ذات ربيع
أقامت الحروفُ معرضاً في الهواء الطلق
رسمت الباءُ امرأةً عارية
تبيع البيضَ في السوق.
ورسمت الحاءُ دماً يتدفّق
وجلاّدين يتقاتلون كالوحوش.
ولثغت الراءُ باسمها
فتساقطتْ طفولةُ الفراتِ من كأسها
وسطعتْ ألوان العيدِ البعيدِ في عينيها
لتضحك أفلامُ الغرامِ والانتقام
في جيوبها التي مزّقها الدهر.
وتألّقت السين في مشهدِ الطين والماء.
ولوّنت النقطةُ مشهدَ الارتباك
حيث يعزّي الأنبياءُ والأولياءُ والشعراء
بعضهم بعضاً
بمناسبةِ حضورِ مشهدِ الجنازة
ممتلئاً برفيفِ أجنحةِ الملائكة
وصيحاتِ الأتباعِ والخاطئين، والمخلصين والمرتدّين.
وحده الألف
كان يراقبُ المشهدَ من شرفته العالية
مذهولاً
إذ أنفق العمر كلّه
يتأمّلُ في مشهدِ المرأةِ العارية
والدمِ المتدفّقِ وصيحاتِ الجلاّدين
والفراتِ الطفل
وأفلامِ الغرامِ والانتقام
ومشهدِ الارتباك
مزدحماً بالأنبياءِ والملائكةِ والخاطئين والمرتدّين.
وحده الألف
كان يراقبُ المشهدَ المضحكَ المُبكي.
لكنّه في ربيعٍ عجيب
سقطَ من شرفته العالية
( قيل إنّ رفيفَ الملائكة
شجّعه على الطيران
وقيل إنّ الشيطانَ أغراه)
فلما سقطَ على الأرض
وانفصلت الهمزةُ عن رأسه الشريف
أفاقَ وصاحَ: لِمَ؟
وكيف؟
ومّم؟
وعلامَ؟
وإلامَ؟!
غير أنّ الحروف
لم تأبه كثيراً لأسئلته الكبرى
ولا لدموعه الحرّى
وبقيت تقيمُ معرضها في الهواء الطلق
كلّ ربيع.
أديب كمال الدين
شاعر يقيم في استراليا