تعتبر تجربة الكتابة عند عبدالكبير الخطيبي ذات فرادة خاصة: فهي منفتحة على أشكال وأجناس أدبية مختلفة ومتنوعة، ترغم القارئ على فتح سجلات كثيرة في الثقافة والأدب للتمكن من مواجهة نصوصه الإبداعية، بل حتى النقدية منها، والتسلح بأدوات معرفية تمتح من مجالات وحقول علمية مختلفة. ونصوصه نابعة من خيبة الأفق، ترتكز على خلخلة الجاهز، وتأسيس تقاليد جديدة في الكتابة، دون أن يخفي مرجعياته المتعددة، وذلك انطلاقا من سؤال الهوية والاختلاف كمفهومين تمحورت عليهما كتابة الخطيبي وانشغالاته.
فالخصوصية من داخل الثقافة العربية الإسلامية تهمه، وتقض مضجعه، لكن بعيدا عن «الهوية العمياء»، بالانفتاح على الآخر (شرقا وغربا)، وبالوقوف عند المحطات المضيئة في تجربته الإبداعية عبر التاريخ، وإدماجها في رؤية موحدة وخاصة، تسمح له بالإسهام في الإبداع العالمي، والانخراط في أسئلة الكينونة؛ مما جعل كثيرا من الكتاب والفلاسفة الغربيين يلتفتون إلى هذا المبدع الأصيل.
هكذا نجد رولان بارت يعترف بقوة الخطيبي وأصالته يقول: «أصالة الخطيبي ساطعة بدخيلة عرقه، صوته متميز حتما، ومن ثم فهو منفرد حتما»؛ ويضيف: «إنني والخطيبي نهتم بأشياء واحدة، بالصور، الأدلة، الآثار، الحروف، العلامات. وفي الوقت نفسه يعلمني الخطيبي جديدا، يخلخل معرفتي، لأنه يغير مكان هذه الأشكال، كما أراها، يأخذني بعيدا عن ذاتي، إلى أرضه هو، في حين أحس كأني في الطرف الأقصى من نفسي». فالأسئلة التي تشغل عبد الكبير الخطيبي تدفعه إلى أنواع الإبداع المختلفة، وهو في ذلك مسكون بـ«لذة الأشكال»، لذلك نجده يكتب، منذ أواسط الستينيات، في المسرح، والشعر، والرواية، والنقد، والتشكيل، والصورة، والمراسلات… لا حدود عند الخطيبي بين هذه الجماليات، ولا بين الثقافات المختلفة، يقول عنه جاك دريدا: «(…) ينبغي، أيضا، لعمل الخطيبي أن يكون «نموذجيا»، لكل من يهتم بإشكالية «التعدد الثقافي» وبـ«ما بعد الكولونيالية»، كما يستهوي ذلك اليوم، بحق، كثيرا من المثقفين، أو الأكاديميين، أو مواطنين من كل الأصول».
إن سؤال الكتابة هو محور كل ما يكتبه الخطيبي، وهاجس الإبداع هو انشغاله الأساس. صريح في مواقفه، منخرط في إشكاليات وطنه، وأمته، مثير للجدل لأنه دائما يخترق القواعد والبدهيات، ويضع السؤال أفقا للكتابة؛ «السؤال [باعتباره] الحركة التي يغير فيها الوجود مجراه»، كما عبر عن ذلك موريس بلانشو. ولكي نضع في السياق ما تحدثنا عنه من تعدد وتنوع في الكتابة عند عبد الكبير الخطيبي، نذكر أهم كتبه: في الرواية: «الذاكرة الموشومة» (1971)، «سفر الدم» (1979)، «عشق اللسانين» (1983)، «صيف في ستوكهولم» (1990)، «ثلاثية الرباط» (1993)، «حج فنان عاشق» (2003)… في المسرح: «النبي المقنع» (1979). في الشعر: «المناضل الطبقي على الطريقة التاوية» (1976)، «إهداء للسنة القادمة» (1986). في الدراسات النقدية: «الرواية المغاربية» (1969)، «جرح الاسم الشخصي» (1974)، «الصهيونية والوعي الشقي» (1974)، «ديوان الخط العربي» [باشتراك مع السجلماسي] (1976)، المغرب العربي المتعدد» (1983)،»عن ألف ليلة والليلة الثالثة» (1980)، «ما وراء الكتف» (1988)، «ظلال يابانية» (1988)… في المراسلات: الكتاب نفسه» (1985)، مراسلات مفتوحة» (2007)، «جاك دريدا في الواقع» (2007)…
ومن هذه الكتب ما ترجم إلى اللغة العربية، ومنها مازال ينتظر…
عبدالكبير الخطيبي:
ســؤال الهويـة والاختــلاف
ترجمة وتقديم: إبراهيــم اولحيــــان
ناقد ومترجم من المغرب