كم قضيت من الأيام والأسابيع والشهور فوق هذا السرير؟ لا أدري. فقبل قليل يد وديعة وناعمة لمست خذي وجست نبضي أحس بمد يسري بداخلي يشل جسدي ورئتاى، يبست حنجرتي، لم أعد أقوى على التنفس ثم يلفني ببطء ضباب منعم ويستقبلني بحر الكاراييب الحار، يحضنني وبجذبني الى أعماق المياه بمملكة المرجان حول باليه متعدد الألوان حيث الحيوانات البيوضة البحرية ترقص سرنبدة مرحة ……. ها أنا من جديد خارج السائل السحري الذي يطمئنني أين أنا؟ فينبض قلبي بانتظام الموقتة الموسيقية. أحس حضورا ما. ثم تشديد بيدي .لازلت أتذكر فتورها الناعم حول جسدي العاري في نداوة اليوم المهل. نعم كنت أحبه هو بكل قواي، بشوق، بحنين وبجمال أجسادنا الشاية المرتجفة المتعانقة والمنهكة .هل يمكننا أن نعدل عن حب من أحببنا يوما؟ أو أننا لم نعشق أبدا من اعتقدنا أننا عشقناه ؟ إنه لمن العبث المؤلم أن نهوى دائما من لا يحبنا أبدا …
عاد الماء يغرقني بهدوئه ويكسوني بطراوته، هناك الأفق لا زال محمرا بعض الشيء. وببطء يعتم السماء تنزلق بمهل وفي البحر تغرق. ماء طفيف يغشاني .يلمس النسيم بلطف جلدي العاري. الماء يحتلني ولا يكون حولي إلا أوقيانيدة ويحملني في أعماقه السحيقة . يبتسم المرجان الأبيض المحزز بدقة، ينبعث ضوء من أعماق اللجة …
يبتعد البحر من جديد لا شيء في الأفق وأحس بثقل العظمة التي تحيطني وأنصت الى نشيد البحر الذي ينسحب ببطء الى الوراء… فأجد نفسي وحيدة حزينة، فوق الرمال المبللة والجزر أمامي، حزنا. أفتح عيني، عبر النافدة، أشعة الشمس تعكس على الحائط بمحاذاة الفراش شجرة مورقة، والمكان بارد، وورود حمراء وصفراء وبيضاء محشوة في مزهرية من بلور وضعت على منضدة عن يمين الفراش لتزيد الغرفة بهجة وطيبة. تشابك الخيوط والأنابيب البلاستيكية الشفافة تربط جسدي الى جهاز مضئ على يسار السرير.
أنغمس في سبات مزدان بحجر اليشب والزمرد، شاطئ طفولتي يهدهد أحلامي وأنا جالسة، الأرجل مطمرة في الرمال الدافئة، أنظر الى الأمواج البيضاء المرغية وهي تخفق من حولي. تأرجحني بلذة ثم تخرج سرطانات بحرية ذات قوقعات مذهلة تتسرب من حفر لتختفي في اخر بتلاحق جذاب غير منقطع رغم المد والجزر .
الماء المحمل بالملح يبتعد، أفكاري تتضح صورة حمراء تفرض علي نفسها لتصل سيارة بسرعة فائقة، أظل جامدة، تابثة لا أفكر في شيء.
تتوسط الشمس سمت الرأس وتنذر بمنتصف النهار لما قدمت سيارة حمراء مسرعة، ماذا حدث ؟ أعاين المشهد من عل كمن قذف به في الفضاء. قوى خفية تبقيني معلقة ومثبتة. ألمح جسد إمرأة تتوسط قارعة الطريق، قليل من الدم يلطخ صدر قميصها الأبيض، سيارتان من المفترض أن تتلاقيا وتتقاطعا بلطف، بدتا وكأنهما ارتطمتا الواحدة بالأخرى لتتعانقا بشغف يعلق المارة بصوت صاخب على الاصطدام، أسمعهم كأنني السيدة الممدة على الطريق المعبد.
تصل الى عين المكان سيارة إسعاف بصفارة مدوية، يرتمي منها رجلان مسرعان ثم ينحنيان صوب جسد الضحية. هل هذه أنا؟ أسمع أصواتهم القريبة ثم يبعث صدى ساخر ورتيب نفس الكلمات. وضعت الجريحة على محمل اقلتها سيارة الإسعاف، ثم عم السكون أطير، ريشة خفيفة عبر الريح .أصل الى السحاب أهاب الفراغ من حولي. رغبتي الوحيدة أن أستعيد البحر. و أمواجه المرغية التي تلبسني الخلوص الشفاف لكن انسحب الماء وبقي الشاطئ. الشاطئ الخالي .
ترتطمني الأمواج من جديد، تهدهدني، تهدؤني. أحس وكأنني امتزج بمادة سائلة ليست سوى موجة طفيفة . أرى ثانية صباحات الطفولة الهادئة والزهور الربيعية البيضاء المبللة بالنذى… والتي كنت أنتزع أوراقها منذ الفجر لأتأكد هل يحبونني قليلا،كثيرا، أم بشوق.
كنت أسمع من أعماقي همس المويجات تدعوني قائلة: تعالي معنا نكسوك العدل والحرية والهدو. سترقدين على فراش الحقيقة ويحرسك السلام. تعالي سنسامرك حراسا يقظين الى حين قدوم زوجك الذي من الضفة الأخرى وما وراء البحار والبراري الكئيبة يمد لك يده.
مريم وارنرفييرا
ترجمة : سعيد الجاوي