حين انتصفت الزجاجة
ارتعدت فرائضي من الخوف
والآن يدنو قعرها مني
فأرفع يديّ بيأسٍ قاتل
وأروح وحيداً آخر الليل
لأقطف شوكة من ذلك القبر الحزين المهجور.
كل ما حصل كان خارج التوقع
والمتاهة التي اكتنفت غلالاتها جياد أوهامي
طوقتني من جميع الجهات.
إلى أيّ جحيمٍ أذهب
وبأيّ شيطانٍ أستجير
تاه قطار مفرداتي
ضلَّ طريق الضلال
وشرع بالوضوء
بأي ماءٍ أغتسل
ليعود لي عري قدمي
وانحرافه الأخاذ
لم يعد لي من رصيفٍ يتسع لتشردي
أو «طامورة» أخبئ فيها مجوهراتي
القلم غادرني وغرق في قاع البحر
والأطفال الذين أحببتهم كبروا
وربّوا «الشوارب»
أو ملأوا الحقائب
ببقايا بلادٍ أصبح النهر الوحيدُ فيها
نهر الدم والأحقاد
آن يا قصور طفولتي القصبيّة
أن أعود إليك مضرَّجاً بدم الورد
وبعضَّ زنابير الدوالي المترفات
لم يعد ممكناً لي
أن ابدأ من جديد
إلا بعد أن أغادر هذا العالم
ويمتدَّ بي إلى ما لا نهايةٍ حبلُ التقمص
هذا «القميص» الذي أنا فيه لا يشبهني أبداً
هذا البحر لا يشبهني
هذه السماء لا تشبهني
هذه الطفلة أو الوردة لا تشبهني
أنا شبيه الزلازل المؤسسة
والبراكين التي تعاني خمدة الروح
كانت روحي تتقد بحيوية المجازفة
حيوية إشراق البراري العذراء
حيوية الديك الفصيح فوق مزابل الموتى
كنت أمسك بالكرة كلَّ صباح
وأرمي بها حيث أشاء
لم تستوقفني النبرة أو الفاصلة أو حرف العطف
ولا ياء النسبة أو الجار والمجرور
استوقفتني برتقالة الصدر
وتماوج القفا المزدهر
لطالبات جامعة الخواء.
أوهٍ أيتها الأمة الناقة
بسنام جهنمي يضخَّ النفط والروح
كانت جميلة ساحرة
وبالأمس وجدتها تعكف على قراءة كتابٍ أصغر
وتعتكف تحت قبة المزار.
وتقبِّلُ الخلعة من يد شيخ الطريقة
الطريقة التي هي عكس الطريق.
هل كان عليَّ أن أتصالح مع أخطائي؟!
إلى متى أظلُّ أركب قصبة التمرُّد ؟!
بعد أن غرقت زوارق طفولتي
في مستنقعات الأسى الصفراء
وحين أعود إلى بيت جدِّي
لا أرى إلا أطلالَ الذكريات
كم أشتاق إلى «جزء عم»
وعصا جدِّي في الكتاب
ورائحة تنور الحارة
وهو يرسل زفير خبزهِ الأسمر
وهكذا حين يجتاحنا شريط الذكريات
نغدو لا أكثَر من جثثٍ
تطفو على سطح الحياة.
الحياة تمنحنا البرتقالة
نحن نمنحها القنبلة
الحياة تمنحنا البراءة
نحن نمنحها الخبث وسوء النوايا
الحياة تمنحنا الأنهار
ونحن نملؤها بالنفايات والمستنقعات.
كان بوسعي تشييد أندلسي
لولا أنني فضلت الغرق في جحيمي.
كان إلهي معي لطيفاً
أعطاني كل شيء
فبدَّدت وخسرت كل شيء.
أتساءل الآن
هل كان موقفي صحيحاً
حين مزَّقت وأحرقت دفتر الإملاء.
هل يمكن بالعرق وحده أن يحيا الإنسان
أو يمكن اعتباره عملاً
تعال نعمل إذن
فأنا لا أتقن أيَّ اختصاصٍ أو مهنة
يا إلهي لماذا لم أحاول أن أصير شاعراً
أو فلاحاً يزرع الفاصولياء
لماذا لم أحاول أن أصير سياسياً
يجرُّ القطيع ويسوقه يومياً
إلى مسلخ الرعب الجهنمي
لماذا لم أحاول أن أصير مهندساً
يبني المباني التي تنهار على رؤوس أصحابها
آهٍ وأنا الذي لا يتقن اختصاصاً أو صنعةً في العالم
ليتني أقدر أن أصير لصَّ مصارف
ليس لكي أتمتع بالعملة
بل لأحرقها
متمتعاً بزهو الحريق
حاولت أن أكتب قصيدة… فشلت
حاولت أن أصطاد سمكة… فشلت
حاولت أن أحب أن أصطاد قبلة… فشلت
ينبغي أن أصير هشيماً… هباءً… فناءً
ليمكن بدئي طفلاً جميلاً.
لن أغفر لك يا أمي
قسوة وسطوة الدرس الأخلاقي
الأخلاقي هو الأبله الوحيد في تاريخ الحياة
هذا عالم يحتاج إلى إنسان أبله أو مجرم
أنا لست من هذا العالم
ولا تربطني به أية صلة قربى
لو تنقرض النساء عن وجه هذا الكوكب
ولا يتبقى إلا واحدة شمطاء
فستضطر أن تحبني
لماذا الجميلات دائماً يكرهنني
أو بالأحرى يكرهن قوة الخيال
سأبدع دائماً من مخيلتي
أجمل امرأة في العالم
وأسهر وإياها في مواقع النجوم
لقد حرمني الله من أية حصةٍ في هذه الأرض
ولا بد من حلّ.. ما
لابد من بديل خارج الأرض والسماء
لابدَّ من العدم لأتحقق تماماً
ليكتملُ أفق نبوءتي.
عماد جنيدي شاعر من سورية