياتك أولا لأنّ أبي سيعتبرك قوادا على أختك.
هل تتذكر تحسين، أخي الحبيب التقدمي المتخلف عن بقية أفراد العائلة.
كنت أتأخر أحيانا في القبل لأن حبيبي يتمسّك بي ولا يسمح لي بالذهاب وأنت تتشعوط والوقت يمرّ حتى يحلّ الغروب، فتبدأ بالصياح أين الباذنجان؟ وتتوتر نفسيا وتنشب معركة في اليوم التالي مع خطيبي فتبلغه أنّك لن تجلبني مرة أخرى. وأنا كنت أشتري لك التمر مع اللوز الذي تحبّه كثيرا فتغيّر رأيك.
وذات لحظة قاطعني أخي قائلا: «مضت ساعة وأنت تناديني تحسين. أنا أسامة ولست تحسين. «صار لج ساعة تصيحيلي تحسين. أنا أسامة مو تحسين. أنا أسامة أنا أسامة. مفهوم؟ أسامة»
هل تفهميني الآن؟
تحسين قتلوه غسلا للعار. خديجة، اختفاء غامض، رشيدة موت بسبب الغرق، وديعة موت بسبب خطأ طبي، صابرين الجنابي اغتصاب عن طريق جنود أمريكان، أطوار بهجت قتلتها القاعدة في أرض الرافدين، زكية خليفة قتلت بالسم، بنت الهدى قتلها صدام، دينا محمد حسن، قتلها الأمريكان. لقاء عبد الرزاق، قتلها الأمريكان. رائدة وزان، قتلها الأمريكان. هند اسماعيل، قتلها أمريكي. نزيهة الدليمي، موت بسبب صدام. سهام حسين، سرطان بسبب صدام. ماجدة جبر، قتل في السويد. عميده عذبي حالوب، قتلها صدام.
نظرت إليها ورحت أدقق في قسمات وجهها بينما تنبثق في رأسي فكرة أنّ هذه الفتاة التي تجلس أمامي ستصبح الموضوع الذي سأكتبه. وسيكون هذا الكتاب هو أفضل الكتب. هذه الحقيقة الماثلة أمامي ستصبح روايتي الخيالية بدلا عن الانشغال بـ: (إبحثي عن العيب في داخلك ولا تلومي الآخرين)
موسيقى
7
اسكري!!
أردت أن أطرح عليها سؤالا عن أسامة، لكنّها سبقتني:
ـ الصورة
قالت.
ـ نسيت الصورة. بحثت عنها فلم أعثر عليها. ونسيت البحث عنها. وتذكرتها وبحثت عنها و. و..
وبدا صوتها مرتبكا.
ـ لا. لا.. بالعكس. لم أبحث عنها. كانت تلك ليال طويلة وكنت أعبّ الكحول الثقيل للتخلّص من الصداع الصباحي، وبعد أن كنت أقسمت أغلظ الأيمان على التوقف عن تناول الكحول والهروب من مخالب صاحب الفندق، الهروب من فراشه النتن. التوقف عن مهنة الدعارة. في زمن صدام اصبح لنا مسموحا ان نفعل ما نشاء..
لا. لا. خطأ. الوصف ليس مضبوطا…
أمنع بالكاد فضولي من تهديم الموقف.
ـ خذي الوقت الكافي يا عزيزتي. تشربين شيئا؟
ـ خذي حريتك! اعتبري نفسك في بيتك!!
ـ التسلسل ليس صحيحا، لقد نسيت التفاصيل… كانت تلك ليالي صاخبة تنتهي بصباحات تبدأ كالتالي. أولا: أنظر وجهي في المرآة. وجه كحولي يتضاعف ليتحول إلى وجوه. وجوهي تتفق مع بعض على شيء ما. يمضي بعض الوقت. ثانيا: في وجوهي، تتبعثر ايماءات صغيرات. ابتسامات تخفي ما ورائيات. فترة من التوتر. سابعا: واحد من الوجوه يتظاهر بأنه… ثانيا: يفتعل وجه ما مظهر المنشغل. خامسا: يتظاهر بأنه مستغرق في القراءات في بطون كتاب مرمي جانبا.. رابعا!! يصرخ الوجه: اللعنة على الوعود!! اذهبي إلى الجحيم سلوى منصور ولتذهب الوعود إلى الجحيم. اللعنة. أريد أن أسكر. أنا لا أستطيع بدون كحول! إتفقنا؟.
تصيح جارتي.
ـ سأسكر، سأسكر!
تقذف الكلمات بوجهي وكأنني صاحب الفندق!!
ـ هل تسكرين؟
سألتني
وخرجت كالبرق من الغرفة. لم أكن أعرف أن فتاة بمظهر عربي تعيش فوقي تتناول الكحول الممنوع حسب العادات الاسلامية. وبلمح البصر قفزت السلّم إلى الأعلى ووقفت المرأة المسلمة أمامي مجددا.
ـ حليب سباع، درجة أولى. أهم مشروب في العراق!
ووضعت قنينتين فوق الطاولة…. نظرت إلى ذلك الحليب: نسبة الكحول 46°
ـ حسنا!! سأشرب معك في منتصف النهار.
فتحت الدرج لأضع إلى جانب حليب السباع العراقي قدحين:
في الحقيقة انا لم أحب المشروبات الثقيلة الكحول القوي. ولكن ما العمل مع هذه المرأة الاكزوتيكية، الأجنبية، هذه المغامرة، القصة التي سأكتبها.
وشربنا. وشربنا. ملأت أقداحها وملأت أقداحي. وملأنا. وملأنا. وملأنا. وملأنا. وملأنا. وملأنا. وملأنا. وملأنا.
وأسامة، وتحسين، ويوريديس.. وأسامة، وتحسين، ويوريديس، وسلوى، وأسامة، في العراق، أسامة، آه أسامة، وتحسين، أسامة، تحسين، العراق، العراق. العرق، الراكي، الكاكي، الكاري، بغداد، أوروك، الفلوجة، الموصل، مدينة الصدر، الأعظمية، النجف، بابل،…
غناء يشتعل في المقبرة. أضواء مسرحية وفرقة جاز صاخبة تظهر.
أغنية با ذي ريفير أو بابلون by the rivers of Babylon
رقص جنوني
8
الشفاّفية اللا محتملة.
لا تجلسي هكذا. افعلي شيئا.. افعلي شيئا، آكشن ويمن، آكشن، أنت هنا في الغرب أتفهمين هذا؟ إبحثي عن العيوب في دواخلك ولا تلومي الآخرين. يجب أن تتعرفي على دواخلك، النقد الذاتي، التطوير الذاتي، المعرفة الانسانية.
إبحثي عن العيوب في دواخلك ولا تلومي الآخرين واطرحي السؤال التالي: ماذا أريد؟ ماذا أستطيع، ماذا أريد أن أكون؟ ما هي دوافعي؟ حددي لنفسك هدفا وابدأي بتحقيقه. في النهاية يجب ان تحققي كل شيء بنفسك. الفشل أو النكوص او الرسوب لا يعني أنّك غير قادرة على فعل الشيء. ابحثي عن الخيارات. هنا هذا ممكن الوصول إلى الخيارات في الغرب.
رقص جنوني وموسيقى جنونية
العالم ليس مبنيا على خطأ. أنت على خطأ. يجب عليك أن تسايري العالم.
يجب أن تندمجي. إذا قاومت العالم تتعرضين للنفي، ولن تجدي عملا، لن تجدي حبيبا.
عليك أن تتماشين مع القواعد والشروط والاعراف والتقاليد. التقاليد العريقة ليست خاطئة. أنت على خطأ. القواعد الحياتية موجودة لكي تضمن لنا التقدم. وأنت عليك أن تفككي نفسك وتعيدي تركيب نفسك. يجب أن تتعاملي بنسبية مع الأشياء. ابحثي عن القرابات مع الأشياء ولا تبقي على الهامش..
اقتلي الهامشية وتقدمي تحت الضياء الناصعة.
رقص جنوني وموسيقى جنونية
اشتغلي على نفسك وإبحثي عن العيوب في دواخلك دون أن تلومي الآخرين. ابحثي عن الحلول عن طريق التيرابي، العقاقير، التعبّد، الماساج، آيكيدو، الأبر الصينية، تاي شي، زومبا، يوغا، اذهبي إلى المسبح، اقرائي كتبا، وحتى تناولي حبوبا مضادة للكآبة. لا يهم. المهم أن تبحثي عن العيوب في دواخلك دون أن تلومي الآخرين.
رقص جنوني وموسيقى جنونية
آه. أنا لا استطيع التوقف عن الكلام والهذر. بلا بلا بلا.
أما سلوى فتقول:
ـ سأغني. لا. سأشرب. أنا السجينة في المدينة المسوّرة، سأسكر وأبصق على أماني صاحب الفندق. سأبصق على رئيس التحرير. لا أريد غرفة مجانية، انتهى زمن الدعارة.
العراق. العراق.
تصيح جارتي ثم تغني.
ـ العراق!!
تبكي.
لا بل تعوي.
تتوقف فجأة وتعلق على سلوكها
ـ هاي شنو يابه؟ شبيج لج؟!! شنو ها الخرط… خرط.. مو؟؟؟
تسألني،
ـ استدرار عواطف مو؟.. مقاطع من أغنية تفتح ينبوع العيون. بينما صورة أمي لا تحمل أي تأثير في ليالي السكر والعربدة والبكاء!!؟
العلبة.
فوق الطاولة قناني فارغة وأخرى نصف فارغة وأقداح أنصافها فارغة وعلبة كرتونية صغيرة. المطبخ يتراقص في عيني! جسدي يغني.
أمسك عفويا بالعلبة الكرتونية.
ـ لا تقتربي منها.
تقول لي.. بحدّة… لا أهتم برد فعلها. أقلّب العلبة، وأسأل.
ـ علبة من العراق؟
ـ اتركيها!!!
تقول بحدّة أكبر.
أكرر السؤال:
ـ علبة من العراق؟
………….
ـ كنت أبحث عن علبة الدبابيس. الآلة الكابسة كانت فارغة. كنت أعزم أن أكبس أوراق النص قبل أن أسلمه إلى سكرتير التحرير. كان نصا نقديا تجريبيا عن سيدة الوركاء
سكرتير التحرير؟؟ لم أكن أعرف من قبل أنها كاتبة. كنت أظن أنها لا أكثر من….. من….
تقرأ مقطعا من الكتاب
ـ فتحت درج الطاولة في مكتبي. تناولت علبة الدبابيس، أخرجت قالب دبابيس لأضعه في الآلة الكابسة، لكن الدبابيس كانت صدئة. رميت العلبة الصدئة جانبا وقررت أن أبحث عن أخرى. واجتذب فضولي ملاحظة أن اللون الصدئ مصدره علبة أخرى. علبة كبريت!! علبة قد نسيتها لأني أوقفت التدخين فترة من الزمن. مصدر الصدأ شيء عالق بعلبة الكبريت… نظرت، فرأيت وريقة سميكة ملتصقة بالعلبة….
ـ انتابني شعوران في تلك اللحظة. الأول هو أنّي يجب أن أكبس النص. الثانية: يجب أن أنتزع الوريقة السميكة. لماذا؟ لا أدري.
نسيت ما كان يشغلني قبل العلبة والآلة الكابسة. نسيت سكرتير التحرير، نسيت النص الجديد الذي كتبته و «سيشكّل ثورة في الأدب الحديث»، وانشغلت بالورقة الصدئة. قلبت العلبة فاكتشفت أن الورقة إنما هي صورة هوية شخصية. لماذا التصقت الصورة هنا؟ من هو صاحب الصورة؟ لمن هي الصورة؟
ـ حاولت أن أخلع الصورة بحذر. وما أن بدأت حتى انخلع جزء صغير عن العلبة وتمزق جزء صغير آخر وظلّت الصورة عالقة بالعلبة. حاولت مرة أخرى من جانب آخر.. بحذر، وتوتر، واحد.. اثنان… ثلاثة.. آه.. مرة أخرى تمزق جزء من ذلك الجانب. جرّبت جانبا ثالثا فانفصل جزء من الصورة عن العلبة وتنفست الصعداء. استجمعت عزيمتي ووجهت انتباهي لفصل جزء آخر عن العلبة. وبالنهاية تكرر ما حدث: جزء انفصل وجزء تمزّق وبقي معلقا بالعلبة. أفرطت في المحاولات.
في كل محاولة كنت أرتكب أخطاء طفيفة تنتج خدوشا وتأوهات وتمزقات على الصورة.
نسيت مكتبي. سكرتير التحرير، النص الذي أنجزته: «سيدة الوركاء أو ملحمة سيدة الوركاء» نسيت أين أنا…
فشلت في انتزاع الصورة عن العلبة. ومع ذلك كنت أحث نفسي على قبول الفكرة التالية «أليس ممكنا أن أنتزعها، هكذا، بصورة مفاجئة، بحركة واحدة، قبل أن تنتبه الصورة لنفسها وتتمزق؟»… نسيت رفوف الكتب، نسيت أني في مكتب جريدة حيث أعمل، ورحت أهذي وأشتم عفن الصورة وأهدد العلبة أن تتوقف عن مناكدتي وأتعرّق وأتعرّق. الرعشة «الرجلة» في يدي تنشط دون انتظام، لهاث وخفقان قلب، حمّى في الرأس، يا إلهي، ابنتك سلوى ستنفجر! سأنفجر، سأنفجر..
ـ اهدأي! اهدأي! اهدأي يا سلوى!! صحت بنفسي. لقد أنجزت معظم المهمة، رغم الأخطاء. والآن. استراحة. استراحة بسيطة… لم يبق عالقا في العلبة سوى جزء صغير من الصورة، فلماذا لا تنظرين، بحذر واحتراس، إلى الأجزاء «المحرّرة» منها؟ حسنا.. قررت أن أنظر،…. ونظرت. وعندها حلّ الصمت. صمت يشبه موسيقى في فيلم يعتمد الاثارة والتشويق. أصابتني صدمة. انقطع نفسي. توقفت نبضات قلبي ثم عادت…. الاسم! الأيقونات.. أين اختفت؟ الآثار، الخطوط.. ماذا تريد مني؟ أتعرفين ماذا تريد مني؟ أتعتقدين أنها انتقلت إلى.. كيف وصلت صورة أمي إلى العلبة، كيف؟ قولي لي كيف؟ الاسم؟! الأيقونات؟ الأيقونات.. أين اختفت؟ الآثار، الخطوط… ماذا تريد مني؟ أتعرفين ماذا تريد مني؟ أتعتقدين أنها انتقلت إلى.. أتعتقدين أنني انتقلت إلى جوار ربّي؟! اللغة. اللغة. لا شيء في بيداء رأسي سوى اللغة!
ومحقت رأسها بقبضة كفّها.
ـ كيف التصقت صورة أمي بالعلبة! كيف نسيت أمي فلم أعتنِ بصورتها، ولم «أقلّب» ذلك المستطيل الصغير الضائع من محفظتي زمناً طويلاً ثم نسيتها وعثرت عليها في هذا الحطام؟
كان قلبها معتما، وفي رأسها غيمة بيضاء.
تنظر إلى أحد المشاهدين
هل تعرف معنى أن تقتطع أمك صورتها الشخصية من وثيقة الجنسية العراقية؟ في زمن صدام؟ أي خطر يهدد حياة مثل هذه الأم حينما تغامر وتمزق جنسيتها لتعطيك صورة؟ أتعرفين معنى أن تقتلع أمك صورتها من وثيقة الأحوال المدنية العراقية وتعود إلى العراق بدون وثائق في زمن صدام؟ وهل تعرفين ما يفعله صدام إذا ما تلفت وثيقة رسمية من أم شخص معارض له؟ ثم هل تعرفين معنى أن تتخلى أمك عن حياتها لأجل أن تعطيك صورة؟ مكثفة في صورة؟ أقل عقوبة على هذا العمل كانت الاعدام….
10
إلى التفاصيل.
ـ مئات من الرجال المعادن الصدئة. حشود رجال من ثقاب. قوس قزح من الألوان. الألوان تغطي الدبابيس المعدنية حتى تستحيل بشرا أقزام. الألوان تشتعل في رؤوس الرجال الخشب. تتمايز الألوان عن بعضها، وعلى نحوٍ مباغت تنفصل ألوان المواكب.. رجال ونساء
ـ لم أفهم. احكي بالملومس. عرّجي على التفاصيل.
أقول لها.
ـ تكسو الألوان جسد كل دبّوس على حدة. تترنح أعواد الثقاب، الرجال. تنهض الدبابيس، النساء. النساء يقفن في الوسط. الدموع على نحور النساء. الرجال مشتعلون نارا وفحم!
يمضي الموكب.
ليلٌ ساكنٌ كدمٍ متجمّدٍ يخدشه عويل يرفع العلبة.
يمشي العويل بها لتصبح أشبه بتابوت ويقودها إلى عتمة المكتب. غرفة تعذيب مظلمة… يا لأصابعي، يا للدبابيس… كلّهم يحفرون قبرا، إنهم ينقبون! صورة أمي الملتصقة بالتابوت تغور أعمق، تختفي، وبين الأنين والطقس والوجوم والليل يطلّ وجه أمي كمومياء…
«المسوخ تمرق حول أذنيّ».
أعواد الثقاب، رجال الخشب تحمل تابوت أمي، وبين الطقس والوجوم يطلّ بين الدبابيس، النساء، وجه أمي مرة أخرى.
صمت
ـ ولكن، ترى، هل ماتت أمي فعلاً، أم هي خيالات المنفى؟ هل تظنين أنّ أمي ماتت؟
تسألني بعد أن توقفت فجأة بمزاج مناقض لكل ما حدث! وكأنها لم تبحر في كل تلك العواصف!
11
طقوس الصمت.
موسيقى طويلة
12
في البدء كان…
يوريديس تلقي هذا النص كما تلقي النص الافتتاحي.
سلوى تجلس على كرسي في المطبخ، تحدق بمنفضة السجائر المدلهمة بالدخان والجمر. لم تكن سوى غيمة في العدم. وبدلا من الاحتجاج على اشعال تلك الكمية الخرافية من أعواد الثقاب في المنفضة وجدت نفسي أحتضن الغيمة أمامي وأخفيها بين ذراعيّ.
تعانقنا وكأن كل منا متيّمة بعزلة الأخرى… ريلكه.
عندها قبلتني من فمي. تلك المرأة المسلمة قبلتني من فمي.
ـ لا يجب أن تفكري دائما بأن علبة الكبريت تابوت وتستغرقين في فكرة أن أمك ميتة.
قلت لها.
ـ أعرف ذلك.
همست لي وأضافت:
ـ كادت الصورة تتمزق قبل أن أهرب من غرفتي.
ـ لن تتمزق. اطمئني!! سأفكك المعضلة وأعيد تركيبها بالطريقة المطلوبة!
ـ هل لديك حلاّ؟
همست سلوى مرة أخرى..
………
وضعت مياه في إناء عميق.
ـ ضعي العلبة الكرتونية في الماء. ستتشرّب الصورة بالماء، وبعدها ستنفصل الصورة. تماما كما نفعل مع طابع بريدي. أعطيني العلبة لو سمحت وسأريك. الأمر بسيط جدا. أعطيني العلبة..
سلوى، وكأنها انبعثت من عالم الموتى، تدفع الصورة والعلبة بفجاءة في الاناء وتحرّك الصورة داخل الماء، وتحرّك، وتحرّك، وتحرّك:
ـ يا إلهي! سأغرقها في الماء. إنني أخنقها في الماء. إنها تغرق. إنها تغرق.
رياح تهب في المقبرة.
ـ هنا بعض التلف.. انظر!! انظري. انظري. شقّ صغير هناك، أترين؟ وذلك الخدش؟ بعض الألوان الصدئة تغلغلت كجراح في ملامحها.
ـ أتركيها في الماء. أتركيها إلى الغد حتى يزول الصدأ، وسأعود فأنظفها وأرتّشها ,اعمل لها سكانر ثم فوتو شوب وأعيد لها ألوانها الأصلية وستكون أجمل.. سترين بنفسك ستحصلين على أم جديدة، اقصد على صورة جديدة
13
توازيات
عند الغروب
تسألني سلوى، دون مقدمات:
ـ هل تفكرين بأمك؟
ـ أمي؟
ـ هل هي ميتة؟
ـ أمي…….
أقول، وأبحث في ضباب رأسي عن أمي. ذاكرتي لا تسعفني..
ـ لا أدري لو كانت أمي أصلا على قيد الحياة في يوم ما؟
أقول لها.
ـ هل هي في دار العجزة؟
فجأة وبعفوية لم أعهدها بنفسي أسمع صوتي يقول:
ـ هل تذهبين معي لزيارة أمي اليوم؟
ـ لم لا!
قالت لي.
هبوب الرياح يصبح أوضح.
لم أفكر من قبل فيما لو كنت أحب أمي أم لا. ولم يخطر ببالي أنّ أمي التي لم تعش يمكن أن تموت!
أمي عادة موجودة منذ الطفولة.
مائدة الفطور، جبن الفستق، تعبئة الجوارب بأقدامي الصغيرة واحتجاج أصابعي التي تتعرض لتكة من اصبعها بشكل منتظم.
وأمي كانت دائما مشغولة.
تعمل نهارا في البريد، وعندما تعود مساء الى البيت، تستعيد عادة الصباح مع بعض التنويع:
مائدة العشاء، البطاطا المسلوقة الوورست والتفاح المطبوخ. على المائدة تتشكى من بعض زملاء أو زميلات العمل، أو بعض الزبائن. في المناسبات الكبرى تذهب إلى الكنيسة لتختلي بالكاهن، في غرفة الاعتراف، ثم تعود بعد ذلك راضية لتستقبل أحد زملاء العمل أو الزبائن في فراشها خلسة. هواية ظلت تمارسها حتى فقدت سحر الايروتيك.
وأمي ظلت مشغولة دائما حتى بعد التقاعد.
حين أذهب في «ويك أند» ما الى القرية لزيارتها دون موعد مسبق يسكنني هاجس أنها ستقول ككثير من المرات أنها مشغولة جدا، وأنها تفضل أن نحدد موعدا مسبقا لزيارتي.
14
تيريزا
مساء السبت..
تيريزا ريدرز، أمي، تلتقي سلوى. تشعر لوهلة بارتباك وخجل من وجود فتاة أجنبية في بيتها.
بعد ذلك، وربما للمرة الأولى، تشعر أن لديها ابنة.
الابنة تحكي مع روحها، تعتني بشالاتها الطويلة وتصرّ على أنّها عباءات، ترتب المناشف المنقوشة بالزخارف مؤكدة أنّها سجاجيد صلاة مسيحية من النوع النادر، وتعتني بالصليب المعلق بجلال.. تشعل له الشموع وتضع البخور مرددة: أيّهما أكثر شبها بالأم؟ المسيح أم مريم العذراء!!
مساء الأحد..
بعد أن تناولت أمي البسّه جينيفر Besse Jenever لم تتردد في رواية حكايات لسلوى لم أسمعها أبدا من قبل: «نسيم الفجر. عباد الشمس وفان كوخ. الكراهية المقدسة لكارمينا بورانا. كيف شرشحت المعلمة التي طردتني من الصف. كيف أرسلت أبي الى السوپر ماركت بدون قائمة مكتوبة.
تصمت وتشتد الرياح. وكأنّ يوريديس أضاعت خيط الحكي.
أين وصلت؟؟
تتناول ورقة وتقرأ
….
تحـ.. تحـ.. تحسين شهيد العار المغسول. خديجة، رشيدة موت بسبب الغرق، وديع.. ع.. ع.. العين حرف صعب جد! بنت الهدى قتلها صدام، دينا محمد حسن، قتلها الأمريكان. نزيهة الدليمي، موت بسبب سادّام. سهام حسين، سرطان بسبب سادّام.
…..
نعم! مرة أخرى أسماء!! عراقيات قتلن في عهد الأمريكان وفي عهد سادّام. صدام هوساين.. حسين.. الهااا الحــــ… حسـ.. أسماء صعبة!! ومع ذلك قررت أن أتمرّن وأتعلم نطقها. قضيت أشهر!!! لا أدري كيف تمكّن السيد سادّام هوساين من حفظ تلك الاسماء ومن قتل أصحابها. من جهتي ما أزال أعاني من مشكلة النطق والحفظ رغم الاتفاق الجنتلمان المعقود مع نفسي!
…..
ـ لو كنت في العراق لقتلوك.
قالت سلوى.
ـ لماذا؟
قلت لها.
ـ لأنّك تتحدثين طوال الوقت وتقولي افعلي شيئا.. آكشن ويمن، آكشن، يجب أن تتعرفي على دواخلك، النقد الذاتي، التطوير الذاتي، الماساج، آيكيدو، زومبا، اذهبي الى المسبح..
ـ آه.. أه.. أنا.. لم..
ـ لم تمارسي هذه الأشياء؟؟
ـ لا فائدة من هذه العلاجات. وقت كثير نتائج قليلة.
وغيّرت الموضوع بطريقة تفتقد اللباقة.
15
بدون تعليق
صباح الاثنين.
بعد نصف ساعة يجب أن نأخذ الباص إلى المدينة.
لن أبدأ هذا الصباح بالتمارين المعهودة.
سلوى منصور تقلي بيضا في المطبخ.
أمي تشرب قهوة.
أنا أكاد أزحف إلى حضن أمي:
أثاث البيت الذي يا ما تمنّيت أن يحترق. الكيـف الذي يكلّل الجدران. زهور الحديقة المهذبّة. مقام الخروف. قبر القطة التي فارقت الحياة منذ عشر سنين. ألبومات صور وصليب وأوربانوس(1) Urbanus .
تلك هي أمي.
تلك الأشياء هي ماضييّ الشخصي.
16
صراخ دونما صوت
سبتمبر 2001. مساء الاثنين.
سلوى منصور تنتظر عودتي إلى البيت. وعندما أصل البيت أسمع خطوات ما تهبط السلم كالرعد.. إنّها جارتي الساكنة فوق. باب البيت ما تزال مفتوحة.. سلوى تفتح الباب وتدخل كالصاعقة:
ـ الصورة. اين الصورة؟
في المطبخ ننظر، سلوى وأنا، إلى الإناء والعلبة.
أتناول الإناء.
أمّها تحت المياه.
بحر ساكن.
بقايا صورة متناثرة
شظايا.
بقايا تطفو على صفحة الماء
في قعر الإناء حطام.
صمت.
أختلس النظر.
بقايا سوداء.
شذرات بيضاء وبنية ملتصقة على صفحة الإناء.
أبحث عن الوجه لكنني لا أرى سوى خثرات رمادية أو حبر رمادي.
بقعة خالية الملامح،
ملامح مجعوصة على بعض…….
لون طيني يلتصق بالحاشية، حاشية الإناء.
في موضع آخر ندبةٌ صدئة تعوم تائهة.
شظايا بلون أسمر، وأخرى بلون أسود، كبقية من عباءة.
شظايا فاتحة اللون أصلها ملامح وجه.
ماء صامت. صحراء ضيّقة
رميم منتشر
غروب وجودي
وجسدانا يصرخان دون صوت.
الأربعاء 9 أبريل 2003. سلوى منصور المناضلة العنيدة ضد صدام حسين قتلها الأمريكان في بغداد.
سلوى منصور مدفونة حاليا في بلجيكا.
الرياح تهب الآن في اتجاه آخر فتعصف بكل شيء.
خاتمة.
تعود المقابلات التلفزيونية عبر والمولتي ميديا صوتا وصورة بينما توقّع يوريديس كتابها للمشترين والصحافة. موسيقى احتفالية.
صحفية في مؤتمر صحفي مع هانس بوس فيلت قائد عسكري أمريكي
الصحفية:2010. اليوم يوم هام في العراق. إذ يبدو أنه تمّ العثور على أجزاء مهمة من تاريخنا البشري.
القائد العسكري الأمريكي: كان واضحا للعيان أنّ.. أنّ ثمّة نوايا من جماعة ما، من.. فقط لارتكاب.. فقط لتشريع الفوضى… بهدف إثارة السخط.. تدمير الأرشيف، تكسير… كراسي، لمجرد… ببساطة فقط لغرض النهب والتخريب.
صحفي: ثمة حديث كثير عما كان يمكن أن تفعلوا عندما دخلتم مدينة بغداد. هل كان المتحف مسجلا عند دخولكم على أنه موقع يستدعي الحماية؟
بوس فيلت: لا.. أعني.. لقد كنا.. كنا نحارب. كنا نحارب دفاعا عن النفس… أتفهم!.. عندما تدافع عن نفسك ليس لديك وقت للتفكير الطويل.. عليك أن ترد على مراكز انطلاق النيران فقط.. وعندما نهبوا ودمروا المتحف كنا ما نزال نحارب. لكنّ هذا كله الآن أصبح في عداد التاريخ
الصحفي: هل صحيح أنكم وجدتم تمثال سيدة الوركاء الموناليزا البابليّة
القائد العسكري: وجدنا ماذا؟
الصحفي: سيدة الوركاء.
القائد العسكري: سيدة ال.. ال.. ال.. هل بامكانك أن تتهجّى الاسم لو سمحت؟
الصحفي: سيدة.. ال.. ور.. كاء
القائد العسكري: ال.. ور.. ور؟
الصحفي: واو.. راء.
القائد العسكري: عفوا؟
الصحفي: واو.. راء.
القائد العسكري: كاف.. أليف! كاف.. أليف! ال.. الور.. ور.. ور؟
الصحفي: كاف.. أليف! إنها آلهة من العهد السومري. إنها تمثال آلهة من عصر سومر! هذه القطعة المصنوعة من الرخام تمثّل أحد الإبداعات الفنية المبكرة للتعبير عن الوجه البشري ويعود تاريخها إلى حوالي 3500 عام قبل الميلاد. إنها رأس امرأة بلا جسد.
القائد العسكري: انظر. كل ما أستطيع أن اقوله أننا وجدناها وأننا نعيد بناء التاريخ العراقي.
لقاء مع يوريديس فير مانس
صحفية في الاستوديو: معنا في الاستوديو يوريديس فيرمانس. يجب أن يكون هذا اليوم يوما خاصا بالنسبة لك. بماذا تفكرين، ماذا ينتابك وأنت ترين هذه الصور.
يوريديس: آه. سعادة، شعور بالارتياح هو أول ما ينتابني من مشاعر. ولكن حين أدقق النظر أقول إنّ هذا مستحيل. إذ لا يمكن أن تجدين هذا التمثال بعد كل ما حدث. ولكن ومع ذلك.
الصحفية: نعم..
يوريديس: أصابتني صدمة!! لم أصدق ما رأت عيني، لكنّي مع ذلك.. مع ذلك.. كنت أقول بأن ال.. ال..
الصحفية: نعم! نعم.
يوريديس: يصيبني الآن الرعب الحقيقي لأنّ هذا التمثال المعروض هو تمثال مزوّر أو مستنسخ!
الصحفية: ماذا تقولين؟
يوريديس: هذا تمثال مفبرك. سيدة الوركاء تمثال منتشر في الصحراء ولا يمكنك أن تعثري عليه ما عدا الوجه. هذا تمثال نصفي يشبه فينوس الاغريقية.
الصحفية في الاستوديو: للمعلومات فقد عثر الكابتن هانس بوس فيلت قبل أيام على تمثال سيدة الوركاء. وقرر الكابتن أن يعرضه على الصحافة في مؤتمر صحفي حي هو الذي ترونه الآن أعزائي المشاهدين.
انتهت عام 2010
1 – فنان بلجيكي تجاري شهير:
http://nl.wikipedia.org/wiki/Urbanus_(artiest)
نبذة تعريفية عن المؤلف
– حازم كمال الدين هو مدير فني لمحترف صحراء Woestijn 93 المسرحي سابقا، مدير حالي لجماعة زهرة الصبار البلجيكية للمسرح.
– هو مسرحي بلجيكي من أصل عراقي. مؤلف، مخرج، باحث، مدرّب، ممثل وسينوغراف.
– غادر العراق عام 1979 وعمل في بيروت إلى ما بعد اجتياحها عام 1982.
– حطّ في مدن أهمّها؛ بيروت، دمشق، بروكسيل وأنتورب.
– بعد استكمال دراساته العلمية والعملية في بلجيكا عمل مع بعض كبار المسرحيين البلجيك كمثل Tnoe Brulin ، Tony De Maeyer، Jan Ruts، Carl Ridders..
– أسس مشروعه الخاص محترف صحراء 93 في أنتورب وأنتج منذ عام 1994 أكثر من خمسة وعشرين عملا مسرحيا تجريبيا وجد العديد منها طريقه إلى مهرجانات مسرحية عالمية في انجلترا وألمانيا وهولندا وأوكرانيا وغيرها.
– لديه خبرات في مجالات مسرح الحركة، المسرح الطقسي، البوتو، الحكواتي، المولتي ميديا، الدراماتورغي.
– أواخر تسعينات القرن الماضي طوّر عمله عبر استضافة كبار المعلمين المسرحيين لتدريب فناني فرقته ومنهم Rena Mirecka و Minako Seki….
– منذ عام 2000 يلقي حازم كمال الدين محاضرات عن طبيعة عمله المسرحي بالتعاون مع البروفيسور Luk Van Den Dries و Jaak Van Schoor، في جامعتي Antwerpen و Gent قسم العلوم الثقافية (المسرح). حملت المحاضرات عناوين (مسرح السلطة مسرح اللا سلطة) و (الاستشراق الاستغراب).
– منذ عام 1996 عمل مدرسا في معهد مسرح الحركة الذي تخرّج منه في موضوعة الشخصية الجسدية. 2003 عمل مشرفا Mentor في معهد المسرح العالمي DasArts في أمستردام.
– في التأليف المسرحي لديه أكثر من عشرين نصا مسرحيا مقدّم على المسارح البلجيكية، العراقية والفلسطينية منها: 1997سلالم الصمت، 2000 عين البلح، 2001 غزل أعزل، 2002 عاصفة من اللوحات، 2003 العدادة، 2005 صيف قائظ، 2005 صحراء الشلب، 2007 حفار القبور، 2008 أورال، 2009 البرق، 2009 عند مرقد السيدة…. بالاضافة إلى النصوص المنشورة في هذا الكتاب.
– كتبت عنه الكثير من الاطاريح الجامعية في بلجيكا والدانمارك ومنها ماجستير Ruth Loos (University of Ghant)، ماجستير Helena Verlent (University of Antwerp)، ماجستير Katrien Van Wassenhove (University of Ghant)
مسرحي بلجيكي من أصل عراقي