(1)
الشجرة المنتشية أمام باب البناية
لا تعلم أن الغريب جاء لتوه
من أحضان واسعة اليباس
وأن حلمه مكتنز بالخضرة والأنساغ
يجر عربة من بؤس الأشياء
ولا يحمل فيها من الحنين
سوى لعبة ورق تتلاعبها الذاكرة.
بذرة الألق شاحبة
والعيون باتجاه السماء ترسل
أدعية للرحيل
وهي تصلي أمام المشانق السوداء.
للغريب قصصه …
مع الغيم والأمطار
وخطوات بلورها الألم.
في الصباح الباكر
من على شرفة السكون
لصق الأغصان الحانية
أخذ يلحّ عليها بهمس
وفنجان القهوة تخفت حرارته
ليسري الدفء في الإحساس والجسد
كيف هي الفصول معك؟
وإلى أي زمن أنت تنتمين؟
ومتى تخاصمين وتفرحين؟
سرّح قليلا في ذاكرته
بمطرقة صمّاء
ماذا لو حبسنا قليلا من لغة طفولتنا جميعا؟
لأصبحنا أقدر على حنو بعضنا لبعض.
(2)
مشيا سويا
لغتها كانت سهلة ولأنه لا يعلمها
لم يفهمها
كانت تحرّك أقدامها أثناء المشي
وكان هو أيضا
كانت تبتسم عندما تنظر في أنحاء الغابة
وكان هو أيضا
كانت تضحّك وتقذف الكرة إليه
وكان هو أيضا
مدّ يده لها فتقبلتها يدها فتعانقتا
تدثرت نظراتهما بحنان بعيد
وحب عميق ميتافيزيقي
وخلف جذع شجرة عملاقة
قبّلته في وجنتيه
بدأت اللغة تبدو بسيطة
وبدأت المعاني والدلالات أكثر سهولة
صادفهما مطعم أمام بحيرة
طلبا كأسا نبيذ
لإبرام عقد الحب.
(3)
ربما الكآبة أرضعتنا حليبها
حيث الطفولة الجافة
دون الخضرة والماء والحنان
لكن مناديل العمر
مسحت غبار الأشباح عن أيامنا
فكانت قلوبنا كلمعة الفضة
ومع كل أشعة صباح
كنّا نغتسل بالضحك في مروج البهجة
والقرية في هوائها المغرم
امرأة عذراء كل يوم
لم تكن جداول نهرية هناك
ولا غابات ظليلة
ولكن خليق بنا الحلم
في أن يرسم غابات
وأنهار طفولتنا
النخيل بجدائلها
قباب الوجد حيث
تطوف حولها
طيور باهتة اللون
كنّا نفتعل الفرحة
في غرف من طين
كما يفتعلون القبح
في صهاريج اسمنتية
نربي الأمل
وهم يعيشون على الاحتمالات
في المساء
نراوح أعيننا بالنجوم
ونشيع أنفسنا بالطيران مثل
صغار العصافير
ونمكر قليلا
كي نداعب رغبات أفكارنا
لئلا تبخسنا
لذة الوقت
وأخيلة
قادمة .
يحيى الناعبي
شاعر من عُمان