تدور الطواحينُ في الأرض
أرض العراق
ولا شيء يجدي
وتوغل في كل جهد
وتسقي المرارة في كل حين
وتحكي مع الريح أوتارها
ليطحن بالغلّ في الليل فجّارها
وفي الصبر نمنا .. فنامتْ
من الغيظ أبصارها
نقول لها :
ما بدا شاخصاً للعيون
توارى بريح الزوال
هو الشارع النابض الآن
نحو الحراك الحلال
وذي ساعة الصبح
فيها الطراوة
تأتي من الفجر
فيها اشتياق اليباس إلى النهر
فيها التباس الحياة
ولا بدَّ من سبر أغوارها
فعند الصباح البريئ
تحوم الشياطين تنفخ
بالنار أسرارها
وفي كل يوم الى
الشارع العام أمضي
يصادفني بائع ٌ للخضار
يردُّ السلام
لآخر يوم
بهذا النهار الحزين
وإن الدقائق تركض ..
تهيئ للناس أدوارها
فيا قدراً
حطّ كالنسر فوق الرؤوس
وفي لحظة السرّ
نادى على كل فردٍ
بقول تعال
إلى أين تمضي ؟
لأرض الرحيل
تشد الرحال
فكن في مكانك تنجو
وإلاّ فابداله للوبال
فما للغيوب توالت؟
فأوّلها غارقٌ في الغموض
وآخرها من صنوف الخيال
تشير لنا صبّة ٌ
فالصباح البهي الذي صار ليس بهياً
أنا في طريقي أشدّ الخطى للمسير
وأبحث عن لفتة من جوار
هنا .. أركض الآن بين جدار
وجدار
وقبل وصولي الى الباب
أتت ضربةٌ من جحيم
لتسقط كتلة جمرٍ تهيل الدمار
ويطبق كل شيء ٍ على كل شيء
يضيق جناح النهاية للاحتضار
على الأرض تكبو الجثامين
قد مات من مات
وعاش الذي عاش
أخيراً أقول أإني نجوت بدربي؟
فتلك مشيئة ربّي
وأمضي .. وعند الحوادث
يصفو المثال
فذا بائع للخضار ترف َّ
إلى قدح الشاي نفسُهُ
يسير إلى حتفه
تشد إليه بها الخطوات الثقال
ولكن بائع الشاي هذا
أبتْ روحُهُ أن تفارق جسمه
ينوء بكل الشظايا
يظل به نَفَسٌ للحياة بعنف البلايا
تمهّلْ
فللآن مابدأ النهار
ستدخل في موكب الغصب طيفا
على الرغم منك بدون انتظار
وهذا العراق تدلّت به نجمة من دُوار
وفي عتبة الجهل تغرق ما من خيار
وغطّ النهار بدائرة من حصار
وقد نصبت ساحة الموت أقدارها
هو الموت يختار
في لمّة ٍ للرجال
فيأخذ من شاء ويترك ذاك
لماذا .. وكيف ؟ نضيع بعمق السؤال
أفي كل يوم تسيح الدماء
ويشحب لون الشجرْ
ويجفل منه النظرْ؟
هنا حجر ٌ يقوم من النوم
إثْرَ حجرْ
يهزّ بلاط الشوارع حين انفجر
مستعيراً رداء الكآبة
يجرّ المواويل في حرقة
عازف لربابة
تبعثرت القوانين فيها
فلا عاصم للخطايا
هو الواقع المرُّ في ظل غابة
فلا من يكفكف دمع اليتامى
ولا من يجفف حبر الدماء
وفي كل يوم لنا فيه
قتلى وجرحى
وخوفُ وَباءْ
عدا الشجر اليابس .. الشجر الكالح
حيث تعبر في الشبابيك أقسى الصور
وفوق الرؤوس نثار الرمال
فما للشباب يدوس الخطر؟
وتبكي عليهم عيون السحابة
ويلبس هذا المكان
ثياب الضباب
وينفث فيه الخراب
ويجثو عليه اضطراب
تجيئ المنايا لتعبر
فوق شهاب
وتضرب في الحال شاب
لم ُينْهِ مشوارَه بعد ..
ولم يحقّقَ غاية
وهذي الدقائق
تفتح أبوابها للنهاية
تلفّك فيها لتدخل
في أزلٍ للبداية
لماذا اختصرت الحياة
وسرت إلى الموت تسعى؟
جناحان عبر الظلال
لماذا الذي كان كان؟
تدق الطبول إلى أين تمضي
يغطي مسار الحوادث
مرمى الدخان
ويسقط كل يوم شهيد
لماذا يعيش الملايين دون أمان؟
ومن بعد هذا .. سكوتٌ وصمتُ
وما كان كان .
آمال الزهاوي \
\ شاعرة من العراق