تحضر بذاكرة بيضاء غسلتها للتو في البحر
ترتدي شعرا مستعارا لولادة بنت المستكفي
وتضع خاتما كبيرا للخنساء
في حين يحضر هو مثقلا بالهواء والحب والقليل من الندم
يرتدي زي القراصنة ويحمل منظاره البعيد
لينقش صورة حبيبة غائبة على صدر الموج
ويختبر سرعة الرياح والقلق
يحومان حول فكرة الغرق
ولا يجيدان السباحة أو الموت
موسيقى أندلسية تغمر المكان
زرياب والموصلي يتهامسان
وبينهما يصدح فريد الأطرش بأغنية (زمان ياحب)
فيقبض بليغ حمدي على أوتار عوده بوله
وأم كلثوم تغني في الخلفية أغنية (الأطلال)
ينهق حمار على مقربة من البحر
ويلقي المتنبي قصيدة عصماء عن الاغتراب
ويسخر امرؤ القيس من ارتباكة الليل على صدرهما
ومن كل الكلام الذي يمشي حافيا بلا وزن ولا قافية في رأسيهما المثقلين
ويشرب أبو العلاء القهوة في المسافة بين الصمت والكلام
ويسخر بمرارة من كل شيء
يسقط غراب بالقرب من يديها
فتقدم له طبق البطاطا المقلية
وربما لعق بحكمته القليل من الآيسكريم بطعم الحلم البارد
يشربان الماء في صحة الألم
ويضحكان كمجنونين خانتهما الإشارات الضوئية
وإشارات أبي حيان التوحيدي
يجلس إليهما أدباء وشعراء وبحارة
ينزلون بمظلات ملونة
ويرتفعون بأجنحة الرؤيا تباعا
امرأة تقلب أوراق النسيان بينهما بمهل
وتحيك صدارا ربيعيا لأطفال الحب
ونحات ينشر الخشب ليصنع تمثالا للوقت ولنسوة الليل
يحمل هو نثارات الخشب إلى بيته
وتحمل هي نظارتيه وصورة التمثال
ويحملهما البحر إلى البعيد
وتزجرهما الأمهات لاحقا عن كل هذا الخراب
يتبددان كفقاعتي صابون
يتلاشيان في أضواء السيارات
ويكمل العشاق مواعيدهم الخائبة على نفس الطاولة
وتكبر الضحكات التي كانت تحرس الليل نيابة عنهما
2.
سنمضي معك أيتها الحياة
نحن أبناءك المخلصين
لن نتوقف .. لن يفصلنا عنك سوى طفلك المدلل الموت
حتى ذلك الحين سنتقاسم مع الشمس أرغفة الضوء
وسنغني أغنيات الحصاد والماء
وستركض في دروبك المتعبة بكل لزوجتها وحفرها وعثراتها
بلا دليل
سنتعشق التيه
ونحاول الفرح
وسنقوم ونقاوم بعد كل سقوط لننفض التراب والنعاس
سنتفرس في كل الوجوه المعتمة كثيرا لنتعلم دروسك القاسية
وسنلعن الحظ أحيانا في مخاضاته المتعسرة
وسنضحك على كل شيء أحيانا أخرى كغجر لا يفقهون فكرة الأمان
وسنظل نحاذي نهرك المتسخ بأدران البشر
ونلهث خلف شعرك الطويل
كعميان مفتونين بالسراب
محاولين دمج رحلتنا القصيرة في رحلتك الطويلة
حتى حين
فلا تغلقي عينيك عن خطواتنا المرتبكة
إذا لم تباركيها؛ فاستمعي فقط لأحاديث اللهاث والعبث
وابتسمي لها ولنا قليلا كل صباح
لنظل على قيد القهوة واﻷمل
3.
الموت القبيح ذو الوجه المجدور
المملوء بكل البثور والدمامل والحفر
الذي تستعيذ منه الشياطين والمرايا
الموت القصير القامة الذي يتعثر في ثوبه الطويل
القمئ كشبح في مسرحية هزلية يتهادى برعونة عمياء
أو كشيخ متصابي يتتبع عورات الليل بلزوجة ودبق
أو ككائن بلا ملامح في فيلم رعب رخيص يستثير الغثيان والسأم
هو ذاته الذي يمشي بيننا بكل عنجهية وبطر
يضحك من مشاريعنا المؤجلة
وأحلامنا المنضدة في أدراج الأمل
وفي خزائن الحياة
ومن أمنياتنا الصغيرة بضحكة مشقوقة الجيب
أو لهفة نيئة تغذي خيالاتنا الواهمة
الموت الذي ينشط في الحروب
ويوظف الكثير من المعاونين والسيافين والقتلة
ويشحذ أنيابه كل نازلة مثل دراكولا نهم ليعض على أعناق الضحايا
ثم يرقص منتشيا بالدوار والدم
ويكمل دورته بخيلاء طاووس حقير
أو زهو جلاد قديم
يقول للأطفال سيصحبهم في نزهة ليشتري لهم المثلجات
قبل أن يشق صدورهم ويبتلع قلوبهم وهي لا تزال تنبض بالفرح
يتخفى للحسناوات في رداء العاشق
قبل أن يسحب أرواحهن بشغف
يغني للجدات كي يطربن؛ فيعلق أرواحهن في طرف الأغنيات
ويومئ للآباء والأمهات نحو أبنائهم؛ ثم يسحب مديته نحو صدورهم الراجفة
ويرمي خطافه للشعراء في منقار طائر يحمل سنبلة أو زهرة برية
فيضحكون من حيلته البلهاء
ويكايدونه بالقصائد والأمل
ولكن ولأنهم يحبون المغامرة
لاحقا يلتقطون الطائر والموت معا
ويذهبون بضحكة ناقصة
فاطمة الشيدي\
\ شاعرة واكاديمية من عُمان